تجليات القضية الفلسطينية في المسرح المصري(3-3)

تجليات القضية الفلسطينية  في المسرح المصري(3-3)

العدد 764 صدر بتاريخ 18أبريل2022

 إذا كان سعد الدين وهبة ومحمود دياب قد ربطا القضية بأبعاد اجتماعية وسياسية معاصرة، فإن بعض الكتاب أتخذ من التاريخ قناعاً فنياً كما حدث في مسرحية «وطني عكا» لعبد الرحمن الشرقاوي والتي عرضت على خشبة المسرح القومي في نوفمبر 1969 من إخراج كرم مطاوع . 
 ويرى د. سيد على إسماعيل (1) أن الشرقاوي قام بدور دبلوماسي في تخدير الجمهور، والقراء حيث لجأ إلى التراث والتاريخ يستمد منه العون لإنقاذ فلسطين بدلاً من مواجهة الحقيقة وإظهارها بصورتها الواقعية وهذا ما عبر عنه «حازم» الكهل الفلسطيني الذي يعيش في المخيمات قائلاً : 
إيه يا قبر صلاح الدين .. آه ! 
إيه يا روح صلاح الدين 
يا حطين يا عزة أمجادي النبيلة 
أيها البوق الذي يعزق في زهو يثير الكبرياء
يا نفيراً لم يزل يبعث في الأعماق إحساساً جليلاً بالإباء
يا انتصارات صلاح الدين يا راياته 
أخفقن على أرض البطولة 
إيه ياروح على بن أبي طالب 
هل في نجفه من روح خيبر 
إيه يا خالد قم فأشهر 
سيوف النور في هذا الدجى الساجي وكبر 
عين جالوت أرجعي عاد التتار 
    ويضيف علي قائلا : كذلك حاول الشرقاوي قلب الحقائق عندما أوهمنا بان هزيمة يونيه كانت نصراً لو لم تصدر الأوامر بالانسحاب وهذا ما عبر عنه في المسرحية الضابط المصري ( علي ) قائلاً : 
أنا لست أحمل عار هذا اليوم، لا، لم أنهزم ! 
أنا لست من صنع الهزيمة يومذاك
لم ننهزم أبداً  وآلاف سواي تقدموا
وتقدموا تحت السعير ! 
ورؤسنا مكشوفة تحت القذائف
ينهمر ولا دروع على الصدور 
بالرغم من هذا تقدمنا 
وأرعبنا العدو ولم نزل متقدمين
أنا لم أصدق ما سمعت وقلب هذا لن يكون
وتقدمت قواتنا أيضاً خلال النار والظلمات 
والروع المحلق والعذاب
وتراجعت قوائهم فرقاً فولوا هاربين 
وتقدمت قواتنا والنصر 
يسكب قدرة سمرية في كل قلب 
ويجئ أمر مذهل أن ننسحب 
 وتبدو من ثنايا النص الأقنعة التي استخدمها «الشرقاوي» وهي «أقنعة تراثية لمعالجة القضية الفلسطينية»، وإن كانت المسرحية بها قدر كبير من التفاؤل يتجاوز ما فعلته النكسة، إلى أفق أكثر رحابة من الحرية والنصر . 
 ومن رؤية أكثر مرونة وعمقاً تأتي مسرحية «النار والزيتون» لألفريد فرج، فالمزج ما بين التراث وأقنعته المتعددة وبين المعاصرة بمراياها القاتمة شديدة السواد يخرج النص المسرحي ليقدم لنا مسرحاً تسجيلياً يقوم على فكرة التوثيق، عارضاً تنامي الحضور اليهودي الاستيطاني داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1918، وحتى هزيمة يونيو 1967 . 
 ورغم الرؤية السوداوية التي يقدمها العرض إلا أنه يطرح المسألة عبر مجموعة من الحقائق بعيداً عن أي تزييف . 
 ويعرض لنا الفريد فرج ما تم ـ بالضبط ـ بداية من وعد بلفور، وأطماع اليهود وتناميها مروراً بحرب 1948 وهجرة اليهود إلى فلسطين ـ ثم تنتهي المسرحية بصرخة جماعية تقول : 
إلى القدس تقدم 
أفتح الأبواب لحرية بلادنا 
أرفع الراية ترفرف .. 
فوق سناكي الفدائيين 
وعلى رؤوسهم ترفرف
وإلى القدس تقدم 
 كما قامت الأغاني بحالة من الربط بين الأحداث الدرامية لتبين استبسال الفدائيين الفلسطينيين في مواجهة الصلف والتعنت والعنف من قبل الاحتلال الإسرائيلي وعبر اللغة الكاشفة استطاع «ألفريد فرج» كشف زيف الادعاءات الصهيونية، موظفاً بعض الأقوال من خطابات الزعماء الإسرائيليين وأشهر كتابهم لقد كشفت المسرحية عن قسوة التعامل من قبل قوات الاحتلال مع أهل فلسطين، وتنتمي المسرحية إلى ما يسمى بمسرح المواجهة، ورغم أن مسرحية سليمان الحلبي، بها كثير من الإسقاطات الماضوية إلا أن بها عبارة دالة جداً وردت على لسان شخصية «سليمان الحلبي» حين قال : «إن بلداً تدمدم فيه المقاومة ليس بلداً محتلاً بعد» . 
 ومن يقرأ أعمال «ألفريد» سوف يجد أن معظمها يدور في هذا الإطار متخذاً من قضية المقاومة مساراً ممتداً لتجربته الإبداعية، حيث كان ينادي دائماً بضرورة مواصلة النضال حتى يتم التحرر الكامل، وأن تجد القضية الفلسطينية حلاً، يضمن عودة اللاجئين وعودة المناطق التي استولى عليها الكيان الصهيوني في 1948 ويونيو 1967 . 

جيل السبعينيات 
 خرج جيل السبعينيات من رحم المأساة فجاءت تجاربه رافضة لأشكال الهزيمة، ويظهر ذلك جلياً في أعمال يسري الجندي ومحمد أبو العلا السلاموني ومحمود نسيم . 
 وتعد مسرحية «اليهودي التائه» أحد أهم الأعمال المسرحية التي أعتمد فيها يسري الجندي على لغة الكشف والبحث الدقيق عن أسباب الهزيمة، كما أعطى من خلال مجموعة من المشاهد المتلاحقة الأمل للشعب الفلسطيني، بعودة الأرض المحتلة وإن طال الزمن، بفعل المقاومة المستمرة وتضحيات الشهداء، واعتمدت اللغة المسرحية ورؤيتها على فكرة «المخلص» الذي ينتظره الملايين، كما تم والاستفادة من تيمات المسرح الغنائي وتوظيف الكورس، ويؤكد «الجندي» في أحد المقاطع الدالة على فكرة الانتظار قائلاً : 
«دائماً كانت هذه الأرض 
تنتظر المخلص 
ودائماً كان المخلص يأتي 
في أحلك الساعات كان يأتي» (2)
    وظهرت ملامح الصراع العربي الإسرائيلي في كثير من تجارب محمد أبو العلا السلاموني، مثل « الثأر ورحلة العذاب» و«سيف الله» وإن جاء توظيف الأحداث في إطار رمزي، حيث تم مناقشة القضية كجزء من أزمات سياسية واجتماعية يعاني منها المواطن العربي، وصراعات متعددة يمر بها .
 ولكن يبدو وأن هذا الجيل من فناني المسرح أثرت عليها تجربة النكسة وانهيار الحلم القومي، هذا التأثير ـ فيما يشبه الضياع وحسبما يرى المخرج د. هناء عبد الفتاح أحد أبرز المسرحيين في هذا الجيل، فإن هذا الجيل بفعل المؤثرات السلبية يموب ببطء: «جيلنا يموت ببطء، وموتنا نورثه للأجيال القادمة، أما السقطة الدرامية لجيلنا ـ واستعير هذا المصطلح من لغة الدراما في المسرح فهي أننا لا نؤمن بالاستمرارية»(3) 
 ورغم النظرة التشاؤمية التي تظهر من كلام د. هناء عبد الفتاح إلا أن كاتباً مثل لينين الرملي وتجربته مع الفنان محمد صبحي قد أعادت لمسرح المقاومة أحد تجلياته، وقد تميزت التجربة بعمق في الأداء وتميز على مستوى الكتابة ـ التي انحازت إلى الموقف وإلى الإنسان في مواجهة طغيان المادة، والمؤامرات العالمية ذات التوجه الصهيوني، مثل مسرحية «بالعرب الفصيح» والتي جاءت ضمن سلسلة من العروض ذات الطابع الفكري والفلسفي مضفرة برؤى واقعية ومناقشة لظواهر إنسانية مثل «وجهة نظر»، و«انتهى الدرس ياغبي» . 
تقوم أحداث مسرحية بالعربي الفصيح من خلال اجتماع مجموعة من الطلاب العرب في «لندن» كل طالب يمثل بلداً عربياً، يبحثون عن زميلهم الطالب الفلسطيني «فايز» وتبين عملية البحث مدى عجز المجموعة عن الوقوف على رأي واحد، وهي الآفة التي يعاني منها العرب خلال السنوات الماضية، وهذا التشرذم في عدم وجود قرار واحد للوقوف مع القضية الفلسطينية، جعل المسألة معلقة وبلا حل إلى اللحظة الراهنة، وسارت مسرحية «لينين الرملي» على الخط الدرامي في مسرح المواجهة لتضيف إلى المكتبة العربية نصاً مركباً يضاف إلى «حفلة سمر من أجل خمسة حزيران» لسعد الله ونوس، و«ثورة الزنج» لمعين بيسيسو وهي عروض فارقة في هذا الاتجاه تكشف عن عمق المأساة . 

هوامش
1)) د. سيد على إسماعيل
2)) يسري الجندي ـ الأعمال الكاملة ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب 2011
3)) د. هناء عبد الفتاح ـ وداعاً أيها المسرح ـ مجلة فصول ـ ربيع 1995 .


عيد عبد الحليم