من تجارب المسرح المفتوح في روسيا

من تجارب المسرح المفتوح في روسيا

العدد 770 صدر بتاريخ 30مايو2022

كان المسرح الروسي من أوائل المسارح التي شهدت نهضة ملحوظة وتطورا فنيا لافتا في العالم، على المستوى الرسمي، بداية من ظهوره في العديد من قصور الإقطاعيين والأثرياء في القرن السادس عشر، وكان هذا المسرح ثمرة الإقطاعية الروسية التي كانت سائدة في المجتمع قبل تحرير 23 مليونا من العبيد سنة 1861، ويشير تاريخ المسرح الروسي في بداياته -على هذا النحو- إلى أن العبيد هم من كانوا يؤلفون ويمثلون الأدوار المختلفة.
وجاءت مرحلة التأسيس الحقيقية للمسرح الروسي في بداية القرن التاسع عشر، فتم افتتاح “مسرح بيتروفسكي” عام 1807، وفي عام 1880 تم إنشاء “مسرح بوشكين” بجوار تمثاله الشهير في شارع “تفيرسكايا”، ثم كان لإنشاء “مسرح البولشوي” النقلة النوعية في تاريخ المسرح الروسي والعالمي –بشكل عام-.
وعلى المستوى الشعبي ظهرت أشكال مسرحية تنتمي إلى “المسرح الشعبي” ومنها “المسرح المتجول” و”مسرح الشارع” من خلال ظهور مجموعة من الفرق المسرحية المستقلة عن المسرح الرسمي.
استفادت هذه التجارب من بدايات المسرح الروسي، والتي برزت على شكل احتفالات شعبية كانت تقام في الأعياد والمواسم، وكانت هذه الحفلات تمتلئ بفنون الأداء المختلفة من موسيقى ورقص وغناء وحكايات شعبية.
وكانت هذه العروض تقام في الشوارع والأسواق، وكان للقيصر “بطرس الأكبر” الفضل في نقل المسرح من قصور النبلاء والإقطاعيين إلى عامة الناس ليشاهد الجميع العروض، وإن كان غرضه – في الأساس – الترويج لانتصاراته وبطولاته. 
وكانت تقدم العروض المسرحية في احتفالات تغير الفصول وخاصة احتفال قدوم الربيع والذي كان يقدم يودع فيه الممثلون فصل الشتاء ويعلنون عن استقبال فصل الربيع وهم يحملون الورود والأغصان الخضراء.
في عام 1914 ظهرت في روسيا تجربة “المسرح الحر” على يد المخرج “مارجانوف”” وعمل فيه المخرج “تايروف” قبل أن يؤسس “مسرح الحجرة”.
وقد تأثر بهذه التجربة بعض المسرحيين المصريين بعد ثورة يوليو 1952، الذين أسسوا فرقة “المسرح الحر” والتي أسسها عبد المنعم مدبولي وسعد أردش وإبراهيم سكر وشكري سرحان وتوفيق الدقن وصلاح منصور وناهد سمير. 
وقد شهدت الحركة المسرحية الروسية في السنوات الماضية ظهور مجموعة من الفرق المسرحية التي تقدم عروضها في الأماكن المفتوحة، والتي تتسم عروضها بالجرأة، في إطار مسرحي يتسم بالتجريب، منها “فرقة قطط موسكو” أو “مسرح القطط” وهو المكان الوحيد الذي تشارك فيه القطط كممثلين، ويقود هذه الفرقة المخرج “ديمتري كوكلاشيف”، والذي عبر عن فلسفة توظيف القطط في العروض المسرحية للفرقة قائلا: “الحب والتفاهم المتبادل هو مفتاح التعامل مع القطط، لا يمكن إجبار القطط على القيام بأي حركة تفرض عليها، إلا أن تدريبها يكون من خلال استخدام قدراتها واحتياجاتها الطبيعية، لدينا 15 عرضا مختلفا في مسرحنا.. أفتخر بذلك، لأننا على النقيض من المسارح الدرامية الأخرى، نحتاج إلى 3 سنوات لتقديم عرض جديد”.
وقدمت الفرقة 15 عرضا مسرحيا على مدار ثلاثين عاما، فقد بدأت الفرقة نشاطها عام 1990. 
وقد عمل المشرفون على الفرقة على تدريب القطط بشكل فني، معتمدين على فلسفة فنية خاصة ترى أن القطط يشبهون البشر في حبهم للشهرة فمنهم من يعشق خشبة المسرح ويسعد بتصفيق الجمهور، وأصبح بعض القطط ممن يؤدون أدوارا في عروض الفرقة نجوما ومنهم القط “بوريس” الذي أصبح أحد نجوم الإعلانات في التليفزيون الروسي.
ومن أهم العروض التي قدمتها الفرقة مسرحية “القطط والحب” و “سارقو القطط” و”قطي المحبوب” و”قط في الحذاء” وغيرها، من المسرحيات ذات البعد الاجتماعي المغلف برؤية فلسفية عميقة.
تمارس القطط أدوارها بشكل استعراضي من خلال عروض ركوب الدراجات والمشي على الأسلاك وأداء الألعاب البهلوانية.
وفي السنوات الأربعين الماضية ظهرت في مصر مجموعة من الفرق التي اعتمدت على تقديم عروضها في الأماكن المفتوحة، مثلما حدث أيضا- في المسرح الروسي المعاصر. نورد منها بعض التجارب التي تتقارب مع التجارب الروسية المعاصرة ولكن بنكهة ومذاق ورؤية مسرحية مصرية خاصة.
 وفي مصر ظهرت”جماعة مسرح الشارع” في الفترة ما بين 1976 و1980 على يد مجموعة من عشاق المسرح الذين بدأوا الفكرة بإرهاصات فنية على مسرح جامعة القاهرة عامي 1975 و1976 وكان منهم ناصر عبد المنعم وأحمد كمال ومنحة البطراوي وعبدالعزيز مخيون وناجي جورج ومها عفت وأحمد فؤاد وخالد وشاحي ومحمد صفي الدين ومحمد العزاوي وهشام العطار وهاني الحسيني ومصطفى زكي وحسين أشرف ـ مني سعد الدين ـ محمد عصمت سيف الدولة ـ ومنى صادق سعد ـ عبلة قاسم ـ وسميحة قاسم ومحمد الفرماوي وفاطمة الصياد وليلى سعد، وانضم إليهم بعد ذلك عبلة كامل وأحمد مختار وصلاح عبد الله.
وقد جاء ظهور الجماعة في ظل فترة السبعينيات التي عانى فيها المسرح المصري من تحول فني نتيجة لعوامل سياسية واجتماعية، فقد انتهج النظام الساداتي منهج الانفتاح الاقتصادي والردة على منجزات المشروع القومي في الحقبة الناصرية، مما جعل كثيرا من المسرحيين المحترفين يلجأون إلى الهجرة كبديل موضوعي عن غياب الهوية داخل الوطن، أما البعض الآخر فآثر الصمت مهاجرا إلى داخله ـ وهي هجرة أصعب بالتأكيد، أما البعض الثالث فقدم مسرحا ميتا على حد تعبير “بيتر بروك”.
فأصبحت الساحة خالية إلا من تجربة وحيدة هي تجربة سمير العصفوري داخل مسرح الطليعة فقد حول المكان إلى بؤرة ثقافية جعلت منه حائطا للصد والدفاع عن الهوية المسرحية في ذلك الوقت من خلال تقديمه لبعض العروض المتميزة منها “عنتر يا عنتر” و”أبو زيد الهلالي”، “مولد السيد معروف” بالتعاون مع شوقي عبد الحكيم ويسري الجندي.
ولكن بالضرورة لم يكن مكان واحد بقادر على المواجهة ـ على حد تعبير المخرج ناصر عبد المنعم ـ أو على استيعاب مئات الفنانين المحملين بالغضب وبالرغبة في طرح هموم قضايا الوطن.
إذن كانت الفكرة ثورية المنحى في محاولة لخلق حالة مسرحية جادة تتوازى مع ما أنجزه المسرح الستيني الذي شهد التفافا جماهيريا كبيرا.


عيد عبد الحليم