هاملت بالمقلوب.. مأزق الإنسان المعاصر وخلخلة المركزية الغربية

هاملت بالمقلوب..  مأزق الإنسان المعاصر وخلخلة المركزية الغربية

العدد 770 صدر بتاريخ 30مايو2022

يعد التعامل المغاير مع الكلاسيكيات المسرحية والراسخة في تاريخ المسرح العالمي؛ والتي تم تثبيت معناه وأحداثها على مر العصور عملية محفوفة بالمخاطر. لذلك عندما يحاول المبدع أن يشتبك معها ليبتكر نص مسرحي له خصوصيته؛ يقع تحت ضغوط ناجمة عن أن محاكاة النص الكلاسيكي تعني كتابة حياة جديدة لمؤلفها الكلاسيكي وتعلن عن موت الكتابة الجديدة من جهة، ومن جهة أخرى إذا أراد المبدع أن يفتح الكلاسيكيات على الواقع المعاصر، فإنه يسبح في المناطق الخطرة لأنه سوف يزعزع النموذج الجمالي لهذه الكلاسيكيات ومفاهيمها المستقرة في تراثنا المسرحي ويخلل ذائقة المتفرج ومعارفه التي اعتادت على رؤية الكلاسيكيات المسرحية بأسلوب معين.
من هذا المنظور يطرح العرض المسرحي «هاملت بالمقلوب» الذي كتبه الكاتب المسرحي سامح مهران وقدمها المخرج مازن الغرباوي إشكالية التعامل المغاير مع مسرحية هاملت لشكسبير، بالإضافة إلى تقديمها في العرض المسرحي بلغة مسرحية / مشهدية تنقض النص الشكسبيري المعتمد في تراثنا والراسخ معناه في ذاكراتنا. وهذه الوضعية التي تندرج تحتها مسرحية «هاملت بالمقلوب» يمكن رصدها تحت مفهوم «إساءة القراءة» على حسب تعبير الناقد الأمريكي هارولد بلوم، والمقصود بإساءة القراءة هو اكتشاف ثغرة في النص الشكسبيري لينتج نصًا مسرحيًا جديدًا بعيدًا عن تهمة التأثر أو التكرار الفني. 
استراتيجية كتابة النص المسرحي:
الكتابة الجديدة وضغوط قلق التأثر
يُمثل عنوان المسرحية «هاملت بالمقلوب» عتبة تؤهل المتفرج لاستقباله وأنه أمام كتابة مختلفة عن النص الأصلي لهاملت شكسبير، ويثير مفهوم القلب سؤالين في استقبال المتفرج للمسرحية؛ السؤال الأول وهو هل القلب المقصود به التحول على مستوى الشكل المقدم وتقديم محاكاة ساخرة للنص الأصلي؟ أي أنها تقدم بصورة كوميدية بدلاً من الأسلوب التراجيدي والذي سبق تقديمه كثيرًا في المسرح المصري طيلة السنين الأخيرة، أما السؤال الثاني هل يلجأ المؤلف سامح مهران إلى مبدأ المعارضة وقلب علامات النص الأصلي الشكسبيري وخلخلة فهمنا له وفي مجال موازٍ نعيد به قراءة الواقع المعاصر؟، ويبدو أن سامح مهران اختار الزاوية الثانية وهي تحتاج إلى الحفر بطريقة مزدوجة في النص الشكسبيري وثقافتنا المعاصرة. 
لقد استخدم الكاتب سامح مهران في مسرحية «هاملت بالمقلوب» طريقًا شاقًا وهو نقض سلطة شكسبير الإبداعية بوصفه الكاتب المسرحي الخالد؛ وتفكيك نموذجها الجمالي، وهو ما اعتاد عليه في التعامل مع النص الشكسبيري في مسرحيات سابقة مثل «لير بروفة جنرال» ليقرأ بها واقعنا المصري المعاصر في بداية القرن، وفعل ذلك أيضًا في مسرحية «دوديتلو» التي تعتمد على استدعاء مسرحية عطيل لتفكيك علاقة الأميرة ديانا وعماد الفايد ابن المليونير المصري محمد الفايد في بدايات القرن العشرين ونقض الأساطير التي دارت حول هذه العلاقة بوصفها قصة حب رومانسية ليكشف زيف هذا الادعاء وتعرية منطق تعامل الثقافة الغربية والشرقية مع هذه السردية. ويبدو أن الكاتب سامح مهران في مسرحية «هاملت بالمقلوب» استمر على نفس المنحى وهو تفكيك نص هاملت الشكسبيري وعلاقاته المتوارثه ليفكك به المركزية الغربية من داخلها ومفاهيمها عن العقل والحقيقة والهوية والسلطة السياسية.
التناص بين هاملت شكسبير وهاملت مهران:
لجأ سامح مهران في استراتيجية كتبته الإبداعية إلى مفهوم القلب (قلب علامات النص الشكسبيري) مستوى مشاهده أو شخصياته والتعامل معه كمطية نكتشف من خلالها الواقع المعاصر ليشكل من نصه حدث إبداعي مغاير، فإذا كان سياق النص الشكسبيري يدور حول الصراعات الدينية بين الكنيسة البروتستانتية وتداخل السياسية مع الدين، فإن مسرحية– هاملت بالمقلوب- تعد معادل مجازي لرؤية سياسية وفكرية للحياة المعاصرة، يختلط فيها الدين بالسياسة أيضًا، وتظهر سيطرة قوى المأسونية وغيرها في رسم المشهد المعاصر. وبالتالي فاختلاف السياقات الاجتماعية التي تؤطر الكتابة الإبداعية بين شكسبير ومهران سوف تلقي بظلالها على النص الجديد على مستوى البنية والمعنى، فعلى مستوى البنية اعتمدت كتابة هاملت بالمقلوب على تقنيات ما بعد الحداثة وأدواتها مثل التفكيك والتشظي، فحلت بنية الحلم واللاوعي لتقلب علامات النص الأصلي، أما على مستوى المعنى لجأ سامح مهران إلى إعادة إحياء شخصية هاملت بوصفه صنيعة لظروف تاريخية في إطار الثقافة الغربية المعاصرة المليئة بالتناقضات وخطورة دور التكنولوجيا في فرض الآراء والأفكار في الثقافة الغربية المعاصرة من أجل تقديم رؤية جديدة تتجاوز الزمان والمكان والأصليين لنص هاملت شكسبير.
لقد جعل الكاتب سامح مهران من مسرحية هاملت شكسبير مصدر الهام فهو اتصل وانفصل معها في نفس الوقت، فإذا كان هاملت شكسبير رفض أن يقوم بدور المنتقم وتحول إلى ضحية، فاتصل هاملت مهران مع هذا البعد وجعله يلعب دور المنتقم في لاوعيه فقط مثل مشهد الانتقام من جروترود والتي تم تحويلها إلى دميه، وانفصل عن هاملت شكسبير بأنه جعل شخصية هاملت تجمع بين الفردي والاجتماعي فجعل من مونولوج الكينونة “أكون أو لا أكون” لا يعبر عن فردية هاملت، وأصبح هاملت الجمعي (الذي يمثل الإنسان الغربي المعاصر)، لذلك كان المونولوج حاضر في جميع أحداث المسرحية بصورة غير مباشرة لكشف تناقضات الثقافة الغربية المعاصرة، ويكشف مأزق الإنسان الغربي المعاصر الذي يدمر الأرض من دموية وعنصرية، كما يرفض الآخر المغاير له في اللون بحجة الحفاظ على الهوية وأسلحة الدمار الشامل وبيع الأعضاء البشرية، على عكس ما يروج لنفسه في المسرحية بأنه مسيح مخلص ويبحث عن أسباب السعادة كأنة بطل يختزن ثقافة أكملها. 
كما لجأ سامح مهران إلى نقض سردية الشبح وهو ما يتناسب مع طبيعة الإنسان المعاصر وكأن ما يدور من أحداث في لا وعي هاملت الذي يختلط فيه الواقع بالمتخيل كالحوار الذي يدور بين هاملت وهوارشيو الذي يثبت خيانة أمه وينقض هوارشيو وجهة نظر هاملت ويقول له أن أمه ما هي إلا رمز للوفاء، فقلب علامة شخصية جروترود في هاملت شكسبير بوصفها رمز للخيانة إلى رمز للوفاء، أما بولونيوس بمثابة قس يطوع الدين للسياسة، وقلب فهمنا لشخصية أوفيليا الرومانسية عند شكسبير إلى فتاة تقوم لعوب أو عاهرة تقوم بغواية هاملت، وأصبح هاملت /مهران زاهدًا في الحياة، لذلك تخلص من عضوه الذكوري ليعيش بعيدًا عن ملذاتها، فظهر هاملت/ مهران أيضًا شخصية مليئة بالتناقضات أيضًا كثقافته، كما أصبح الصراع بين هاملت وعمه كلوديوس في هاملت مهران يدور في عدم المواجهة ويوظف مهران وسائل التواصل الاجتماعي بديلاً عن مشهد مصيدة الفأر في مسرحية شكسبير، سواء في صناعة هاملت صورة عن نفسه بأنه مسيح مخلص يقدم للمجتمع أسباب السعادة ومساعدته للآخرين والمحتاجين لكي يقوم بتثوير الشعب ضد عمه كلوديوس، من أجل مكافحة الفساد وأصبح له أنصار ينتظرون تخليصهم من الفساد، أو استخدمها كلوديوس في التأمر على صديقي هاملت واتهامهم بالتحرش بالفتيات.
الكتابة المشهدية
السينوغرافيا: العين الفضائية(1)
تفرض تركيبة مسرحية هاملت بالمقلوب منحى مغاير في تصميم سينوغرافيا العرض، لذلك عند دخول المتفرج صالة العرض قد يصاب بالارتباك لأنه يفاجأ بديكور مسرحي شديد التكثيف ويصل إلى درجة التجريد وخاصة القلعة، ولم يلجأ مصمم الديكور صبحي السيد إلى تصميم واقعي أثناء تنفيذه لرؤيته التشكيلية، واعتمد على منظر مسرحي ثابت لتقديم المشاهد بشكل مجازي (تعبير الجزء عن الكل). فابتكر مصمم الديكور صبحي السيد حلول في التصميم لتأكيد هذا الحدث الدرامي المتشابك بواسطة رموز تمثل القوى المهيمنة على الثقافة الغربية (العين المأسونية، مجسم العذراء، ومجسم كيوبيد) أدت إلى دلالات مركبة تتكشف مع توالي الحدث الدرامي، وكأن الفضاء المسرحي يكتب للثقافة الغربية القوى التي تتحكم فيها ويفضي في النهاية إلى حالة التشظي والتفكك. 
تم تقسيم المسرح إلى مستويين، المستوى الأعلي الذي شكل أكثر من مساحة للتمثيل، ومَثَّل المستوى اللاواقعي، وشمل القصر الملكي، ومشهد القلعة وجدارنها ومشاهد السوشيال ميديا ووسائل الإعلام بالإضافة إلى أنه دارت عليه مناطق الحلم أو اللاوعي لدى هاملت. أما المستوى الأسفل فهو المستوى المعاصر ويشمل المصحة العقلية، وهذان المستويان المنفصلان ظاهريًا ربط بينهما رمزيًا من خلال المربعات كأنها تفكيك لجدران قلعة المستوى الأعلى في المستوى الأسفل تنخرط في الحدث الدرامي بها تتشكل المشاهد لتمثل المصحة العقلية أو مشهد الاجتماع بين كلوديوس وبولونيوس أو مشهد وسائل الإعلام. كما سيطر اللون الرمادي على الفضاء المسرحي وهو لون محايد ومعبرًا عن التداخل بين عالم معاصر وعالم قديم، وكأن الماضي يُشكل الحاضر وينخرط في الفعل والحدث لهاملت المعاصر من جهة، ومن جهة أخرى معادل بصري لتناقضات الحدث الدرامي وشخصياته. 
بالتالي لم تلجأ العين التشكيلية لصبحي السيد لصناعة فضاء مسرحي يُمثل خارج الشخصيات فقط والفضاءات المحيطة بها، بل صنع للفضاءات انطلاقاً من داخل الشخصيات وموقعها في الثقافة الغربية. وبهذا انتقلت الرؤية التشكيلية في المسرحية من برانية الخارج إلى حميمية الداخل، وأصبحت عيناً تكشف الداخل والخارج معاً. وساعد على ذلك تصميم الإضاءة الذي جعل من المشهد المسرحي بمثابة لوحة تشكيلية (وإنارة مجسم العذراء في لحظات الطهر، ومشاهد تعبيرية عن حياكة المؤامرة على هاملت لتؤكد عزلة الفرد عن العالم ويكون مصدر الضوء الوحيد من خلال قطع أكسسوار أشبه بأجهزة التليفون المحمول لا يظهر إلا وجه الممثل فقط ويحيطه الظلام من كل جهة) تجسد بعناية العلاقة بين الضوء والظلام، ولعبت ألوان الإضاءة الحمراء والزرقاء دورًا في التعبير عن حالات الحلم والعزلة والأجواء الكابوسية والمؤامرات، التي ساهمت في إثراء الصورة البصرية وجعلتها معادل مرئي للنص المكتوب. لذلك تضافر تصميم الديكور المسرحي مع الإضاءة في التأكيد على حالة التفكيك والتشظي.
أما ملابس مروة عودة كانت تتناسب مع طبيعة الشخصيات وأحداث العرض ولم تقع في فخ تصميمها بأن تجعلها تنتمي لعصر عصر شكسبير أو معاصرة بل كانت تدمج بين الكلاسيكية والمعاصرة، ولكن تصميم ملابس أوفيليا أعاقتها عن الحركة أحيانًا. كما ساهمت موسيقى العرض المسرحي لطارق مهران قريبة من الروح الكلاسيكية من خلال مجموعة من المعزوفات جمعتها وحدة موضوع المسرحية لتعطي دلالة أن ما يدور على خشبة المسرح أشبه بأسطورة معاصرة.
أما الأداء التمثيلي اجتهد الممثلين في أداء العرض المسرحي خالد محمود ونهاد سعيد وسمر جابر ومحمد خيام، ولكن تميز الفنان أيمن الشيوي في دور كلوديوس وكان على وعي بأبعاد شخصيته المركبة التي تجمع بين الدهاء والخبث والتظاهر بالطيبة ولم ينجر إلى الأداء الكلاسيكي المبالغة صوتيًا أو الإيماءات المفتعلة، فاستطاع تجسيد المتأمر بحرفة عالية على مستوى الأداء الصوتي والجسدي، أما الفنان عمرو القاضي جسد شخصية بالغة التعقيد تتراوح بين الكشف عن العالم الفاسد ومجابهة السلطة المستبدة، فنجح في رسم إطار للشخصية منذ بداية المسرحية وظل حريصًا عليه طوال العرض ولم يُنوع أداءه في المشاهد المختلفة ووقع في فخ الأداء الميلودرامي، ولكن يحسب له اجتهاده في أداءه لشخصية بالغة التعقيد وتطور أداءه في ليالي العرض بعد ذلك.
الرؤية الإخراجية: العين الفضائية (2) نص العرض/ مسرحة الفضاء
في ظل سياق مسرحي له طبيعة خاصة في الإنتاج والتلقي المسرحي، فإن تصدي أي مخرج مسرحي لنوعية مسرحيات مثل «هاملت بالمقلوب» التي تنحو نحو كتابة غير مألوف، كما تعتمد على زخم من الأفكار يتناول ثقافة بأكملها وليس هناك موضوع واحد مهيمن عليها. لذلك يقع على عاتق المخرج وظيفتين وهما: إبراز السمة التجريبية للمسرحية وتحويلها من سمته المكتوبة إلى عرض المسرحي من جهة، ومن جهة أخرى ايصال العرض المسرحي إلى الجمهور غير المعتاد على هذه النوعية من المسرحيات. لذلك اعتمدت الرؤية الإخراجية لمازن الغرباوي في تفسير النص المكتوب وتأكيد دلالاته في شكل فني ليصبح العرض حالة معرفية جمالية موازية للمسرحية المكتوبة.
استطاع مازن الغرباوي على مستوى التعامل مع الفضاء المسرحي صناعة أكثر من منطقة للتمثيل، فعلى المستوى الأعلى، شكل مستوى لا واقعي مثل مشهد القلعة في بداية المسرحية أو القصر الملكي ليكشف خيانة الأم والعم من وجهة نظره أو غرفة هاملت ومنطقته في الحلم أو السوشيال ميديا ووسائل الإعلام. وتؤكد المساحات المختلفة في المستوى الأعلى على مفهوم السلطة والقوى المهيمنة على هاملت سواء الماضي أو سلطة الإعلام المتمثلة في السوشيال ميديا أو سلطة اللاوعي. أما المستوى الأسفل فهو هاملت المعاصر الذي تدور فيه الأحداث منذ بداية المسرحية داخل المصحة العقلية، وكما نكتشف من الحديث بين هاملت وهوارشيو في المستوى الأسفل أن خيانة الأم والعم ما هي ألا وهم عند هاملت ويتجسد مشهد الأم والعم في المستوى الأعلى كأنه وهم في عقل هاملت ويؤكد هوارشيو على أن الأم رمز للوفاء وليس الخيانة. كما جعل ظهور شبح الأب تحت المستوى الأعلى وهي منطقة ضعيفة لينقض سردية الشبح وهامشيتها في واقعنا المعاصر، بالإضافة إلى أنه جعل موت الأم على المستوى الأسفل من خلال تجريدها من ملابسها قطعة تلو الأخرى في مشهد رمزي جميل. مما أعطى دلالة للمكان أنه خاضع لسلسلة من الثنائيات مثل الوهم / اللاوهم، السعادة/ الشقاء، الحقيقة/ الزيف لم يتم التوفيق بينها فخدمت دلالة تناقضات الثقافة الغربية الموجودة في النص المسرحي المسرحي. وبالتالي ساهمت تعدد مناطق التمثيل في التأكيد على تناقضات الثقافة الغربية وتفكيك مركزية الحدث المسرحي. كما وظف المربعات المختلفة التي تربط بين المستويين الأعلى والأسفل في تشكيلات مختلفة فجعلها كشواهد القبور أو سرائر في مستشفى الأمراض العقلية أو إعادة تشكيلها في مشهد كلوديوس بولونيوس لتتحول إلى مائدة وتجعل المشهد رسم للوحة العشاء الأخير، أو تحولت المربعات إلى اشبه بكرسي عرش تجلس عليه جروترد أو جلوس أوفيليا عليه بشكل استعراضي. 
أما على مستوى التشكيلات الحركية، استخدم مازن الغرباوي المجاميع لتؤدي دلالات مختلفة، فاستخدمها في بداية المسرحية في مشهد المصحة العقلية ليؤكد أن هاملت هو صنيعة ولدت من العدم أو من سلسلة الأوهام أو الوساوس أو من التمرد على السلطة ولكنها جميعًا تؤكد على دلالة واحدة وهي أن هاملت مجنون يحاول الخروج عن النسق المعرفي للسلطة القائمة. كما استخدام المجاميع كاشباح أو موتى القبور أو كمرضى أو ممرضين، وفي أحيان أخرى كأعوان لقوى المأسونية. وكان تعدد دلالات استخدام المجاميع ثراء للعرض المسرحي حيث أعطت قدر كبير للمتفرج في إعمال عقله وفتحت له مساحات للتأويل، بل ساهمت المجاميع في تشكيلات حركية اعطى دلالات مهمة مثل مشهد هاملت الذي تسيطر عليه وسائل الإعلام وتحيطه والذي ينام في نهاية المشهد وتركت المجاميع تليفوناتها المحمولة حوله في شكل زاوية ترمز إلى أن هاملت محاط بالقوى المأسونية والمهيمنة بشكل خفي. كما تم توظيف المجاميع في نسج مؤامرة العم كلوديوس والقس بولينيوس على هاملت من خلال الأداء الجروتسكي وبثها على المستوى الأعلى عبر تقنية الفيديو مابينج والتي كأن ينقصها الربط الصوتي بينها وبين الأداء الحي على المسرح.
لقد استطاع مازن الغرباوي من خلال تعامله مع الفضاء المسرحي أو التشكيلات الحركية المختلفة للمجاميع أعطاء للعرض المسرحي غني وثراء، فأخرج عرض مسرحي يعد نقطة فارقة في تجربته الفنية من خلال التصدي لنص مسرحي للكاتب المسرحي سامح مهران له جماليات مغايرة لا يألفها المتفرج في المسرح المصري، بالإضافة إلى قدرته على توظيف العناصر المختلفة من ديكور وإضاءة وملابس وموسيقى وتمثيل في إخراج عرض مسرحي يشتبك مع الثقافة الغربية. 


محمد سمير الخطيب