في وداع محسن حلمي تخصص في اكتشاف وتقديم النجوم

في وداع محسن حلمي تخصص في اكتشاف وتقديم النجوم

العدد 643 صدر بتاريخ 23ديسمبر2019

حالة شديدة من الحزن خيمت على الوسط المسرحى عقب رحيل  المخرج الكبير محسن حلمي، بعد صراع طويل مع المرض.  وكان المخرج الكبير قد قطع مشوارا   فنيا حافلا قدم خلاله عشرات العروض الناجحة مع كبار الفنانين .
 عرف عن الراحل محسن حلمي عشقه الكبير للمسرح، واشتهر باكتشافه وتقديمه  للعديد من النجوم، فهو المعلم والأستاذ.. وصفه المخرج الكبير عصام السيد بأنه أيقونه نجاح، حيث كان شديد الدقة في اختيار ما يقدمه من  تجارب. قدم ما يزيد عن 30 عرضا مسرحيا، للعديد من الجهات الإنتاجية، منها البيت الفني للمسرح والثقافة الجماهيرية، ومسرح القطاع الخاص.                                             
شغل منصب مدير مسرح الطليعة من عام 1997 وحتى عام 2001 وكان دائما يدفع بالمواهب الشابة، كما  كان له أثر كبير ومميز في المسرح الشعبي ومن أعماله «دقة زار» تأليف محمد الفيل، «كيف تتسلق دون أن تتزحلق»، «عريس لبنت السلطان «تأليف محفوظ عبد الرحمن، الساحر تأليف يسرى الجندي، «اللهم أجعله خير» تأليف لينين الرملي،»من غير كلام « تأليف فتحية العسال، «وليلة من ألف ليلة وليلة» تأليف بيرم التونسي، «النار والزيتون» تأليف ألفريد فرج، «المحبظاتية» تأليف السيد محمد، كما قدم 6 عروض مسرحية مع المؤلف لينين الرملي ومنها «الكابوس»، «العار»، «وجع دماغ»، «آدم وحوا»، «مجد وغلب»، «كلنا عاوزين صورة» كما أخرج عرض «بارانويا» تأليف رشا فلتس بمركز الهناجر للفنون، وكانت آخر أعماله «ليلة من ألف ليلة» للنجم يحيى الفخراني.
أعمال مسرحية مهمة تركت بصمه كبيرة في تاريخ المسرح المصري، وصنعت اسما كبيرا أثار رحيله موجة من الحزن والألم.. في هذه المساحة رصدت «مسرحنا» عددا من الشهادات التي قدمها أصدقاؤه وتلامذته من الفنانين حول مشواره الفني، كذلك شهادة زوجته الفنانة سلوى محمد على.
تحدثت الفنانة سلوى محمد على عن زوجها الراحل فقالت « تعلمت من محسن حلمي العديد من الأشياء على المستوى الفني والإنساني، وقد كان دائما شغوفا بأعماله قبل تقديم أى عرض مسرحي يحضر له بشكل جيد، يقوم بعمل بحث ميداني ويبحث ويقرأ في العديد من الكتب، ويقابل العديد من الشخصيات التي لها علاقة بما يقدمه .
أضافت: جعلني أحب وأحترم المسرح، حيث كان يقدسه، وكان دقيقا في اختيار النصوص التى يقدمها، ينغمس في تجربته ويعايشها. تابعت: أول عمل جمعني بمحسن حلمى هو عرض «دقة زار»، وكان كل حدث في حياتنا مرتبط بعرض مسرحي يقدمه، وكنت دائما أتمنى العمل معه، وعندما تقلد منصب مدير مسرح الطليعة أعطى العديد من الفرص للمواهب الشابة، كان دائما يهتم بالبدايات التي ينطلق منها الفنانين، شهد ميلاد العديد من النجوم والفنانين، فكان بحق مكتشف النجوم.

 أيقونه نجاح
فيما قال المخرج الكبير عصام السيد إن الحديث عن محسن حلمي كمخرج، سواء فى عروض الجامعة فترة الهواة، أو فترة الاحتراف حديث طويل يحتاج إلى مئات من الصفحات. أضاف: « يكفى أن أقول تقديرا لمكانته كمخرج أنني لم أتول مسئولية أى مكان إلا وكان لمحسن عملا فيه. في المسرح الكوميدي، ومسرح التليفزيون وفى الثقافة الجماهيرية. إن أي مسئول لابد وأن يبحث عن النجاح، ومحسن كان أيقونه نجاح، وبرغم الدراسة الجادة التي قدمها محمود أبو دومة لبعض مخرجي هذا الجيل ومنهم محسن حلمي إلا أنني مازلت أعتقد أنه جيل مظلوم نقديا، ليس على مستوى التقييم ولكن على مستوى الدراسة والتنظير، وللحقيقة لم يكن محسن مخرجا متميزا فقط، بل كنت أراه أيضا ممثلا حساسا ذو طابع خاص يجيد التعبير الصوتي والجسدي، كما أن مهنته كمخرج جعلته ممثلا طيعا ملتزما إلى أبعد حدود الالتزام، ولذلك كانت أول مشاركة متميزة له معي في أول عروضه بالمسرح القومي عرض «عجبي « في 1986، وأذكر أن العرض توقف لفترة وعندما عدنا لتقديمه اختفى محسن ليلة البروفة الجنرال ولم يحضر، وفشلنا فى الاتصال به أو العثور عليه، وقررنا أن يقوم ممثل آخر بدوره، إلا أنه يوم الافتتاح، وقبل رفع الستار يظهر محسن ووجهه تغطية ضمادات عدة، خاصة فى منطقة الأنف، وكان قد تعرض لحادث سيارة عند عودته من البروفة فى الليلة السابقة على الجنرال وظل بالمستشفى، وأصر على الصعود على المسرح ليؤدى دوره، وكنت مشفقا عليه ولكن أمام إصراره وافقت، وإذا به يخلع بعضا من الضمادات ويعرض جروحه للتلوث من أجل أن يؤدى دوره وتابع: وفى مسرح الطليعة كان إختيارى لمحسن كممثل فى عرض « الناس اللى دوغرى « عن نصوص الكاتب الكبير نعمان عاشور ومن إعداد المخرج ناصر عبد المنعم، حيث قدم عدة شخصيات من شخصيات العم نعمان.

 صاحب أفضال لا تنسى
فيما قال المخرج هشام عطوه : محسن حلمي أستاذي، فهو أول من قدمني كمخرج وكان لى دور معه في مسرح الجامعة، إكتشفنى من خلال منتخب جامعة القاهرة، وعقب تخرجي قدمت معه عروضا مسرحية، كما عملت معه مساعدا في عدة عروض، كما أصر أن يتم تعييني في مسرح الدولة، وساندنى في هذا الأمر، وعندما عينت فى مسرح الطليعة كان هو مديره آنذاك، وهو من رشحني لتقديم أول عرض مسرحي لي وهو « أبو الهول يبكى سرا « كما قدمت معه عرض «اللهم اجعله خيرا» وكنت لازلت طالبا في الجامعة.
أضاف عطوة : أدين بوجودي فنيا في الساحة المسرحية له، كما كان له أياد بيضاء على الكثير من المسرحيين الشباب، خاصة في جيلي، ولن ننسى له هذا الفضل.

الحاضر الغائب
و أعرب مصمم الديكور محمد الغرباوى عن حزنه الشديد لرحيله، خاصة وان آخر عرض يقدمه الراحل كان هو من صمم الديكور له، وهو عرض «ليلة من ألف ليلة « بطولة يحيى الفخراني، وظل يعرض لمدة ثلاثة أعوام بنجاح كبير.
وعن تجربته معه قال « التقيت بالفنان محسن حلمي بالأوبرا، وكان فى هذا التوقيت يقدم عرض «ليلة من ألف ليلة « وهى المرة الأولى التي يقدم فيها العرض، وكان من بطولة المطرب على الحجار والمطربة أنغام، وكان يقدم آنذاك على خشبة مسرح الجمهورية، وكان انطباعى عنه للمرة الأولى بأنه مخرج هادئ الطباع، ومتعاون بشكل كبير، يعطى من يتعاونون معه المساحة، ويعي بشكل كبير قدر من يتعاون معهم فنيا، فقد كان له طابع مميز في أعماله وهى خروجها بحب وشغف شديد.
أضاف: عندما رشحت لتصميم ديكور «ليلة من ألف ليلة « على المسرح القومي قدمنا أيضا لقاءا فنيا متميزا، وحقق العرض نجاحا كبيرا رغم ظروف مرضه، إلا أنه كان الغائب الحاضر.

 أسمر الوجه أبيض القلب
شارك الراحل محسن حلمي المخرج فهمي الخولى فى عروض المرحلة الجامعية بكلية الحقوق جامعة عين شمس، وعن تلك التجربة قال الخولى: « تعرفت على الحبيب والصديق والأخ محسن حلمي في أواخر الستينيات وكان أول لقاء فني بيني وبينه فى منتخب جامعة عين شمس، حيث أخرجت عرض «بيت الأشباح « من بطولته مع سامى المغاورى ومديحه حنفي، وفازت هذه المسرحية بالمركز الأول وأشاد بها د. كمال ياسين، وبعدها توالت اللقاءات بينى وبين محسن حلمي الذي كان جاري بمنطقة مصر الجديدة . أضاف: أخرجت عرض باب الفتوح ثم أخرجته مرة ثانية لمنتخب جامعة عين شمس، وكان بطولة محمود حميدة وعصام السيد وفاروق الفيشاوي وآثار الحكيم، وكان معنا أيضا محسن حلمي الذي أجاد تقديم دوره، ولعبه بإتقان شديد. تابع الخولى « كان محسن حلمي أحد المناضلين السياسيين، تم اعتقاله في احدى المظاهرات والإعتصامات التي يقوم بها طلاب الجامعة، وكان حلمي يتميز بالطيبة والأخلاق وحب المسرح، لذلك التحق بالمعهد العالى للفنون المسرحية. تابع: ساعدني فى إخراج عرض «جبل المغناطيس « على خشبة مسرح الطليعة « وشكسبير فى العتبة « وكان يمثل في العرض أيضا، وقد تميز محسن حلمي بتقديم الاكسسوارت فى العروض المسرحية بشكل مختلف، كما تميز بعمل تشكيلات مختلفة على خشبة المسرح، وكان له خيال خصب.

لا يغير حرفا إلا بالرجوع للمؤلف
وعن تجربته مع محسن حلمي قال الشاعر والكاتب المسرحي سعيد حجاج : التقيت به عندما كان مديرا لمسرح الطليعة فى عام 1997، وكان وقتها ينتج عرضا لى في بعنوان «فانتازيا العالم الرابع « إخراج شريف صبحي..
وقد توطدت علاقتي به وأصبحنا أصدقاء. وفى عام 2007 رشحته الكاتبة فاطمة المعدول لإخراج مسرحيتي «في يوم في شهر سبعة” التي قدمت على مسرح البالون، فتعامل مع النص بشكل راقي وكان حريصا على عدم تغيير أى جملة دون الرجوع إلى، وهو ما يثبت احترامه الشديد لعمله ولعمل المبدعين.
أما الناقد أحمد خميس الحكيم فقال: لو أننا لخصنا تجربة محسن حلمي وركزنا فقط علي الأعمال التي سيكتب لها الخلود عبر الزمن، حتما سيكون في مقدمة تلك الأعمال ما قام به في المسرح الشعبي، وفي هذا المجال سنجد أمامنا (دقة زار، والمحبظاتية) الأولي قدمها بعد جهد تحضيري فائق ومتابعة معملية دءوبة لبعض ليالي الزار التي تقام في القاهرة، وإعادة تدريب وكتابة من خلال فريق عمل يعشق الحكاية ويحرص علي تجويدها , والثانية جاءت كنموذج دال للمسرحيات التي كان اللاعب المسرحي المصري متمرسا فيها، وتمثل بالنسبة إليه روح اللعبة الدرامية وبوابتها الشعبية الشيقة,
إذ أن الفن المسرحي المصري كان متعلقا عبر تاريخه أكثر بنماذج أدائية، و لم يكن يعرف المسرح بالمعني التقليدي للكلمة، إنما ألعاب درامية يقوم بها مجموعة من المحبظين، و نماذج أخري يقوم بها المقلداتي في ليالي الحصاد أو حتي في نموذج ثالث ليالي عرض يقدمها الحكواتي الذي يجيد الانتقال بين شخصيات الحكاية المقدمة , وكذا الأمر مع الأراجوز. أضاف خميس: ومن الجدير بالذكر هنا أن مسرحية (المحبظين) ونظرا لأهميتها الجمالية وقدرتها علي تقديم نموذج عربي للتجريب المسرحي قد افتتحت مسرح الهناجر الذي أنشئ خصيصا ليكون نواة معملية علي التدريب والتطوير من خلال الورش والعروض المسرحية.

 من علامات المسرح المصري
وقالت الفنانة مها عفت إن الراحل كان من المخرجين الكبار القلائل الذين لم ينالوا ما يستحقون من شهرة، وقد كان فنانا واعيا ومثقفا ومحبا للمسرح بشدة ومعلما. أضافت : كانت تربطني به صداقة كبيرة منذ أواخر السبعينات و المرحلة الجامعية،
وحتى الآن لا أصدق خبر رحيله . فهو شخص محبوب من كل المسرحيين والكلمات لن توفيه حقه..

 أول لقاء
كما قال المخرج إيمان الصيرفي: علاقتي بالمخرج الكبير تمتد إلى ما يقرب من 45 عاما، فعندما كنت طالبا بالمعهد العالي للفنون المسرحية كان الراحل قد تخرج فيه آنذاك. أضاف: كما كان هناك «لقاء ناصر الفكري» الذي يعقد كل عام في سبتمبر في إتحاد طلاب جامعة عين شمس.. وكان نشاطا طلابيا بارزا، وقد قررت إدارة النشاط إقامة عدة فعاليات خلال اللقاء، وكان ذلك فى سبتمبر 1976، وكان زميلنا الفنان سامي صلاح رحمه الله عليه يقدم عرضا بعنوان « النجدة « وكان محسن حلمي يقدم عرضا لمنتخب جامعة عين شمس وهو «النار والزيتون « على خشبة مسرح محمد فريد، وكان عرضا متميزا للغاية حيث كان الراحل يتمتع بحماس كبير، وكانت تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها محسن حلمي.
وقد أعيد تقديم العرض لأن مشاعر الجماهير فى ذلك التوقيت كانت متأججة، و كان للعرض تأثير كبير. أضاف الصيرفي:
كتبت مقالا تناولت فيه المسرحيتين «النجدة «»والنار والزيتون»، وفى تلك الأثناء توطدت علاقتي برسام الكاريكاتير سعيد الفرماوى الذي طلب منه الراحل أن يلتقي بى لإعجابه بمقالي، ومنذ تلك اللحظة بدأت صداقتنا، وقد شاركني الراحل في ليلة تأبين الشاعر الراحل نجيب سرور.


رنا رأفت