جولة فى شارع المسرح الأمريكي

جولة فى شارع المسرح الأمريكي

العدد 729 صدر بتاريخ 16أغسطس2021

هل يظل التراث مقدسا على إطلاقه مهما حوى من العيوب. هذا هو محور الجدل الذى يدور حاليا بسبب مسرحية”شميجادون”. وهى مسرحية موسيقية غنائية عرضت فى الأربعينيات والخمسينيات فى برودواى نفسها وحققت نجاحا كبيرا فى حينها.
ويحقق العرض نجاحا كبيرا فى الوقت الحالى رغم أنه يعرض خارج برودواى بعد أن رفضت كل مسارح برودواى إستقبال هذا العرض رغم مشاركة عدد كبير من النجوم فيه.
ورغم النجاح ينهال الهجوم العنيف على العرض من العديد من النقاد ومن عدد من المنظمات الاجتماعية والدينية وغيرها ...وهذا هو السبب الرئيسى فى رفض مسارح برودواى لعرضه. 
دعوة للفساد
وإذا عرف السبب بطل العجب. فالمسرحية عبارة عن دعوة واضحة إلي الانفلات الجنسى وإقامة علاقات جنسية خارج إطار مؤسسة الزواج بزعم أن ذلك يحقق السعادة لأبناء المجتمع والمهم أن يكون بالتراضى !!!.
وربما كان هذا الوضع مقبولا فى الأربعينيات أو الخمسينيات من القرن الماضى كما يقول ناقد “بوسطن جلوب” لكنه لم يعد مقبولا فى العصر الحالى بعد أن تبينت الأضرار التى يمكن أن تعود على المجتمع من جراء تلك الفوضى. فهى تؤدى إلي خروج أطفال لا يعرفون أباءهم أو لا ينالون رعايتهم فيتحولون إلي قنابل قابلة للانفجار تلحق بالمجتمع أضرارا جسيمة .
هذا بالإضافة إلي الأضرار الصحية التى تتمثل فى انتشار الأمراض السرية بين المواطنين وأشهرها- وليس أخطرها – الإيدز الذى أودي بحياة أعداد غير معروفة من الأمريكيين ولا يوجد علاج ناجع له ...مجرد أدوية تسيطر عليه لكن مناعة الجسم يمكن أن تنهار فى النهاية ويقضى المرض على المريض .وهناك ملايين الأمريكيين يحملون فيروساته فى دمائهم.
ويشير الناقد إلي المثليين الذين يتصاعد نفوذهم فى الولايات المتحدة ويدافع عنهم الرئيس الحالى ويؤكد على “حقوقهم“ ظهرت جماعات تدبر لقتلهم حتى لا ينشروا مرضهم فى المجتمع فضلا عن انهم قد يقتل بعضهم بعضا أو ينتهى بهم الأمر إلي الانتحار.
وهناك حركات نسائية باتت تدعو الفتيات إلي الحفاظ على عذريتهن حتى يتم الزواج بشكل طبيعى مثلما كانت بريتنى سبيرز تفعل فى الماضى.
بلا مبرر
من هنا لا يجد الناقد مبررا لإعادة هذا العرض حتى لو وجد إقبالا جماهيريا واستوفى بعض معايير الجودة الدرامية لمجرد انه من التراث لكنه لم يعد مناسبا للعصر الحالى.
وشميجادون عبارة عن بلدة وهمية يتجه إليها اثنان من العشاق للمبيت فى احد فنادقها. وفى الفندق يفاجأن بأن الفندق لا يسمح لغير المتزوجين بالمبيت فى غرفة واحدة. ويطلب صاحب الفندق منهما أن ينام كل منهما فى غرفة منفصلة.
ولم يستطع العاشق الصبر فضاجع العشيقة دون إرادتها خلال حفل راقص أقامه الفندق. وشكت العشيقة العاشق إلي حاكم المدينة فحكم عليه بغرامة باهظة لأنه جامعها دون إرادتها بينما الرضى ينبغى أن يكون أساسا لأى علاقة بما يحقق السعادة للمجتمع!!!!.
وإلى هنا ينتهى العرض الذى عبر عن تلك الأفكار الفاسدة بالموسيقى والغناء والمواقف المرحة الضاحكة .
ويقول ناقد البوسطن جلوب أن الجماهير أقبلت على العرض تحت تأثير الأسماء اللامعة التى شاركت فيه مثل “سيسلى سترونج” و”كيجان مايكل” و”جين كراكوفسكى” و”أن هارادا” لكنه يثق فى أن العرض قد أصاب المشاهدين بخيبة الأمل. 
دفاع !!!!
ويسعى المشاركون فى المسرحية إلي تجاهل هذه النقطة رغم اهميتها . هاهى “سيسيل سترونج “تدافع عن العرض فتقول أن سر نجاحه أنه كان لجميع محبى المسرحيات الغنائية ولمحبى المسرحيات العادية التقليدية ولكل شخص ..ورفضت الحديث عن مضمون العرض.
كما أكد مخرجه سينكو بول أن سبب نجاح العرض يعود إلي نجاحه فى تقديم موسيقى الأربعينيات بشكل يجذب جمهور العقد الثالث من القرن الحادى والعشرين.
يهود فى يهود
فتاة مرحة تعود إلي برودواى بعد 57 عاما 
الشخصيات اليهودية لايجسدها يهود فى الغالب 
رغم المحاولات المضنية لعرض المسرحية الموسيقية الكوميدية “فتاة مرحة” فى برودواى الخريف القادم فشلت المحاولات بسبب إجراءات كورونا. وتحدد الربيع القادم لعرض هذه المسرحية والذى هو فى حقيقة الأمر إعادة لعرضها حيث عرضت لأول مرة على برودواى عام 1964 وحققت نجاحا كبيرا. 
ويمكن إدراج هذه المسرحية كأحد أعمال المسرح اليهودى الأمريكي. تدور أحداثها حول حياة نجمة الكوميديا الأمريكية الراحلة اليهودية الراحلة “فانى برايس “(1891-1951)وعلاقتها المضطربة بزوجها رجل الأعمال “ريكى أرنشتاين “. وهى عن قصة للأديبة الأمريكية اليهودية الراحلة أيضا “ايزوبيل لينارت “ باسم “حياة فانى برايس “التى أعدت أيضا المعالجة المسرحية لها. والمسرحية من إنتاج راى ستارك زوج ابنة فانى برايس. 
وتبدأ أحداث المسرحية قبل الحرب العالمية الأولى عندما تكون برايس – فى شرخ الشباب – فى انتظار زوجها المسجون فى إحدى القضايا. ويتم الطلاق قبل أن تقتحم برودواى وتصبح إحدى نجومها. وتعود علاقتها بزوجها الذى يبدد أموالها فى القمار. 
ويصور النص المسرحى بطريقة كوميدية التناقض الذى عاشته فانى التى ترسم البسمة على الشفاه بينما تعيش حياة تعيسة حزينة بسبب حماقات زوجها.
 وقد رشح العرض المسرحى لثمان من جوائز تونى فى 1964 لم يفز بأى منها بسبب المنافسة الحادة مع “هالو دوللى”. 
بعد النجاح
وكانت المسرحية بطولة الممثلة الأمريكية اليهودية الصهيونية حتى نخاع العظام بربارا سترايسند. 
وأغرى هذا النجاح بتحويل المسرحية إلي فيلم بعدها بأربع سنوات عام 1968 . قامت بدور البطولة نفس بطلة المسرحية بربارا سترايسند. أما البطولة الرجالية فقد تم استبدال بطل المسرحية سيدنى شابلن (1926 – 2009 -نجل شارلى شابلن) بالممثل المصرى عمر الشريف. 
وحقق الفيلم نجاحا كبيرا وفاز بثمانية جوائز أوسكار منها جائزة أحسن ممثلة لبربارا سترايسند. ولم يتكرر هذا الرقم من الجوائز إلا مع فيلم “اسد فى الشتاء” لكاترين هيبورن عام 2006. وتم ادراج الفيلم كرقم 16 بين أفضل الأفلام الغنائية فى تاريخ الولايات المتحدة. ..واقتصر النقد فقط على شكل البطلة وأنفها غير المتناسق مع وجهها مما جعلها تجرى عدة عمليات لتجميل أنفها.
رفض عربى
لكنه تعرض للنقد فى عالمنا العربى بسبب موقف عمر الشريف من المشاركة فى فيلم يهودى يخلد ذكرى ممثلة يهودية أمام ممثلة يهودية صهيونية حتى نخاع العظام رغم الهزيمة التى تعرضت لها مصر فى حرب 1967 قبل شهور قليلة. وهى انتقادات لم يأبه لها النجم المصرى الراحل ولم يسع للرد عليها .
نعود إلي المسرحية فنجدها منذ عام 1964 عرضت فى أكثر من بلد وبأكثر من لغة وبأكثر من بطل. وكانت أحيانا تعرض كمسرحية تقليدية لكن اغلب عروضها كانت موسيقية غنائية. وتميزت معظم عروضها باختصار مشاهد منها كانت تصل إلي نصف ساعة حيث كانت الفرق تعتبرها أطول من اللازم.
بطلة جديدة
وعندما حان وقت عرضها الجديد كانت أهم مشكلة هى البحث عن ممثلة تجسد شخصية بطلة العرض فانى برايس. ولم يكن من الممكن بالطبع إسناد دور البطولة إلي سترايسند التى تمر بعامها الثمانين. 
وبعد بحث طويل وبمشورة سترايسند نفسها تم اختيار ممثلة يهودية شابة أخرى هى بينى فيلدشتاين (28 عاما) للقيام بدور البطولة النسائية. وقالت الفرقة انه تم اختيار فيلدشتاين لأنها مطربة أيضا ولإجادتها فى بعض الأدوار الكوميدية مثل فيلم “بوك ستارت” الذى رشحت عنه لجائزة احسن ممثلة فى مسابقة جولدن جلوب. وأجادت فى مسلسل “البرتقالى هو الأسود الجديد” والكوميديا السوداء “ماذا نفعل فى الظلال”. وجسدت دور مونيكا ليفنسكى صاحبة الفضيحة المشهورة مع الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون. وجار البحث عن ممثل مناسب لدور البطولة الرجالية.
وتقول فيلدشتاين أنها سعدت للغاية بإسناد دور البطولة إليها لتجسد الشخصية التى تعشقها منذ نعومة أظفارها. فقد جسدت شخصية فانى برايس التى تعشقها عدة مرات فى حفلات فى حديقة منزلها واحيانا وهى بمفردها فى طفولتها قبل أن تبدأ التمثيل فى التاسعة من عمرها. وافتتحت حياتها الغنائية بعدد من أغاني المسرحية مثل “أيتها السماء لا تمطرى على تجمعنا “. والآن ستجسد شخصية فانى برايس على المسرح لتحقق حلم حياتها. وسوف يساعدها ذلك على تناسى مأساة شقيقها جوردان الذى توفى شابا عام 2017 بجلطة مفاجئة. وقالت أنها حزينة فى الوقت نفسه لتأجيل العرض لكنها ستعوض ذلك بالمشاركة فى فيلم “البشر” المأخوذ عن مسرحية بنفس الاسم.
 ويخالف ذلك قاعدة متبعة فى الدراما الأمريكية. فقليلا ما يجسد ممثل يهودى شخصية يهودية فى الدراما الأمريكية بكل أشكالها بزعم الموضوعية. وترصد أكثر من منظمة ثقافية يهودية أمريكية جوائز لأفضل من يجسد شخصية يهودية دراميا من غير اليهود .


ترجمة هشام عبد الرءوف