الحروب.. والكتابة للمسرح

الحروب.. والكتابة للمسرح

العدد 802 صدر بتاريخ 9يناير2023

تشكل الكتابة للمسرح عملية جوهرية في التعاطي مع قضايا المجتمع المختلفة ومؤثرات (الحرب) واضحة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية على الأفراد، لذا كانت ثيمة الحرب وتبعاتها هي القيمة التي لم يتم تجاهلها على طوال الحقب التاريخية للمجتمعات والبلدان، منذ الإغريق وحتى الألفية الثالثة، ذلك أن الكاتب هو لسان حال مجتمعه ولا يمكن أن يتعامى على ما يمر به مجتمعه من أزمات الحروب ومخلفاتها، وبالتالي بالتأكيد يسعى لتناول زوايا تلك الحرب وتبعاتها على المواطن سواء بمنحى تحريضي ثوري أو بمعنى توعوي لأبناء شعبه من مغبة الانخراط بمسببات وإرهاصات هذه الحروب التي يشعلها أصحاب المصالح وتنال من الأبرياء ممن لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحروب، فمنذ الأدب اليوناني صورت المسرحيات الحروب ومنها (مسرحية الفرس) التي سلطت الضوء على معاناة المجتمعات جراء تلك الحروب التي جرت بينهم وبين الفرس، وكتب ارستوفانيس مسرحيته الكوميدية (لوسستراتا) في أحلك أيام أثينا التي كانت تعيشها وهي أزمة الحروب البيلوبونيزية الكبرى، وكتب شكسبير نص (أنطونيو وكليوباترا) وغيرها من النصوص التي تحمل ملامح الحروب بصورة دلالية أو ثيمة حاضرة في جوهر النص المسرحي، وكذلك خلال حقبة الحروب الأهلية الأسبانية شهدت إنتاج العديد من النصوص المسرحية التي تتحدث عن أسباب تلك الحروب وكيفية نجاة الفرد منها في ظل الفوضى والقتل المجاني الذي سببته تلك الحروب واثرها على الفقراء من المواطنين، ومنها مسرحية أنطونيو جالا (نوفمبر وقليل من العشب) التي صور فيها كاتبها عيوب الحرب الأهلية، وكتب المسرحي الألماني جورج بوخنر «موت دانتون» عام 1835، مستحضراً الأيام الأخيرة من حياة جورج جاك دانتون، أحد أهم رموز الثورة الفرنسية، كما كتب المسرحي الأمريكي روبرت ايميت شيروود مسرحية الطريق إلى روما  حمل فيها على الحرب من خلال سرده لأحداث حملة هنيبعل على روما في الحرب البونية الثانية، أما ما بعد الحربين العالميتين فحدث ولا حرج عن كمية النصوص التي قدمت وعن المؤثرات التي أحدثتها هاتين الحربين على الأدباء والمفكرين والفلاسفة سواء في فرنسا أو ألمانيا أو حتى بريطانيا وأمريكا وغيرها من البلدان الأوروبية المجاورة، فكتب الأديب الأميركي «بيرسيفالد وايلد» النص المسرحي المهم «أمهات الجنود»، الذي يتناول قصة سيدتين ولديهما يشاركان في الحرب ويتشاركان في نفس الاسم، مات أحدهما لتبدأ بين الاثنتين رحلة معاناة بحثا عمن فقدت ابنها. كما لابد من التنويه بان المسرح الأمريكي أثناء الحرب العالمية الثانية أخذ طابع الميلودراما والغنائية وغلب على بعض الكتاب الاتجاه إلى الدعابة ضد النازية وتنمية الشعور القومي، وبعد الحرب العالمية الثانية كتب الأمريكي آرثر ميلر نص (كلهم أولادي) عن جريمة ارتكبت عندما شحن شريكان أثناء الحرب أسطوانات تالفة لطائرات القتال، مما يتسبب في مقتل 21 طيار، وعندما يتم اكتشاف الأمر يسجن أحد الشريكين ويفلت الآخر من العقاب، وفي ألمانيا وضمن المسرح السياسي والمسرح الملحمي للألماني بسكاتور وبرتولد بريخت فقد تم تناول موضوعات الحرب بصورة واضحة ونقدها وفضح صناعها، بطريقة كبيرة كما في نص (الأم شجاعة) لبريخت ونص (99 في المائة: الخوف والبؤس من الرايخ الثالث) فقد عمل بريخت على فضح الحقبة النازية لهتلر وعانى الكتاب آنذاك من مطاردة السلطات النازية وتشريدهم من ألمانيا لأمريكا، فضلا عن بروز تيارات واضحة بعد الحربين العالميين ومنها مسرح الغضب وكذلك برز يونسكو ومسرح سارتر وكامو (المسرح الوجودي، المسرح العبثي، مسرح اللامعقول) وكذلك مسارح القرن العشرين (مسرح المقهورين، مسرح الجريدة، المسرح التسجيلي...المسرح السياسي) ومنها مسرحية بيتر فايس (فيتنام) (ماراصاد) كذلك تجارب مسرح أوغست بوال مع مسرح المقهورين، فضلاً عن تجارب المسرح الأمريكي (الحي،المفتوح، وغيره) والتي شكلت مظاهر احتجاج على كل المواقف السياسية والحروب والمعاناة التي تصيب الإنسان الحديث جراء هيمنة وتسلط الرأسمالية والثراء الفاحش للطبقات الحاكمة على حساب الطبقة العمالية (البروليتارية) اشد المتأثرين من هذه الحروب سواء كانت حروب عسكرية مباشرة، أو حتى حروب ناعمة باردة بمظاهر اقتصادية وسياسية أو حتى إرهابية تحريضية فوضوية أحياناً، وفي السنوات الأخيرة كذلك برز الكاتب البريطاني المعاصر (ديفيد هير) ليكتب عن حرب أمريكا على العراق عام 2003، عبر نصه المسرحي (أشياء تحدث) المقدم في لندن عام 2004، انتقد خلالها السياسة الأمريكية بنزعة تهكمية لتفكيك البنى السياسية التي كانت تقف وراء هذه الحروب. كما كُتبت عن الثورة الفرنسية العديد من النصوص الأدبية والمسرحية على وجه الخصوص وكذلك عن الثورات العربية وعن فلسطين وعن حروب العراق خلال الثمانينات وخلال حقبة التسعينات وحرب 2003، وقدمت هذه النصوص على شكل عروض في محافل ومهرجانات مسرحية متنوعة، كلها تدين الحروب وصناعها وتنتصر للإنسان في زمن الحروب فهو الخاسر الأكبر، وبهذا يمكن أن نقول بأن المسرح ملازم لقضايا الإنسان والمجتمعات ولاسيما الحساسة منها والتي تمس صميم حياته وكرامته.


حيدر الأسدي - ناقد وأكاديمي ( العراق )