الصحراء مسرح للفرجة الأصيلة .. والجمهور حاضر أساسي

 الصحراء مسرح للفرجة الأصيلة .. والجمهور حاضر أساسي

العدد 645 صدر بتاريخ 6يناير2020

في ليل الصحراء ولمدة خمسة أيام متتالية، كانت تدب حياة مختلفة كل ليلة بعرض مسرحي من دولة  مختلفة وأحيانا من دولتين مختلفتين، وذلك ضمن فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي بدولة الإمارات، والتي أقيمت في الفترة من 12 وحتى 16 ديسمبر الحالي، الذي تنظمه إدارة المسرح برئاسة أحمد أبو رحيمة، التابعة لدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة برئاسة عبد الله العويس، قد يبدو الأمر مبدئيا مثيرا لبعض التساؤلات؛ هل الصحراء هنا مجرد تنويع لفكرة مهرجان جديد كما صار يحدث كثيرا؟ هل لكون الصحراء تستضيف العروض فتنتسب العروض لها مكانيا؟ وهل هناك مسرح للصحراء؟ وكيف يكون؟ وما سماته؟ أسئلة تفرض نفسها، لكن بالاقتراب من عالم هذه الأيام الخمسة ودون محاولة الحصول على إجابة جاهزة مسموعة أو مكتوبة، ستتضح تلقائيا إجابات هذه الأسئلة حين نلمس عن قرب فلسفة هذا المهرجان ..
    في منطقة الكهيف الصحراوية بإمارة الشارقة، حيث يتم تقديم العروض يوميا، ستجد الحالة التراثية التقليدية حاضرة متناغمة مع رمال الصحراء كإبنة طبيعية لها، ستجد العروض الأدائية من غناء وعزف ورقص تراثي قبل بدء العروض المسرحية أو بعدها، يتم تقديمها بالزي التقليدي في بعض أركان المكان، سيجوب البعض المكان حاملين دلات القهوة العربية مميزة الطعم والفناجين لصبها للجميع معظم الوقت، مع بعض المشروبات التقليدية مميزة النكهة، والمأكولات التقليدية الخفيقة مثل “اللقيمات”، ستسمى الندوات والملتقيات بالمسامرات، كأحاديث ليل الصحراء، تقام على “منامة” أو منصة خشبية مكسوة بالسجاد العربي المزركش، يجلس الجميع يتناقشون حول العروض وحالة مسرح الصحراء في جلسة عربية على الأرض، بينما تنير القناديل الدافئة التقليدية أركان المكان، معظم المواد المحيطة طبيعية كالخشب أو الأحجار، كأعمدة القناديل ومدرج الجمهور المبني من الحجارة، والذي يتم الدخول إليه عبر ممر منصوب على عمدان مغظاة بقماش “الخيش” المصنوع من النبات بمظهره الطبيعي البسيط المناسب للمحيط، تشتعل بعض بؤر الشوي للزوار في أرجاء عدة كطقس صحراوي، يجسد روح الحياة في المكان، وحيث النار ترتبط بصريا بليل الصحراء، حالة احتفائية جاذبة لكن لا تخرج أبدا عن نطاق الحالة التراثية غير المصطنعة، محفزة لمجيء الكثيرين حتى من مناطق مختلفة مستمتعين بزيارة قد يكررونها يوميا، مع مشاركتهم في مسابقات يومية، وهو ما يشير بوضوح لكون الجمهور هو الهدف الأكبر للمهرجان الذي يسعى بجدية لاجتذاب جمهور غير مهتم بالمسرح وربما لم يتفاعل معه نهائيا من قبل، وخاصة المسرح الجاد، عبر منفذ يدمج الترفيه بالمشاهدة كخطوة لخلق ارتباط يستدرج جمهورا غير مهتم هو المعني، لغرس الثقافة المسرحية بشكل تلقائي للجمهور العام،  نشعر بترحاب حقيقي بهذا الجمهور واهتمام كبير برضاه وراحته واكتسابه، فهو المستهدف ثقافيا للمدى الطويل لا ترويجيا لفترة تنتهي، ليبدو الهدف مزدوج بربط الجمهور من جهة بتراثه الأصيل النابع والمرتبط بالصحراء بكل عناصره؛ ومن ذلك إتاحة تذكيرهم وتذوقهم لروح الصحراء، خاصة بتوفير إقامة الأسر في خيام فندقية مجانية مجهزة تماما لليلة واحدة ومرة واحدة للأسرة الواحدة، بالإضافة إلى تقريب وتنمية حالة الفرجة المسرحية الأصيلة للجمهور من جهة أخرى من خلال هذا المدخل التراثي عميق الجذور في النفوس، مما يعمل على الربط بين الفن والجذور في حالة أصيلة، فيصب التراث والمسرح في بعضهما ويخدمان بعضهما، ضمن توجه ثقافي جاد وصادق يمكن استشعاره، مع ممارسة تنظيمية جادة ومنضبطة تماما لا تخلو من لطف وذوق، وبالفعل تستطيع تبين حالة جيدة من الإقبال اليومي والتفاعل والمتابعة المنصتة والراضية للعروض من الجمهور.

الفعاليات والمسامرات الفكرية
   تضمنت فعاليات المهرجان ندوات وملتقيات فكرية سميت بالمسامرات، منها مسامرة بعنوان “ المسرح وأدب الصحراء.. العلاقة وممكناتها “، كان المشاركون فيها كل من د. حسن بحراوي من المغرب ود. محمد المديوني من تونس ود. عماد الشنفري من سلطنة عمان ود. حميد علاوي من الجزائر ود. عبد الرحمن بن إبراهيم من المغرب، وتستند هذه المسامرة على السؤالين التاليين :
ـ إلى أي حد يمكن لصناع المسرح أن يستلهموا أو يعتمدوا المنجز الأدبي الصحراوي كالروايات والأمثال والأساطير، وسواها من الأنماط الفنية التي أبدعها الإنسان الصحراوي؛ في بناء وتشكيل مضامين وأشكال فضاءات عروضهم المسرحية؟
ـ إلى أي مدى يمكن لذلك أن يطبع تجاربهم، ويميزهم بهوية جمالية مغايرة؟ وكيف ينسجم أو يختلف ذلك مع ما ترسخ من قواعد وتقاليد إنشاء ومشاهدة العروض المسرحية؟
   وهناك مسامرة أخرى من جلستين أدارهما د. عماد الشنفري أولاهما تضمنت محورين؛ الأول بعنوان” المسرح والصحراء .. مفازات ومجازات” تحدث فيها د. محمد المديوني، والثانية بعنوان” أيمكن للمسرح أن يكون صحراويا؟”، وقد تحدث فيها د.عبد الرحمن بن إبراهيم، أما الجلسة الثانية فكانت أيضا من محورين، أولهما بعنوان “مفهوم الفضاء في المسرح الصحراوي” وقد تحدث فيه د. حسن البحراوي، والثاني بعنوان “الفرجات الشعبية .. الأدب الرفيع والأدب العفوي” وقد تحدث فيه د. حميد علاوي.
  بالإضافة لما سبق جاءت مسامرة أخرى حول دراسة صدرت في كتاب  بعنوان”مشهدية الفيافي .. دراسة في المسرح الصحراوي” لد. حسن يوسفي، والذي قام بعرض الكتاب والمناقشة حوله، الكتاب من أربعة فصول تناول أولها التأسيس الثقافي والمعرفي للمسرح الصحراوي، وقد تناول المسرح الصحراوي كسردية مغايرة وكترسيخ لتجربة المكان، وجاء الفصل الثاني عن جماليات ومرجعيات المسرح الصحراوي، أما الفصل الثالث فكان عن دراماتورجيا المسرح الصحراوي سواء كان نصا أو عرضا، ليأتي الفصل الرابع عن منجز المسرح الصحراوي .. ريبرتوار التأسيس، والذي تضمن التطرق لتجارب خليجية كالإمارات والبحرين وعمان والسعودية، وتجارب عربية كموريتنانيا والجزائر وتونس والمغرب ومصر والأردن، الكتاب من إصدارات المهرجان بالإضافة لكتاب آخر ضمن النصوص المسرحية بعنوان “طقوس الأبيض ومسرحيات أخرى” لمحمود عباس، هذا بالإضافة للمسامرة النقدية اليومية التي تلي كل عرض.

ليالي العروض اليومية
   أما العروض المسرحية فسميت بالليالي لتتسق مع الحالة الفرجوية الصحراوية، حيث تدور في فضاء حر للصحراء يثير الخيال، لتتضمن هذه  الليالي مشاركات من ست دول بستة عروض، بعض هذه الدول تعد هذه المشاركة الأولى لها، بينما جدد البعض مشاركته للمرة الثانية أو الثالثة، تضمنت الدول المشاركة كل من الإمارات والكويت والأردن والعراق والسودان وموريتنانيا، في عروض كلها مستلهمة من الصحراء ومرتبطة بها ومن قلبها، تنبثق من مشهديات البادية العربية الثرية والمتنوعة، بصريا ودراميا، سردا وشعرا وأداء وغناء.

 ليلة دولة الإمارات .. مطايا البيان
  مثل الليلة الإماراتية عرض “مطايا البيان” لفرقة مسرح الشارقة الوطني، من تأليف فيصل جواد وإخراج محمد العامري، وهي من بطولة أحمد الجسمي ومحمد العامري وإبراهيم سالم وآخرين، وهو يدور في قصة رمزية عن قيمة وشرف الكلمة، التي تتباين طريقة نقلها بين ثلاثة أشقاء كلفهم والدهم بنقل رسالة، ليختلف فهم وتبليغ الرسالة بحسب أفكارهم ومكتسبات وأخلاق كل منهم.

ليلة دولة الكويت .. الأصاخيب
مثل الليلة الكويتية عرض “الأصاخيب” لفرقة المسرح الشعبي، وهو من تأليف فلول الفيلكاوي وإخراج محمد الشطي، وبطولة هبة مطيع وجراح مال الله وعبد الله المسعود وعثمان الشطي وغيرعم، وهو عن واقعة مأساوية شهدتها الكويت عام 1830،عند انتشار مرض الطاعون وما صاحبه من أجواء هلع مأساوية، من خلال سلسلة من القصص المستلهمة من وقائع هذه الأيام التي أفقدت المجتمع نصف سكانه.

ليلة موريتنانيا .. ليالي لعزيب
مثل الليلة الموريتانية عرض”ليالي لعزيب” لفرقة جمعية دور المسرح للتكوين والإنتاج الفني، بطولة النبوي البخاري والهادي بكات وباب أمين ميني وخديجة تيرن وآخرين، وهو يدو حول التنقل بحثا عن الكلأ مما يقرب بين قبيلتي “لماحين” و”الدواشر”المتفرقتين لسنوات، لكن يتطور الأمر بطلب إبن زعيم قبيلة “لماحين” ليد ابنة زعيم قبيلة “الدواشر” حاد الطبع الذي يكتشف ثأرا قديما بين القبيلتين، ليصبح الثأر والانتقام عائقا أمام الحب والزواج والسلام.

ليلة السودان .. المك نمر ـ حب في الصحراء
مثل الليلة السودانية عرض “المك نمر ـ حب في الصحراء”وهو لفرقة المخمل للفنون الأدائية، تأليف إبراهيم العبادي وإخراج عادل حربي، وبطولة طارق علي وإيمان حسن وعبد الرحمن الشبلي وعبد الحكيم الطاهر وآخرين، عن نص شعري يتناول قصة حب بين فتى”طه” وفتاة “ريا”، كلاهما من قبيلة “البطاحين”، لكن زعيم قبيلة “الشكرية” بالفتاة ويرغب بالزواج منها مستندا لنفوذه وجاهه، والذي يطارد العاشقين اللذان يهربان منه، فيصرعه طه الذي يلجأ لزعيم قبيلة أخرى يحميهما هو “المك نمر”.

ليلة العراق .. سبيل الأصالة
مثل الليلة العراقية عرض “سبيل الأصالة” لفرقة جلجامش المسرحية، من تأليف معد هاشم وإخراج عبد الرضا جاسم ، وبطولة ضياء الدين معتمد وسما فراس ونور فراس ومحمد علي محمد، ويدور حول شاب يهرب بصحبة والده المسن وأخته إثر نجاتهم من غزوة على قريتهم، فيوصي الأب ابنه قبل موته بالزواج من قبيلة عرفت بالشجاعة، فلا يجد الإبن سوى فتاة واحدة مختلة العقل فيقبل بها، لنرى عواقب اختياراه بالمقارنة بخيارات غيره.

ليلة الأردن .. زين المها
مثل الليلة الأردنية عرض “زين المها ـ مهاجي الرمال” لفرقة مادبا المسرحية، من تأليف وإخراج د. علي الشوابكة، بطولة رسمية عبده ومعتز أبو الغنم وسماح جرار وطارق نعيم وتيسير علي وغيرهم، وتتمحور فكرته الأساسية حول قصة “زين المها” المعروفة تراثيا، التي حدثت في بادية الشام في فترة زمنية اتسمت بالصراع بين القبائل البدوية، عن امرأة عرفت بالشجاعة والإخلاص لزوجها الفارس الشجاع أيضا.

 


أمل ممدوح