المسرح والمسيرة نحو الديمقراطية (3)

المسرح والمسيرة نحو الديمقراطية (3)

العدد 608 صدر بتاريخ 22أبريل2019

تحديات الديمقراطية
لم يكن طريق الديمقراطية مفروشاً بالورود دائماً، فالديمقراطية الأوروبية - في القرن الثامن عشر - ما هي إلا احتجاج الجماهير الشعبية العاملة ضد تجاوزات الملكية والنبلاء. فقد أراد الفلاحون تحرير أنفسهم من الضرائب والديون المرتفعة، وأراد الحرفيون إيجاد الفرص الملائمة لتصريف منتجاتهم، أما العمال فقد أرادوا العودة إلى العصر القديم (الجميل)، عصر العمل اليدوي الذي يدر على صاحبه الأجر المناسب. في هذه الفترة، احتج العمال على ظهور الصناعة الحديثة بتدمير الآلات وتخريب المعامل. والسبب في ذلك عدم تأقلمهم مع الآلات الحديثة التي توفر لهم عيشة طيبة، وتحقق لهم أكثر مبادئ الديمقراطية المتعلقة بسعادتهم.
فالكاتب المسرحي الإيرلندي دنيس جونستون عالج هذه الإشكالية في مسرحيته (القمر في النهر الأصفر)، التي تتعرض إلى الصراع بين منطق العلم ومنطق القوة، أو بين الأسلوب العلمي السليم والشعارات الجوفاء والأفكار البالية، أو بين التقدم والتمسك بالقديم مهما عفت عليه الأيام. فالمسرحية تتحدث عن دخول إيرلندا عصر العلم والتكنولوجيا، من خلال عالم ألماني أنشأ محطة لتوليد الكهرباء بالقرب من مصب النهر؛ خدمة للأهالي. ولكن سرعان ما خاب أمله عندما وجد الإيرلنديين يقفون ضد أي تغيير – حتى لو كان هذا التغيير إلى مستقبل أفضل. فقد أدرك هذا العالم أن الإيرلنديين يرددون ألفاظاً لا يدركون مضمونها، مثل: الاستقلال، والديمقراطية، والحرية، والحضارة، والوطنية، وغيرها. وهذه المعاني كان الأهالي يستهلكونها بصورة نظرية، أما عملياً فصنعوا مدفعاً وعدة قذائف ودمروا محطة توليد الكهرباء باسم الوطنية والتقدم، فنسفوا بذلك رمز العلم والتكنولوجيا، وأغلقوا بأيديهم الطريق إلى تحقيق سعادتهم في ظل الديمقراطية، لأنهم غير مؤهلين لها!! والحوار التالي يبين هذه الفكرة، وهو حوار بين العالم الألماني (طوش) ومهندس السكك الحديدية (دوبل) حول وصول خطاب تهديد بنسف محطة الكهرباء، وكذلك جدالهما حول مفهوم الديمقراطية:
طوش: (يخرج من جيبه وثيقة أخرى مكتوبة على الآلة الكاتبة) يا سيدي العزيز. لا يمكن أن يخطر ببالي أن أفعل ذلك. ولكني أتساءل: هل ما تقوله لي يلقي أي ضوء على رسالة تسلمتها منذ أيام قلائل؟
دوبل: أرني (يتناولها) أو هو. تهديد للمحطة. هل وصلك ذلك منذ يوم أو يومين؟
طوش: نعم. لقد وجده أحد رجالي مثبتاً بدبوس في باب حجرة مفاتيح الكهرباء.
دوبل: وهل أفزعك ذلك؟
طوش: لم أفهمه يا سيدي العزيز. يعترض بعض الناس لأني أمد الثكنات الحربية بالتيار الكهربائي والإضاءة. لم أولِ للموضوع أهمية كبيرة، فأنا إن أبلغت الشرطة قالوا إن كل شيء سوف يكون على ما يرام. لقد أراحني كثيراً أن أعرف أن أختك الفاتنة هي التي فعلت ذلك.
دوبل: لا أدري. إن الموقف هنا مختلف بعض الشيء عما تعودت أنت عليه. في معظم الدول نجد أن المثاليين السياسيين هم مجرد مصدر إزعاج. ولكن المثالي هنا يقوم بعمل تقليدي يدعو إلى الارتباك. ففي العادة تكون له حكومته الخاصة به وكذلك جيشه.
طوش: تريد أن تقول إنه لا يعترف بأجهزة الديمقراطية؟
دوبل: بل يقول لك أنت لا تفهم الديمقراطية. إن إرادة الشعب – زهرة رقيقة يجب أن تغذيها القلة المختارة المستنيرة. وعواطف الانتخابات العامة الجياشة لا تناسبها. وهذا كلام معقول، طالما اعتقد المرء أنه أحكم من غيره».
وإذا نظرنا إلى التحدي الأكبر الذي يواجه الديمقراطية، سنجده يتمثل في محاولة الشعوب الوقوف أمام حكوماتهم من أجل تحقيق الديمقراطية، إما بالطُرق السلمية، أو بالطرق العنيفة. وقد لخص إمام عبد الفتاح – في بحثه سالف الذكر - فكرة الديمقراطية، قائلاً: « إن الناس خلقوا متساويين، فقد وهبهم الله حقوقاً فطرياً لا يمكن التنازل عنها، وهي تشمل حق الحياة والحرية في طلب السعادة .. إلخ. ولتأمين هذه الحقوق ظهرت الحكومات بين الناس، واستمدت الحكومة سلطتها العادلة من موافقة المواطنين. ومن حق الشعب أن يغير هذه الحكومة أو يلغيها إذا تعارضت مع هذه الأهداف، وأن يقيم حكومة جديدة تستند أسسها إلى هذه المبادئ بحيث يرى الأفراد أن الغاية منها هي تأمين أكبر قسط ممكن من أمنهم وسعادتهم».
والمسرح أسهم في تحقيق ذلك بصورة سلمية، والأمثلة كثيرة للتدليل على ذلك، ومن أبرز هذه الأمثلة مسرحيات الكاتب المسرحي الفرنسي أرمان سالاكرو، الذي اهتم بالدفاع عن المظلومين والمستضعفين ومحاولة إحقاق الحق، وكوّن في سبيل ذلك جماعة الشباب الاشتراكي عام 1916م، قائلاً: « كنت أحلم بعالم تسوده الأخوة، ويمد فيه الناس أيديهم بعضهم إلى بعض ليتعاونوا ويتعزوا عن آلام الحياة بدلاً من أن يتضاربوا ويحتقر بعضهم بعضاً»، فجاءت مسرحياته احتجاجاً سلمياً لممارسات الحكومات المتشدقة بالديمقراطية من أجل حياة أفضل للشعوب الراغبة في العيش بأقل سوء ممكن.
ففي مسرحية (الأرض كُروية) 1938م، نجده ينتقد الحكومات من خلال شخصية (مانانت)، قائلاً: «البابا يشتري سكوت الراهب جيروم، والراهب جيروم يستسلم للدفع! سيقولون: المصلحة العليا! لو واحد منا، يا إخواني، تصرف كما تتصرف الحكومات ورؤساء الدول، بكذبهم، واستغلال نفوذهم، وسخريتهم بالمعاهدات، وتنكرهم لتوقيعهم، أتعتقدون أننا نبقى أصدقاءه؟ كنا سنحتقره لأنه سيكون عندئذ حقيراً». وفي الحوار التالي – من المسرحية نفسها – نجد أرمان سالاكرو ينتقد الحاكم الدكتاتوري مشبهاً إياه بكسوف الشمس الوقتي، مؤمناً – في الوقت ذاته - بأن شمس الحرية ستسطع على الشعب مهما طال الكسوف الدكتاتوري:
مينوتيلو: ولكن، يجب أن تكون واقعياً مهما كان سخطك: سافونارول هو الأقوى. وقد أسس دولة خالدة، بما أن المسيح ملك.
مانانت: لا شيء خالد، سوى طعم الحرية لدى الرجال الشجعان.
مينوتيلو: أليست لنا الحرية في حب سافونارول؟ تقضي الحكمة بأن يُطاع الرجال القوي، عندما يأمر.
مانانت: أقول لك، إن الدكتاتورية ككسوف الشمس. لقد تقدمت بي السن. ربما لن أرى الشمس. ونهاية حياتي محزنة. ولكن ألمي لا يدفعني إلى اليأس. قد يطول الكسوف أو يقصر. ولكن، لا يزيد عن كونه كسوفاً. فلورنسة، أعلم أنك ستعيشين حرة، قريباً.
وإذا كان المسرح ناقش إشكالية الوقوف ضد الحكومات والحُكام من أجل تحقيق الديمقراطية بصورة سلمية، فقد ناقش أيضاً هذه الفكرة وحث على تغيير حُكامه وحكوماته بصورة عنيفة متطرفة. فالمعروف أن الاستقرار السياسي من مميزات الديمقراطية؛ لأن الشعب يستطيع – بصورة سلمية - استبدال حكومته دون تغيير في الأسس «قانون» القانونية للحكم. ولكن إذا أراد تغيير الأسس القانونية التي تحمي الحكومة، والمُجمع عليها من قبل ديمقراطياً، فلا بد له من استخدام أساليب عنيفة، تخالف السلوك الديمقراطي!! فمسرحية (السحب) لأريستوفانيس أدانت سقراط؛ لأنه كان يُعلم تلاميذه نظريات سياسية جديدة، ويدفعهم إلى احتقار ونبذ القوانين السائدة، التي تمثل قمة الديمقراطية الأثينية في زمنها. وفي مسرحية (الطيور) تحدث أريستوفانيس أيضاً عن ظاهرة عنف الشباب ضد الديمقراطية، ومحاولتهم مخالفة القوانين السائدة من خلال هجماتهم العنيفة.
وفي العصر الحديث، نجد الممثل والكاتب المسرحي الهندي يوتبال دت - مدير جماعة المسرح الصغير ورئيس فرقة مسرح الجاترا التقليدي – يدعو إلى المسرح الثوري أو مسرح الشعب الذي يبشر بالثورة، ويعمل على فضح النظام، ويدعو إلى تحطيم جهاز الدولة في عنف. لذلك كان في مسرحه يختار القصص المتعلقة بالنضال الثوري للشعوب الأخرى، ليدفع شعبه إلى الكفاح المسلح للإطاحة بسلطة الحكومة، وهذا المسرح ينتمي إلى ما يُسمى بالمسرحية الدّعاوية، أي « المسرحية التي تستهدف التأثير على جمهور مشاهديها لصالح فكرة معينة، غالباً ما تكون سياسية «، كما قال الدكتور إبراهيم حمادة في معجمه.
ونختتم هذه التحديات بالحديث عن الديمقراطية الدكتاتورية – إن صح التعبير – والمقصود بها محاولة بعض الحُكام الدكتاتوريين تطبيق بعض مبادئ الديمقراطية في ظل حُكمهم الدكتاتوري. وهذه الفكرة بدأت منذ أرسطو الذي نادى بأن الناس خُلقوا في طبقات مختلفة، مثل الطبقة الإغريقية التي خُلقت لتسود الشعوب الأخرى وتحكمها. كما نادى بأن الإنسان خُلق بفطرتين: فطرة إنسان يسود ويُخضع الدنيا لسطوته وقوته، وفطرة إنسان خُلق ليعمل ويكد في سبيل إسعاد الآخرين.
والإسكندر المقدوني تبنى هذا الرأي الذي يتفق مع دكتاتوريته، مع إضافة ديمقراطية تتمثل في الإخاء والمساواة بين المعتدي والمُعتدَى عليه. وبمعنى آخر: فقد اتخذ أسلوباً جديداً في حكمه، تمثل في: استعانته بأهل البلد الذي يغزوه ويفتحه في تسيير أمور هذا البلد، وساوى بين المقدوني وغيره من أهل الشعوب الأخرى التي فتحها. ولكنه في الوقت نفسه وضع شرطاً تمثل في أن الحاكم يجب أن يكون يونانياً، بالإضافة إلى تمسكه بتكوين أمبراطورية عالمية يكون هو على رأسها. أي أنه حاول أن يطبق بعض مبادئ الديمقراطية شريطة إحاطتها بدكتاتوريته. وتيرانس راتيجان أوضح هذا الفكر بصورة جلية في مسرحيته (قصة مغامرة) أو (الإسكندر المقدوني)، والحوار التالي - بين الإسكندر وبيثيا كاهنة دلفي - خير شاهد على ذلك:
الإسكندر: سأقيم نظاماً جديداً في أسيا.
بيثيــا: حقاً (وتنهض) وأنت نفسك على قمته؟
الإسكندر: (بعد تمهل) أجل .. أظن ذلك .. لم أفكر بعد، إن ذلك ليس أمراً هاماً. لو أن ثمة رجل أجدر مني بحكم هذه الدولة الجديدة فليفعل ذلك .. يجب فقط أن يكون يونانياً بالطبع.
بيثيــا: يقيناً.
الإسكندر: وكما ترين سيكون عالماً هيلينياً تستطيع الولايات أن تبقى على حالها بعاداتها الخاصة وقوانينها ودساتيرها .. إن سيادتها القومية فحسب سوف تزول .. وإنه لثمن زهيد تقدمه لقاء دولة عالمية وسلام عام شامل.
بيثيــا: أجل أوافقك .. ثمن زهيد .. وماذا عن الفرس والمصريين وغيرهم ممن ليسوا من اليونانيين.
الإسكندر: آه .. سوف يكونون شركاء لنا. وسوف يكون لهم ما لليونانيين من حقوق ولكن عليهم أن يرضخوا لحكم يوناني عوضاً عن الفارسي .. ومع ذلك فهذا شيء زهيد.
بيثيــا: زهيد مقابل دولة عالمية وسلام شامل .. أتفق معك.
النتائج
 في ختام هذا البحث، سنحاول إجمال الإجابة على الأسئلة التي طرحها البحث في بدايته، وهي:
1 - هل واكب المسرح ظهور الديمقراطية منذ نشأتها الأولى في أثينا؟ سنجيب عن ذلك بقولنا: إن المسرح القديم واكب الديمقراطية الأثينية، وخير مثال على ذلك مسرحية (أنتيجونة) لسوفوكليس، الذي أكدّ فيها معنى الديمقراطية الأثينية – بصورة غير مباشرة – من خلال إظهار مساوئ الدكتاتورية، عندما خالفت أنتيجونة رأي الحاكم الدكتاتوري بعدم دفن أخيها. كذلك نادى يوريبيديس في مسرحيته (هيكابي) بالعدالة الاجتماعية، كصورة من صور الديمقراطية الأثينية. أما سوفوكليس، فجسد في مسرحياته أسماء الأساطير الإغريقية التي أنشأت الديمقراطية، أمثال: أوديب وأنتيجونة وكريون وترزسياس وأجاكس وفيلوكتيت، وجعلهم مرآة تنعكس على صفحتها معاني الديمقراطية الأثينية، مثل: العدالة الإلهية، والمساواة، وحرية الرأي، وحكم الشعب .. إلخ.
2 - هل تطورت أساليب الكتابة المسرحية بناءً على تطور المفهوم الديمقراطي؟ الإجابة على هذا السؤال، تقول: لقد تطور مفهوم الديمقراطية الأثينية إلى مفهوم عام، يُقصد به العملية السلمية لتداول السلطة من خلال حكم «أغلبية» الأغلبية. والديمقراطية بهذه الصورة من الصعب وجودها - بصورة مباشرة - في النصوص المسرحية، خصوصاً في ظل الحُكم الاستبدادي، الذي ينوب عنه نظام الرقابة المسرحية. لذلك طوّر كُتّاب المسرح أساليبهم الكتابية، وبدأوا في استخدام الرمز والإيحاء والتلميح والإشارة والمعادل الموضوعي .. إلخ هذه الأساليب غير المباشرة في التعبير. وهناك كُتّاب آخرون اعتبروا الديمقراطية في تطورها أنها أسلوب حياة، وطريقة للعيش، وثقافة شعب، ومجموعة من القيم تهدف إلى احترام الكرامة الإنسانية قبل كل شيء. ومن هؤلاء الكاتب الصيني (تساو يوي) الذي عالج هذه المعاني في مسرحياته - عاصفة الرعد، وأهل بكين، وشروق الشمس – من أجل تحقيق الديمقراطية. أما الكاتب نيجل دنيس، فنبذ الديمقراطية الزائفة، وأكد الديمقراطية الصادقة في مسرحيته (أغسطس من أجل الشعب).
3 - هل أسهم المسرح في إرساء نظام يقرّ للناس حقوقهم الأساسية؟ الإجابة هي أن الكاتب الإسباني ماكس أوب سعى في مسرحيته (لا) إلى سنّ قوانين عامة تُشكل إرهاصاً للديمقراطية من أجل نبذ الحروب واحترام إنسانية الإنسان. كما قام فريدرش شلر في مسرحيته (فلهلم تل) بوضع بعض المبادئ الديمقراطية عندما جعل ممثلة الأرستقراطية الثرية، ترجو الفلاحين أن يقبلوها في صفوفهم مواطنة حرة مثلهم. وجعل السيد النبيل، يُعلن تحرير العبيد الذين كانوا يعملون في خدمته، ليحقق بذلك أهم ركن في الديمقراطية وهو المساواة بين البشر، التي تعتبر أساس أي دستور في أية دولة ديمقراطية. وأخيراً نجد إدواردو دي فيليبو في مسرحيته (عمدة حي سانيتا)، ينادى بوجود دساتير وقوانين توحد بين الناس وتحقق العدالة بينهم.
4 - هل طالب المسرح بتحقيق المساواة بين البشر، باعتبارها أهم مبادئ الديمقراطية؟ الإجابة تقول: إن المساواة تُعتبر من أهم المبادئ التي نادت بها الديمقراطية، باعتبارها مطلباً أساسياً للبشرية. وقد نادى المسرح بهذه المساواة بصورة كبيرة، إلى درجة أن الإنسان يصعب عليه حصر المسرحيات التي نادت بالمساواة من كثرتها، ومن كثرة تناول الكُتّاب لها. ولكن عروض الجريدة الحية تُعتبر خير مثال في هذا الصدد.
5 - هل نادى المسرح بحرية الرأي بوصفها هدف الديمقراطية الأسمى؟ إجابة هذا السؤال تتمثل في أن المسرح منذ بدايته ما هو إلا أسلوب من أساليب حرية الرأي والتعبير. فمسرحية (السحب) لأريستوفانيس تُعد نموذجاً قديماً لحرية الرأي الذي جلب الموت لصاحبه وهو (سقراط). أما رومان رولان فنفذ مشروع مسرح الشعب أو مسرح الثورة، لاعتقاده أن له رأياً أو رسالة عليه أن يبلغها إلى الشعب الفرنسي، بل إلى العالم أجمع، في حرية تامة في ظل الديمقراطية؛ لذلك كتب مسرحيته (سيأتي الوقت) للدفاع عن قضية الترنسفال بجنوب أفريقيا. وكتب مسرحيته (أعياد الفصح المزهرة) ليعبر من خلالها عن رأيه بخصوص أفكار جان جاك روسو. كذلك كتب مسرحيته (روبسبيير) كنموذج لحرية الرأي والتعبير عنه فيما يتعلق بالحقائق التاريخية.
6 - ما هو موقف المسرح من التحديات التي واجهت الديمقراطية؟ الإجابة تقول: من هذه التحديات عدم قبول بعض الشعوب للديمقراطية ورفضها بحجة عدم التقدم والتطور، وقد عالج هذا التحدي دنيس جونستون في مسرحيته (القمر في النهر الأصفر). والتحدي الثاني هو محاولة الشعوب الوقف أمام حكوماتهم من أجل تحقيق الديمقراطية، إما بالطُرق السلمية أو بالطرق العنيفة. والكاتب المسرحي الفرنسي أرمان سالاكرو في مسرحية (الأرض كُروية) نجده ينتقد الحكومات والحكام الديكتاتوريين بصورة سلمية من أجل تحقيق الديمقراطية. أما أريستوفانيس، فقد ناقش امتعاض الناس من قوانينهم ورغبتهم في تغييرها في مسرحيته (السحب)، كما أبان عن رأيه في ظاهرة العنف من أجل الديمقراطية في مسرحيته (الطيور). وفي العصر الحديث، يبرز اسم الممثل والكاتب المسرحي الهندي يوتبال دت، الذي نادي بالمسرح الثوري الذي يبشر بالثورة، ويعمل على فضح النظام، ويدعو إلى تحطيم جهاز الدولة في عنف. وآخر هذه التحديات تتمثل في محاولة بعض الحُكام الدكتاتوريين تطبيق بعض مبادئ الديمقراطية في ظل حُكمهم الدكتاتوري. وخير مثال مسرحي لهذا التحدي، هو مسرحية (قصة مغامرة) أو (الإسكندر المقدوني) لتيرانس راتيجان.


سيد علي إسماعيل