هوامش على حركة التجديد المسرحي

هوامش  على حركة التجديد المسرحي

العدد 746 صدر بتاريخ 13ديسمبر2021

 المسرح هو ابن الفراغ، ابن الفضاءات المتعددة القائمة على التجريب وخلق مساحات لا متناهية من الرؤية واستكشاف المناطق المجهولة داخل الذات وربطها بمحيطها العام، ولذلك كان من الأطر الأولى لعملية التمرد المسرحي أن يقام في الفراغ فوجدنا – على سبيل المثال – كثيرا من الفرق المسرحية في أوروبا بدأت بتقديم عروضها في الشوارع والميادين العامة والحدائق، كما حدث في «باريس» حيث قدم كثير من المسرحيين التجريبيين عروضهم في محطات المترو الأنفاق وفي ساحات الجامعات وفي المصانع والشركات.
وكان الهدف من وراء كل ذلك هو أن يصل المسرح إلى الجمهور في مكانه، وبالتالي استلزم التجديد في التقنية المسرحية، من حيث الإخراج والديكور والأداء التمثيلي، بحيث يكون للجمهور حق المشاركة، وتحويل بنية العرض والتغيير فيه، لذا تجيء معظم هذه العروض مؤلفة في إطار جماعي، بمعنى أن النص المقدم يجيء كنتيجة لورشة مسرحية سابقة، كذلك النص المقدم يأتي في معظم الأحيان قائما على طابع حكائي.
والتفكير في مثل هذا النوع من «المسرح المفتوح» جاء كبديل عن روتينية المسرح التقليدي «مسرح العلبة الإيطالي» الذي مل الجمهور منه وأعرض عن حضور عروضه نظرا لإفلاسه عن تقديم الجديد لأنه من المعروف أن المسرح الحقيقي يقوم على الإدهاش والمفارقة، وهذا ما يفتقده المسرح التقليدي ذو المعمار الكلاسيكي.
وفي العالم العربي بدأت منذ ستينيات القرن الماضي حركة مسرحية تنادي بالخروج عن الأطر الشكلية للمسرح والعودة إلى الموروث الشعبي كقناع فني للتعبير عن الواقع, وظهرت مجموعة من الكتابات النقدية التي تدعو لذلك مثلما فعل توفيق الحكيم في كتابه «قالبنا المسرحي» والذي حاول أن يطبق رؤيته في جماليات المسرح الجديد على نصوص عالمية، لكن هذه الطريقة – من وجهة نظري – لم تحقق ما كان يهدف إليه الحكيم نفسه فظلت هذه النصوص على كلاسيكيتها وجمودها، وتوقفها عند لحظتها التاريخية، لأنها لا تصلح للتعبير عن الواقع الذي أعيدت فيه صياغتها.
ثم كانت دعوة يوسف إدريس في مقدمته لمسرحية «الفرافير» تحت عنوان «نحو مسرح مصري» ، وقد حققت رؤيته نجاحا نسبيا خاصة بين النخبة المثقفة بعد مشاهدة «الفرافير» على خشبة المسرح، وإن لم تحقق نجاحا جماهيريا وتواصلا مع المواطن العادي، رغم تميز النص المسرحي المكتوب.
وقد تأثر بهذا الاتجاه عدد كبير من كتاب المسرح التاليين لإدريس من جيل السبعينيات أمثال يسري الجندي ومحمد أبو العلا السلاموني والمخرجين أمثال هناء عبد الفتاح و عبد الرحمن الشافعي  ، وبعدهم بسنوات قليلة كتاب ومخرجين أمثال  و محسن مصيلحي وحازم شحاتة وصالح سعد. والذين جاءت تجاربهم لتكمل الصورة التجريبية للمسرح العربي، حيث وجدت حركات مشابهة فرأينا مسرح الشوك في سوريا، والمسرح الاحتفالي في المغرب كما في تجربة «الطيب» صديقي، والمختبر في الأردن ومسرح الحكواتي في لبنان بقيادة روجيه عساف.
 ومما لاشك فيه أن هناك جذوراً شعبية للمسرح العربي اتسمت بفضائها المفتوح مثل الأراجوز وخيال الظل والحكواتي ، وهي فنون كانت وليدة الواقع، حتى وإن كانت بعض هذه الفنون وفدت من حضارات أخرى مثل خيال الظل الذي يقول عنه د. عبد الحميد يونس في كتابه « خيال الظل» : أنه نبت في الشرق الأقصى ، واتخذ الزي الفارسي ، وواكب الحياة الإسلامية ، وأسهمت الطبقات الوسطى في ثرائه ، واستقر آخر الأمر في القاهرة ، فأزدهر ، ثم انتشر ونفذ إلى ربوع العالم الغربي ، وليس يعني الباحث أن يحدد بالضبط الطريق أو الطرق التي سلكها في رحلته عبر الزمان وعبر المكان ، حسبه أن يسجل حقيقيتين اثنتين : أولاهما ، أن اليونان والرومان لم يعرفا خيال الظل في العالم القديم ، وثانيتهما ، أن هذا الفن لم يصبح له كيانه المستقل بمقوماته الخاصة في التأليف والأداء والتذوق إلا في العالم الإسلامي بصفة عامة ، وفي الديار المصرية بصفة خاصة « وخيال الظل ـ لغويا ـ اصطلاح عربي شائع اتخذ معناه المستقل وانصهر في ضمير الشعب وحياته التعبيرية اليومية على حد تعبير د. حمادة إبراهيم  وسمي أيضاً « طيف الخيال» وهو الأسم الذي اختاره « إبن دانيال «  لتمثيلياته الظلية . 
كل هذه الأشكال المسرحية جاءت كرد فعل إبداعي ضد الجمود الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، بعد تحول المجتمع العربي في السنوات الأربعين الأخيرة إلى مجتمع رأسمالي استهلاكي.
لذا كان من الضروري البحث خن أطر فنية يكون من مهمتها إيجاد نوع من التوازن في الوعي –الذي للأسف – تتعدد المحاولات لتغييبه، لذا تكون مهمة الفعل الثقافي صعبة، لكنها بكل تأكيد ضرورية.


عيد عبد الحليم