هاملت..  بين إشكالية الشكل والمضمون

هاملت..  بين إشكالية الشكل والمضمون

العدد 562 صدر بتاريخ 4يونيو2018

إذا حاولنا اختيار مفردة لغوية تعبر عن محاولة مخرج اختيار نص للشروع فى صناعة عمل مسرحي، لوجدنا أن أقرب مفردة تصف هذا الفعل هي (مغامرة).. ويزداد الأمر تعقيدا إذا وقع اختيار المخرج على نص للكاتب وليم شكسبير، ذلك لأسباب متعددة وهي تاريخية النص واختلاف إيقاعه وأحداثه عن إيقاع وأحداث عصرنا، ومنها أيضا تعدد التجارب والرؤى التي تناولت نصوصه وتعدد الدراسات حولها، كما أن الإشكالية الأصعب هي ما هو الجديد الذي سوف أقدمه باعتباري مخرجا الذي يتماس مع مجتمعنا وظرفنا التاريخي الراهن.. تلك الإشكالية الأهم التي صادفت العمل المسرحي هاملت الذى قدمته فرقة قصر ثقافة الجيزة وهو من إخراج سامح بسيوني.. وعلى هذا كان تعامل المخرج مع النص بحرفية شديدة فقد استطاع إدراج الإشكالية الأهم التى تقف حائلا في استقبال الجمهور للعمل بتاريخيته وإيقاعه الذي لا يناسب تلك اللحظة من عمر المجتمع ولهذا استطاع أن يصنع نصا ذا إيقاع سريع متدفق يناسب إيقاع العصر بتلك المشاهد السريعة والنقلات الزمكانية  وحذف كل ما يخرج عن هذا الإطار ولا يضيف جديدا للحدث.. لنجد أمامنا مشاهد تلفزيونية قصيرة سريعة الإيقاع دون انتقاص من الحدث أو إغفال لمبرر قد يحدث تشويش وإعاقة للمتلقي في استقبال الفعل المسرحي.. كما اختار المخرج أن يشطر شخصية الملكة الأم لتصبح تلك الأم المكلومة في ولدها الحريصة عليه النادمة على فعلها والأخرى تلك الباحثة عن المتعة اللاهثة وراء رغباتها وغرائزها.. هذا الإعداد للنص كانت إشكاليته ليست الشكل فالشكل مناسب ومنضبط ولكن من ناحية أخرى فهو يواجه تحديا آخر هاما وهو ما الرسالة التى يحملها العمل للمتلقي الذي حضر إلى قاعة العرض؟ فقد استغرق المخرج في حرفية الإعداد للنص قبل أن يستغرق في رسالة العمل ومدى علاقته بمجتمع المتلقي كي يصبح قادرا على التواصل مع العرض فمكان العرض هو قصر ثقافة الجيزة والمفترض في المتلقي أن يكون من تلك البقعة التي تقدم لها تلك الخدمة الثقافية، فمع التسليم بأهمية رفع وعي المتلقي وتقديم وجبة مسرحية ذات قيمة فنية ترقى بذوقه وفكره كهدف أساسي لتلك الخدمة الثقافية المدعومة من الدولة إلا أن ذلك لن يتأتى إلا بعمل يتماس مع حياته ومجتمعه سواء برسالة العمل أو أحداثه.. هذا الهدف لم يتحقق في هذا النص المسرحي الذي كان سيصبح مقبولا لو قدم في إحدى قاعات ومعامل المعهد العالي للفنون المسرحية كبيئة فنية مناسبة للخيال والتجريب دون التقيد بهدف أو رسالة ما تجاه المتلقي.
أما عن سامح بسيوني بصفته مخرجا لهذا العمل، فقد استطاع أن يفرض سيطرته على عناصر العرض ويظهر مدى قدرته على تطويع أدواته لخدمة الشكل المسرحي وأحكامه، فعلى مستوى الرؤية التشكيلية التي صممها المهندس وائل عبد الله الذي اعتمد على الموتيفات البسيطة دون الاستغراق في التفاصيل مع إعطاء تلك الموتيفات قوة التعبير الدلالي عن طريق مجموعة العلاقات الرابطة بينهم التى تناغمت مع شكل الإعداد للنص، فقد استغل قاعة العرض كاملة كقاعة للعرش ولإحداث العمل جميعها ليضع الجمهور كمشارك وشاهد على الحدث الدرامي وأحاط القاعة بأكملها بمجموعة من شرائح القماش الأحمر التي تعطي انطباعا عن مكان الحدث كقاعة العرش وفي الوقت نفسه كإشارة لسريان نهر من الدم يحيط بجميع من في القاعة. أما مساحة العرض، فقد ترك المساحة الأمامية خالية ليترك للمخرج رسم خطته الحركية. أما في العمق نجد كرسيين يمثلان العرش وخلفهما مستوى صغير وفي الخلفية تم تعليق صولجان مائل وفي الأعلى من خلفه علق التاج الملكي يتصدر المشهد العام للعمل ليعلن أن القضية الخاصة بالعمل ما هي إلا صراع على السلطة المغتصبة بجريمة قتل الملك وعلى جدران القاعة من الجانبين استخدم إنارة خفيفة وكأنها إنارة قاعة العرش لتكتمل بذلك رؤيته التشكيلية التى أنتجت المعنى وأكدت رؤية المخرج للنص المقدم.. الملابس أيضا كانت لها دورها في الجانب التشكيلي والدلالي حيث وحد الزي الأسود المحايد لكل فريق العمل مع وضع وشاح أحمر مائل مميز للعم مغتصب السلطة وكأنه موصوم بالقتل ولا تزال الدماء تكسي جسده. أما الأم الملكة، فقد ميزها بتلك الشارة على زراعها، هذا التصور للملابس جعل من مجموعة الممثلين جوقة تسرد الحدث، هذا التصور تناغم مع تلك الحركة الجماعية التي وظفها المخرج بكل فريق العمل وكأنه الجوقة التي تقوم بالسرد وبالتشكيلات الحركية التي كانت لها وظيفتها الدلالية داخل العمل والتى تجسدت في مشهد الشبح الذي عبر عنه بمجموعة الممثلين ليصنع صورة مسرحية قادرة على إنتاج المعنى.. الاكسسوار استطاع المخرج توظيفه كما في مقابض السيوف التي أصبحت بدون نصال ليرسخ أن القتل فكرة قبل أن يكون أداة.. الإضاءة تناغمت مع تلك العناصر التشكيلية واستطاع مصمم الإضاءة (وليد درويش) أن يجسد اللحظات النفسية لهاملت وما يعتريه من قلق وحيرة وتوتر.. كل تلك العناصر استطاع المخرج أن يحدث بينها التناغم الذي ولد التكامل بين كل عناصر العمل مضافا إليها طبيعة أداء الممثلين وقدرته على صنع إيقاع سريع أضاف للعمل الحيوية والتدفق الذى كان عاملا مضافا لمتعة الصورة المسرحية المقدمة.. على مستوى الأداء التمثيلي جاء أداء ممدوح الميري لشخصية العم يعبر عن نضج وخبرة في الوعي بطبيعة الشخصية وأبعادها النفسية وكيفية التعامل مع انفعالاتها وقدرته على الفصل بين أداء الشخصية وبين أدائه داخل الجوقة في المشاهد الجماعية.. في النهاية، نحن أمام عرض جيد منضبط ممتع ولكنه اكتفى بأن يقدم نظرة مغايرة لنص وليم شكسبير وتحليل لشخصياته دون أن يقدم جديدا على مستوى الفكرة الرئيسية للنص وربطها بواقع المجتمع الذي يقدم به العمل ليعطي المردود المأمول من تلك العروض المدعومة من قبل الدولة للمواطن في كل أنحاء المحروسة.


طارق مرسى