العدد 752 صدر بتاريخ 24يناير2022
هذه الأيام تشهد غضبا ضد إدارة البيت الفني للمسرح بسبب مجموعة من القرارات المتعلقة بالتعاقدات، وهي تشابكات إدارية بسيطة ويمكن حلها بسهولة كما حدث لسابقتها.. لكنها تبقى رغم ذلك قادرة على كشف وجود أزمة حقيقية وعميقة في البيت الفني للمسرح؛ لذلك أعتقد أنه يجب علينا أن نتوقف عن طرح الحقائق والبدائل والبكاء والنقد والإشادة بالمجهودات، وأن نتوقف عند مرحلة الوصف على الأقل لوضع البيت الفني للمسرح قبل تحليله وبنائه والمشاركة في ترسيخ أو هدم ما يحدث؛ ذلك أن تاريخ البيت الفني للمسرح شهد للعديد من عمليات التأويل والتنازع، وأصبح هناك سرديات مختلفة تمتلك شكل اليقين حول تلك الإدارة والكثير من الأفكار والمسلمات المتناقضة والمتوافقة مثل:
البيت الفني للمسرح فاشل (تلك مسلمة) بحسب طرحين متناقضين يختلفان في السبب ويتفقان في النتيجة: الأول ينادي بأن فشل بفشل من تولوا إدارته هو السبب الأساسي لفشل الإدارة في تحقيق أهدافها وابتعادها عن مسارها. الطرح الثاني يرى أن فشل الإدارة لظروف خارجية (أو مؤامرة) وليس لفشل من تولوا رئاسته (وهذه ليست مجاملة لأحد أو لصالح شخص أو مجموعة أشخاص) فعبر مراجعة سريعة للأسماء التي تولت يمكن أن نرى مجموعة من الأشخاص الذين يمتلكون مشاريعهم الخاصة لتطوير تلك الإدارة سواء على مستوى محاولة الوصول للطبقة الوسطى، كما نجد عند دكتور أسامة أبو طالب، أو التسويق وتوسيع قاعدة التسويق وزيادة الموارد المالية عند دكتور أشرف زكي أو عبر محاولة فك تكلسات الجهاز والوصول لموارد تدريبية أو فتح المجال المغلق عند الأستاذ ناصر عبدالمنعم أو حتى عبر محاولة طرح تصور لهيكلة إدارية جديدة عند الأستاذ إسماعيل مختار..., تلك مجرد نماذج لمحاولات يمكن أن نجد مثيلاتها في تجارب السيد راضي وسامي خشبة.. الخ. يمكن أن نختلف في تقيمنا لتلك التجارب أو أن نرى أشخاصا أسهموا في التدمير وآخرين أسهموا في البناء.. لكن في النهاية لم تزل تلك الإدارة (البيت الفني للمسرح) متصدعة ومنهارة وضعيفة منذ الثمانينات وغير قابلة لقبول متغيرات الواقع ومتيبسة ومتآكلة تشيخ ببطء وثبات.. الخ.
هذا الطرح لا يعفي أحدا من المسئولية بشكل شخصي؛ لكنه في النهاية إما أن يحول الفشل لمسئولية غير محددة أو يحدد أشخاصا بعينهم ويعفي آخرين أو يدين الجميع في إعلاء لنظرية المؤامرة.
2 - البيت الفني للمسرح (أو البيوت الفنية أو مسارح الدولة.. الخ) هي من مخلفات الستينات والمشروع الثقافي الخاص بها.. وبالتالي فإن التنازع عليه أو حوله يتخذ بشكل مباشر صبغة سياسية أيديولوجية.. صراع بين القوى المحافظة والقوى التقدمية.. بين القوى الدينية والعلمانية.. بين أنصار الاقتصاد الحر ومؤيدي الاقتصاد الموجه.. بين ليبرالية واشتراكية.. بين القديم والجديد.. الخ. ببساطة هو أحد موضوعات الصراع السياسي والاجتماعي، وإن كان على مستوى هامشي بالتأكيد.. لكنه، وعلى العكس من إدارة المسرح بالثقافة الجماهيرية، أكثر عرضة لأنواع الصراعات الإعلامية والسياسية كافة داخل النظام السياسي أو بينه وبين معارضيه أو حلفائه المؤقتين أو حتى المستوى الاجتماعي.
3 - البيت الفني للمسرح هو إدارة حكومية صغيرة تعاني تبعات التحولات الاقتصادية والسياسية وانسحاب الدولة من عمليات الرعاية والدعم المباشر لصالح الحملات والفعاليات والأحداث المؤقتة والمحدودة (مثل حضور رئيس الجمهورية لعرض مسرحي هنا.. مهرجان دولي هناك.. ورش تدريبية ممتدة أو محدودة.. الخ) بالإضافة لعمليات الدعم غير المباشر، وهذه يطول الحديث عنها وليست بموضوعنا الآن.. كما أنه يعاني من الأعراض المرضية كافة المصاحبة للشيخوخة الطويلة والمزعجة للجهاز الإداري للدولة.. كما يعاني من تبعات مشروع تقليص الجهاز الإداري للدولة التي لم تطرح مشاريع جزئية للتطوير الإداري الخاص بكل جهة، وإنما اكتفت بوضع تصور عام مدمر لقطاع الثقافة بشكل كامل (في حدود ما نتحدث عنه).. وأخيرا، يعاني من العراقيل التي تقيده على المستوى المالي تحديدا نتيجة للتضخم الاقتصادي المتصاعد منذ السبعينات والعراقيل القانونية واللوائح التي تجعل من أي محاولة للحركة أمرا مستحيلا.
4 - البيت الفني للمسرح جهة إنتاج فني تقليدية ومتكلسة (باستثناء عرض هنا وعرض هناك لعناصر بشرية مميزة وليس لوجود سياسة ثقافية أو توجهات فنية أو عمليات تحديث) جهة فنية تحظى بدعم الدولة، وتقيد المسرح المصري وتمنعه من التطور نتيجة لكثير من العوامل الداخلية مثل الضوابط واللوائح وانعدام التدريب والانغلاق والموقع السلطوي الذي تحتله الإدارة المسرحية داخل الحركة المسرحية بشكل عام، كما يرتبط ذلك بعوامل خارج البيت الفني للمسرح متعلقة بانسداد كامل على المستوى الاجتماعي، ورفض لعمليات التطوير والتحديث من أعلى نقاط النظام السياسي، وحتى التنازع الاجتماعي والسياسي بين اليمين الديني واليمين المحافظ التقليدي الذي يهيمن على السلطة.. كذلك عدم وجود مشروع بديل مطروح على تلك الإدارة نتيجة انعدام الإرادة السياسية في وزارة الثقافة منذ الثمانينات وحتى اليوم، وعدم وجود مشاريع بديلة حقيقية أو قابلة للإنجاز، وإلا لكانت قد طرحت نفسها بوصفها بديلا عن النظام السياسي، على الأقل الذي يحافظ على تلك الإدارة لعدم توافر بديل يوفر ما يوفره من إمكانيات.
5 - البيت الفني يمتلك أغنية البجعة الأخيرة قبل موته الأخير في صورة مرثية ذاتية طويلة ومحاولة للفكاك وهروب البعض مثل النداء المتكرر بفصل المسرح القومي عن البيت الفني للمسرح.
تلك مجرد ملامح لتلك السردية.. التي ربما يمكن أن نجد سرديات موازية أو مخالفة لها.. مثل السردية التي تتحدث عن النجاح والنمو المستمر للبيت الفني للمسرح، لكن لنكن محددين هنا.. فالسرديات البديلة تحتاج لتحليل مختلف وطريقة مختلفة في التناول.. لنتركها جانبا وضع نقطة محددة تتجمع حولها تلك المتغيرات كافة.
إن البيت الفني للمسرح يتعرض للكثير من المتغيرات الواقعية الداخلية والخارجية؛ لكنه لم تشهد أي متغير حقيقي على مستوى البنية الإدارية أو مستوى التوجهات الفنية.. مما يعني أنه متكلس ومتيبس (لاحظ تكرار وتواتر تلك التعبيرات ومرادفتها عند وصف البيت الفني للمسرح)؛ أي أننا ذاهبون بوعي أو بدون وعي لنهاية تلك الإدارة فعليا مع تقدم الزمن.. سواء بقرار حكومي أو بتقدم الزمن.. وتلك حقيقة يعلمها الجميع، للأسف!