العدد 715 صدر بتاريخ 10مايو2021
علاقة غريبة وعجيبة وقديمة ربطت ما بين السباك والطبيب.. كثيرا ما نمنح لقب دكتور للبيه السباك وقد لعبت الدراما المصرية علي شخصيه السباك كثيرا فها هو أحمد بدير السباك في فيلم علي باب الوزير .. هو من يساعد عادل إمام طالب الطب .. وهناك نجاح الموجي وجملته المشهورة هاتسلك في مسلسل برج الأكابر وهو السباك الثري في المسلسل.. أما أحمد راتب في فيلم رجب فوق صفيح ساخن ..هو النموذج المهم للسباك الدكتور يرتدي البدلة ويحمل الشنطة ومعه الجوانتي والبرفان ويتعامل مع حنفيه الماء كالطبيب تحديدا والذي يشخص المرض حتي الفيزيتا بتاعته مرتفعة جدا جدا فهو يركب سيارة مرسيديس.
تلك كانت قوالب كوميدية ساخرة تعبر عن الهرم المقلوب والأوضاع المختلة بالمجتمع في إطار لعبة اللا معقول واللا مصدق في المجتمع المصري بعد ما يسمي انفتاح اقتصادي منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي لتطفوا علي السطح طبقات جديده وتغيرت المفردات والأوصاف واللغة عبر لعبه الكسب السريع وهي حاله من المسخ والتفسخ أصابت المجتمع واجتاحت أركانه مع علو نبره صوت المال فوق كل شيء
أما في المسرح فاللعبة أخذت أكثر من منحي..فنحن أمام الدكتور الدارس لفن المسرح يشخص حالات ويقدم قرارات ومقترحات وحلول مميزه، لكن هذا لم يمنع ظهور وانتشار سباكين المسرح من المتسلقين وراكبي مواسير الظروف والنفاق وصولا لمصدر المياه / سلطة القرار المسرحي وفعل التشغيل وكوع التوصيل ومجموعه الصرف الأهم في اللعبة ..لدرجة أن ريحتهم فاحت
ومع ذلك يبقي استيعابنا للفن يتوقف عند ما نلمسه من جمالها وانسجامها وعظم شانها من الوهلة الأولي . أما التنقيب مادون ذلك فيعني أن يروعنا خواء تلك الفنون مثل خواء مواسير السباك كخواء دراما رمضان هذا العام في معظمها...
واخترق الكاتب عزت الأمير في مسرحيته دكاترة وسباكين.... منذ أكثر من ربع قرن هذه النقطة في معالجة شديدة السخرية يرسم عزت الأمير خيط رفيع وحاد في ذات الوقت ما بين المريض والدكتور السباك في تداخل مروع للأدوار عبر زوج مريض بانتفاخ وإمساك وزوجة ساذجة لكنها تحب زوجها وتبحث له عن العلاج وطبيب معالج لم يحضر بل أرسل تمرجي يعالج بطريقة السباكة خاصة أن مكان الألم لدي الزوج وعلاقته بالصرف الصحي الأدمي .. وفي توازي ساخر يتحول المريض إلي حقل تجارب لطمع التمرجي والذي يجرده وزوجته من أملاكهم البسيطة بل هو يدخل عليهم في بيتهم دون أي استئذان وكأنه احتل البيت ليتحول البيت إلي ما يشبه المعمل لإجراء التجارب السباكية علي المريض المسكين والذي تحول إلي ماسورة في أمس الحاجة لتسليك ...ويتكرر وصف المريض بالحيوان السياسي والذي تضيع هويته ،وإذا امعنا النظر في الهوية فإننا نجدها تفتقد إلي مركز ثابت علي الرغم من إصرارها المستمر علي التشبث بالحضور إلي تموقعها في فضاء بيني يتراوح بين الأنا والأخر لتتحول الهوية المفقودة هنا إلي نموذج مثالي للأشكال الهاربة وسريعة التحول وغير المستقرة ويلعب النص علي فكرة التحول السريع والتناسخ ذي الطابع الجروتسي حيث لعبة الجروتسك الواضحة
وأن كانت مهمه المسرحي هي تضفير أو حياكة المعاني لتنتظم إلي جوار بعضها البعض فتغدو كل الجمل والعبارات المتعاقبة كأنها عقدة وبعد فترة تحل العقدة نفسها وما يزيد الأمر قوة هو لعبة المفاجأة والمتعة الناتجة عن التضاد بمزيد من الدهاء عبر تقديم التضاد في كل شيء حيث التحول سريعا ثم الرجوع والإفلات بسرعة مرعبة فالمؤلف يتلاعب كالحاوي الذي يتلاعب ببرتقالتين والمتعة التي نجدها في النظر إليه تنشا من ضرورة ألا يضحي أو يغفل عن برتقالة منهما ولو للحظة كذلك حال المؤلف لا يزال نموذجه المنذور لإرضاء المتلقي منصبا علي مقتضيات المنطق مهما يكن من الغموض وشكل الحجة، فالنمط والحجة يحيا كلا منهما داخل الأخر هكذا يعتمد الأسلوب علي التركيب والفك ثم التركيب والفك مرة أخري لدرجة أن تداخلت حالة المريض مع السباك وتحول الزوج المريض إلي ما يشبه حوض المياه الذي اقترب من مرحلة الانفجار، ويلغي التمرجي السباك أي صفة أدمية للمريض بل دوما يكرر أنت حيوان سياسي...
إلي أن وصل الطبيب الحقيقي ..لينتصر المؤلف للعلم والحقيقة في النهاية علي لسان المريض..أهلا وسهلا أنا من زمان مستنيكم من زمان بحلم بدكاترة بحق وحقيقي يعالجوني بأسلوب علمي
الزوجه.. وهو الحلم اتحقق تزغرد
الزوج.. نفسي أخلي حياتي غنوة حلوة أهديها لولادي وأحفادي وبدل ما يلعنوا أبوهم واللي خلفوهم يتباهوا باسمي ويقولوا إحنا ولاد الحلواني..واللي بني مصر كان في الأصل حلواني..
لتنتهي المسرحية بهذا النصر المؤقت
إذ أن اللعبة ما زالت مستمره خاصه في عالم المسرح، أبو الفنون والذي دخل في كنفه العديد من السباكين أو الأولاد غير الشرعيين مما أفسد علينا الحلم خاصة في ظل وهم تلك الناس بأن ما يكتبونه هو كشف غير مسبوق