«لى لى».. خبئى النور يالى لى

«لى لى»..  خبئى النور يالى لى

العدد 703 صدر بتاريخ 15فبراير2021

“أنت الرجا وإليك من أقصى ثنايا الكفر عدت«..
شعور غريب ينتابك ويدخل ثناياك وأنت تجلس فى وسط المسرح لتتابع عرضاً ويطلق هذا البيت من الشعر فى فضاء المسرح ، مغنى بصوت شجى مما يجعلك تهتز وأنت تجلس على كرسيك بالصالة ،تشرد للحظات وتفكر فى هذه الجملة ثم تعود مرة أخرى للمتابعة انتابنى شعور غريب وأنا أشاهد العرض المسرحى «لى لى « عن قصة الكاتب الراحل «يوسف ادريس « والمسماه « أكان لابد أن تضيئى النور يا لى لى ؟ « سؤال غريب أطلقه يوسف ادريس ليكون عنواناً لقصته ولكن وبعيداً عن القصة نفسها فما رأيته على خشبة المعهد العالى للفنون المسرحية ضمن مهرجان زكى طليمات هو حالة مسرحية شعورية تبحر بنا إلى عالم من الشجن الخاص بشخوص العرض، حى الباطنية وشيخ شاب معمم جديد فى الحى يصل ويتساءل بينه وبين نفسه طوال الوقت عن سبب الإتيان به الى هنا تحديداً ولماذا أرسله الله إلى هنا حى يقوم على المخدرات، أهله لا يصلون إلا الجمعة وصلاة الفجر ومحاولة الشيخ لتغير صفات أهل الحى ، فيقابله نماذج عدة مثل « على لوز « المصاب بإعاقة ولكنه يملك عقلا لا يتوقف عن التفكير ويؤمن ايماناً قطعياً من الداخل لكنه لا يعترف بنظام يحدد ملامح إيمانه.
 المعلم “حنتيته” يبيع الحشيش ويتزوج النساء ولكنه وفى زيجته الأخيرة يصاب بمشاكل جنسية لا يستطيع معها إشباع رغبات زوجته التى لم يدخل عليها و «سنقر» ابن الحرام الذى يعتبره المعلم مساعداً له والذى يعانى من مشكلة نفسية نتيجة أنه «ابن حرام « وزوجة على لوز التى تخاف أن تفعل الحرام وتريد الوصول الى الجنة مما يجعلها تعيش فى حالة قلق دائم وحيرة قائمة.
جزء كبير من العرض اعتمد فيه المعد «محمد السورى « على التعريف بهذه الشخصيات وربط علاقتها ببعضها البعض وبيان حالتها فى الحارة وكيفية تعاملهم مع الشيخ الجديد «عبد العال»، جزء طويل يجعلك تتعجب من هذا الطول فى التمهيد لظهور « لى لى « كطرف صراع حقيقى امام الشيخ «عبد العال» ومع ظهورها فأنت تترصد الصراع القائم بين هذه الغواية «لى لى « التى يتحدث عنها أهل الحارة جميعا ، كل الرجال حاولوا الوصول إليها ولكنها لم تعر أحدهم إهتماماً مما يجعلك تتساءل لماذا اهتمت « بالشيخ الشاب» هل لأنه جاء وحاول تغير أرضية الحى فى التعامل مع الدين فظهرت « حواء_لى لى « كأداة الشيطان الأولى لخروج «ادم _عبد العال» من «جنته _ الدين» مرة أخرى . فضاء مسرحى للحارة لمنظر مكون لبيتين وبينهم مسجد وامامهم ساحة المسرح يتم التعريف لنا منذ البداية على أنها أرض الحى وأن منظر البيوت خارجيه مع بيان حالة شرفات البيوت والجامع ولكن ومع استمرار العرض يحاول «نادر» مخرج العرض مع مهندس ديكوره على نقل حالة سينمائية لمناظر داخلية وخارجية مع ترك خيال المتلقى لتكوين الصورة ان كان بداخل البيت أو خارجه او داخل المسج أو خارجه وهكذا ، الأمر الذى قد أدى الى التشتت أحيانا فى كيفية التعامل مع الصورة المسرحية والتعامل على أرض المسرح كفضاء متعدد وترك مساحات أخرى فى المنظر المسرحى دون استغلالها ، لقد حاول المخرج ومصمم الإضاءة ومهندس الديكور أن يقوموا بكادرات سينيمائية على خشبة المسرح ولكن خانهم التوفيق فى لحظات جعلتنا كمتلقى نتساءل أين هم الآن ؟ بالعودة إلى دراما النص مرة أخرى سنجد المعد والمخرج يفقان حول كون نموذج الرجل «الشيخ عبد العال» وتنويعاته « على لوز و مساعد الشيخ « فى صراعه مع المرأة « الغواية _لى لى « فكانت الحلقة الأهم والتى ركز عليها « على لوز « رجل مصاب بإعاقة جسديه له تفكيره الخاص والذى يمكن ان نلطلق عليه « لا دينى « يتزوج من سيدة تخاف الله وتريد الجنة وتخاف من الحرام وفى مشهد بديع يخبرها زوجها « انها لم تحب الله لكنها تخافه « وحين تموت يبحث على لوز عمن ينجده فلا يجد شخصاً فيطلق صرخته يارب لتنطلق صرخة أخرى من المطرب فى العرض “انت الرجا واليك من أقصى ثنايا الكفر عدت “ فيجد امامه الشيح عبد العال ليعلمه الصلاة وهنا كان السؤال هل سبب هداية على لوز كان موت امرأته وأمله فى الحياة وكان الشيخ عبدالعال وسيلة لتعليمه نظام هذه الدين وفى مشهد اخر نرى اختباراً لعلى لوز حين يعطيه المعلم حنتيته الحشيش ولكنه يرفض بعد رؤيته طيف زوجته فلم أجد مبرراً لأن ينجرف على لوز تجاه لى لى ويترك المسجد والصلاة وحين يوضع فى إختبار بين “لى لى وطيف زوجته” يختار لى لى فكانت نهاية الشخصية تختلف عما قدم لها طوال العرض...حتى ولو كان من علمه تعاليم الدين ابتعد وانجرف لظل هو على وفاءه لحبه وزوجته اما الآداء التمثيلى فكان أفضل ما فى العرض بلا استثناء «نسمة بهى فى دور لى لى واداءها بنقلاته لتصبح المرأة أحياناً وشيطاناً أحياناً أخرى كالحرباء التى تتلون وفقاً لطبيعة المشهد ، مينا وجودة وبساطة اداءه لدور الشيخ عبد العال ومع معرفة كون الممثل مسيحياً ولكنه يجيد تجويد القرءان بشكل مبهر.  وتمكن كريم ادريانو من رسم شخصية المعلم حنتيته مع رسم تفاصيله ولزماته التى أضفت نوعاً مرحاً على هذا النوع من الشخصيات الدرامية ومدى براعة بولا فى لعب شخصية على لوز مع الإعتراف بصعوبة لعب شخصية تعانى من مرض التأخر الجسدى والبنيوى لكن عقله يعمل بلا توقف .  واشباع تمثيلى من عبد الرحمن محسن فى دور سنقر . وربما كان جزء كبير من  العرض وتشكيله قائم على أشعار احمد الشريف وموسيقى احمد حسنى والتى كانت  تقوم برسم حالة شعورية تجبر المتلقى على ترك اذنه لها فى النهاية نحن امام عرض جيد يحتاج الى النظر مرة أخرى فى درامته ليكون أكثر كفاءة ولوضع حبكة محكمة يدور فى فلكها العرض لأن العرض انتهى ولم أجد اجابة على سؤال يوسف ادريس « أكان لابد أن تضئ النور يا لى لى ؟ « ووجدت بدلا من السؤال صيغة أخر أمرة تقول :« خبئى النور يا لى لى «


محمد عبد الوارث