العدد 569 صدر بتاريخ 23يوليو2018
في عام 2001 صدر كتابي (محاكمة مسرح يعقوب صنوع) - الذي أثار جدلا عربيا وعالميا، وما زال يثيره حتى الآن – وفيه ألغيت ريادة صنوع للمسرح العربي في مصر، وأتيت في الكتاب بوثائق وكتابات صحفية معاصرة، أكدت بها وجهة نظري. وحتى الآن لم يظهر الباحث العربي أو العالمي، الذي يفند وثائقي وأدلتي، ويأتي بوجهة نظر تخالف وجهة نظري!
في عام 2014 نجح الدكتور مؤيد حمزة في جمع أغلب ما كُتب باللغات الأجنبية عن كتابي هذا، ولاحظ أن أغلب الأجانب عجزوا عن مناقشة أدلتي، وأصابهم الذهول من منطقي العلمي وقوة أدلتي ووثائقي، لذلك لم ينجحوا في الرد العلمي على ما جاء في الكتاب، فحولوا سهام كتاباتهم نحو إلصاق تهمة (معاداة السامية) بي، حيث إن يعقوب صنوع يهودي الديانة! وكتب الدكتور مؤيد حمزة مقالة حول هذه الكتابات، تحت عنوان (تحالف علمي متصهين يوجه اتهامات بمعاداة السامية للأستاذ الدكتور سيد علي إسماعيل بعد قيامه بتفنيد ريادة يعقوب صنوع المسرحية المزعومة). وهذه المقالة نشرها الدكتور مؤيد حمزة مرتين - الأولى في موقع نادي الجسرة الثقافي الاجتماعي، والأخرى في موقع الفرجة للفنون العربية للإعلامية بشرى عمور – وكتب في خاتمتها الآتي:
“... يبدو أن كتاب (محاكمة مسرح يعقوب صنوع) قد أصاب جهود أولئك بمقتل، حيث تهاوت فرضياتهم غير العلمية واللاموضوعية في إعطاء الريادة لغير أهلها لهدف سياسي بحت.. إن الكثيرين ممن كتبوا يهاجمون كتاب المحاكمة ويتهمون العالم الدكتور سيد علي إسماعيل بشتى أنواع التهم المضحكة وغير العقلانية إنما هم مدفوعون بدوافع لا علمية ولا موضوعية ولا تخلو من النزعة، وليس هذا فحسب بل إنهم لم يقرأوا الكتاب أو لم يقرأوه بما يستحق من العناية والدراسة والتركيز... من كل ما سبق نلاحظ أن الأستاذ الدكتور سيد علي إسماعيل تعرض لحملة تشويه منذ بداية صدور كتابه وحتى الآن، دون أن يجد من يقف إلى جانبه في حمل قضية أكبر بكثير من أن يحملها رجل واحد، فيما تتناوب مجموعة كبيرة من الباحثين في مؤسسات أكاديمية وبحثية عريقة وقوية ميزانيات جامعاتها تعادل بل وتفوق ميزانيات معظم دولنا العربية، ورغم ذلك لم يتمكنوا منه حتى يومنا هذا”.
لعل القارئ يسأل الآن: ما علاقة هذا الموضوع بالدكتور حازم عزمي؟! هنا تأتي المفاجأة! ففي أبريل 2014 كنت أبحث في الإنترنت عن كل ما كُتب بالإنجليزية حول كتابي (محاكمة مسرح يعقوب صنوع) – لأجمع أكبر قدر من الكتابات دعما لمقالة الدكتور مؤيد حمزة - ووجدت فقرة منشورة في كتاب (رفيق كامبريدج إلى تاريخ المسرح The Cambridge Companion to Theatre History) تتحدث عن كتابي. فتتبعت هذه الفقرة، وعرفت أن صاحبها هو الدكتور حازم عزمي، الذي كتب الفصل الثامن عن المسرح المصري في كتاب رفيق كامبريدج. وعلى الفور اتصلت به وطالبته بأن يترجم هذه الفقرة ويكتبها بنفسه وبأسلوبه وبترجمته حتى أستفيد منها في مقالة ستُكتب حول الكتابات الأجنبية التي تعرضت إلى كتابي (محاكمة مسرح يعقوب صنوع)، وبالفعل أرسل الدكتور حازم ترجمة هذه الفقرة، وها هي بنصها، كما أرسلها، وفيها يقول:
“مال صنوع إلى خلق مسرح يعتمد على التفاعل مع الجمهور، بيد أن هذا التوجه لم يكتب له البقاء طويلا إذ أغلق مسرحه في 1872 (وذلك وفقا لروايته هو والتي تذهب إلى القول بأن المغزى السياسي الاجتماعي في أعمال صنوع قد جلبت عليه غضب إسماعيل). والحق أن الجدل الدائر حول ريادة صنوع يتطلب حديثا منفردا لا يتسع له المقام هنا، حسبنا أن نقول إن جهود صنوع المضنية في تقديم نفسه بوصفه من دعاة القضية الوطنية البارزين، لا بد وإن كان لها الفضل الأكبر في أن يعاد اكتشافه على أيدي مؤرخين ونقاد ممن عاصروا المد الوطني في مرحلة ما بعد 1952. وهكذا أعاد هؤلاء اختراع صورة صنوع بوصفه المؤسس الأصلي للممارسة المسرحية المصرية الأصيلة، وأكدوا أن إصراره على مواجهة أصحاب السلطة بالحقيقة قد أدى به في نهاية المطاف إلى الاصطدام مع حاكم طاغية ومتهتك مثل إسماعيل، الذي لم يكن بدوره سوى سليل أسرة محمد علي الأجنبية البغيضة. ومن العجب بمكان أن الكُتّاب الذين صاغوا تلك القناعات لم يلتفتوا البتة إلى الكثير من التناقضات وأوجه التضارب التي اعتورت ما ساقه صنوع عن نفسه من روايات غير موثقة حول طبيعة إنجازاته في المسرح وفي الشأن العام. كل تلك التناقضات نجدها مشروحة بدقة ودأب وإسهاب لدى المؤرخ المسرحي سيد علي إسماعيل في كتابه الصادر في 2001 بعنوان (محاكمة مسرح يعقوب صنوع)، وفيه يرسم الكاتب لصنوع صورة تختلف اختلافا جذريا عن صورته المستقرة في الأذهان، إذ يبدو فيها كمحتال لا يعني إلا بالترويج لنفسه».
هذا ما كتبه الدكتور حازم عزمي عام 2013، ولم يكن بيننا أية معرفة سابقة، ولم ألتقِ به ولم أتعرف عليه ولم تبدأ صداقتنا بعد! أي أن الدكتور حازم كتب هذا الرأي بقناعة بحثية علمية تامة، دون أي تأثير أو توجه من أي إنسان، ولم يتأثر – في رأيه هذا - بالكتابات الأجنبية الصهيونية، التي هاجمتني وهاجمت كتابي، واتهموني بعداء السامية! وكفى لي أن الدكتور حازم – دون سابق معرفة – وصف ما كتبته بالدقة والدأب والإسهاب، ووصفني بالمؤرخ المسرحي، كل هذا في كتاب صدر باللغة الإنجليزية في إنجلترا!
هذا الرأي أرسله إلي الدكتور مؤيد حمزة - كما ترجمه وأرسله لي الدكتور حازم - فلم يدرجه الدكتور مؤيد في مقالته ضمن الكتابات الأجنبية؛ لأن ما كتبه الدكتور حازم يخرج عن نطاق معايير المقالة وهدفها؛ حيث إن الدكتور حازم لم يتهمني بمعادة السامية مثل الأجانب، وكان رأيه علميا بخلاف آراء الأجانب المتصهينين سياسيا. وقد وافقت الدكتور مؤيد على رأيه هذا، واقتنعت به، خشية أن يُحسب الدكتور حازم ضمن المهاجمين للكتاب وصاحبه، ويُحسب ضمن المتصهينين سياسيا!
واحتفظت برأي الدكتور حازم وما كتبه عني، وقررت أن أذكر رأيه هذا في ندوة أو بحث علمي أجمع فيه كل جديد مكتشف حول وهم ريادة صنوع للمسرح العربي في مصر! وهكذا احتفظت بهذا الأمر طوال أربع سنوات، وكنت أنوي إسعاد الدكتور حازم بموضوعي هذا عندما يُنشر، ولم أكن أتوقع أن القدر خطط للأمر بصورة درامية مأسوية بهذا الشكل؛ حيث حكم القدر أن أكتب الموضوع الآن، وأنا على ثقة بأن الدكتور حازم عزمي لن يقرأه.. لأنني كنت معه منذ سويعات قليلة في رحلة الذهاب الأبدية.. فقد شاركت في وداعه والصلاة عليه ووضعته في القبر بيدي! رحمك الله يا حازم رحمة واسعة وأدخلك فسيح جناته!