بعد إعلان رئيس المهرجان القومي عن دورة المؤلف المصري

بعد إعلان رئيس المهرجان القومي عن دورة المؤلف المصري

العدد 703 صدر بتاريخ 15فبراير2021

خلال السنوات الأخيرة كانت هناك حالة من الجدل حول التأليف المسرحى في مصر على الرغم من وجود عدد كبير من الكتاب المصريين الذين يحصلون على جوائز في مسابقات التأليف المختلفة داخليا وخارجيا. غير أن هذه الأعمال الفائزة – في الغالب – لا تخرج للنور، فضلا عن حديث البعض عن جود أزمة  في التأليف المسرحي.  
دار هذا الجدل  كثيرا و أقيمت حوله الندوات والمحاور الفكرية ، ومؤخرا أعلن الفنان يوسف إسماعيل رئيس المهرجان القومي للمسرح المصري تخصيص الدورة المقبلة «الرابعة عشر» للمؤلف المصري، أي أن تكون العروض المشاركة بها من تأليف مصري، فكان لابد من رصد آراء المسرحيين حول هذا الأمر، و مدى أهميته للحركة المسرحية المصرية .

المؤلف محمد أبو العلا السلامونى قال : « هذه المبادرة نتجت عن الأزمة التي تعرض لها النص المسرحى في الدورات السابقة للمهرجان ؛ حيث تم حجب بعض النصوص لضعف مستواها، إلى جانب أن هناك مؤلفين غير موجودين على الساحة بفعل التجاهل والإهمال وعدم الاهتمام بالمؤلف المصري نظرا للاهتمام بالنصوص الأجنبية، وللأسف الشديد لا اعلم لماذا نشأ هذا الاتجاه. وعلى الجانب الآخر انتشرت ظاهرة «المخرج المؤلف «
أضاف « بعد مرور 150 عاما على نشأة المسرح المصري يجب أن يكون لدينا مؤلفين راسخين يقدمون نصوصا مصرية لها ملامح وطنية واضحة، وشدد السلامونى على ضرورة  الريبورتوار وإعادة تقديم الأعمال التي ألفها المؤلفون السابقون لتشاهدها الأجيال الجديدة، كعروض ألفريد فرج و سعد الدين وهبه و ميخائيل رومان،  كذلك تقديم النصوص الفائزة على خشبات المسارح حتى يظهر جيل جديد من المؤلفين، مؤكدا أيضا على ضرورة إقامة ملتقى شعبي و العودة للتراث .

محاولة جيدة
 فيما قال المؤلف المسرحى أحمد سمير إن « تخصيص الدورة القادمة من المهرجان للمؤلف المصري أراها محاولة جيدة لدعمه، خاصة أن لدينا كتابا استطاعوا تحقيق العديد من الجوائز الدولية الهامة في التأليف المسرحي وصلت إلي حد الاكتساح في جوائز الهيئة العربية للمسرح العام الماضي ، هؤلاء الشباب لم يحظوا بالفرصة التي تناسب إنجازهم. وربما يؤدي تخصيص الدورة القادمة من المهرجان للمؤلف المصري إلي السعي لتناول تلك النصوص وغيرها وأن تبرز أسماء جديدة من المؤلفين بأفكار تعبر بصدق عن الواقع المعاش و عن ثقافتنا و تراثنا دون استقطاب لأفكار وثقافات مجتمعية أخري.
أضاف: « ولكني أرى أن تخصيص الدورة للمؤلف المصري مخاطرة، وأخشى فقط أن تأتي الأعمال بمستوي غير جيد في المجمل، لذلك  أري انه من الأفضل تخصيص مسار للمؤلف المصري وأن يكون هناك مسار آخر مفتوح ،  ولكن الأهم من كل ذلك هو عمل مسابقة للتأليف المسرحي علي هامش المهرجان بصورة دائمة، لأنها وحدها القادرة علي دعم المؤلف المصري و إثبات وجوده، إن كنا حقاً نبحث عن ذلك.  
بمثابة مصل
فيما أعرب  المؤلف المسرحى السيد فهيم عن سعادته قائلا «كانت سعادتي بالغة حينما سمعت هذا الاقتراح لأكثر من سبب أولها أن كتابَ المسرح المصريين متهمون منذ عدة سنوات بالعزوف عن الكتابة المسرحية، وتتردد فكرة أنه لا يوجد نصوص مسرحية معاصرة في أكثر من محفل مسرحي. وعدم تحمس كثير من المخرجين للنصوص المصرية الحديثة، ولجوئهم لنصوص الستينات أو النصوص العالمية التي نالت بالفعل نجاحا وشهرة بعرضها على خشبات المسرح. رغم أن هذه النصوص ربما تناقش قضايا منتهية، أو أفكارا مستهلكة فنيا وفلسفيا، وهذا ليس تقليلا من شأنها ، لكن  لضخ أفكار جديدة ورؤى فلسفية وفكرية تواكب العصر وتهتم بقضايا الجيل، خاصة بعد ما شهدناه من طفرات في عوالم التواصل الافتراضية ونوافذ المعرفة التي أصبحت لها لغتها ومصطلحاتها الخاصة التي تشغل قطاعا كبيرا من المشاهدين الذين ربما لم تعد تستهويهم الأطروحات التقليدية لكثير من النصوص الجاهزة ، لذلك اعتبر أن تخصيص دورة للمؤلف المصري بمثابة (مصل) يحفز النشاط المسرحي ويقوي جهازه المناعي ويحفز المخرجين على البحث عن نصوص جديدة وأفكار مختلفة ، كما  يحفز المؤلفين الذين عزفوا عن الكتابة المسرحية وتركوا الساحة يأسا على الاستمرار في مشروعهم الإبداعي وتقديم نصوص جيدة للمكتبة المسرحية .
وتابع « و لكن على صعيد آخر ربما يجد بعضُ المخرجين أن مثل هذا الطرح يضعهم في إطار إبداعي ملزِم ويقولبهم ، ويكبح طموحهم في تناول نصوص عالمية أو عربية. لذلك أرى أن تكون هذه الفكرة لدورة واحدة فقط. كعملية إحياء للنص المسرحي المصري. وأن تخصص في الدورات اللاحقة محاور للنص المصري وللنص العالمي وللنص العربي لفتح نوافذ الإبداع أمام جميع المبدعين دون تقييدهم بشروط تقيد جموحهم وطموحهم الإبداعي. وأعتقد أن فرصة تناول نصوص مسرحية مصرية لكتاب معاصرين سيفتح آفاقا أرحب للحركة النقدية بعقد ندوات تحليلية ومناظرات للعروض بحضور المؤلف والمخرج والناقد والمشاهد. وفي النهاية أقول بكل صدق وصراحة ككاتب مسرحي مصري، ليس مهما أن يكون أحد نصوصي ضمن جدول عروض المهرجان، لكن سعادتي ستكون بالغة حينما يشاهد العالم دورة ثرية بنصوص مصرية جيدة، تطرح أفكارا مغايرة، وتقدم فنا يليق بتاريخ وريادة المسرح المصري.
دورة استثنائية
 ورأى المؤلف سامح عثمان إنها فرصة جيدة وبارقة أمل، حيث ستكون بمثابة معرض للكاتب المصري الذي يستحق ذلك ، فمن قديم الأزل كان الاهتمام بالكاتب المصري هو شعار الثقافة المصرية وشيء جيد أن يحدث هذا الاهتمام على أن يقتصر على هذه الدرة حتى لا نحكم إبداع المخرجين.                                                                                                               
مكملات العرض المسرحى
 و أشاد المؤلف الشاب عبده الحسيني بالفكرة لما تسهم به في الكشف عن مؤلفين جدد وخلق أجواء من التنافسية بينهم، خاصة أن المهرجان له ثقل وتاريخ عريق ما يضمن جودة الأعمال، مشيرا إلى أهمية الحصول على تقييم للنص منفردا بعيدا عن مكملات العرض المسرحى ، ما يساعد على ضخ دماء جديدة من المؤلفين المتميزين ونصوص جيدة تقدم برؤى مختلفة ،على أن يتم تفعيل هذه النصوص بحيث لا تقتصر فقط على منح الفائز جائزة مادية أو معنوية ولكن تصل للدفع بالأعمال للتنفيد على مسارح الدولة بمختلف فئاتها                                                     


شىء جيد إعطاء ملامح لكل دورة
فيما قال الناقد أحمد هاشم « إن تخصص الدورة القادمة للمهرجان القومي للمسرح للمؤلف المصري فهذا شىء جيد يشي بإعطاء ملامح خاصة لكل دورة، وإن كان عنوان الدورة يكتنفه بعض الغموض ويحتاج من رئيس المهرجان الفنان القدير» يوسف إسماعيل» واللجنة العليا للمهرجان بعض التوضيح للمعنى المقصود ، فهل المقصود أن يدور المحور الفكري للمهرجان حول البحث في تاريخ المؤلف المسرحى المصري بداية من « إسماعيل عاصم» الذي ينسب له أول نص مسرحي مصرى يتم تأليفه بعد مرحلة التعريب والتمصير التي صاحبت بدايات المسرح المصرى منذ يعقوب صنوع ومحمد عثمان جلال وأمين صدقي وغيرهم؟
أم المقصود بدورة المؤلف المصري أن تقتصر العروض المشاركة بالمهرجان على تلك العروض التى تكون نصوصها منسوبة لمؤلفين مصريين؟ إذا كان المقصود هو المعنى الأول فإنه لشيء جيد وسنكتسب مجموعة من الدراسات التي ستبحث فى تاريخ التأليف المسرحى المصري وتساهم فى إثراء المكتبة المسرحية حتى لو تم تحديد تلك الدراسات فى فترة زمنية محددة ولتكن العشرين سنة الماضية مثلا وسيعطى ذلك للمشاركين عدة مناحي بحثية فى سمات وملامح تلك الكتابات واختلافها عن كتاب ما قبل ذلك على المستويين التقني والفكري وانعكاس الحراك الإجتماعى والمتغيرات السياسية والاقتصادية المصاحبة لتلك الفترة، وان كان ذلك سيجرنا الى عدة أسئلة أخرى من قبيل هل ستقتصر تلك الدراسات على المؤلفين الجدد الذين ظهروا فى تلك الفترة؟ أم ستشمل المؤلفين المنتمين لأجيال سابقة.. وأيا ما كان الأمر فستثرى تلك الدراسات مكتبتنا المسرحية كما أشرنا.
وتابع «أما إذا كان المقصود بدورة المؤلف المسرحى المعنى الثاني ومن ثم يصبح أحد شروط المشاركة فى مسابقة المهرجان أن يكون مؤلف نص العرض مصريا فسيضعنا ذلك في إشكالية الحجر على حرية المخرجين فى اختيارهم للنصوص التى تعكس رؤاهم الفنية، والحرية فى الإبداع هو المناخ الصحي للعملية الإبداعية ولا نستطيع أن نبرر استبعاد عرض جيد لمجرد ان المؤلف غير مصري بالإضافة الى أن ذلك سيتطلب من جهات الإنتاج التابعة للدولة أن تضع ذلك الشرط (المؤلف مصري) فيما تنتجه من أعمال فإن تلك المؤسسات سيكون الفنانين هم أول من سيهاجمونها ولن نستطيع فرض هذا الشرط على الأعمال التي ينتجها المسرح المستقل أو مسرح الشركات أو مسرح الجامعة على سبيل المثال.
وأضاف «من خلال مشاركتي فى مناقشة مشاريع العروض المسرحية المزمع إنتاجها فى مسرح الثقافة الجماهيرية للموسم القادم لاحظت وجود بعض النصوص الأجنبية فماذا لو ارتأت الثقافة الجماهيرية فى أحد تلك العروض نموذجا جيدا لتمثيلها فى المهرجان؟ ورفضته إدارة المهرجان؟ أعتقد أن الفنان يوسف إسماعيل بما يمتلكه من حكمة انعكست في إداراته للدورة الفائتة من المهرجان لن يضع نفسه كرئيس للدورة القادمة فى هذا المأزق ولن يرضى أن يضع المهرجان أمام تلك الإشكالية، وإذا كانت لديه رؤية لتجاوز ذلك فليطرحها على الرأي العام المسرحى لمناقشتها وتدارسها من كافة الأوجه، وفى كل الحالات هو مطالب بإزالة ذلك الغموض حول المقصود بدورة المؤلف المسرحى المزمع إقامتها نهاية الموسم المسرحى القادم، وكلنا حرص على ان تكون دورة ناجحة ان شاء الله.                                                                                                        
ورد الجميل
بينما أشاد الناقد د. محمود سعيد بهذه المبادرة قائلا « إن مبادرة المؤلف المسرحي المطروحة حاليا عنوانا للدورة القادمة للمهرجان القومي للمسرح المصري هي مبادرة جميلة وراقيه. وتؤكد أن الكلمة هي الفعل المهم و وأصل اللعبة، فالنص هو قوه متحولة تتجاوز جميع الأجناس المتعارف عليها لتصبح واقعا نقيضا يقاوم الحدود وقواعد المفهوم، إذ يعد النص المسرحي نظاماً جدلياً معقد التركيب، فهو لا يكتفي بالكلام المنطوق كوسيلة للتواصل، بل يعتمد على الإيماءة أو الابتسامة أو حتى الصمت في ذاته للمساهمة في بناء المعنى، فالكاتب عندما يكتب نصه المسرحي يضع في اعتباره أن الكلام المكتوب سوف يتم تجسيده على خشبة المسرح، وفي ذات الوقت يوقن الكاتب أن الكلمة علامة سواء كانت منطوقة أو مكتوبة، فهي تنقسم إلى دال يحتاج بالضرورة إلى مدلول، وعلى هذا فالنص الدرامي يحتوي على عالم من العلامات، كما يتحول في مجمله إلى علامة هي في أشد الاحتياج إلى تأويل
وتابع قائلا  « الإعلان عن دورة المؤلف المصري  أول واهم خطوات التأويل ورد الجميل للكلمة خاصة ان النص المسرحي يكتب ليصبح مشروعاً لعرض مسرحي، وفني إن لم يتحقق على خشبة المسرح فإنه يظل يحمل تلك الإمكانيات داخله «وهو في حالة غياب الجمهور يشكل دالاً مدلوله عند قارئه أو فريق العمل (المخرج – الممثلون) وذلك على المستوى التخيلي (مرحلة إنشاء الدلالة) أما في حالة وجود الجمهور أي على المستوى الحسي، فإنه يمثل دالاً مدلوله عند المشاهد» ، إن التأليف المسرحي فن من الفنون، التي لها قواعدها العامة الثابتة، وخطواتها الأساسية التي يجب أن تتوافر كلها في المسرحية، بحيث إذا غاب شيء منها، أو ضعف، تأثرت بذلك المسرحية كلها، أو بدت كالبيت الجميل الذي انهدم أحد أركانه أو سقطت بعض نوافذه.
مجموعة من المفاهيم
وجهة نظر مختلفة أثارها المخرج ناصر عبد المنعم  في عدة نقاط حول  دورة المؤلف المصري فقال « الرغبة في أن نهتم بالمؤلف المصري هى رغبة نبيلة ونابعة من الرغبة في التطوير ولكن الاقتراح يغيب عنه مجموعة من المفاهيم الهامة أولها ، أن المهرجان ليس مسئولا عن المواسم الإنتاجية ولا نوعية المنتج فهو يحصل على حصاد ما هو كائن بالفعل ، ويتم تنظيمه داخل المهرجان وليس منوطا بالمهرجان أن ينفذه، ورغبة المهرجان ليست كفيلة بتنفيذه .
والنقطة الثانية أنى لست مع القصر والتحديد، فمن الوارد أن يكون هناك أعمال مسرحية عالمية وعربية ومن المهم تقديمها هذا العام فمن الصعب اتخاذ قرار بتحويل كل النصوص لنصوص مصرية وهو أمر غير قابل للتحقق وخاضع لمقتضيات خاصة بالفرق، فعلى سبيل المثال هناك فرق منوط بها تقديم أعمال عالمية مثل فرقة المسرح القومي الذى يقدم كلاسيكيات عالمية وأيضا كلاسيكيات لكتاب مصريين ومسرح الطليعة لديه جانب خاص بالتجريب على مادة كلاسيكية وتيارات مسرحية غير موجودة ومن المهم وجودها وعروض عالمية مهمة فالأمر يتعلق بإنتاجيات الفرق المسرحية والتحكم بها ليس بقرار من المهرجان فيجب أن يكون هناك قناعه وموافقة من الفرق
وأضاف « أقدر هذه الرغبة ولكنى لا أؤيدها، والأمر يتعلق بالجهات  الإنتاجية وبتخطيطها للموسم وبجهدها بعمل نسب لنصوص المؤلفين المصريين،  فوجود المؤلف المصري فقط على الساحة يعد تطرفا وكذلك غيابه بشكل كلى ،ويجب أن يكون هناك توازن بين النصوص المقدمة بنسب تحددها كل فرقة من خلال خطط متوازنة،  وأخيرا إذا لم يتم التنسيق مع جهات الإنتاج فستكون هناك صعوبة في تحقيق هذا الأمر.                                                                                                                                          
أخشى الاستسهال
وقال  المخرج سعيد سليمان:  سبق وأن نظم د. أسامة أبو طالب دورة خاصة بالمؤلف المصري،  وأؤيد فكرة  تخصيص دورة للمؤلف والنصوص المصرية ، فنحن بحاجة إلى نصوص مصرية ولكني  أخشى الاستسهال فى تأليف النصوص ، ومؤخرا فاز عدد كبير من المؤلفين الشباب فى مسابقات دولية، وهي فرصة جيدة لعرض أعمالهم وأن بشرط أن تكون هناك قضايا جديدة وأفكار ورؤى مختلفة و متنوعة


رنا رأفت