سيدة الفجر.. الجمال هو الصورة الأخرى للحقيقة

سيدة الفجر..  الجمال هو الصورة الأخرى للحقيقة

العدد 727 صدر بتاريخ 2أغسطس2021

يقدم البيت الفني للمسرح – فرقة مسرح الطليعة – على قاعة صلاح عبد الصبور العرض المسرحي سيدة الفجر للكاتب الأسباني اليخاندرو كاسونا (1903 – 1965) المولود في شمال إسبانيا والمتوفي في مدريد، وبدأ الكاتب حياته معلما مثل والديه، وتم تعينه مديرا لفرقة مسرح الشعب أو المسرح المتجول، وهي فرقة مكونة من مجموعة من الطلاب، كتب كاسونا العديد من المسرحيات منها قارب بلا صياد، الأشجار تموت واقفة، وسيدة الفجر وغيرها من النصوص المسرحية ويمتزج مسرح كاسونا بين الواقع والخيال، وكتب كاسونا نص سيدة الفجر سنة 1944، وهو يقع في أربعة فصول وكان هذا سائد في ذلك التوقت وكانت النصوص تكتب في خمسة فصول أيضا، وفي النص العديد من الشخصيات وقد قام المعد والمخرج (الدكتور أسامه رؤوف) بالحذف والإضافة والتقديم والتأخير بإعداد نص العرض عن النص الدرامي لكاسونا، فيما يعرف سينمائيا بالقص واللصق (المونتاج) وقدم لنا العرض المسرحي تقريبا في ثمانية وخمسون دقيقة، فقد قام بتكثيف المواقف الدرامية حتي يظهر لنا العرض كما شاهدناه، ومن وجهة نظرنا أستطيع القول بأنه قام بعمل دراماتورج حيث أنه أعد النص بإخراجه وقام بالحفاظ علي الإطار العام للنص، والجو العام، كما أنه لم يغير أسماء الشخصيات، فهذا النص من وجهة نظرنا يعتبر من النصوص المتعبة والمرهقة عند تقديمها كعرض مسرحي، كما أن الحرص على المحافظة على الإيقاع وتدفق الأحداث مع عدم الإخلال بالإطار العام للنص الأصلي يجعل المشقة أكبر، ولهذا فان ما قدمه لنا المعد والمخرج يعتبر مغامرة تحسب لصالحه، ومن وجهة نظرنا وهي تحتمل الخطأ أو الصواب فالفن ذائقة، ولكل منا ذائقته كنت أتمنى التركيز علي جزء من علاقة مارتين (مصطفي عبد الفتاح) بأديلا (رندا جمال) وإظهارها بشكل أوضح وما لأكته ألسنة الناس في القرية وهو من مساوئ البشر ولذلك كان المبرر لالتواء معصم مارتين واحتياجه إلى الضمادة .
العرض يقدم ثيمة إنسانية تصلح لكل زمان ومكان، فهي تتحدث عن سؤال فلسفي يدور في ذهن كل إنسان عن فكرة الموت وانتقال الإنسان للعالم الآخر، فهل موت الإنسان خيرا أم شر، فالإنسان دائم الشكوى من الحياة، ويدعوا على نفسه بالموت خاصة عندما يغضب أو يمرض أو غير ذلك، لكنه عندما يقترب أجله يحاول الهروب من قدره المكتوب، فالموت هو خيرا في كل الأحوال، لكن كل إنسان يتقبله حسب بيئته وثقافته وحالته النفسية وكذلك ظروفه الاجتماعية .
قدم لنا اليخاندرو كاسونا الموت في شخصية أمرأه شابة جميلة أطلق عليها اسم الزائرة، وقد تمكن ثلاثة أطفال عندما دخلت منزلهم المقيمين فيه مع والدتهم وجدهم بأن يجروها إلى اللعب معهم وتنام، ثم تصحوا متأخرة نصف ساعة عن الميعاد المحدد فقد جاءت القرية من أجل انتزاع روح رجل وهذا التأخير جعل الرجل ينجو، فهي تؤمر وتطيع، وتحول الأمر للتأجيل بالنسبة للرجل، وقد تم حذف كل مشاهد الصبية والفتيات، وبقي على جملة اللعب لتستيقظ متأخرة واستكمل الأحداث، وتم تقديم شخصية الزائرة في العرض أنها تتلون ويتغير شكلها ولذلك قدم لنا المخرج ثلاثة ممثلات (بدور زايد – مي رضا – وفاء عبدة) تمثيل الدور يرتدين زي واحد حتي يظهر الاختلاف في أشكالهن ومكياجهن، وبهذا جعل المتلقي في حالة من الانتباه والتركيز وخلق عنصر الترقب والتشويق بظهورهم الغير متوقع، وازداد عدد الزائرات في نهاية العرض إلى ستة، وقام المخرج بعمل تشكيل حركي لهم لزيادة جرعة التشويق لدي المتلقي، وقد حول المعد شخصية طيلفا (عادل سمير توفيق) إلى رجل حيث كان في النص الأصلي أمرأة وترك الخادم الآخر كيكو (خالد يوسف).
ويتلخص موضوع النص الدرامي ونص العرض حول فتاة تدعي أنخيليكا (نشوي إسماعيل + الأم) كانت تشع البهجة والسرور في المنزل التي تعيش فيه مع أمها وأشقائها وجدها ( مجدي شكري ) ومحبوبة من كل أهالي القرية، ويحبها مارتين وتم خطبتها له لمدة عامين وتزوجا لمدة ثلاثة أيام كانت مريضة بالحمى في هذه الأيام الثلاث، لكنها هربت إلى الضفة الأخرى من النهر وكان ينتظرها عشيقها وشاهد ذلك زوجها مارتين ولم يتحدث، وقد بحث عنها أهالي القرية ومن ضمنهم أمهر السباحين في النهر فلم يجدوا غير المنديل الذي كانت تضعه على كتفيها، فأعتقد الجميع أنها غرقت في قاع النهر، حيث أنهم يعتقدون أن قاع النهر أبتلع مدينة بأكملها، وبعد أربعة أعوام من تعرضها للذل والمهانة بعد أن تركها عشيقها تعود إلى القرية وإلى المنزل الذي كانت تعيش فيه فتجد الزائرة في انتظارها، فقد تركت المكان طواعية وقد أصبح مشغولا بامرأة أخري تدعى أديلا أنتشلها مارتين من الغرق في النهر وأحبها كل من في المنزل، فكانت ترتدي ملابس أنخيليكا وتنادي جدها بجدي، وأمها بأمي، وأحبها مارتين، فهل لها الحق أن تسترد مكانتها بعد أن شغلت أديلا هذا الفراغ الذي تركته طواعية، فأخبرتها الزائرة أنه فات الأوان، ولابد أن تذهب معها إلى مكان لإنقاذ الشيء الوحيد الذي بقى لها بلا خوف من ذكراها بأن تموت على الضفة الأخرى من النهر حتى تحافظ على صورتها مهما كانت الصورة زائفة، إن الجمال هو الصورة الأخرى للحقيقة .
عندما نتحدث عن رؤية المخرج وكيف قدم العرض المسرحي فنقول أن قاعة صلاح عبد الصبور على شكل مستطيل أختار المخرج مقاعد المتلقي على شكل حرف (L) فعندما تدخل من باب القاعة وضعت كراسي لجلوس المتلقي (العرض) وعلى اليسار وضعت مقاعد أخري (الطول) أقتطع منه جزء وباقي الغرفة منطقة التمثيل، وكان الديكور (عمرو الأشرف) عبارة عن منزل ريفي لطبقة ميسورة الحال، يوضع في الناحية المقابلة لباب الدخول مدخنة وشباك وباب المنزل ثم باب الحظيرة وأمام المتلقي كنبة فوقها رفان وضع عليهم بعض الأطباق المنقوشة للزينة وبجوارها فتحة تدل على وجود سلم للصعود للدور العلوي، وباقي الفراغ تم استخدمه كمنطقة للتمثيل، وعندما يقترب الممثل من المتلقي يشعر المتلقي بانه أصبح ضيفا حل على هذا البيت الريفي فالموضوع إنساني وحساس، كما يشعر أنه يعيش معهم داخل البيت ويتعرف على كل التفاصيل وأنه ليس بعيدا عن الحكاية. ولذلك تختلف درجات التلقي من شخص لآخر.
وكانت الملابس (شيماء محمود) مناسبة لزمن الأحداث زماننا هذا حيث أن الابتكارات في الأزياء لا تتغير كثيرا، والألوان مناسبة، فنجد علي سبيل المثال الأم ترتدي الفستان الأسود المناسب للسيدات في عمر الأم وعندما تقوم بدور أنخيليكا ترتدي فستان مزركش يغلب عليه اللون الأحمر. أما ملابس الزائرات فكانت مناسبة فاللون الأبيض المعبر عن النقاء يرتديه الحجاج في المسيحية والإسلام .
أما الموسيقي (هاني شنودة) فكانت تعزف منذ دخول المتلقي لمكان العرض ليعيش في الجو العام للعرض وكانت الآلات عبارة عن ألآت وترية مثل الكمان والتشيلو والجيتار وآلات الإيقاع والفلوت لتعزف موسيقي الشجن والترقب المعبرة عن البيئة الغربية .
واعتمدت خطة الإضاءة على اللون الأسود والأبيض وما بينهما لخلق الحالة الدرامية وليست بالتأثير اللوني فنجد في المشاهد الأولي المعبرة عن حالة الكآبة تكون الإضاءة خافتة مثل مشهد الجد مع الزائرة، والإضاءة تكون أكثر سطوعا عند حالات البهجة مثلما تدخل الأم من الخارج وقد تبدل الحال وذهب الأطفال للمدرسة وخرجت للاستمتاع بجو الصيف، وكذلك عندما أبلغت الزائرة الجد بأن أحفاده سيصبح لهم أحفاد، كما أستخدم بؤرة ضوئية على الزائرات في منتصف قاعة العرض للتركيز على وضع الزائرات التاج على رأس أنخيليكا ووقوفها وسطهم حتي ينتقلوا بها إلى الضفة الأخرى من النهر، كما أستخدم شدة الإضاءة بالفيديو برجيكتور حتى تتناسب مع المادة الفيلمية (عمرو وشاحي) التي تم إسقاطها علي الديكور .
التحية واجبة لكل الممثلين في العرض خاصة الفنانة نشوي اسماعيل حيث الاختلاف الواضح بين شخصية الأم اليائسة والكبيرة في السن والفتاة أنخيليكا وحركة الشباب الممتلئة بالرشاقة والحيوية . كما نوجه التحية للمعد والمخرج الدكتور أسامة رؤف على المغامرة بتصديه لتقديم هذا العرض المتعب، والشكر موصول لكل من ساهم في خروج هذا العرض إلى النور . واتمني أن تقدم العروض الناجحة اطوال مدة من ليالي العرض وفي أكثر من محافظة .


جمال الفيشاوي