الهجرة في المسرح في رساله ماجستير

الهجرة في المسرح  في رساله ماجستير

العدد 784 صدر بتاريخ 5سبتمبر2022

ناقشت الباحثة أسماء محمد علي سليمان محمد قورة رسالتها للماجستير والمعنونه بالمعالجة الدرامية لقضية الهجرة في المسرح النوبي دراسة تحليلية لنماذج مختارة بجامعه الزقازيق كليه التربيه النوعيه .
وتكونت لجنه المناقشه. ا.د/ أحمد عبد اللاه محمد بدوي 
أستاذ النقد الأدبي بالمعهد العالي للنقد الفني - أكاديمية الفنون - القاهرة
: ا.د/ محمد إبراهيم أحمد شيحه 
أستاذ الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية - أكاديمية الفنون - القاهرة
د/ شيماء فتحي عبد الصادق أستاذ الفنون المسرحية المساعد بقسم العلوم الاجتماعية والاعلام - كلية التربية النوعية - جامعة الزقازيق، د/ أمينة عامر بيومي مدرس الفنون المسرحية كلية التربية النوعية جامعة الزقازيق.
اما عن الرساله فلا يخفي علي احد ان فن المسرح يرتبط بالحياة اليومية ارتباطًا كبيرًا من ناحية التعبير عن قضاياها ومشاكلها، فله دور مهم من خلال طرحه للعديد من القضايا التي تهم المجتمع وتشغل باله، حيث تمثل قضايا المجتمع مادة خصبة للكتاب المسرحيين، لذلك لا يمكن للعاملين بالمسرح أن يكونوا في عزلة عن الحياة المعاصرة والمشكلات الاجتماعية اليومية التي توجد في الحياة.
   وتعد المسرحيات أشد قربًا للواقع عن طريق قدرتها على إعادة بناء الواقع بشكل درامي مصنوع، وما يمنحها فنية ويزيد حيويتها هي معالجتها للمشكلات المعاصرة وتدقيق البحث فيها، فيعبر المسرح عن القضايا الاجتماعية والواقعية والتاريخية، ويجسد ويترجم نصوصًا أدبية أمام المشاهدين باستخدام مزيج من الكلام، الإيماءات، الموسيقى، فهو انعكاس لقضايا اجتماعية وسياسية، لذلك فقد اتجه الكتاب للأخذ من الظواهر الإنسانية، فظهرت العديد من الأعمال المسرحية التي استقت أعمالها من الواقع.
    تمثل قضية الهجرة قضية محورية، اهتم بها الكثير في مجال البحث الاجتماعي والأدبي إلى حد ٍ سواء؛ لتأثيرها على الشكل الديمغرافي للسكان وتغيير خصائصهم الاجتماعية، فهي ظاهرة عالمية، حيث أن كثير من البلدان والدول تتعرض لها، بل إن هناك بعض الدول تعتبرها أداة مهمة للتنمية الاقتصادية ووسيلة لنهضة ورقي البلاد
     لذا شكلت قضية الهجرة في النوبة مصدرًا فكريًا لبعض من كتاب المسرح، مثل حجاج أدول، شاذلي فرح، حازم شحاتة، ذلك لأنها مشكلة ما زالت قائمة بالفعل، لذلك تتأثر رؤية الكُتاب الفنية بالمتغيرات السياسية والاجتماعية التي مر بها المجتمع عبر السنوات.
     وتتمثل مشكلة الدراسة في أنها تنبع من انتشار الهجرة في معظم دول العالم، مما دفع الباحثة للبحث في المراجع العربية والأجنبية للوقوف على أسبابها وأنواعها والآثار المترتبة عليها، كظاهرة تتميز بالاستمرارية، حيث أكدت الدراسات أن قضية الهجرة كانت إحدى القضايا التي شغلت الرأي، فكانت لابد أن تنعكس صورتها في المسرح، لذلك نجد أن هذه الدراسة تطرح قضية أساسية وهي ضرورة إلقاء الضوء على كيفية استخدام الكتاب النوبيين لقضية الهجرة في مؤلفاتهم. 
     كما تكمن أهمية الدراسة في شقين نظري وتطبيقي، فالأهمية النظرية تتمثل في:- ندرة الدراسات المتعلقة بقضية الهجرة في المسرح إلى حدٍ ما، إلقاء الضوء على أنواع الهجرة وأسبابها والآثار المترتبة عليها، معرفة أصول وتاريخ النوبة، معرفة التغيرات النفسية التي لازمت النوبيين عند الهجرة، دراسة التغير الثقافي والاجتماعي للمهاجرين. 
أما الأهمية التطبيقية تتمثل في:- الكشف عن الأساليب الفنية التي استخدمها الكُتاب في معالجة هذه القضية، إلقاء الضوء على نوع الهجرة التي تعرضها المسرحيات “عينة الدراسة”، طرح العادات والتقاليد والموروثات النوبية التي تتناولها النصوص عينة الدراسة.
    كما تهدف الدراسة إلى: الكشف عن القوالب الدرامية في الأعمال المسرحية “عينة الدراسة”، كشف الفوارق الزمانية أو المكانية لدى الكُتاب خاصة أن هناك كتابات تعود لمرحلة التسعينيات وكتابات أخرى في وقتنا الحالي، تحديد جماليات اللغة في المسرحيات (عينة الدراسة)، رصد العادات والتقاليد التي كانت سائدة في النوبة قبل بناء السد العالي، معرفة التغيرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع النوبي، التعرف على كيفية توظيف كُتاب المسرح لقضية الهجرة في مؤلفاتهم. 
الفصل الأول بعنوان الاطار المنهجي للدراسة ويشمل مشكلة الدراسة، أهمية الدراسة، أهداف الدارسة، منهج الدراسة، مصطلحات الدراسة، أدوات وعينة الدراسة، الدراسات السابقة، التعليق على الدراسات السابقة
: أما الفصل الثاني بعنوان الإطار المعرفي ويضم مبحثين الأول بعنوان المسرح والهجرة ويشمل أنواع الهجرة، أسباب الهجرة، النتائج المترتبة على الهجرة، والمبحث الثاني بعنوان مظاهر الحياة في المجتمع النوبي ويشمل أصل تسمية النوبة، السياق التاريخي للمجتمع النوبي، مظاهر الحياة الاجتماعية للنوبيين، عادات وتقاليد المجتمع النوبي، مظاهر الحياة الثقافية.
أما الفصل الثالث بعنوان الدراسة التحليلية ويضم أربعة مباحث فالمبحث الأول بعنوان : المعالجة الدرامية لقضية الهجرة في مسرحية ناس النهر للكاتب حجاج أدول، المبحث الثاني: المعالجة الدرامية لقضية الهجرة في مسرحية النوبة دوت كوم للكاتب حازم شحاتة، المبحث الثالث: المعالجة الدرامية لقضية الهجرة في مسرحية ليل الجنوب للكاتب شاذلي فرح، المبحث الرابع: المعالجة الدرامية لقضية الهجرة في مسرحية دهيبه للكاتب شاذلي فرح.
وقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج أهمها ما يلي:
1- إن ما حدث مع أهالي النوبة في مصر لم يكن تهجيرًا بالمعنى السياسي للكلمة، وإنما كانت هجره شبه قسرية، فكان قرارًا تاريخيًا شديد الأهمية لهذه البقعة من الأرض تحديدًا ولشتى الأماكن في مصر، حيث مثل السد حجر زاوية وركن أساسي كان لابد منه حيث الحفاظ على الماء واستخدامه في الزراعة وتوليد الكهرباء، لذلك كانت الهجرة قرار اقتصادي مهم أفاد الجميع، فجغرافيا المكان هو الذي سَّبب قضية الهجرة، فخزان أسوان قد احتجز أطنان هائلة من المياه ارتفعت رأسيًا بشكل متوازن مع مواسم الفيضان، ثم امتدت أفقيًا لتأكل الأرض وتغرق النخل وكأنها طوفان، فكان لابد من الرحيل سواء كانت هجرة أو تهجير، فإن المشروع المائي الضخم كان في مصلحة مصر الوطن الأم، والرحيل الاختياري عن طريق الهجرة، أو الرحيل القسري عن طريق التهجير كان في مصلحة أهالي النوبة.
2-بناء الأوطان يحتاج إلى تضحيات كبيرة ولكل نهضة العديد من السلبيات، ولكن مصلحة الوطن الكبرى هي التي تحدد الأهمية، فأرض النوبة التي غرقت ورحل أهلها قد أضاعت على مصر آلاف الأفدنة الخصبة وملايين النخيل المثمرة وكم هائل من الآثار. 
3- قامت الدولة في مراحل التهجير المختلفة منذ عام 1922 وحتى التهجير الأخير عام 1963م بحصر أراضي النوبة وتعداد السكان وإعداد كشوف الممتلكات، بالإضافة إلى أعداد النخيل، وتم تعويضهم عن كل نخلة وكل شبر أرض بالإضافة إلى إعطائهم منازل بديلة، كما جاء على لسان (عادل) في مسرحية دهيبة للكاتب شاذلي فرح. 
4- المواطن النوبي في جميع المسرحيات عينة الدراسة يجيد استخدام اللغة العربية باللهجة الصعيدية أو باللهجة العامية وتبقى اللهجة النوبية ثقافة خاصة ولغة تواصل بين النوبيين، ولكنهم في الأحاديث الرسمية والتعليم الحكومي ولغة التواصل فإنهم عرب ومصريون. 
5- قضية الهجرة في المجتمع النوبي قضية اجتماعية قديمة، فالنوبيين كانوا يفضلون الهجرة إلى الشمال للبحث عن فرص عمل بديلة أملًا في الثراء وكسب المال؛ لأن المجتمع النوبي مجتمع بسيط محصور بين مياه النيل وزراعة النخيل ورعي الأغنام؛ ولذلك فإن الشباب النوبي كان يُهاجر دائمًا لسنوات طويلة إلى القاهرة والاسكندرية وغيرها من المحافظات، وبعد الثورة حينما ظهرت ممالك البترول في الخليج العربي تسابق شباب النوبة إلى الهجرة والعمل لدى الكفيل العربي لنفس السبب السابق وهو البحث عن الأموال كما في مسرحية ليل الجانب للكاتب شاذلي فرح.
6 - للمرأة مكانة كبيرة في المجتمع النوبي فمنها البداية وإليها النهاية، حتى أنه في مسرحية دهيبة للكاتب شاذلي فرح نجد الفتاة الجميلة (دهيبة) هي النوبة نفسها، لنستنتج أن المرأة في المجتمع النوبي هي الوطن، وكذلك فإن الفتاة (آشا أشري) في مسرحية ناس النهر للكاتب حجاج أدول تمثل النوبة نفسها مما يؤكد أن المرأة تمثل الوطن عند النوبيين. 
7- هناك ثنائية غريبة عند النوبيين، فالنوبي ولد ليهاجر بحثًا عن الرزق أو الجندية في سلاح الحدود أو الحياة أكثر رفاهية، ولكن النوبي حينما يُهاجر يظل حنينه إلى الوطن الأم وإلى الأرض السمراء يجذبه بقوة حتى يعود إلى نفس الأرض وإلى المجتمع. 
تختلف نظرة المصريين بصفه عامة لقضية الهجرة للمجتمع النوبي حسب الاهتمامات والثقافات والمسئوليات، فالكتاب أمثال شاذلي فرح، حجاج أدول، حازم شحاته، ينظرون إلى قضية الهجرة على أنها تجربة انسانية ثريه تلهم الأدباء بكتابة الأدب بصفه عامة من مسرح وقصص وأشعار والغوص في النفس البشرية والتعبير عن الصراعات والآمال والآلام التي تركتها قضية الهجرة في نفوس المجتمع النوبي، أما المثقفون والمتعلمون في المجتمع النوبي كما في شخصية الشاب الجامعي (مرجان) في مسرحية ليل الجنوب بسبب ثقافته ومستوى تعليمه كان يرى أن الهجرة شيئ طبيعي و ومنطقي، لأن مصلحة الأمة المصرية أكبر من المصلحة الفرعية لقرى النوبة، وكان يعلم أن إنشاء مشروع مائي ضخم ينظم مياه النيل ويعمل على توليد الكهرباء وإقامة المصانع العملاقة شئ طبيعي وأساسي لتطوير المجتمع، وهي ليست فكرة (مرجان) كشخص ولكنها فكرة المثقفين في المجتمع النوبي. 
 الناس البسطاء الذين لا يجيدون حرف الصناعة، لم يتلقوا حظ من التعليم مرتبطين بالأرض، فهم لا يعلمون الكثير عن الوطن الكبير مصر، وإنما ولدوا في هذه القرية البسيطة بين ربوع النيل وظلال النخيل كل أحلامهم أن يعيشوا هادئين ويموتوا ويدفنوا في هذه الأرض فالمشروعات الكبيرة وقرارات الدولة لا تمثل لهم شئ يذكر، وإنما فقط النوبة والأرض والنخيل، وفي كل مسرحية تمت دراستها سوف نجد صورة هذا الانسان النوبي البسيط الذي لم يرحل إلا بالموت كما في مسرحية ناس النهر نجد شخصية (منيرة) ومسرحية النوبة دوت كوم شخصية (كنود).
 العمدة كمسئول في القرية يؤمن بالسلطة المركزية في القاهرة والهجرة عنده تمثل قرار حكومي واجب النفاذ، فهو يعلم أنه رجل مسئول عليه أن ينفذ أوامر الدولة ويقنع المواطن بالرحيل، ولكن في مسرحية حجاج أدول، ناس الهر كان العمدة حائرًا بين تنفيذ قرارات الدولة وبين حب الناس في البقاء، فكان دائمًا يعقد الاجتماعات مع سكان القرية دون أن يصل إلى حل حتى وافته المنية، وتم تعيين (شلالي) العمدة الجديد الذي عمل على تنفيذ قرارات الدولة.
11- يتصف الصراع في النص المسرحي (ناس النهر) في أنه متداخل ومركب بين الشخصية المحورية في النص (آشا) وبين جميع شخصيات المسرحية، فمن خلال الأحداث يتصاعد الصراع حتى يصل إلى الحل من خلال المرور بالعقد المركبة ومن خلال الصراعات المتعددة، وفي مسرحية (دهيبه) تم بناء هذا النسق المسرحي على شكل يشبه كتابات الأساطير، حيث أنه اتخذ واقعة حقيقية ولكن الكاتب لم يسردها سردًا واقعيًا أو تاريخيًا، ولكنه أسقط عليها خياله بشكل أشبه بالحكايات الأسطورية، شكل إله الخير (آمن نتو) وكذلك إله الشر (آمن دقر)، وكذلك أسطورة السحر والحسد المتمثلة في اللعنة الأبدية التي تطارد الفتاة (دهيبه)، حيث أنها ممنوعة من الاقتراب أو التصوير.
الشخصية المسرحية تشكل رموزًا ذات دلالات كثيفة، ولذا تتمثل بنية شخصية الرمز في مسرحية (ليل الجنوب) كما في شخصية نخل وهو اسم العمة الأولى، فالنخلة تتسم بالشموخ وطول القامة ووسامة المنظر والثبات في الأرض، وكذلك كانت العمة (نخل) بها مواصفات النخلة طويلة القامة، ممشوقة القوام، جميلة الوجه.
تتمثل بنية الزمان في مسرحية (دهيبه) حيث الهجرة الأخيرة للنوبيين، والتي تمت عام 1963، أما بنية المكان في النص المسرحي يتمثل في إحدى قرى النوبة، فلم يتم تحديد اسمها أو موقعها، واكتفى الكاتب أن يبين أنها قرية ولها عمده اسمه (أوكاشا)، أما في مسرحية (ناس النهر) فبنية الزمان تتحدث عن أرض النوبة في فترة إسماعيل باشا صدقي والذي تولى رئاسة الوزارة عام 1930م، أي لمدة سنتين ونصف، وعلى مدى زمن يمتد في متوسط خمسة عشر عام، وهو عمر الفتاة الصغيرة (فاطم) التي ولدت في بداية أحداث المسرحية، وكان يوم زفافها في نهاية المسرحية، أما بنية المكان في النص فتدور أحداث المسرحية في قرية من قرى النوبة لم يتم ذكرها بالتحديد، ولكنها تعتبر عينة جغرافية تتحدث عن كل ما جرى في أرض النوبة، كما يوجد بُعد آخر في النص وهو جهة الشمال، حيث مدينة الاسكندرية برزقها الوفير ونسائها البيض وبحرها المالح.


محمود سعيد