العلاقة بين النقد والإبداع .. صراع أم تكامل؟

العلاقة بين النقد والإبداع .. صراع أم تكامل؟

العدد 558 صدر بتاريخ 6مايو2018

هل لدينا حركة مسرحية قوية توازيها حركة نقدية وحقيقية؟ كيف يتلقى المبدع النقد الموجه إلى إبداعه، لا سيما إذا أشار إلى نواحٍ سلبية للعمل الفني؟ وهل إذا ما غاب النقد يتطور الإبداع وينطلق؟ تحاورنا مع مجموعة متنوعة من المتخصصين تشمل كتابا ومخرجين ونقادا في محاولة لإلقاء بعض الضوء حول هذه الإشكالية الهامة.
الكاتب السيد حافظ عاصر أجيالا متنوعة منذ الستينات، كاتبا ومخرجا وصحفيا مسئولا عن صفحات ثقافية وفنية عدة، قال: الحركة النقدية نشأت مع المسرح منذ قديم الأزل، لدرجة أن يوسف وهبي أنشأ مجلة فنية كي يدافع بها عن نفسه أمام النقد الذي كان يوجه إليه حينئذ، وتعرض أيضا توفيق الحكيم إلى حملة شرسة من ناقد يسمى محمد إبراهيم، وكان هناك مجلة نقدية فنية متخصصة للمسرح وهي «روز اليوسف» قبل أن تتحول إلى سياسية وفنية عامة، وفي الستينات ظهر تيار نقدي موازٍ، وكان هناك وظيفة ناقد مسرحي في كل مؤسسة صحفية أو جريدة بل أكثر من ناقد، لكن بقدوم السبعينات، حيث مسرح الانفتاح والتحرر الاقتصادي انقرضت مهنة المسرح كمهنة تنويرية وتعليمية أو كهدف سام، وتقلص أيضا دور النقد المسرحي، حيث أصبحت هناك ظواهر مسرحية لا تستطيع أن تكتب عنها لأنها تحقق أرباحا خيالية ويستطيع صاحب الفرقة أن يطرد الصحفي أو يرشوه، أما الحركة النقدية المسرحية الحالية فهي ضعيفة جدا رغم وجود نقاد كبار، ولكن المساحات المخصصة للمسرح تقل بسبب قلة الفرق المسرحية وقلة ليالي العرض بسبب اختفاء الجمهور، وهي مشكلة تهدد كيان المسرح لدرجة شراء الممثلين للتذاكر ودعوة الجمهور مجانا، هل المسرح لم يعد احتياجا اجتماعيا وسياسيا وبالتالي النقد أصبح لا يمثل احتياجا جمعيا ولم يعد ضرورة فنية، نحن في مشكلة فكم يتقاضى الناقد المسرحي؟ وكم تدفع المؤسسات الثقافية لدراسة نقدية مسرحية؟ مجلة المسرح المصرية التي كانت تغذي الوطن العربي تحولت من شهرية إلى فصلية ثم ألغيت تماما ودمجت مع مجلة الفنون، هناك عدم اهتمام من الدولة بالمسرح ونشر الوعي الثقافي المسرحي. نحن في حالة غياب للثقافة المسرحية حتى بالنسبة للمتعاملين مع المسرح، سواء أكان ممثلا أو مخرجا أو مؤلفا. الكل يريد المدح والثناء، الجميع عندهم حساسية برجوازية ثقافية، لا يتحملون أي نقد، والحساسية البرجوازية لا تسمح بالحوار وتسمح بنفي الآخر، وهذا خطر شديد، وإذا غاب الحوار بين المبدع والناقد تفشى الضعف والوهن، وليس هناك فنان بلا توجيه أو نقد، وكل فن وله عيوبه التي لا بد أن يكشف عنها الناقد ويقدمها للفنان أولا، ثم للقارئ.
 لا فن بغير نقد
الناقد والكاتب الصحفي بالأهرام باسم صادق يرى أنه لا يمكن أن تسمو الحركة المسرحية بلا حركة نقدية قوية ونزيهة، تنظر للعمل المسرحي بعين الأمين الحريص على ميزان العرض بغض النظر عن مخرجه وعلاقة الناقد الإنسانية به.. على مدى التاريخ ارتبط النقد بالعمل المسرحي، فحتى شكسبير حين كتب رائعته «هاملت» ضمّن عرضه توجيهات للممثلين قبل تأديتهم المشهد المسرحي الكاشف لجريمة قتل والده أمام الملك والملكة رغم أنهم كانوا من أمهر الممثلين، وهو هنا لعب دور الناقد والمؤلف والمخرج معا في دلالة على العلاقة الوثيقة بين الشركاء الثلاثة في العرض المسرحي.. والحقيقة، إن أساتذتنا من كبار النقاد كان منهم من يؤمن بمقولة «ما دون العرض.. دون النقد» وفي مقدمتهم أستاذتنا الراحلة سناء فتح الله، بمعنى أن العرض الضعيف فنيا لا يستحق عناء تقييمه نقديا.. آنذاك كان المخرج الذي يشعر بتجاهل النقاد تقييم أعماله بأن شيئا ما ينقصه فنيا وأن عليه أن يبذل مزيدا من الجهد لينال فرصة الكتابة عن عرضه نقديا، لأنه لم يكن يكتفي بالنجاح الجماهيري، بل كان يعتبر الإشادة النقدية جزءا لا يتجزأ من نجاحه فنيا.. وعلى العكس تماما أصبحت العلاقة اليوم بين المخرج والناقد، فقد صار المخرج يتصور أن الناقد مبدع فشل أن يكون مخرجا أو ممثلا، وبالتالي فإن كل ما يكتبه سلبا عن عرضه هو تبرير واضح لحالة الغيرة من نجاحه المفرط.. لا أنكر أن بعض النقاد لا يتمتعون بالنزاهة المطلوبة، ولكن هذا لا يعني فشل الحركة النقدية، خاصة وأن فطنة المخرج تمكنه من فرز الناقد النزيه عن سواه، ولكننا للأسف بتنا نسمع مقولات من بعض المخرجين تعليقا على مقالات نقدية حول عروضهم قيلت لي شخصيا من قبيل «نحن جيل لا يساند بعضه».. «هذه التجربة لا تحتاج تنظير النقاد».. «مقالك يحاول التقليل من إسهامي الفني إذا اعتبرناه مقالا أصلا».. وغير ذلك من الجمل التي تشعرني بالحسرة على هؤلاء المخرجين الذين لا ينظرون سوى أسفل أقدامهم.. أما إذا أشاد الناقد بعمل المخرج فهو في هذه الحالة ناقد فذ وصاحب قلم جريء ورؤية ثاقبة وما إلى ذلك من كلمات رنانة. وفي تصوري أنه مع التطور السريع في الحركة المسرحية وزيادة كم الإنتاج المسرحي بشكل عام، فإن دور النقد لم يعد يقف عند حدود التقييم فقط، بل يتعدى ذلك لدور الدراماتورج المساهم مع المخرج في بناء العملية المسرحية، وهو ما أحاول أن أمارسه على الورق من خلال مقالاتي بالأهرام، كما أراه يتحقق في دور لجنة المشروعات الفنية بالبيت الفني للمسرح التي تسعى لتكون سندا حقيقيا لأي مخرج أو مؤلف يحتاج عمله إلى دفعة فنية، بالإضافة إلى المحاولات الجادة التي تبذلها إدارة مهرجان المسرح التجريبي في التواصل مع النقاد المتابعين لتقييم الدورات السابقة وبحث المقترحات فيما هو قادم، وهو إيمان حقيقي بدور النقد في الحركة المسرحية أتمنى أن تنتشر بين كل المسرحيين.
ومن المخرجين الشباب التقينا بعمر الشحات الذي أكد أنه يوجد جيل هائل من الشباب بالإضافة إلى كبار النقاد، لكن هناك بعض الصحفيين من غير الدارسين للنقد يكتبون مقالات بشكل خاطئ وغير منظم. وأنا كمخرج ليس لدي مشكلة أن ينتقد أحد سلبياتي، ليته يحدث حتى أعرف مناطق ضعفي لأشتغل عليها، لكن هناك من ينتقد دون فهم، هناك ناقدة أخذت جزءا من ويكيبيديا كوبي بيست لعرض لعبة العراف وبدأت تطبق (الكام سطر) الذين قرأتهم على العرض، وهم أصلا خطأ واجتهاد لشخص غير دارس. ببساطة النقد السلبي لو جاء من شخص واعٍ فهو شيء جيد. لكن إذا حجب النقد فسنفقد جزءًا مهمًا هو أن نسمع وجه نظر متخصصة في أعمالنا، ولا أظن أن النقد يقيد الإبداع، فالإبداع موجود ومتروك للمبدعين الحرية الكاملة، وفي النهاية كلها وجهات نظر. بالنسبة لي لا أرد على أي نقد سلبي أو إيجابي نهائيا، لأن وجهة نظري قدمتها في عملي، وللناقد الحرية مثل ما كان لي الحرية، فقط إذا رأيت أن الناقد واعٍ وهناك سلبيات في عملي أعمل على تلافيها وإصلاحها.
 اجتهادات شخصية
ويرى الناقد المسرحي أحمد خميس أن الحركة النقدية عندنا ما زالت تحتاج للكثير كي تقف على قدمين، خاصة في جانب الدراسات النقدية الجديدة ومعظم ما يقدم عندنا الآن لا يخرج عن كونه اجتهادات شخصية لبعض النقاد، وحتى الأجيال الجديدة تدور حول نفس الموضوعات والفلسفات القديمة التي تعتني بالنقد التطبيقي وتوليه الاهتمام الأكبر، إن سؤالك يشكك في وجود حركة نقدية عندنا رغم أن النقاد يقومون بتغطية الكثير من الفعاليات والأنشطة المسرحية التي تقام في كل مصر، وأقول الكثير ولا أقول كل الفعاليات والأنشطة إذ إن هناك أنشطة لم تحصل بعد على الاهتمام الحقيقي من جانب النقاد، أما تقييم ما يقدم خاصة في الجانب التطبيقي، فبالطبع لدينا حركة نقدية ولدينا نقاد على مستوى رفيع. أما عن كيفية تلقي المبدع للنقد فهناك تفاوت كبير بين المبدعين في تلقي رأي الناقد. وكلما كان المبدع واثقا من عمله وعنده سعة صدر كلما تقبل ردود الفعل المغايرة وقدرها، وكلما كان متشنجا أو عصبيا في تلقي الرأي الآخر كلما كان محدودا ولا يملك شيئا ذا قيمة حقيقية، أما عن تطور الإبداع حال حجب النقد فهذا حديث مغلوط لا يدرك أهمية دور النقد في تطوير العمل الفني فكل من المبدع والناقد يكملان بعضهما البعض وبدون أي منهما يختل ميزان الوعي والتطوير.
مطلوب إعادة نظر
أما الفنان جلال الهجرسي الذي يتبنى مشروعا لإقامة ندوات نقدية عملية لكل عرض مسرحي أمام الجمهور فيقول: لا بد من إعادة النظر في النقد وتخصصه، وحجب الصحفيين غير المتخصصين حتى يكون النقد بمثابة المنارة العلمية التي يستفيد منها المبدعون ويطورون أعمالهم بوعي وفكر. النقد يبدأ بالتحليل ثم التفسير ثم التقييم، بالربط بين محور الأفكار ومحور البناء الفني والجمالي ومحور التلقي، ودراسة تلك العلاقة الجدلية بين هذه المحاور داخل العرض المسرحي، بما ينير الطريق أمام المبدعين بكافة تخصصاتهم، ولكي تتم هذه الممارسة العلمية المنشودة علينا أولا تنقية الوسط النقدي من الدخلاء والجهلاء إلى جانب حتمية تسجيل المحاور النقدية عن كل العروض وتوثيقها، والفنانون مرحبون جدا بالنقد العلمي الواعي وليس الصحفي ولا الناقد المسطح. فهناك كثير من الصحفيين يكتبون عن عروض لم يشاهدوها.
ويرى المخرج سعيد سليمان أن الحركة النقدية مهمة للفنان، وهي الترمومتر والدليل والبوصلة التي يقيس بها إبداعه الفني وتطوره، وعلى الفنان أن يكون مرنًا جدًا مع العملية النقدية، ذلك لأن الناقد هو الوعي والمبدع هو اللاوعي.. يأتي الإبداع الحقيقي من لاوعي الفنان، تأتي بعده حركة واعية متفحصة متأملة مقارنة ومقاربة ومحللة وممنهجة وهي حركة الناقد الإبداعية، فكل يبدع في مجاله.. كما أن الناقد يعتبر الضمير الفني للإبداع، حيث يعطي كل ذي حق حقه، والتعالي على النقد يجعلنا مثلا أعمي يقود عميانا.. فالناقد لديه بؤرة ضوء من الممكن أن يستنير بها الفنان.. ولكن على الناقد أيضا أن يكون على قدر هذه المسئولية.. فهو الدليل وبالتالي يضع العمل الفني في سياقه العالمي الحقيقي وعلى الناقد أن يلم بكافة مناهج الممثل ومناهج الإخراج وتطورها وتطور السينوجرافيا بالعالم كله، كما أن موهبة الناقد الحقيقية هي أن ينسى كل ذلك أثناء حضوره للعرض المسرحي ويبقى متفرجا بسيطا، يعيش العرض مع المتفرجين بإحساس الجمهور التلقائي.
ليس لدينا مسرح.. ليس لدينا نقد
أما المخرج إميل شوقي، فيقول: من الآخر، ليس لدينا مسرح وبالتالي ليس لدينا نقد. إنه مسرح المجاملات والمصالح، ما يوجد فقاعات بدون تخطيط مسبق، المسرح يعني حضارة وفن وثقافة وترسيبات أجيال.
كما يرى الناقد والكاتب والمخرج حسن سعد أن النقد المسرحي يعاني من أزمات طاحنة، وأن النقد الحقيقي يحارب من الجميع، وأول هذه الحروب من المؤسسات التعليمية. وبنظرة موضوعية قال: أري أن معظم الخريجين خلال الـ15 سنة الماضية لم يدرسوا بالشكل الكافي، وبدون منهج دراسي علمي واضح الملامح، وسواء الدارس أم المدرس فكلاهما ضعيف ومن حملة الدكتوراه المتواضعة أو الدكتوراه المضروبة من الداخل أو الخارج، ومثل هؤلاء يكتبون مقالات إنشائية وليست نقدية، ناهيك بالدخلاء من غير المتخصصين وهم كثر ولا أتصور غير الدارس يصلح ناقدا مسرحيا على الإطلاق، كذلك يحارب النقد بشدة في الصحف القومية وغير القومية التي شهدت أزمنة الازدهار النقدي قبل ثورة 25 يناير، والصحافة الفنية أضرت بالحركة النقدية وأصابتها في مقتل، خاصة بعد أن تحول الصحفي الفني إلى ناقد بقدرة قادر، وهنا أقول - للجميع - النقد ليس مدحا أو ذما إنما تحليل ومقارنات وعلم، والناقد الحقيقي هو القادر على التعامل سيميولوجيا مع العرض المسرحي وفك رموزه وشفراته، وهو العالم بمكنوناته وأسراره وهنا ينبغي أن يحمل الناقد «رخصة» وهي المؤهل والتخصص، هل يستطيع دارس القانون أن يعمل طبيبا وهكذا. أما عن العلاقة بين المبدع والناقد، فقال: هي علاقة جدلية، الأصل فيها التعارك الفني والحوار المستمر ولا ينبغي أن تكون علاقة عدائية، والمبدع الصادق هو الذي يستفيد ويستنير بالنقد، تلك الإشكالية. أين الناقد المتخصص وإذا وجد الناقد المتخصص ينبغي أن يظل ناقدا تحت التمرين والممارسة لمدة عامين كاملين قبل كتابة أول مقال نقدي ونشره، ولكن الحاصل ضرب من الفوضى، الولد يكتب نقدا وينشر وهو ما زال تلميذا في السنوات الأولى، هنا إشكالية أشد خطورة فليس كل دارس للنقد يصلح لأن يكون ناقدا رغم دراسته للنقد، لأن الناقد المتخصص ينبغي أن تكون لديه الموهبة وموهبة الكتابة، العملية مركبة والمثير للدهشة أنه لا يوجد مسرح حقيقي، مصري الهوية والشخصيات رغم وجود زخم فوضوي مسرحي. وهنا أقول ثمة أزمة في المسرح وأزمة في النقد المسرحي وخصوصا في منهج تدريس النقد في أقسام المسرح بالجامعات التي تضم هيئات تدريس متواضعة علميا، ومعظم هؤلاء لا يشاهدون المسرح ولا يسمعون عنه سوى في الكتب.
أضواء متناثرة في صحراء قاحلة
أما د. أسامة أبو طالب أستاذ النقد والدراما بأكاديمية الفنون فأكد أن النقد والإنتاج أو الإبداع طرفان لمعادلة واحدة، طالما لا يوجد إبداع لا يوجد نقد، وطالما لا يوجد نقد إذن فالإبداع معوق، النقد هو مرآة الإبداع ومهمته تقييم الأعمال الفنية. ولا يمكن أن نسمي حركة مسرحية إلا باكتمال طرفي المعادلة، فإذا وجد إنتاج مسرحي بدون نقد إذن لا توجد حركة مسرحية، وإذا كان هناك نقد بدون إنتاج مسرحي فهو نقد في الهواء، وأنا أفرق بين الحركة المسرحية والهوجة المسرحية، فالحركة المسرحية منظمة، لها أهداف وبرنامج وملامح للفرق المنتجة ولها تاريخ ولها مستقبل، وأهم شيء أن لها خطة واضحة، في الحركة المسرحية تستطيع أن تكون مطمئنا أنك ستجد العرض المناسب في كل مسرح وكل فرقة في الوقت المطلوب، وذلك بالنظر إلى انتماء العرض لاتجاه الفرقة الفني، فتجد المسرح القومي والحديث والطليعة وغيرهم كل منهم له ملامح وقسمات خاصة به، هنا يمكن أن نقول إن هذه حركة مسرحية تستطيع أن تقف فيها وتعيد إحياء الماضي، وتكتشف ملامح الحاضر وتعرف الإنتاج المستقبلي، ويواكب هذا حركة نقدية في الصحافة والوسائل الإعلامية الأخرى، فلكل جريدة ناقد وصفحة للتلفزيون وصفحة للأدب، الحالة الحاضرة يوجد إنتاج مسرحي لكنه مثل أضواء متناثرة في صحراء قاحلة، لكنها ليست حركة لأنه لا يوجد إطار واحد يجمعها، ولا يوجد أي رابط بين الإنتاج لا فني ولا فكري ولا نقدي، فالمسرح يعمل مع الثقافة وفروع الفن الأخرى بنظرية الأواني المستطرقة بمعنى أنه عندما يكون المنسوب مرتفعا في أنبوب يكون مرتفعا في بقية الأنابيب الأخرى، كذلك فإن الحركة المسرحية لا تعني قتل الإنتاج المسرحي الخاص على الإطلاق إنما المسرح الارتجالي أيضا يستطيع أن ينفخ الروح في الحياة المسرحية لأنه يخلق المنافسة، كل هذا في غياب النقد الذي يثمن ويقيم ويرفع الحياة الاجتماعية للشعب فليس له وجود، فتومض الشعلات ثم تنطفئ، وهذه الشعلات ليس أكثر من المهرجانات، فالإنتاج ضعيف ومتناثر، وما ينفق على هذه المهرجانات كان يمكن أن ينفق على مسرح أو دعم حركة مسرحية. وعندما كنت رئيسا للمركز القومي للمسرح ثم البيت الفني للمسرح كانت تقام ندوة بعد كل عرض وكانت الجماهير غفيرة على العروض وندواتها. والحقيقة، الآن لا يوجد حركة نقدية حقيقية فالنقاد الحقيقيون الدارسون لا يجدون مكانا للكتابة على الإطلاق لأن الصحافة والبرامج كلها تعتمد على صحفيين هواة وليسوا متخصصين أو دارسين، والعلاقة بين النقد والإبداع هي علاقة جدلية تبادلية والضحية فيها دائما هو المتلقي الذي يتم إما تضليله أو إفساده. وقديما كان دائما المسئول عن الصفحة الأدبية أو الفنية أو المسرح هو الذي يضيء للجمهور كي يتتبعه ويذهب لمشاهدة عرض ما.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏