مشعلو الحرائق.. عرض مسرحي متميز ولكن

مشعلو الحرائق.. عرض مسرحي متميز ولكن

العدد 738 صدر بتاريخ 18أكتوبر2021

من خلال مشاركته في الدورة الرابعة عشر للمهرجان القومي للمسرح، شاهدنا بقاعة صلاح عبد الصبور بمسرح الطليعة، العرض المسرحي «مشعلو الحرائق» لطلبة ستديو الممثل بمركز الحرية للإبداع بالأسكندرية إنتاح صندوق التنمية الثقافية، المأخوذ عن نص «بيدرمان ومشعلو الحرائق» للكاتب الألماني ماكس فريش، إعداد وإخراج محمد مرسي.
«بيدرمان ومشعلو الحرائق» يتناول عبر بطله السيد جوتليب بيدرمان- الذي حقق ثروة مالية ضخمة من تصنيع مستحضرات للعناية بالشعر ومتزوج من سيدة مريضة بالقلب لا عمل لها إلا رعاية المنزل ورعايته- الخوف الشديد للإنسان المعاصر علي ما يملكه، وما يتمتع به من منافع وامتيازات واستعداده الفوري للتخلي عن القيم والمبادئ السامية التي يتشدق بها في سبيل الحفاظ على الثروة والملكية الخاصة وجبنه الفاضح في وجه الشر طلبًا للنجاة الشخصية، حيث يجد السيد بيدرمان وزوجته في مواجهة مع ثلاثة رجال يشعلون الحرائق في المنازل تلبية لرغبة انتقامية ضد الأغنياء أو لمثالية إيديولوجية تدعي البحث عن «العدل» في المجتمع بتقويض حياة أصحاب الثروات، وتتطور مواجهة بيدرمان وزوجته مع مشعلي الحرائق الذين اقتحموا منزلهما الي تواطؤ مع «المجرمين» دافعه الخوف والجبن وطلب النجاة الشخصية ينتهي باحتراق المنزل ثم المدينة بأكملها، بينما السيد بيدرمان يتناول «عشاء الصداقة» مع مشعلي الحرائق.
 وقد كتب ماكس فريش ذلك النص الشهير «بيدرمان ومشعلو الحرائق» عقب سقوط الفاشيه في أوروبا (نهايه الحرب العالميه الثانيه 1939/1945) ليذكر الأوروبيين بتواطئهم مع «حرائق» هتلر وموسوليني حتي بدأت منازلهم في الاحتراق وهي رمزًا قصد به فريش  مجتمعاتهم، كما جاء هذا النص ليقدم من خلاله تحذيرًا من وقوع حرائق أخرى متمثلة في دكتاتورية سوفييتية ومكارثية أمريكية كانتا آنذاك في صعود.
 ويعد هذا النص من النصوص الهامة جدًا حيث قدم من خلاله فريش قراءة نقديه للإنسان المعاصر حين يعجز عن مواجهة الشر بسبب جبنه أو بتصالحه معه أو لامبالاته طالما الحريق لم يطله، لذا فقد كان ولا يزال صالحًا لتقديمه عبر أزمنة وأماكن مختلفة، وما زالت ألمانيا تقدمه إلى الآن بمعالجات تعبر عن قضايا العصر، ومن أهم هذه المعالجات ما قدم عبر حادثة 11 سبتمبر 2001 الشهيرة.
لذا فقد اعتقدت أن هذه المعالجة التي جاءت بعمران بك وزوجته بديلاً عن بيدرمان وزوجته، ستقدم لنا مشعلو حرائق اليوم أو تتناول ما يحدث في العالم من إرهاب، لكنها حتى لم تقدم مبررًا كما فعل ماكس فريش في نصه الأصلي لهذه الحرائق، فقد اكتفى المعد/ المخرج وكما جاء على لسان أحد مرتكبي الحرائق أنهم يشعلونها مقابل الأجر الذي يدفع لهم من شخص ما، ولم نعرف من هو هذا الشخص أو لماذا يحرض على الحرائق بهذا الشكل، كما جاء بأربعة معلقين على الأحداث ويعرفون معنى بعض المفاهيم منها: المستقبل، التغيير، الموت، النار، بطريقة جعلتنا نشعر كأننا نشاهد عرضًا للأطفال.
 فيما عدا ذلك فإن العرض به الكثير من الجوانب الإيجابية التي تجعله عرضًا مسرحيًا متميزًا ، بالطبع اختيار الممثلين وتوزيع الأدوار والآداء التمثيلي لهم: إسلام عوض، عادل سعيد، آثار وحيد، نادر محسن، ياسر مجاهد، إنجي أمجد، مع الاستعانة بكوميديا الموقف التي خففت من رتابة الأحداث، كذلك الديكور الذي صممه الفنان وليد جابر الذي يتميز بالجمال والبساطة فهو عبارة عن شقة تقليدية مكونة من صندرة بها برميلان، غرفتان ومطبخ وباب الشقة. بها ترابيزة سفرة وستة كراسي وكرسيان فوتيه وترابيزة صغيرة عليها فازة ورد، يوجد نجفة وبعض الأبليكات وثلاثة لوحات فنية، هذا الديكور رغم جماله وبساطته إلا أنه لم يعبر عن المستوى المادي لصاحب المنزل وهو الثري المعروف، أما الملابس والتي صممها هو أيضًا فقد جاءت معبرة عن الشخصيات حيث رجل الأعمال ببدلته الأنيقة وكذلك زوجته بفاستينها، والخادمة بمريلة المطبخ والبروفسير الذي جاءت ملابسه متطابقة مع شخصيته الغريبة، أما مشعلو الحرائق فيرتدون ملابس عمال تبدو عليها آثار ما ارتكبوه من حرائق. 
المابينج للفنان محمد المادوني يلعب دورًا كبيرًا في تغيير المشاهد خاصة مشهد الحريق في نهاية العرض، أما إضاءة أحمد علي فقد لعبت هي الأخرى دورًا كبيرًا بجانب المابينج في تغيير المشاهد من خلال إضاءة أجزاء وإظلام أخرى.
 استعراضات شريف عباس التي قدمت من خلال ستة اأشخاص يرتدون ملابس سوداء ويحملون أوعية من المفترض أنها مملوءة بالبنزين ويقومون بإحراق كل شئ.


نور الهدى عبد المنعم