أنطولوجيا الأداء الحي (2-2)

أنطولوجيا الأداء الحي (2-2)

العدد 725 صدر بتاريخ 19يوليو2021

  نماذج التصنيف الموجودة حاليا
 قدم الاتحاد الدولي للمكتبات the international federation of library association ومعاهد المتطلبات الوظيفية للسجلات البيبلوجرافية institutions functional requirements forbiblographic records تصنيفا آخر ربما يكون مفيدا لأنطولوجيـا الأداء الحي . أذ قدمت معاهد المتطلبات الوظيفية للسجلات البيبلوجرافية مفهوم» التعبيرexpression وعرفّته بأنه التحقيق الفكري والفني للعمل . وينعت هذا النموذج الأداءات بأنها تعبيرات، لكنه لا يميز بين العروض والأداءات المستقلة، وربما يشير الي أي منهما . علاوة علي ذلك، يقصر نموذج هذه المعاهد تطبيق مصطلح « حدث» علي التعبيرات التي هي موضوع العمل (علي سبيل المثال، عندما تعبر الرواية عن حدث تاريخي) ولا يطبقه علي الأحداث باعتبارها تعبيرات عن الأعمال . ويبدو أن هذا النموذج يستبعد الأداءات المستقلة من اعتبــاره، علي الأقل باعتبارها كينونات منفصـلة عن العروض. ويبدو أن اظهاار الوجـــود الذي تعرّفه معاهد المتطلبات الوظيفية للسجلات البيبلوجرافية بأنه التجسـيد المادي للتعبير عن العمل، ويبدو أنه يصف أولا الأداءات المستقلة (حيث يسمح لكلمة تعبير أن تشير إلي العرض)، واذا فسرنا التفسير المادي لفظيا فانه يعني الأجسام المادية للممثلين . ولا تشير أي من أمثلة الإظهار المقدمة في نموذج هذه المعاهد الي الأداءات المستقلة . ومع ذلك تسمي كل الإشارات إلي أداءات بعينها تعبيرات، وبذلك تهدم التمييز بين العرض والأداء المستقل .
 وقد حاول (ميللر Miller) و(لوبوفBoeuf) أن يفسرا تطبيق معاهد المتطلبات الوظيفية للسجلات البيبلوجرافية علي الأداء الحي . ونعتاه بأنه تعبيــر عن كل من النص وأداءه، لأنه يمكن أن يقال أن كلاهمــا يعبران عن عمــل الأداء. ومن هنا قصر ا مفهــوم الظهور علي فكرة العرض أو سلسلة العروض المتواصلة، أسـس النص والأداء تناظرا بين سلسلة العروض المتواصلة وعدد من الأداءات و قرار النشر أن يقدم عددا معينا من نسخ الكتاب . وهذا يعني أن موضـوع الوجود الذي يوصف بأنه تضـخيم للظهور الذي يوصف بأنه يجسد عمل الأداء الحي هو الوجود الذي يصف أداءا بعينه. ومن المثير أن ( لوبوف ) بعد ذلك بعام قال أن نموذجه خطأ، وأقر أن نموذج معاهد المتطلبات الوظيفية للسجلات البيبلوجرافية لا يمكن تطبيقه مجال فنون الأداء، واستشهد بالمعني القاصر لمصطلح الحدث والتعريف غير الملائم للإظهار .
 وقد طور (لوبوف) وآخرون، جزئيا، صيغة الموضوع الموجهobject-oriented المقدمة من معاهد المتطلبات الوظيفية للسجلات البيبلوجرافية. وهي تتضمن تسميات للأداء Performqnce، وعمل الأداء performance – work وخطة الأداء performance Plan . وهذه التسميات تتطابق مع الأداء المستقل individual performance، و عمل الأداء performance –work، العرض production علي التوالي، رغم عدم وضوح ما إذا كانت خطة الأداء تمايز بين الخطة المجردة باعتبارها مجموعة من الأفكار وتمثيل مادي لتلك الخطة، مثل نص المخرج التفسيري . وقد حددت معاهــد المتطلبات الوظيفية للسجلات البيبلوجرافية العلاقات بين مختلف عناصر الأداء الحــي، إذ يرون أن العرض يحقق العمل الأدائي، وأنه يؤدي في أداء مستقل . ويعرف بشكل أكثر إثارة العلاقة بين العرض والنص بأنها اندماج، حيث يدمج العرض النص بداخله، (وهذا النموذج يصنف النص بأنه تعبير) ويشرح (دوار Doerr) و (بيكياري Bekiari) ذلك :
 تعبر هذه الخاصية عن حقيقة أن نص شكسبير (هاملت) أو التدوين الموسيقي لسيمفونية موتسارت رقم 41 تصبح جزء من خطة أداء بعينها، بينما تظل الصور المفاهيمية لكــل من الأداء والمادة الموجودة مستقلين .
هذا الوصف للعلاقات بين عناصر الأداء الحي ربما يكون كافيا. ومثل النماذج الأخرى رغم ذلك يترك مشكلة التنوع بين مختلف عناصر الأداء الحي دون حل.
 مشكلة التنـوع
 مشكلة التنوع هي مشكلة كيف يمكن أن نحدد أن مثالي العمل غير المتطابقين هما جزء من نفس العمل. وإذا عرفنا العمل بأنه مجموع أمثلته، تتأكد هذه المشكلة، ولاسيما في الأداء الحي الذي يملك بطبيعته إمكانية تفرد كل أمثلته. وبالتأكيد لن يتشابه عرضان لمسرحية (هاملت) (إلا إذا أعيد عرض أحدهما بنفس الممثلين وبنفس الإعداد، في هذه الحالة يكون هو نفس العرض معاد مرة أخري). وأغلب فناني المسرح يمكن أن يبرهنوا انه لا يمكن أن يتشابه أداءان مستقلان. وبالطبع، يري كثيرون أن هذه الإمكانية الفريدة في التنوع مرغوبة في الأداء الحي . فكيف إذن ننعت أداءين مستقلين متغيرين، بشكل واسع، بأنهما مستمدين من نفس العمل الأدائي؟.
 بالطبع هناك إمكانية للتنوع بين نسخ النص، ولكن هذا يتطابق مع المشكلة التي تواجهها الأعمال الأدبية . وبالمثل، التنوع بين أي أداءين مستقلين يقومان علي نفس العرض يحتمل أن يكون في حده الأدنى، تسليما بأن قصد كل أداء مستقل هو أن يكرر خطة العرض بأدق ما يمكن والشيء الأبرز هو إمكانية التنوع الكبير بين عرضين لنفس النص. وهذا التنوع هو بالطبع فكرة عمل عرض آخر للمسرحية. والتنوع في مستوي العرض شيء فريد في الأداء الحي لأنه يتعلق بما سماه (روربوه Rohrbaugh) “فعل خارج تفسيري extra –interpretive” ليس حاضرا في أشــكال العمل الأخرى. وبالنســبة للعــمل الأدبي فان التنوع بين أي إصدارين يحتمـل أن يكون تنوعــا في الشكل (مثل نظـام الطباعة والتجليد) مع بعض التغييرات البسيطة في المضمون . ويتضمــن محتــوي أي عرضـين لعمل الأداء، بالمقارنة، كل عناصر الميزانسين، ويحتمل أن يختلفوا كثيرا بين العرضين. فـ(هاملت) في شكلها الكامل مثلا يستغرق أدائها أربع ساعات. ولذلك سوف تقوم أغلب العروض بعمل اختصارات للنص. وهذه الاختصارات تختلف، بشكل ملحوظ، من عرض إلي آخر، رغم احتمال أن تشترك جميعها في اختصار ما هو غير ضروري في النص. وهذا يترك سؤال ما هو غير الضــروري دون إجابة. فمثــلا مناجاة «أكون أو لا أكون« ربما هي أشهر مشاهد المسرحية. فإذا تضمن العرض كل نص شكسبير، لكنه حـذف تلك المناجاة، فهل يظل أيضا عرضا لمسرحية شكسبير (هاملت)؟. وتسليما بعدد من التشابهات الأخرى بين العرض وعمل الأداء، فان الإجابة ربما هي «أجل«، إذ يمكننا أن نتأمل عرض مسرحية شكسبير (هاملت) دون مناجاة «أكون أو لا أكون«، حتى لو أديت بشكل أسلوبي غير عادي أو ربما محير بحيث يحذف أشهر جزء في المسرحية . وبالتأكيد، إذا حذف ممثل بشكل غير متعمد المناجاة المشهورة من أداء مستقل بعينها (هاملت)، فيمكن القول أن الممثل ما يزال يؤدي (هاملت). وبالمثل إذا أدمج العرض نص شكسبير لكن أضاف إليه كلمات فيمكن أن يظل عرضا ل (هاملت ). ومن الناحية الأخرى، العرض الذي به نفس الشخصيات ونفس أحداث الحبكة، لكنه لا يستخدم حوارات شكسبير، يعد اقتباسا لمسرحية (هاملت) وليس عرضا لها.
 والفيلم السينمائي الذي هو نفسه عرض لنص، يبدو أن له خشبة مسرح مناظرة لعــرض عمل الأداء . وينهار التناظر مع الفيلم السينمائي علي مستوي الأداء المستقل. فطبيعة الأداء الحي أن يتم خلق كل أداء مستقل بشكل فريد ويمكن أن يختلــف، ولو قليلا، عن كـل أداء مستقل آخر. وهذا هو التعريف الفعلي لحيوية الأداء. إذ يتفرد كل أداء مستقل بطريقـة مغايرة، بشكل يجعل كل نسخة من نسخ الكتاب،وكل تقديم جديد للصورة، وكل عرض للفيلم السينمائي مختلفة. ويلاحظ (كارول) أنه بمجرد أن يكتمل الفيلم توّسط كل علامة بشكل آلي وتتولد بواسطة آلة العرض السينمائي، بينما الأداء المستقل يتم توسيطه ذهنيا ويتولد قصديا بواسطة عمليات بشرية. ويصدق نفس الشيء علي كل نسخة من نسخ الكتاب أو صورة يتم توسيطه بشكل آلي. بالطبع، عندما يعاد خلق اللوحة من خلال عمليات بشرية قصدية، فإنها تعد تزييف غير أمين، بينما الأداء يعد أمينا بدرجة اقل من الأداء المستقل الذي يتم توسيطه ذهنيا، كما أنه بالطبع ليس أداءا فرديا.
 الصياغة المثالية
 في محاولة جاهدة لتذليل الصعوبة في التنوع بين العلامات، فسر كل من (والترستورف) و(روربوه) مفهوم أمثلة العمل الصحيحة والخاطئة . ويساعدنا هذا المفهوم في تسمية تنويعات معينة بين العلامات. مثل الخطأ المطبعي في النسخ المطبوعة، أو أداء مسرحية (هاملت)بدون مناجاة «أكون أو لا أكون«، باعتبارها علامات خاطئة في العمل . ويسـاعدنا المفهوم أيضا في تعريف العمل نفسه بأنه نوع من مثالية المؤلف مقابل إمكانية قياس الصواب والخطأ .
 وكما يقول (والتر ستورف) “ مفهوم العمل الفني يرتبط بشكل حميم بمفهوم مثال العمل المكون بشكل صحيح. وهذا يعني في حالة الأداء أن العرض والأداء المستقل يعدان جزءا من نفس العمل الأدائي، إن كانا يقصدان خلق مثال صحيح لذلك العمل:
 من أجل أداء العمل، يجب أن تكون لدينا معلومات عما هو المطلوب للمثال الصحيح للعمل، ويجب أن نحاول، عندئذ نعمل وفق معرفتنــا بما هو مطلــوب للتكـرار إذا كان مـثال العمل صحيحا.
 بهذا التمييز في الأمثلة، فان الممثل الذي يحذف بشكل غير متعمد المناجاة يظل أدائه مستمرا، ولكن العرض الذي يحذف المناجاة بشكل متعمد لم يؤدي العمل، حتى لو كانت كل صور العرض صحيحة. وهناك فارق بسيط في هذا التمييز عند (روربوه): ربما لا يكون الملمح المشترك في أمثلة العمل واحدا، مع أن الأمثلة يجب أن تكون واحدة (أو يمكن أن تكون كذلك إن كانت كلها صحيحة). وبهذا الوصف ربما يؤسس كل من الحذف المتعمد وغير المتعمد للمناجاة أمثلة للعمل .
 ولكن، كيف يمكننا أن نقدم هذا التقويم للصواب والخطأ؟. فكما يقول (والترستورف) أذا كان يجب أن نمتلك معلومات عمــا هو المطلوب للمثـــال الصحيــح للعمــل، كيف إذن يتأتى لنا أن نملك هذه المعرفة؟. عندما تحدث (والترستورف) عن المؤلف الموسـيقي أقر بأن هناك علي الأقل فعاليتين مشتركتين في تأليف العمل الموسيقي : يحدد الفنان ما ينشئ صحة الأداء، ويقوم بتسجيل هذه النية ( الأداء). هذه الفعالية الثانية هي المفتاح، لأنه من المفترض أن نقارن صحة وخطأ صيغ العمل بالسجل.
 وفي حالة الأداء الحي، ما هو بالضبط هذا السجل؟. يمكن أن يساعدنا سجلان في تحديد صحة الأداء المستقل. فالنص يساعدنا في تحديد الاستظهار الصحيح للحوار، ونسخة العرض الخاصة بالمخرج أو مدير خشبة المسرح يمكن أن تساعدنا في تقويم كيف يحقق الأداء المستقل صورا متعددة من خطة الأداء بشكل صحيح، بما في ذلك مكان المشي والوقوف ووقت تغيير الإضاءة .... إلخ. ومع من أي سجل نستطيع أن نقوّم صواب العرض نفسه؟ . فمثلا، كيف نقوّم صـواب تصميم الملابس، أو الطريقة الصحيحة في الإلقاء؟. يبدو أن وصف (والتر ستورف) يساعدنا فقط في تقويم ما إذا كان الأداء هو ترتيل صحيح للنص، لكنه لا يساعدنا في تقويم ماذا كان تفسـيرا صحيحا له. وبذلك لا نستطيع امتلاك معرفة ما هو المطلوب للمثال الصحيـــح للعمل الذي يحتاجه (والتر ستورف) . وهذا يعني أننا لن نستطيع، وفقا ل (والتر ستورف) أن نؤدي أو نفسر (هاملت) بشكل صحيح.
 من المهم أيضا ألا نخلط فكرة العمل المثالي التي يمكن أن نقيس بها صحة العمل التحقيق المتقن لرؤية المبدع في العمل . فلا يوجد عمل يمكنه أن يفهم تماما قصد المؤلف. ولما كان المبدع لا يقصد أن يقدم عملا رديئا، رغم وجود الأعمال الرديئة . وهذا ما ينبغي أن يكون، لأن المبدع دون أن يدرك قد فشل في التعبير عن عمله المثالي، إذ اعتقد مثلا أن المشهد الختامي مؤثر بشكل كاف، بينما ينقلب في الواقع، ولم يتأثر به أحد . وغالبا لا يستطيع المؤلف أن يبدع بالضبط ما يتمناه أو يستطيع أن يقدمه . وهذا يصدق علي كل من العمل الأصلي وأي أمثلة له . والعرض المثال بالنسبة للمخرج هــو مجموعة من اللحظات من مختلف التدريبات التي لا يحتمل أن تتصادف في أداء مستقل واحد . لذلك فان مفهوم الصيغة المثالية لي يكون ثابتا، علي الأقل في حياة المبدع . فالصيغة المثالية تراجع ويتم تخيلها من جديد مع كل اختبار صحة يطبقه المبدع. . وفي النهاية الأعمال الفنية لا تنتهي : فهي متحررة من كل القيود . وبمجرد موت مبدعها لن يكون العمل الذي بين أيدينا سوي أفضل ما يمكن أن نقدم حتى الآن .
 الخاتمـة
 لكي نمثل حدثا حيا بأدق ما يمكن، فلابد أن يعكس السجل أكبر عدد ممكن من عناصر أنطولوجيته . فمثلا نشرة البرنامج التي توزع علي المشاهدين في الأداء الحي هي سجل للعرض لأنها تحدد الأجزاء المرتبطة به، ولكنه سجل ناقص لأنه لا يحتوي تقريبا أية معلومات عن النص أو أي أداء مستقل . وفهرست السجل الكامل يمكن أن يتضمن إشارة إلي النص والعرض علي الأقل، وأن يكون أدق تدوين للعرض المستقل الذي يسجله . ويمكن أن يعرف أيضا مبدع كل من هذه العناصر بإدراج اسم شكسبير كمؤلف للنص و(بيتر هول) كمخرج للعرض، و(أوليفييه) باعتباره الممثل الذي يؤدي دور (هاملت) واكبر عدد من أعضاء فريق التمثيل . ويمكن أن يحدد أيضا مصممي المشاهد والإضاءة والصوت والملابس باعتبار أنها عناصــر عرض معين . والفشل في تضمين أي من هذه العناصر في فهرس السجل يمكن أن يؤدي إلي اضطراب في العمل الذي ينعكس في السجل. فمثلا، هناك عده إصدارات لنص (هاملت)، وعدة عروض له، وحتى السير (أوليفييه) قد ظهر في أكثر من عرض .
 وعندما يتم تضمين المعلومات في ممارسة مجسدة . تكون تحديات تسجيلها ضخمة لأنه لا يمكن فهرسة أو تخزين الأجسام والأفعال . فسجلات الأحداث المجسدة قد حدثت، ولذلك يجب أن ترتكز علي أنطولوجية ضمنية ملموسة تميز العناصر الضرورية لهذا السجل، وأي منها يميز حدثا عن آخر . بينما تركز الأنطولوجيا السابقة علي الأداء المسرحي، فانه يمكن تطبيق أنطولوجية مماثلة (رغم أنها غير متطابقة بوضوح) لكي تصف الرقص وفن الأداء وحتى التاريخ الشفهي والثقافة .
 ---------------------------------------
 الهوامش
(1)قدم (لوبوف) تمييزا مماثلا (2006) .
(2)لا يتفق (سولتز) مع هذه الصيغة، ويسميها «مغالطة التفسير« ولكن برهانه خارج نطاق هدف هذا البحث .
“ كولن دوتي يعمل أستاذا لدراسات المعلومات في جامعة كاليفورنيا – لوس أنجلوس وهو من فناني المسرح السابقين، ويدرس المعلومات والمجتمع باهتمام شغوف المعلومات الخاطئة وتقويم الدليل .


ترجمة أحمد عبد الفتاح