قضية يعقوب صنوع .. ما زالت مستمرة (5) بين جيمس سنوا وسليم النقاش

قضية يعقوب صنوع .. ما زالت مستمرة (5) بين جيمس سنوا وسليم النقاش

العدد 703 صدر بتاريخ 15فبراير2021

علمنا في الحلقة السابقة أن مراسل جريدة الجوائب «كستلي» نشر خبرين في أغسطس 1871 عن بداية عروض المسرح العربي لصاحبها «الخواجة مستر جيمس الإنجليزي»، وأن هذه العروض لم يتعد عددها أربع قطع، وصفها المراسل بأنها صغيرة وبسيطة وسهلة وباللهجة العامية، قدمها مجموعة من الشبان، وكان الجمهور يشاهدها بالآلاف، كما تم عرض بعضها أمام الخديوي في قصره!! وهذه المعلومات «كلها» لا يعرفها إلا شخص واحد ذكرها ونشرها وهو «كستلي»، حيث إننا لم نجد مصدراً أو مرجعاً أو مؤرخاً ذكر معلومة واحدة من هذه المعلومات منذ نشرها عام 1871 وحتى الآن!! والوحيد الذي ذكرها في مذكراته - غير «كستلي» - هو الخواجة مستر جيمس الإنجليزي، ومذكراته هذه لم تظهر إلا بعد وفاته بأربعين سنة!!
إذا تجنب الباحث ما نشره «كستلي» في جريدة الجوائب بالأستانة، ونظر إلى واقع الأمر في مصر، ربما يُكذب الجوائب في كل ما نشرته، وربما شكك في «كستلي» أيضاً، واتهمه بأنه هو من لفق هذه المعلومات!! أقول «ربما» لأنني لم أجد أي دليل على حدوث ما ذكره «كستلي»، وربما ينجح باحث في الحصول على هذا الدليل مستقبلاً! ولكن من المؤكد أن الباحث سيسألني الآن: لماذا شككت في أمر هذه المعلومات وفي كاتبها «كستلي»؟! سأجيب عليه وأقول: هل يُعقل أن مشروع الحكومة المصرية بإنشاء المسرح العربي يتم تنفيذه، وتتم العروض في حديقة الأزبكية ويحضرها الآلاف، ويشاهد الخديوي بنفسه في قصره - كما قال «كستلي» وكما نشرت الجوائب - ثم نجد من يتجرأ ويُقدم للخديوي مشروعاً متكاملاً بإنشاء «المسرح القومي المصري» .. هل يُعقل هذا؟!
ولأنها نقطة بحثية مهمة، يجب أن أشرحها بشيء من التفصيل: فنحن حتى الآن نعلم من الجوائب أن عروض «الخواجة مستر جيمس الإنجليزي» كانت ناجحة؛ مما يعني أن الخواجة نفذ مشروع الحكومة المصرية وأنشأ لها المسرح العربي! وهذا الأمر لو حدث بالفعل لكان عرفه وباركه كل مصري تمنى ظهور المسرح العربي في مصر! ولا أظن إننا سنجد أكثر من «محمد أنسي» - مدير مجلة «وادي النيل» - الذي ظل أكثر من عام ونصف العام يكتب المقالات الصحافية متمنياً ظهور المسرح العربي في مصر! فهل من الطبيعي ألا يكتب «محمد أنسي» في مجلته أي شيء عن العروض المسرحية العربية للخواجة «مستر جيمس الإنجليزي»؟! وإن كان هذا تصرفاً طبيعياً، فأظن التصرف غير الطبيعي أن يقوم «محمد أنسي» بتقديم مشروع للخديوي من أجل إنشاء المسرح العربي؟! وهذا الأمر حدث بالفعل في مارس 1872 واسم المشروع «مشروع مسرح قومي»، ووثائق هذا المشروع ما زالت محفوظة في «دار الوثائق القومية»، وتم نشرها مرتين: الأولى في كتاب «فيليب سادجروف» «المسرح المصري في القرن التاسع عشر»، والأخرى في رسالة الماجستير للباحثة «إيمان النمر». وقد تناولت هذا المشروع بالتفصيل في دراساتي السابقة فلا داعي للتكرار؛ ولكن الجديد الذي أريد أن أطرحه على الباحثين، يتمثل في الأسئلة الآتية:
لماذا فعل «محمد أنسي» هذا؟! هل لضغينة بينه وبين «مستر جيمس»؛ بوصفهما مسرحيين؟ أم بسبب التعصب كون المستر جيمس إنجليزياً وليس مصرياً؟ أم قام «أنسي» بذلك بصورة طبيعية لأنه لم يسمع بمستر جيمس ولم يشاهد عروضه، لأنها عروض لم تُعرض ولم تُنفذ على أرض الواقع، وأن كل ما ذكره «كستلي» كان تلفيقاً، والمعلومات المنشورة في الجوائب غير صحيحة؟! أم أن المستر جيمس الإنجليزي عرض بالفعل عروضه المسرحية، وكانت عروضاً فاشلة، وبالتالي فشل مشروع المسرح العربي، لذلك تقدم «محمد أنسي» بمشروعه لينجح فيما فشل فيه الخواجة الإنجليزي؟! والإجابة على هذه الأسئلة في يد الباحثين الآن!
عزيزي الباحث: ألم تلحظ أن جريدة «الجوائب» لم تذكر لنا الاسم الكامل لصاحب العروض، واكتفت بأنه «الخواجة مستر جيمس الإنجليزي»، وذلك قبل تقديم «محمد أنسي» لمشروعه؟! وفي مقابل ذلك يجب أن نعترف بأن «الجوائب» ذكرت الاسم كاملاً بعد تقديم مشروع «محمد أنسي»، وعلمنا منها أن «الخواجة مستر جيمس الإنجليزي» هو «جيمس سنوا»، التي ذكرته مرتين في خبرين منشورين في مايو وأغسطس 1872، ونقلهما مراسلها «كستلي» من صحيفتين أجنبيتين: الأولى «الإيجبت»، والأخرى «إيجبشيان ماسنجر». وهذا الأمر كان لي فضل اكتشافه ونشره لأول مرة في يوليو 2019 وتحدثت عنه في دراساتي السابقة، ولا أريد تكراره، ولكني أريد أن أفتح آفاقاً جديدة للبحث أمام الجميع بذكر هذه التساؤلات: لماذا لم نجد اسم «جيمس سنوا» - بوصفه مسرحياً - منشوراً في أي جريدة عربية أو وثيقة محفوظة في أي مكان، ونجده منشوراً مرتين في جريدتين أجنبيتين .. هل لأنه «إنجليزي»؟! وهل لهاتين الجريدتين من وجود فعلي؟! وسبب هذه الأسئلة أن المعلومات المنشورة في هاتين الجريدتين عن «جيمس سنوا» مهمة جداً، ورغم أهميتها لم يطلع على الجريدتين أي باحث منذ عام 1872 وحتى الآن، واكتفى الجميع بالنقل من الجوائب، وهذه مهمة الباحثين الجادين الآن!
مما سبق يتضح لنا أن «جميع» أخبار صنوع المسرحية، كان مصدرها شخص واحد هو «كستلي»، ومنشورة في مكان واحد هو جريدة «الجوائب»!! وربما يكشف لنا أحد الباحثين مستقبلاً أن «كستلي» هذا ماسوني، أراد أن يدعم صنوعاً الماسوني أصلاً منذ عام 1868 عندما تقلد رتبه «ماهر ماسوني»، وربما كانت العروض المسرحية العربية التي كان يعرضها صنوع كانت تحمل أفكاراً ماسونية، لذلك أغلق الخديوي إسماعيل مسرحه عام 1872.
هذا كل ما يتعلق بنشاط صنوع المسرحي، وهو النشاط الذي بالغ في وصفه وحجمه وتأثيره صنوع نفسه في مذكراته!! فأصبحت هذه المذكرات هي «المصدر الوحيد» لريادة صنوع للمسرح المصري، بل وأصبح صنوع هو الوحيد الذي كتب بنفسه عن نفسه، وهو مصدر كل ما كُتب عنه!! وإذا أردت أن تتعرف على ريادة صنوع المسرحية خارج مذكراته، ستكتشف أنك تتعرف عليها من خلال أصدقائه الذين كتبوا عنها معتمدين على كتابات صنوع، أو ستجد نفسك تنقلها من مراجع كتبها صنوع بنفسه تحت أسماء أصحاب هذه المراجع، كما أوضحت ذلك بالتفصيل في جميع كتاباتي عن صنوع، وبالأخص في كتابي «محاكمة مسرح يعقوب صنوع» الصادر عام 2001. وما زال الأمر مطروحاً منذ عشرين سنة أمام الباحثين للبحث عن حقيقة صنوع وريادته المسرحية، بعيداً عما كتبته في كتاب المحاكمة أو في كتاباتي كلها!
وإذا صدقنا مذكرات صنوع وما جاء فيها بأن مسرحه استمر من عام 1870 إلى 1872، وأنه كان الرائد الأول، وأن مسرحياته هي أساس المسرح المصري ... إلخ هذه الأقوال المنقولة من مذكراته في الدراسات الحديثة دون أي إضافة منذ عام 1953 وحتى الآن! إذا صدق الباحث هذا فيحق له أن يسأل ويقول: ما هي مظاهر هذه الريادة بعد توقف مسرح صنوع عام 1872؟! وبمعنى آخر: ما هي الفرقة المسرحية التي ظهرت بعد توقف فرقة صنوع مباشرة، وتُعد امتداداً لها؟! ومن هو الممثل الذي خرج من فرقة يعقوب صنوع، وأخذ المبادرة ليكون وريثاً لمسرح صنوع، أو امتداداً لأستاذه صنوع؟! وما هي المظاهر المسرحية التي تركتها فرقة صنوع قبل توقفها، واستمرت هذه المظاهر، أو أنها أخذت أشكالاً أخرى في فرق أخرى؟! حقيقة أنا لم أجد شيئاً من هذا، ولعل الباحثين يجدوا ما فشلت في إيجاده!
ظهور سليم النقاش
الغريب والعجيب أننا لم نجد أي شيء عن مسرح صنوع الذي استمر عامين (1870 – 1872)؛ بوصفه المسرح المصري الرائد، والنموذج العملي لمشروع الحكومة؛ ومؤسسه يعقوب صنوع «المصري ابن المصري»!! وفي مقابل ذلك وجدنا كماً هائلاً من الوثائق والمقالات والأدلة والبراهين لمسرح سليم خليل النقاش «البيروتي ابن البيروتي»، الذي استمر في مصر ثلاثة أشهر فقط ابتداء من ديسمبر 1876 – أي بعد توقف صنوع مسرحياً بأربع سنوات – وفرقة سليم النقاش خلال الأشهر الثلاثة، استطاعت أن ترسخ ريادة المسرح العربي في مصر!! وهذا الموضوع أشبعته كتابة ودراسة في «جميع» كتاباتي عن ريادة صنوع، ويمكن للباحثين الرجوع إليها، ولكنني هنا سأشير فقط إلى أهم أدلة لمسرح «سليم النقاش» ليقارن الباحث بينها وبين ما لم نجده من أدلة على مسرح «يعقوب صنوع» وريادته!!
ومن هذه الأدلة «وثيقة» اكتشفتها الباحثة «إيمان النمر» - ونشرتها في رسالتها للماجستير – حول اتفاق الحكومة المصرية بواسطة «درانيت باشا» مدير التياترات مع «سليم خليل النقاش» ليأتي إلى مصر بفرقة مسرحية تعرض أعمالها في شهري سبتمبر وأكتوبر 1875 على مسرح «الكوميدي الفرنسي»! وهذا الاتفاق يذكرنا بمشروع الحكومة المصرية الأصلي ورغبتها في قيام فناني بيروت بمهمة إنشاء المسرح العربي في مصر!! وهذا الاتفاق يعني أحد أمرين: الأول فشل يعقوب صنوع في مشروعه بإنشاء المسرح، لذلك اتفقت الحكومة مع غيره لينفذ المشروع!! والأمر الآخر أن الحكومة تعاقدت مع سليم خليل النقاش بوصفه أول متعاقد لتنفيذ المشروع؛ لأن عروض صنوع كانت عروضاً ترفيهية وخارج المشروع ولا علاقة لها به! ومهما كان الأمر فالواقع يقول إن اتفاقاً رسمياً تم بين الحكومة وبين سليم النقاش، ووثيقة الاتفاق محفوظة حتى الآن في «دار الوثائق القومية»، مقابل عدم وجود أي وثيقة أو خبر أو دليل يتعلق بصنوع ومسرحه!!
ومن الأدلة أيضاً قيام سليم خليل النقاش بطباعة نصوص مجموعة من المسرحيات، قبل وبعد عرضها في مصر، والحديث في مقدماتها عن مهمته الكبيرة في إدخال المسرح باللغة العربية إلى مصر، ومن هذه المسرحيات التي ما زالت نسخها محفوظة منذ نشرها عام 1875: «عايدة» و«ميّ». هذا بالإضافة إلى وجود مقالات كبيرة منشورة في مجلة «الجنان» البيروتية بتاريخ يوليو وأغسطس 1875، تتحدث عن تفاصيل استعداد فرقة سليم خليل النقاش للقدوم إلى مصر لإنشاء المسرح العربي فيها! أما أقوى دليل، فكان خبر قدوم الفرقة إلى مصر لأول مرة، والتي نشرته جريدة الأهرام يوم 16 ديسمبر 1876، وهذا نصه:
«لأمر غني عن البيان، أن تشخيص الروايات يُعدّ من الوسائل الأولى، التي بها أدمجت الهيئة الاجتماعية، وأحكم نظامها. وما نجم عن هذا المبدأ الحسن من الفوائد الجليلة، يقصرنا عن الإسهاب في الشرح لتثبيت ما أوردناه. فضلاً عن أن جميع البلاد المتمدنة، تراعي هذا العمل أتم مراعاة، وتسهل السُبل لإتقانه. وبناءً على ذلك، يسرنا أن نرى من أبنائنا نحن العرب، شباناً أقدموا إلى ساحة هذا المضمار، وخاضوا في جوانبه، وتعلموا جميع أبوابه. فأدركوا ما أدركوا، بحزم أقرن بالثبات. وأحكموا ما أحكموا، بجهاد قومته الفطنة، فرجعوا إلينا فوارس محنكين. وكان ممن نبغ فيهم، وحاز قصب السبق بينهم، ذاك الفتى اللبيب والحاذق الأديب سليم أفندي نقاش، الذي تلقى هذا الفن عن عمه، المرحوم الخواجا مارون النقاش الشهير، مبدع هذا العلم في الأقطار السورية، ثم عاناهُ بعدهُ مُجدّاً، وراجع فيه مدققاً، واطلع على مخباءتهِ ببحثه عنهُ في كتب الأقوام، الذين لهم فيه باع طويل. وما لبث أن برهن عما كان هنالك من اكتسابه، بتقديمه روايات عديدة في مدينة بيروت وخلافها. شهد له بإتقانها، وحُسن استكانها، كل من له إلمام تام بهذا الفن. ويسرنا الآن أن نعلن بأنه حضر في هذه الأثناء إلى مدينتنا الإسكندرية، مع رفقته المؤلفة من رجال ونساء، مُتِمين حقوق التشخيص، ليقدم للجمهور ثمرة تعبه، مؤملاً أن يكون سعيه مشكوراً. أما نحن، فبالنظر إلى ما نعهده من درابته ودرايته، وما نعرفه من مهارة المشخصين، وتعودهم على ذلك، فلا شك بأنه سيقدم ما يسر. فلا يقنعك يا صاح بعدم التصديق ظنك بهم أنهم عرب. وقد قيل: كل من سار على الدرب وصل. فالمرجو من الجمهور أن يتلقى مشروعه هذا بالقبول، ويشجعه بواسطة تشريفه، ويعضده بمسانداته الأدبية. حتى يكون لهذه الجمعية آثار حسنة، تفتح في أقطارنا العربية أبواباً لنجاح هذا الفن المرغوب عن كل أمة. أما المحل الذي يجري فيه التشخيص فتياترو زيزينيا. وسيكون ابتداء ذلك في يوم السبت القادم في 23 الحالي الساعة 8 ونصف أفرنجية ليلاً. لكن ترتيب الدخول وتعيين الدفع ومواضيع التشخيص وخلافها، فسيطبع لها إعلانات خصوصية وتوزع. وكذلك لا نتأخر عن أن ندرج في الأهرام، وفي صداه أيضاً [أي في جريدة صدى الأهرام] كل ما يلزم لذلك، والله الموفق».
وأتمنى من الباحثين أن يدققوا في هذا الخبر وفي عباراته وفي ألفاظه وما بين سطوره ليتأكدوا بأنفسهم أنه خبر يؤكد ريادة سليم النقاش للمسرح العربي في مصر؛ بوصفه أول خبر عن أول فرقة مسرحية تعرض مسرحاً عربياً في مصر؛ كونها الفرقة المسرحية الرائدة! ومن حسن الحظ أن جريدة «الأهرام» تابعت نشاط الفرقة وعروضها طوال عملها – هي وصحف أخرى – فوجدنا الأخبار والمقالات تُنشر تباعاً حول عروض الفرقة، ومنها: مسرحية «الحسود السليط، وميّ، وعائدة، والكذوب» ... إلخ.
ومن المؤكد أن الباحث الجاد سيقرأ ما كُتب عن نشاط فرقة سليم خليل النقاش طوال ثلاثة أشهر في مصر، وسيقارن بينه وبين نشاط صنوع المسرحي الذي دام أكثر من سنتين، دون أن نجد دليلاً واحداً مقنعاً خارج مذكرات صنوع وأقوال أصدقائه، وأخبار الجوائب المشكوك في صحتها وفي غرض مراسلها الحقيقي «كستلي»!! وهذه المقارنة ربما تجعل الباحث يسأل، ويقول: إذا كان صنوع سافر نهائياً إلى فرنسا عام 1878، وسليم خليل النقاش بدأ تعاقده مع الحكومة المصرية بإنشاء المسرح العربي في مصر عام 1875، فهذا يعني أن صنوعاً كان موجوداً في مصر أثناء وجود سليم النقاش فيها!! فماذا فعل صنوع أمام نشاط سليم النقاش المسرحي، وماذا فعل سليم النقاش أمام «جيمس سنوا» السابق عليه في النشاط المسرحي؟!
الحقيقة أنني لم أجد شيئاً ذكره صنوع عن سليم النقاش المسرحي؛ وكأن النقاش لم يفعل شيئاً مسرحياً ملموساً في مصر، وأن نصوصه المسرحية المنشورة، والتي تُباع في المكتبات، وتُباع في شباك التذاكر حينها لم تُنشر أصلاً! وأن عروضه المسرحية التي عُرضت طوال ثلاثة أشهر لم تُعرض!! وأن مجلة «الجنان» التي نشرت المقالات الطوال لم تصدر!! وأن جريدة «الأهرام» التي نشرت جميع أخبار الفرقة وعروضها – طوال ثلاثة أشهر - لم تكن موجودة!! وهذا أمر غريب ومريب، لا سيما وأن صنوعاً نشر باللغة الإيطالية مسرحيتين أثناء وجود سليم النقاش في مصر، هما «الأميرة الإسكندرانية» و«الزوج الخائن»، وعلمت من الدكتور سادجروف أن صنوعاً نشر في مقدمة «الأميرة الإسكندرانية» معلومات مهمة عن تاريخه المسرحي، ورغم ذلك لم يذكر سليم النقاش ولا دوره المسرحي!! والأغرب أنني وجدت مدحاً من صنوع لسليم النقاش وأديب إسحاق بوصفهما «صحافيين» في صحيفة صنوع «أبو نظارة زرقا» عام 1878، ولم يشر صنوع إلى النقاش وأديب «نهائياً» في صحيفته، بوصفهما «مسرحيين»!!
وإذا تركنا صنوعاً والنقاش ونظرنا إلى التاريخ المسرحي المدون وقتذاك في مصر، سنجده لا يتحدث عن صنوع كمسرحي نهائياً، وفي الوقت نفسه يخبرنا بأن سليم النقاش ترك فرقته المسرحية عام 1877 وذهب إلى الصحافة مع أديب إسحاق، فقام أحد أفراد الفرقة بقيادتها وهو «يوسف الخياط»، ومن ثم توالى ظهور الفرق المسرحية تباعاً في مصر دون توقف، ومنها فرق: سليمان الحداد، وسليمان القرداحي، والقباني، وإسكندر فرح، وميخائيل جرجس، وكلها فرق شامية استمرت في العمل المتواصل منذ عام 1876 وحتى أوائل القرن العشرين!!


سيد علي إسماعيل