كيف تفعل أشياء على خشبة المسرح؟ (2-2)

كيف تفعل أشياء على خشبة المسرح؟ (2-2)

العدد 672 صدر بتاريخ 13يوليو2020

• استيفاء الشروط : الأداء المرتجل :
يقترح تحليل الطلب الذي يؤدى علي خشبة المسرح أن يتجاوز الفعل عقبتين قبل أن نقول إن له قوة أدائية :
1 - يجب أن يكون الفعل معقولا حتى يحاول الممثل بصدق أن يحقق شروط استيفاءه .
2 - إذا نجح الفعل، ولم ينجح النص، فيجب أن يكون السبب هو استيفاء تلك الشروط .
 بشكل ملحوظ، تنشأ هذه العقبات لأن الأداء منصوص عليه ومتدرب عليه، وليس لأن الأحداث المجسدة خيالية . تخيل أنه في منتصف الأداء، يلتفت الممثل الي المتفرجين ويطلب منهم أن “يقفوا من أجل دخول جلالة الملك“. ويعرف المتفرجون أنهم ليسوا في بلاط ملكي وأن الرجل الذي يوشك أن يدخل ليس ملكا . ومع ذلك، من الممكن تماما أن يطيع المتفرجون الطلب في الواقع ويقفون. وسوف يفعلون ذلك إذا صدقوا أن الممثل يقصد فعلا طلبه أن يجعلهم يقفوا، وهذا يعني، وفقا لسيرل، أنه يقول النطق بصدق وبقصد التمثيل . إذ لا يتم التدرب علي استجابة المتفرجين، وتحدث لسبب طبيعي تماما ؛ قاموا لأنهم طٌلب إليهم أن يفعلوا . والطريقة الشائعة لوصف هذه الظاهرة هي أن نقول إن المتفرجين “ يؤدون مع الممثلين” . وبالتأكيد هناك جرعة كبيرة من التظاهر هنا : يتظاهر الممثل بأنه عضو في بلاط الملك، ويتظاهر المتفرج بأنه موجود في البلاط . ومع ذلك، لا يتظاهر الجمهور بأنه يقف . إنهم يفعلون ذلك لأن الممثل لا يتظاهر بتقديم طلب هنا، بل انه يطلب ذلك فعلا . إذا استاء بعض الجمهور ن الأداء مع الممثلين ورفضوا الوقوف، فان استيائهم يشهد أيضا أن الفعل له قوة أدائية في النهاية، وأنه يمكن رفض طلب حقيقي . وإذا لم يقف الجمهور لأنهم لا يصدقون أن الممثل يطلب منهم فعلا أن يقفوا فسوف يكون الفعل خاليا من القوة الأدائية .
 ويمكن تعميم هذا الموقف علي أي أداء لا تكون فيه أفعال الممثل معدة مسبقا . وفي أثناء الارتجال بين مدير وموظف، يأمر الممثل/المدير الموظف/ الممثل بمغادرة الغرفة، وهذا الفعل سوف يعطي الموظف/الممثل سببا لم يكن لديه من قبل أن يغادر منطقة التمثيل . فإذا غادر، فسوف يكون ذلك لأنه قد فهم الأمر وشروط استيفائه . وإذا بقي، فانه لا يطيع الأمر، وأن كلى الممثلين يحتاجان الي التعامل مع هذه الحقيقة . ومرة أخرى تنطبق السببية المنتظمة .
 للإشارة إلى أن الممثل يتظاهر بإصدار أمر هو مسألة ليس لها معنى كبيرا . فهذا الأمر من المفترض أن يفعل ما تفعله الأوامر وفقا لنظرية فعل الكلام : ينشئ شرط استيفاء ذاتي الإشارة . والتظاهر هنا هو السياق، وليس الفعل نفسه . فمن الممكن أن نؤكد بصدق وصراحة أن : “ الممثل الذي يتظاهر بأنه مدير يتحدث الي أحد موظفيه يصدر أمرا “، “ موضحا أن أي التزامات ضمنية في الأمر لا ترتبط بالممثل إلا في أثناء أداء دوره كمدير “ . وهذا التأكيد يصف شيئا يفعله إنسان من لحم ودم – وهو الممثل – في مكان وزمان محددين في العالم الحقيقي – وهو خشبة المسرح التي يرتجل عليها الممثل أثناء الأداء . ويصح أن نقول أيضا، ولكن بتأكيد آخر تماما، أن الشخصية هي التي أصدرت الأمر . هذا التأكيد الأخير هو تأكيد عن القصة التي يجري تمثيلها، ولا يمتد إلى وجو حدث من أي نوع في العالم الحقيقي .
 ولكن هل الممثل الذي يلعب دور المدير لديه سبب فعلا أن يريد من الممثل الآخر أن يغادر الغرفة ؟ ولماذا يجب عليه ذلك ؟ . الممثل الآخر ليس مرءوسه فعلا . والمطلوب هنا طريقة معينة للممثل حتى يتبنى ما يسميه برنارد وليامز “ وضع تحفيزي ذاتي subjective motivational set للشخصية الخيالية .
 في الحياة الفعلية، يخضع الوسطاء تدريجيا إلى إضافة مماثلة إلى وضعهم التحفيزي الذاتي كلما تصرفوا نيابة عن شخص آخر . والمثال النموذجي هنا هو الموظف الذي يعمل نيابة عن الشركة . فهل لدي عامل التليفون شخصيا سببا لأن يعطيك رقم التليفون ؟ وهل للمغني شخصيا الحق في أن يرى تذكرتك قبل دخول قاعة المسرح ؟ . الأمر مغري ولكن ليس من المفيد أن نقترح أن الأسباب التي يملكها الموظف لمثل هذه الأفعال ليست أسبابه . فما معنى أن نسمي أشياء بأنها “ أسباب الوسيط “ بخلاف أنه يوفر سببا للوسيط كلي يقوم بشيء ؟ . الأسباب التي يملكها الموظفين لمثل هذه الأفعال تدخل ضمن وضعهم التحفيزي الذاتي كحزمة من الأسباب المنصوص عليها بشكل تأسيسي . بمعنى آخر، تٌستمد هذه الأسباب من رغبة الموظفين العامة لانجاز وظيفتهم داخل المؤسسة . وبمجرد أن يخرج الموظفون من ذلك الدور، سواء مؤقتا أو دائما، فسوف تترك المجموعة الكاملة من الأسباب وضعهم التحفيزي فورا . فالأفعال التي يتم أداؤها لأسباب متعلقة بالدور تتوافق مع ما أسميه، حسما للخلاف، “ النوايا المستعارة borrowed intentions” . وبالمثل، ربما تستوفي أفعال الممثلين النوايا المستعارة بأن يتراجع عنها الممثل عندما تنتهي المسرحية .
 وبقدر ما يعمل الموظفون نيابة عن المؤسسة، فان المؤسسة تتحمل مسئولية أفعال الموظفين . فمثلا، اذا أمر رئيس الشركة سكرتيرته أن تضع أمر شراء لمعدات باهظة الثمن للموظف المسئول، وقرر الأخير عدم دفع الثمن فلن تكون السكرتيرة هي المسئولة عن دفع الثمن . لاحظ أنه، مادام الجميع، بما في ذلك الشركة، يوافقون أن الموظف يتصرف نيابة عن الشركة، فان الشركة دائما مسئولة عن أفعال الموظف . عموما، الأفعال التي يلتزم بها وسيط نيابة عن آخر تصبح من أفعال الوسيط الثاني . وربما يعتبر الموظف مسئولا أو ربما لا يعتبر مسئولا عن الفعل . وعادة لا نحمل الموظفين شخصيا مسئولية الفعل الذي يتم القيام به وفقا لدورهم إلا إذا رأينا أن عدم قبول الفعل الذي تم القيام به كبيرا للغاية بحيث كان يجب أن يوفر سببا كافيا للموظف للتخلي عن دوره، وهو ما يعني في أقصى الأحول استقالته . وبالمثل، لا يعد الممثل مسئولا عادة عن الأفعال التي تؤديها الشخصية إلا إذا كانت أسباب عدم القيام بهذا الفعل تفوق أسباب التمثيل في المسرحية، مثلا إذا كان مطلوبا من الشخصية أن تحرق المسرح كجزء من الأداء. ويختلف وزن هذه الأشياء اعتمادا علي قيم الشخص الذي يصدر الحكم . وبالتالي يختلف شخصان يرفضان استخدام الألفاظ النابية في الكلام اليومي العادي حل ما اذا كان يجب إلقاء اللوم علي الممثل بسبب تمثيل دور ينطوي علي استخدام ألفاظ نابية.
 لاحظ أن بعض أفعال الممثل يتم أداؤها نيابة عن الكاتب المسرحي أو المخرج . وفي المثال الذي اقتبسناه آنفا للممثل الذي يلعب دور الرئيس ريجان، فمن الممكن أن يدافع الممثل عن نفسه ضد المتفرجين الغاضبين من خلال تطمينهم بأنه لا يوافق علي هذا التوصيف لريجان أيضا، وأنه ببساطة ممثل محترف يؤدي عمله في المسرحية . وربما لا يرضي هذا التأكيد غضب المتفرجين، لأنهم قد يتهمونه بأنه مساند للافتراء . وحتى إذا استبعد الجمهور الممثل من الاتهام، فسوف يظلون يشعرون بأن ريجان قد أٌهين، وسوف يلقي المسئولية علي المخرج أو الكاتب المسرحي . وهذه الأفعال هي من بين تلك التي يؤديها الممثل كممثل وليس كشخصية، وبالتالي فهي ليست مثيرة للجدل كأفعال حقيقية . ورغم ذلك، في حين أن هذه الأفعال هي بالتأكيد أفعال حقيقة، فهي ليست أفعال الممثل بالضرورة .
 قد يبدو مبدأ واعدا كمبدأ عام، احتمال أن يتصرف الممثل كخادم للكاتب المسرحي أو المخرج، حتى عندما يتصرف من داخل الشخصية ، مع أنه ينهار بسرعة عند التحليل . فأحد المبادئ الأساسية التي جعلت من الصعب أن ننسب للممثل قوة أدائية في المقام الأول هو أننا لا نحمل الممثل مسئولية الالتزامات الأدائية، مثل الوعود التي قطعها، بمجرد انتهاء المسرحية . وقد رأينا أن هذه الصعوبة يمكن تجاوزها إذا اعتبرنا الممثل مسئولا عن تلك الأفعال خلال مدة عرض المسرحية، مثلما نحمل الموظفين مسئولية الوعود التي يقطعونها نيابة عن الشركة ماداموا موجودين في الوظيفة . ولكن للإشارة إلى أن الممثل يتصرف نيابة عن المخرج أو الكاتب المسرحي، فانه يعيدنا إلى الخلف إلى حد كبير، حيث لم يلتزم أي منهما بأفعال الشخصية طوال مدة المسرحية . وبقدر ما يتصرف الممثلون من خلال النوايا المستعارة التي تسمح لهم بالالتزام بصدق بأفعال أداء شخصياتهم، فان هذه النوايا ليست جزءا من أوضاع التحفيز الشخصية للكاتب المسرحي أو المخرج . إنها أفعال تنتمي إلى الشخصية التي يلعبها الممثل، وتلعب دورا رئيسيا في تحديدها . ورغم ذلك، لا يستطيع الممثل عمليا أن يتصرف نيابة عن الشخصية بنفس الطريقة التي يتصرف بها الموظف نيابة عن مديره . ولأن الشخصيات خيالية، فان اقتراح أن الشخصيات تجيز أفعال الممثلين فعلا، فيمكننا أن ندافع عن الاقتراح المزعج بأن الكيانات الخيالية يمكن أن تتحمل مسئولية الأفعال الحقيقية . ولن يكون للمرء فرصة أن يتخلص من النفايات السامة من خلال توضيح أنه كان يتصرف وفقا لتوجيهات صاحب عمل خيالي .
 والموقف الأقرب لموقف الممثل هو موقف اللاعب . فاللاعبون مثل الموظفون يتبنون مجموعة من النوايا المستعارة التي تحكم سلوكهم ماداموا في دور محدد . فلا حاجة للاعب كرة السلة أن يفكر في دوافع أعمق، ولا داعي أن يحمل لاعب الشطرنج ضغينة ضد ملك خصمه . ففي اللعب، رغم ذلك، لا تنتمي أوضاع التحفيز التي يتم تبنيها إلى وسيط آخر، حتى لو كان وسيطا مؤسساتيا مثل الشركة . فلاعبي الشطرنج لا يلعبون نيابة عن أحد آخر، ولا حتى لعبة الشطرنج . إنهم ببساطة يلعبون وفقا للقواعد، ويتم بناء الدوافع داخل اللعبة . وبالتالي، فان النوايا المستعارة المستمدة من وسيط آخر أو مؤسسة – ولنسميها “ النوايا المعلنة authorized intentions “ – يجب أن تتميز عن تلك النوايا المستمدة من قواعد اللعبة، التي سوف أسميها “ نوايا اللعبة game intentions “ .
 ما أقترحه هو أن الممثلين يمكنهم أداء أفعال حقيقية وصادقة علي خشبة المسرح من خلال تبني نوايا اللعبة التي تنشأ إذا قبلوا كجزء من تقاليد الأداء قاعدة أن الممثلين يعملون لتحقيق شروط القناعة المتضمنة في أفعال الشخصيات . فقد يكون سبب إصدار الممثل/المدير للأمر أثناء الارتجال، هو أنه يتصرف وكأن المدير لديه سبب لإصدار الأمر أثناء الموقف المرتجل . ومن خلال تحديد تقاليد الأداء بهذه الطريقة، سوف يكون لدي الممثل سبب للالتزام بأي فعل في المسرحية، كما أن لدي لاعب كرة السلة، أو لاعب الشطرنج سببا لمحاولة الإمساك بملك اللاعب الآخر . فإذا لم يحاول المدير/الممثل أن يجرح الموظف/الممثل من منطقة الأداء، فانه سوف يفسد اللعبة .
• الاعتقاد علي خشبة المسرح :
تقدم نوايا اللعبة للممثلين طريقة للالتزام بأفعال صادقة عندما تمتلك الحالة القصدية التي ينطوي عليها الفعل ما يسميه سيرل ملائمة الاتجاه في كل كلمة، مثل الوعود والأوامر . وفي هذه الحالات، فان حالة الرضا التي ينطوي عليها الفعل هي أن العالم يتغير بطريقة ما . ولكي تكون لحالة الممثل القصدية نفس شروط الرضا التي يتمتع بها الفعل، فكل ما نحتاجه هو تقديم سبب للممثل لكي يحاول إحداث التغيير بصدق . وتشكل أفعال الاتجاه الملائم في كل كلمة، مثل التأكيدات والتنبؤات، مشكلة أصعب، حيث أن الحالة القصدية التي تتضمنها هذه الأفعال هي الاعتقاد، فلا يمكن إملاء الاعتقاد علي الممثل من خلال قواعد اللعبة . وربما يكون الخطأ هنا، رغم ذلك، هو افتراض أن الناس، علي خشبة المسرح أو خارجها، يمكنهم أن يتصرفوا بصدق وتوفيق علي أساس معتقداتهم .
 ومثلما يمكن للوسطاء القيام بأفعال أدائية بواسطة ملائمة الاتجاه في كل كلمة علي أساس النوايا المستعارة، فربما يمكنهم أيضا القيام بأفعال أدائية بواسطة ملائمة الاتجاه في كل كلمة علي أساس المعتقدات المستعارة . لنفترض أنني توظفت لتقديم تنبؤات عن الطقس عبر الهاتف . وكانت وظيفتي أن أسأل المتصلين عن اسم المدينة التي يتصلون منها، للبحث عن التوقعات في قائمة موجودة أمامي، وأعطى المتصلين هذه تنبؤات . وقد تكون التوقعات التي أقرأها في شكل مختصر للغاية، حتى لا أقرأها حرفيا فحسب، بل أشرحها بأسلوبي، وأجيب علي أي سؤال يسأله المتصل للتوضيح . والآن، لأني من هواة الأرصاد الجوية، فلدي رايي الخاص حول الطقس يتعارض غالبا مع آراء المؤسسة التي أعمل فيها . ومع ذلك، فان وظيفتي هي تقديم تنبؤات المؤسسة . ولا تشكل الرغبة في تقديم اعتقادي حول الطقس سببا لتقديم التأكيد ؛ فمتطلبات وظيفتي تقدم سببا كافيا . ويوضع موظف العلاقات العامة والسكرتير الصحفي لرئيس المؤسسة في نفس الموقف ؛ اذ يتم توظيفهم لتقديم أفضل صورة ممكنة للوضع الذي يمثله الناس أو المؤسسة . ولا يوجد خداع هنا إلا إذا كانت المؤسسة تضلل الناس بمعتقداتها . ويتفاعل المستمعون مع ممثلي المؤسسة لتأكيد وجهة نظر المؤسسة التي يمثلونها، وليس لاكتشاف الآراء الشخصية للسكرتير الصحفي أو عامل التليفون . والذين يلعبون مثل هذه الأدوار ويستسلمون لرغبة غير مسئولة لتمثيل معتقداتهم الخاصة يخرجون عن أدوارهم . وإذا لم يوضحوا أنهم قد خرجوا عن دورهم الرسمي، وانهم يسيئون تمثيل مؤسساتهم . وفي مثل هذه الحالات، حتى لو قاموا بتأكيد ما يعتقدون أنه صحيح، فان التأكيد نفسه سوف يكون غير صادق .
 وربما تلعب معتقدات الممثل الشخصية نفس الدور في الأداء المسرحي . وإذا طلب إلى الممثل ذلك فسوف يوافق بلا تردد أن أغلب تأكيدات الشخصية زائفة فعلا. ولكن هذا الامتياز في صالح الفكرة، حيث أن أسباب الممثلين للتصرف وفقا لمعتقدات الشخصية لا علاقة له بمعتقدات الممثل في المقام الأول . فالتأكيدات التي يقدمها الممثل لا تشير مباشرة إلى العالم كما يدركه الممثل، ولكنها تشير الى الرغبات المعتقدات المنصوص عليها للشخصية . وبهذا المعنى، فان تأكيدات كل الممثل والسكرتير الصحفي هي تأكيدات قصدية . ومع ذلك، مثل السكرتير الصحفي، ربما يقوم الممثلين بتأكيدات حقيقية عن المناصب التي يمثلونها، والتي ربما يتم الالتزام بها، أثناء توظفهم داخل أدوارهم، للدفاع عن هذه التأكيدات . ولا يحمل الجمهور الممثلين خارج خشبة المسرح مسئولية التأكيدات التي يقدمونها علي خشبة المسرح لأنهم يفهمون تحديدا إلى ماذا تشير هذه التأكيدات . فلا يوجد عدم صدق هنا : قواعد اللعبة معروفة مقدما ومفهومة للجميع .
 المعلن عموما، أنه يمكن استيفاء شرط الصدق علي خشبة المسرح اذا افترضنا أن الممثل يتبنى ليس فقط نوايا مستعارة، بل مجموعة كاملة من الحالات القصدية – الرغبات والنوايا والمعتقدات – المحددة للشخصية . ويتحدد صدق أفعال الممثل بالإشارة إلى تلك القصدية المستعارة . ولعل أحد طرق إقرار تضمينات القصدية المستعارة للتأكيدات هو أن نقول إن الممثلين ملتزمين بالتمثيل وكأنهم يحملون الاعتقاد المتضمن . وبالتالي تأكيد ما سماه ستانسلافسكي “ إذا السحرية “ : بهذه الخاصية ل “ إذا” ... فلن يجبرك أحد أن تعتقد أو لا تعتقد في أي شيء . فكل شيء واضح، وعلي السطح .
• الأداء المنصوص عليه وأداء التكرار :
اذا ظهر الأمر بالخروج من الغرفة في منتصف النص، فما هو اللازم له لكي يوظف وكأنه يتم كارتجال ؟ . أولا، قد يحتاج الممثلون أن يتصرفوا من خلال حالات قصدية مستعارة ويكون مفهوما أنهم يتصرفون من خلال ذلك . سوف يحتاجون علي وجه التحديد إلى التلاؤم مع المصالح والدفاع عن المعتقدات التي يعتقدون أنها لدى شخصياتهم في الموقف الخيالي .
 المشكلة الأعمق، مع ذلك، هو أنه يجب استعادة الاحتمال بين الفعل الأدائي illocutionary actوالأثر التعويضي للكلام perlocutionary effect . وبالطبع، فان قضاء الساعات التي لا تحصى في مشهد فصول الدراسة الأساسية في محاولة تحقيق هذا المعنى بشرط، جعل الممثلين ينتبهون لبعضهم الآخر ويعدلون استجاباتهم بمهارة لجعلها ملائمة لسلوك زملائهم الممثلين في كل لحظة . وسواء كان ذلك في ارتجال أو تدريب أو أداء منصوص عليه، فان الاختبار النهائي لمعرفة ما إذا كان أمر مغادرة الغرفة يوظف بالفعل كفعل كلام هو أنه يمكن أن يكون غير ناجح . وافترض أن نص الأداء يطلب من المستمع أن يطيع الأمر . فلو كان الأمر التي يصل السامع من خارج الغرفة، وليس طاعة السامع للنص، عندئذ، إذا نطق المتحدث الكلام بطريقة تجعله معيبا – علي سبيل المثال، إذا كان الكلام مؤقتا في إحدى ليالي العرض لأن المتحدث يعاني من شيء عالق في حلقه – فلن يغادر المستمع الغرفة . ويتعلق هذا التناول بعنصر خطورة ؛ إذ لن يحكم إمكانية أن المستمع سوف يبقى في الغرفة . ولكن الخطورة ليست كبيرة بقدر ما يبدو أولا، لأن الممثلين يؤدون علي سطح مزدحم . ويمكن معالجة تعريف السياق الخيالي والطريقة التي تؤدى بها الأفعال في التدريبات، لكي يستطيع الممثلون أن يحددوا ما هو الضروري لإخراج السامع من الغرفة . وإذا فشل أمر المتحدث لأن الممثل لديه شيء عالق في حلقه، فيمكنه تنظيف حلقه ويحاول مرة أخرى .
 ورغم ذلك، هناك شيء مزعج فيما يتعلق باعتبار أن الممثلين يؤدون مسرحيات متدرب عليها مسبقا . ونظرا لأن السياق الخيالي نفسه لا يمنع الممثلين من الالتزام بأفعال حقيقية بقوة أدائية، وأنهم في التدريبات، كما هو الحال في الارتجالات، يمكنهم فعلا أداء هذه الأفعال .، بمجرد انتهاء فترة التدريب، وسوف يعرفون فعلا مدى نجاح أفعالهم، فهل يمكننا أن نقول مرة أخرى أن الممثلين يلتزمون بالأفعال مرة ثانية في الأداء ؟ . تخيل أن نطلب من لاعب الشطرنج الذي خسر المباراة للتو أن يقوم باللعب مرة أخرى بشرط القيام بنفس التحركات . فهل يمكن أن نقول إن لاعب الشطرنج يلعب الشطرنج في المرة الثانية ؟ . وكيف يختلف موقف الممثل بعد التدرب علي المسرحية عن موقف لاعب الشطرنج ؟ .
 علي عكس الممثل، يقوم لاعب الشطرنج بفعل أساس واحد : تحديد قطعة الشطرنج التي يجب تحريكها و مكان تحريكها . يتم تنظيم هذا الفعل من خلال مجموعة من القيود المحددة بوضوح وثبات : القواعد المتعلقة بنقل القطع . اذ أن كيف يحرك اللاعب القطعة فعلا هو أمر ليس ضروريا لنجاح التحريك، فكل ما يهم هو المكان الذي تتحرك إليه القطعة . وبالتالي يمكن لعب نفس المباراة علي أي لوح شطرنج، أو بدون لوح شطرنج : يمكن إجراء اللعبة عبر التليفون ويمكن تمثيل الحركات بسلسلة من الحروف والأرقام . وهذه الخاصية في الشطرنج تجعل من السهل جدا برمجتها للعب علي الكمبيوتر، ولكن دون أن تٌلعب جيدا بالضرورة. قارن الشطرنج مع لعبة كرة السلة، حيث أن اتخاذ القرار فيما يجب فعله ليس كافيا. فلاعب كرة السلة يجب أن ينفذ ذلك القرار فعلا . وفي إحدى المباريات يسجل اللعب نقطة من مكان معين في الملعب . وفي مباراة أخرى، ربما يجد اللاعب نفسه في نفس ذلك المكان في الملعب، ويمكنه أن يتذكر كيف حرك ذراعيه عندما سجل النقطة سابقا . علاوة علي ذلك، يمكن أن يراقب خصومه وهم يحاولون أن يمنعوه أن يفعل ما فعله في المرة السابقة، وربما يتذكر كيف تفاداهم . ولكنه لا يستريح مع هذه المعرفة، وسوف يتم تسجيل النقطة إذا تمكن اللاعب بالفعل من تسديد الضربة مرة أخرى . إنها عبارة عن صيغة للألعاب الرياضية، ففي حين تبني النجاحات السابقة الثقة، فإنها لا تحرر اللاعبين من الحاجة إلى المحاولة في كل مرة يلعبون فيها . والموقف مع الممثل يشبه موقف لاعب كرة السلة في هذا الشأن .
 ورغم ذلك، ما تزال هناك بعض الفروق الهامة . أولا، يستطيع لاعبوا كرة السلة أن يتعلموا من أخطائهم . ولكن الممثل الذي يلعب دور “بروتس” لا يمكنه أن يبدأ عرض “ يوليوس قيصر “ وهو يقرر أنه لن يجعل “مارك أنطوني “ يقول خطبته في جنازة قيصر . يتم تفسير هذا الاختلاف من خلال قيود معينة علي سلوك الممثل التي تتطلب أن يتصرف علي أساس المعرفة التي يقال ان الشخصية تملكها في كل لحظة أثناء المسرحية . فقصدية التمثيل المستعارة دينامية . وعندئذ يكون الممثل في موقف مماثل لموقف المحلفين الذين يجب أن يتداولوا حول الحكم باستثناء النظر في الأدلة المحذوفة من السجل . فإذا ترك الممثل الذي يلعب دور “بروتس” أفعاله تتأثر بالمعلومات المكتسبة عن خصومه أثناء عروض المسرحية السابقة، فانه يمارس الغش .
 يبدو الأمر وكأننا يجب أن نواجه مشكلة معنوية مع الممثلين . فحتى فريق كرة السلة الذي خسر مئات المرات أمام فريق آخر يمكنه أن يواجه ذلك الفريق مرة أخرى بأمل أنه يمكن أن يفوز هذه المرة . ولكن لا أحد يتوقع من الممثل الذي يؤدي عطيل أن يبدأ كل عرض وهو يقول لنفسه “ هذه المرة سنفوز في الحرب ضد أنطوني وأوكتافيوس . وسوف نفاجئ الجمهور” . إذا أصدر الممثل أمرا وهو يعرف من أعماق قلبه أن الأمر لن يطاع، فهل يمكننا أن نقول عندئذ إن الممثل أصدر أمرا لكي يطاع ؟ .
 وفي حين أن هناك جدلا كبيرا حول ما إذا كان قصد أداء الفعل يستتبع الاعتقاد في النجاح المحتمل، فمن المقبول عموما أن محاولة القيام بفعل ما لا يستتبع علي نجاح الاعتقاد . بالطبع يمكننا أن نحاول أن نفعل شيئا ونحن متأكدون تماما أننا سنفشل . فمثلا، ربما تحاول (سو ) المتخصصة في الأمن أن تظهر أن نظام الأمن في المحطة النووية غير قابل للاختراق من خلال محاولة اقتحامه . ومن المهم أن تحاول (سو ذلك بإيمان راسخ، وتفعل كل ما في وسعها، وتستخدم كل براعتها، لاختراق المحطة . ولكي تقدم عرضا فعالا، يجب أن تكون أفعالها حاسمة مثل تلك التي قام بها سام المخرب الذي يحاول إثبات أنه يستطيع اختراق المحطة . وبفرض فشل كلى المحاولتين، يصح أنهما : (1) يحاولان اختراق المحطة، (2) يوضحان أنهما لا يستطيعان اختراقها . الفرق الوحيد بين الحالتين هو أن الوصف الثاني غير قصدي بالنسبة لسام، وقصدي بالنسبة الي (سو) . وبالمثل، يمكننا أن نقول ان : (1) الممثل الذي يلعب دور الملاك الطيب في مسرحية “ دكتور فاوست Dr. Faustus” يمكنه أن يحاول أن يقنع دكتور فاوست بصدق بالتخلي عن عقده مع الشيطان، (2) ويظهر هذا الممثل أن الدكتور فاوست غير مقتنع، حتى مع تقديم أقوى الحجج الممكنة . في بعض العروض، ربما يكون هذا الوصف الأخير قصديا بالنسبة للممثل كمؤدي، ولكنه غير قصدي بالنسبة للشخصية . ورغم ذلك، كما يوضح هذا المثال، فان سؤال ما إذا كان هذا الوصف الثاني قصديا أم لا قد لا يكون له أي تأثير علي الأداء نفسه . فيمكننا بسهولة أن نتخيل أن الملاك، كشخصية، يمكنه أن يرى المستقبل ويعرف أن فاوست لن ينجو، وأنه يتصرف لإثبات حتمية توقعه .وعندئذ يكون الممثل والشخصية في نفس القارب . ومن المهم لكليهما أن إيمانهما بفشل فعلهما لا يوضح تحيزهما ولا يظهر للجمهور ( علي خشبة المسرح أو خارجها) .
• نموذج لعبة الفعل الدرامي :
أضع نموذج لعبة الفعل الدرامي، حيث لا يقوم الممثلين بمحاكاة الأفعال كما سيتم أداؤها خارج خشبة المسرح، ولكنهم يلتزمون فعلا بأفعال أدائية في السياق (البيئة) المسرحي . وتوظف هذه الأفعال مثل الأفعال الأدائية في أي سياق آخر، باستثناء واحد : يتم تحديد شروط الرضا فيما يتعلق بالقصدية المستعارة، ولاسيما قصدية اللعبة . وهذه القصدية مستمدة من قبول الممثل لأي التزامات أدائية متضمنة في أفعال الشخصية، وفي حالة توافق اتجاه كل كلمة مع العالم، والتزام الممثل بمحاولة تحقيق شروط الرضا في الأفعال . ولأن الممثلين يتصرفون من قصدية اللعبة، فإنهم يظلون ملتزمين بأفعال خشبة المسرح – مثل الوعود والأوامر و التأكيدات – أثناء أدائهم لأدوارهم علي خشبة المسرح، مثلما لا يلتزم اللاعب في لعبة الاحتكار بشراء الممر التجاري بعد انتهاء اللعبة .
 وباعتبار أن التمثيل الدرامي لعبة أفعال قصدية، فانه يعتمد بشكل كبير علي القدرات التي اكتسبها الممثلون في الحياة الحقيقية . ولكي يعرف الممثل كيف يصدر أمرا علي خشبة المسرح، فلا بد أن يعرف ما هو هذا الأمر، ما هي الالتزامات التي ينطوي عليها، وما هي المؤثرات التي يتعرض علها . بالطبع تعتمد العديد من الألعاب، إن لم يكن جميعها، علي القدرات الخارجية . فالشخص الذي يعرف كيف يعدو يمكنه أن يشارك في سباق العدو . علاوة علي ذلك، فان التمثيل ليس اللعبة الوحيدة التي تفترض وجود كفاءة أدائية . فمثلا، لا يستطيع شخص أن يمارس لعبة الاحتكار ان لم يعرض أحد بيع ممتلكاته، فيحاول شراء العقار، ويطلب إيجار المنازل ... الخ .
 وربما لا تكون شروط الرضا عن الفعل علي خشبة المسرح مختلفة، رغم ذلك، عن شروط الفعل في الحياة الفعلية . إذ يمكن أن ينشئ الأداء الدرامي قواعد تأسيسية تعيد تعريف شروط الرضا لأفعال معينة . فمثلا، يمكن أن نؤسس قاعدة أن لمس شخص ما بنصل الخنجر تعني طعنة لذلك الشخص . وإذا كانت القاعدة سارية، ولمس ممثل زميله بخنجر، حتى ولو بالمصادفة، فان الممثل الثاني سوف يكون ملزما بالاعتراف بهذا الفعل علي نحو ما . ( فقد تكون هناك عدد من الاستجابات الناسبة المتاحة له، مثل السقوط ميتا، أو التصرف كجريح، ا، التعبير عن امتنانه لدرعه الذي لا يمكن اختراقه ) . ويمكن تفسير أي نقص في الاستجابة، بواسطة كل من زملاءه الممثلين والجمهور، باعتباره نوعا من الخداع . وفي هذا المثال، فان لمس شخص ما بخنجر يعني التظاهر بطعنه وفقا لرأي سيرل، أي انه يؤدي فعلا جزءا من فعل طعن شخص ما . وفي أي من الحالتين، فان ما هو فعل وحشي في الحياة الواقعية يصبح فعلا متفقا عليه علي خشبة المسرح . ولاسيما أن هذه الأفعال يبدو أنها توظف مثل التوضيحات غير اللغوية non-linguistic declaratives : يؤدي الممثل محتوى مقترح – طعن الضحية – ضمن تقاليد تحدد ذلك المحتوى باعتبار أنه تمثيل للحقيقة . فكل من فعلي لمس الخنجر أو تحريك اليد هما فعلين مساويين لقول الممثل “ أطعنك بالخنجر “ . في الواقع، يمكننا أن نتخيل تقاليد مسرحية تعتبر جملة “ أطعنك بهذا الخنجر” بمثابة طعن .
 في الجزء الأول من هذا المقال، اعترفت فعلا بأنه لا يمكن تنفيذ أفعال مثل القتل علي خشبة المسرح . ورغم ذلك، أنا الآن في موقف أفضل لكي أحدد ما الذي يتم فعله في مثل هذه الحالات، ومن يفعله . لكي نقول ان الممثل الذي يلعب “عطيل” يتظاهر بقتل الممثلة التي تلعب دور “ديدمونة” يمكن أن يكون شيئا زائفا، ولكنه لا يخبرنا بالكثير، لأنه ليس واضحا ما هو العمل الذي يتم التظاهر به هنا . ففي حين أنه يمكننا أن نتخيل بعض العروض التي يمكن أن يعني التظاهر فيها الجزء المكون للفعل، أو حتى بشكل أكثر غموضا، لمحاكاة الفعل، كما رأينا، فمن الممكن ضبط التقاليد التي يؤدي من خلالها الممثل فعل الشنق من خلال الالتزام بفعل لا علاقة له بالشنق الحقيقي، ولا يشبهه . فقولنا ان الممثل يتظاهر بالقتل لا يساعدنا علي فهم ما يفعله الممثل حقا . و أفضل أن أقول أن الممثل يلتزم فعلا بفعل يعد مثل القتل داخل تقاليد المسرحية .
 يمكن رؤية التحول الجسدي إلى سببية متفق عليها بوضوح في موقف علي خشبة المسرح : عندما ينقر الممثلون علي مفتاح الإضاءة علي المسرح، فنادرا ما يتحكم المفتاح في الضوء، فمشغل الإضاءة هو الذي يقوم بتشغيل الضوء فعلا . ورغم ذلك، يستخدم مشغل لوحة الإضاءة فعل الممثل كإشارة . فالممثل هو المسيطر . فنقر الممثل للمفتاح لا يسبب فعلا إشعال الضوء، كما يمكن أن يحدث في الحياة الحقيقية، ولكنه يعد بمثابة تشغيل للأضواء . ويمكن إضفاء الطابع التقليدي علي هذا الفعل من خلال الحفاظ علي الإضاءة طوال الوقت، وإلزام الممثلين علي خشبة المسرح بالتصرف وكأنهم لا يستطيعون الرؤية حتى اللحظة التي ينقر فيها أحدهم علي المفتاح . بهذه الطريقة، فان الأفعال التي توظف خارج خشبة المسرح من خلال ما يسميه سيرل “ القوة الغاشمة “ يعاد تعريفها علي خشبة المسرح باعتبارها أفعال أدائية . وبعيدا عن كون القوة الأدائية معلقة علي خشبة المسرح، كما يقترح سيرل، فإنها غالبا ما تكون ممتدة .
 يثير هذا التحليل أسئلة مهمة لا أقترح تجاوزها هنا . هل تقوم العروض المستقلة بإعداد تقاليد خاصة بها ؟ إن كان الأمر كذلك، فكيف يتم ذلك ؟ هل يمكن أن تتميز أساليب المسرح أو أنواعه بفصل التقاليد التي تنشئها ؟ وهل هناك تصنيف منطقي شامل للتقاليد التي يمكن إنشاؤها، إذا كان الأمر كذلك، ما هي المبادئ الكامنة وراءها ؟ وفي النهاية، وهل هناك تقاليد عامة لكل حدث مسرحي ؟ .
...........................................................................................
• ديفيد سولتز يعمل رئيسا لقسم دراسات المسرح والسينما في جامعة الينوي .
وقد سبق أن قدمنا له عدة مقالات في جريدة مسرحنا .
• نشرت هذه المقالة في Journal of Aesthetics and Art Criticism 49:1


ترجمة أحمد عبد الفتاح