دراسة المسرح في معهد الفنون الشعبية .. لماذا وكيف؟

دراسة المسرح في معهد الفنون الشعبية .. لماذا وكيف؟

العدد 689 صدر بتاريخ 9نوفمبر2020

 ما بين المسرح والتراث الشعبي علاقة وطيدة تمتد بامتداد تاريخ أبي الفنون منذ أن ابتدعه الإنسان كفن نابع من الطقوس الدينية ومعتمد في بداياته على الأساطير. وربما لهذا حرص المعهد العالي للفنون الشعبية أن يضم لمناهجه في قسم الأداء شعبة باسم المسرح لتكتمل حلقات اتصال الدراسة بالمعهد وليكون المسرح الذي هو أحد أهم فنون الأداء أحد أركانه الأساسية. ولأن لمعهد الفنون الشعبية طبيعة دراسية خاصة، كان على (مسرحنا) أن تطرق أبواب هذه الشعبة لنتعرف عن قرب عن الآلية الخاصة التى يعتمدها المعهد. خاصة وأن بعض الطلاب ينظرون إليه كبديل للمعهد الأب (معهد الفنون المسرحية) معتقدين أنه بوابة خلفية للحصول على عضوية نقابة المهن التمثيلية. عن هذه الشعبة وعن قسم الأداء بشكل عام كان لـ(مسرحنا) لقاءات مع المسئولين عن المعهد وعن القسم .
د. مصطفى جاد عميد المعهد العالي للفنون الشعبية الذي قال: المعهد العالي للفنون الشعبية واحد من معاهد أكاديمية الفنون الثمانية، فلدينا سبعة معاهد أخرى هي: السينما،الباليه، الفنون المسرحية،الموسيقى العربية،،الكونسرفتوار،النقد الفني، ومعهد الطفل. ويهتم المعهد العالي للفنون الشعبية بكل ما له علاقة بالتراث الشعبي المصري، وأحب أولا أن أوضح أن هناك لغطا حول فهم البعض لمصطلح الفنون الشعبية، خاصة في الإعلام، حيث يظنون ويروجون إلى أن الفنون الشعبية هي فقط فرق فنون الرقص والغناء الشعبي، وهي المفاهيم التي سادت منذ الخمسينيات وارتبطت بظهور فرقة رضا والفرقة القومية للفنون الشعبية،وهو تضييق للمصلح وآفاقه، حيث يتسع المصطلح بالتراث الشعبي المصري والعربي أيضا، بكل ما يشتمله هذا التراث وكل ما له علاقة بدورة حياة الإنسان من احتفالات، وعادات و معتقدات الشعبية، وممارسات،ومعارف، طب شعبي، وممارسات سحرية، فضلا عن دراسة الموالد الشعبية والمعارف المرتبطة بالزراعة و والصيد والأحلام والألوان وغيرها، ليس في مصر وحدها إنما على المستوى العربي أيضا، فلدينا طلاب من مختلف الدول العربية. 
أضاف عميد معهد الفنون الشعبية: الفرق الشعبية وما تقدمه تستلهمه مما يقوله الناس وتقدمه على المسرح، فالحكي مثلا مهارة متوارثة عبر الأجيال، يمكن أن تقدمه الفرقة في عرض مسرحي بواسطة الحكاء، وا هدفنا نحن هو دراسة الحكاء الشعبي في بيئته، لمن يحكي؟ وكيف يحكي؟ وما الذي يقدمه؟ وما هي الرموز التي يتضمنها نصه ؟
وأوضح جاد أن المعهد يضم أقساما متعددة، هي قسم الأدب الشعبي وهو لدراسة الأدب المرتبط بالحكايات الشعبية كالتي يرويها الآباء والأجداد، مثل السيرة الهلالية والأميرة ذات الهمة وسيف بن ذي يزن والزير سالم والظاهر بيبرس، وكل ما يرتبط بالأدب الشعبي من أمثال وألغاز وفكاهة وشعر شعبي بكل أشكاله، وهناك قسم التشكيل الشعبي والثقافة المادية ويعنى دراسة الحرف الشعبية وفنون التشكيل الشعبي والأزياء والرسوم المتحركة والجداريات،والزخارف الشعبية، وكل ذلك له علاقة بما يبدعه الشعب وليس الأفراد، وهناك قسم فنون الأداء الشعبي شعبة الموسيقى الشعبية وما يرتبط بها من آلات شعبية منها السمسمية و الربابة، والمزمار والطبول، والرقص الشعبي و ما يرتبط بفنون الأداء الحركي مثل التحطيب، رقصة الكف، شعراء السيرة الهلالية، والطقوس الخاصة بمسرح الشارع و الأراجوز، أي كل ما له علاقة بمظاهر المسرح والفرجة، التي يدخل فيها السبوع والحاوي أيضا.
، ولدينا قسم مناهج الفلكلور وتقنيات الحفظ وهو القسم الذي يوثق كل هذه الفنون والأقسام بالتقنيات الحديثة من تصوير فوتوغرافي وسينمائي وفيديو وتقنيات قواعد البيانات مما يتيح استرجاع كل ذلك وأتاحته للجميع، وهو قسم له مهام كبيرة جدا .
وأشار جاد إلى أن شعبة المسرح شأنها شأن الشعب الأخرى ليست بجديدة، وهي من أكثر الشعب جذبا للطلاب وإقبالا عليها، ربما يكون ذلك أحيانا بسبب المفهوم الخاطئ الذي يتصوره البعض من أنها تخرج ممثلين ومخرجين، وأنها بديلة لمعهد العالي للفنون المسرحية، وهذا غير صحيح، فالمعهد يخرج باحثين في مجال التراث الشعبي، يبحثون الجماعة الشعبية وأداءاتها والشكل الفرجوي الشعبي، ربما يستفيد الطالب فيما بعد فيصبح ممثلا أو مخرجا، هذا أمر يخص الطالب
وتحدث د. مصطفى جاد عن نظام الدراسة بالمعهد فقال: منذ عام 1981 حتى 2008 كان المعهد مخصصا للدراسات العليا فقط، ثم بدأنا في التدريس لمرحلة البكالوريوس ثم نظام الساعات المعتمدة الذي طبق حديثا، ويمنح المعهد درجة البكالوريوس لطلاب الثانوية العامة والدبلومات في أحد التخصصات السابق ذكرها ومدة الدراسة أربع سنوات، كما يمنح المعهد درجة دبلوم الدراسات العليا للحاصلين على المؤهلات العليا، حيث يدرس الطالب عامين ثم الماجستير، و أثناء الدراسة يخرج الطلاب في بعثات ميدانية سنوية لسيوة والواحات البحرية وسيناء للتدريب على الجمع الميداني دون الاعتماد على قراءة الكتب، فنسجل كل ما يقوم به الأهالي، مما يعد تدريبا للطلاب على طريقة الجمع الميداني وتعريفهم بالتراث الشعبي والتدريب على كيفية التواصل مع الجماعات وتسجيل الممارسات الشعبية في بيئتها وسياقاتها الطبيعية، من عادات وتقاليد وآداب وحرف شعبية، أما عن الأعداد التي يتم قبولها كل عام في كل قسم فهي خمسة عشر طالبا.
وعن أحقية الخريج في الحصول على عضوية النقابة أشار «جاد»إلى أن هناك محاولات جارية لأن تكون هناك نقابة للفنون الشعبية، وقال: نحاول جاهدين أن تكون هناك نقابة على غرار النقابات الفنية الأخرى لكن الأمر يحتاج لوقت، و نأمل أن يحدث ذلك في القريب العاجل .
كما أكد د.مصطفى جاد أن رسالة المعهد هي حفظ الذاكرة الشعبية للوطن، لأن كتب التاريخ لا تدرس ولا تقول ما الذي يقوم به الناس، والمعهد يحفظ الذاكرة الشعبية و يصون التراث الشعبي الموجود والذي يمارس حيا، وليس المؤلفات الفردية، فنحن حين نتحدث عن مسرحية ونقول من مؤلفات»فلان» فإن ذلك يُدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية، بينما هنا نقوم بجمع ما يقوم به الأشخاص في بيئاتهم وتحليله من خلال مناهج علمية خاصة بالمعهد بشكل عام، وهو دور وطني يحفظ الذاكرة الشعبية المصرية من خلال ما يقوم به الإبداع الشعبي بشكل عام، وندرس الفلكلور في بيئته الشعبية ومنه دراسة العادات والتقاليد في الصعيد أو الغناء الشعبي في السواحل أو الأزياء الشعبية في بحري، فمصر لديها بيئات ثقافية مختلفة؛ بدو وحضر ونوبة وسيوة وسواحل الخ، هذا بالإضافة إلى أنه المعهد الوحيد الذي يتفاعل مع ثلاث مؤسسات: المبنى التعليمي «المحاضرات وقاعات الدرس والمدرجات «، بالإضافة لمركز دراسات الفنون الشعبية التابع للمعهد والذي يضم مادة ميدانية من كل التخصصات التي تم جمعها منذ الخمسينيات حتى الآن من كل مناطق مصر، وقد جمعها رواد الفلكلور، بحيث أصبح لدينا أرشيف قومي للتراث الشعبي تستفيد منه كل التخصصات، و بهذه المناسبة فنحن ندعو المبدعين والمثقفين والمتخصصين في كل المجالات لأن يعتبروا المركز هو الأرشيف القومي لهم، ونحاول حاليا تطوير المركز ليكون إلكترونيا، من خلال عمل قاعدة بيانات قوية تسهل عملية الاستعانة بمادته،كما أن لدينا متحف للفنون الشعبية داخل المركز بالإضافة لتجهيزنا حاليا لمتحف ضخم يضم كل ما يرتبط بمقتنيات التراث الشعبي من الخمسينيات حتى الآن و سيتم افتتاحه قريبا، و تقوم الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بتجهيز المبنى، كما يجهز الباحثون والخبراء وأعضاء هيئة التدريس بالمعهد المادة العلمية التي ستعرض من خلاله، ويدعمه رئيس الأكاديمية بشكل قوي حتى يخرج للجمهور العام والباحثين والدارسين بشكل رائع، و يصبح واجهة مشرفة لمصر، ويكون مفيدا للطلاب في مراحلهم المختلفة .
وعن الفرق بين الدراسة بشعبة المسرح الشعبي بقسم فنون الأداء والدراسة بالمعهد العالي للفنون المسرحية قالت د.سمر سعيد وكيل المعهد العالي للفنون الشعبية وأستاذ دكتور الرقص والألعاب الشعبية، إن قسم فنون الأداء يجمع بين ثلاثة شعب : موسيقى، ورقص، ومسرح شعبي. وإن شعبة المسرح الشعبي تعتمد على بعض المواد التي تصقل الطالب ومنها الإلقاء والإخراج، وإن مدة الدراسة أربع سنوات تشمل موادا خاصة بعلم الفلكلور. وأشارت إلى أن شعبة المسرح تدرس جميع الأقسام الأخرى من الأدب الشعبي والرقص والموسيقى الشعبية،ولكنها تدرس المسرح الشعبي بعمق أكبر، حيث لابد أن يتعرف الدارس على علم الدراما ومبادئ الإخراج والإلقاء، أي جميع العناصر الأساسية للتمثيل والإخراج . وأكدت أن الطالب في القسم يتخرج بوصفه «باحث شعبي» لينزل الميدان مالكا لأدواته، يعرف كيفية الجمع الميداني وما الفلكلور، ويعرف الإلقاء.. و يؤهله ذلك لإتقان الحكم على ما هو جيد وما هو سيء .. أضافت : بالتأكيد عند تخرجه يكون لديه خطوات الإخراج، ويستطيع وضع رؤيته الشخصية، حيث يمتلك الأدوات العلمية التي يستطيع أن يدون بها – مثلا- ما يقوله شاعر الربابة، وكيف يؤدي. وهذا هو الفارق بين معهد الفنون الشعبية والمعهد العالي للفنون المسرحية .
أضافت : يعتمد المعهد العالي للفنون المسرحية على الموهبة،لأنه يخرج ممثلا ومخرجا، بينما يعتمد طلابنا على القدرة البحثية، فيختارون بحرية فيما بعد : هل يخوضون تجارب خاصة في التمثيل والإخراج، لأنهم يملكون الأدوات من خلال المواد التي درسوها، أم يستمرون في مجال البحث .
وتابعت «وكيل المعهد «: أما الشروط العامة للقبول بالشعبة فمنها أن يكون لدى الطالب نسبة من الموهبة حتى يكون مؤهلا لدراسة الإلقاء والتمثيل والإخراج وليس شرطا أن يكون محترفا،أيضا أن تكون مخارج الحروف سليمة،وشكله العام منضبطا،وطريقة أداءه مقبولة، ولديه قدرة إبداعية ليكون احتكاكه بالناس أمر سهلا حين ينزل الميدان. أما عن حملة المؤهلات العليا فيتم السماح ل 10% من المتقدمين على مستوى المعهد، وهم عادة يكونون مميزين لأنهم أنهوا دراستهم الأساسية وتوجهوا لدراسة أخرى، بخلاف طالب الثانوية العامة الذي قد يكون مضطرا للدراسة، وينطبق عليهم نفس الشروط العامة، ولهم الحق في الالتحاق بالدراسات العليا ويدرسون لمدة عامين أولا ولهم أن يحصلوا على الماجستير شرط حصولهم على تقدير جيد.
وفيما يتعلق بالسؤال الدائم عن موقف المعهد من عضوية النقابة خاصة مع وجود شعبة المسرح علقت د.سمر قائلة: كان المعهد منذ إنشائه للدراسات العليا فقط، وبناء عليه حين تم توقيع البروتوكول بين أكاديمية الفنون والنقابة كان يضم معهدين فقط :معهد الفنون الشعبية، والبالية شعبة بالية،وبعد ذلك أصبح المعهد يمنح درجة البكالوريوس، ولكن اللائحة القديمة لا تشمل عدد ساعات عملي تؤهل للحصول على العضوية، فقط يمكن للمتقدم الحصول على تصاريح بالعمل، ونعمل حاليا على تعديل اللائحة حتى يستطيع طلابنا أن يكونوا نقابيين،لكننا نؤكد للطلاب في بداية التقديم أننا لا نخرج ممثلين ولا نمنح كارنيهات للنقابة،حتى لا يعتقد الطالب أننا البوابة الخلفية للمعهد العالي للفنون المسرحية، يلجأ إليها في حالة عدم قبوله بالمعهد، فمن غير المنطقي أن يكون هناك معهدين لنفس الشئ في الأكاديمية .
أما عن النشاط الطلابي فقالت هناك ممارسة للنشاط والمعهد يقدم عروضا مسرحية وعروض راقصة وموسيقية. وأكدت أن الدراسة تعتمد في أغلبها على الدراسات الميدانية والجمع الميداني و أن بها إثارة وتفاعل. 
و عما يتعلق بمهرجان فنون الأداء الأول أوضحت د. سمر سعيد أن دورته الأولى أقيمت باسم د.عصمت يحيى العام الماضي و أعلن د.أشرف ذكي أن المهرجان لن يحمل اسم فنون الأداء وسيطلق عليه اسم مهرجان فوزي فهمي، و لكن نظرا لظروف انتشار وباء كورونا فلم تقم الدورة الثانية التي كان من المقرر إقامتها في شهر يوليو .
أما د.محمد شاكر، قسم فنون الأداء فقال: بالنسبة للدراسة وطرق التدريس والمناهج التي يدرسها الطلاب في القسم، وخاصة شعبة المسرح الشعبي فإن الهدف الأساسي هو تخريج باحث فلكلوري متخصص في جمع مواد المسرح الشعبي وفنون الفرجة الشعبية،ومع ذلك يدرس الطالب مجموعة من المواد التي تؤهله للتمثيل والإخراج مع مواد عملية في تخصص المسرح تؤهله للعب بالعرائس الشعبية مثل الأراجوز وخيال الظل وكذلك الحكي الشعبي، و يدرس الطالب في شعبة المسرح موادا إجبارية ومنها: عروض تطبيقية والمسرح الشعبي العالمي والمسرح الشعبي العربي والمسرح الشعبي المصري، ونصوص مسرحية شعبية، وسوسيولوجيا المسرح الشعبي وفنون الفرجة الشعبية، واستلهام الثقافة الشعبية في المسرح .. وهناك مواد اختيارية ضمن قسم فنون الأداء يختار من بينها الطالب ما يعادل 30 ساعة ومنها على سبيل المثال: تذوق ونقد موسيقي،انثروبولوجيا الفن،الاحتفالات الشعبية،،الأزياء الشعبية،عروض الرقص الشعبي الجماهيرية،علم الصوت «فيزياء»،فلسفة الفن، لياقة حركية،إلقاء، مصادر مرجعية» رقص، موسيقى، مسرح»، صناعة آلات الموسيقي الشعبية، موسيقى القرون الوسطى في أوربا، الانثروبولوجيا الثقافية .
وأوضح «شاكر» أن هناك بعض المواد المشتركة بين شعبة المسرح الشعبي وما يدرسه طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية وهي فن الدراما والإلقاء والمسرح المصري ومدارس التمثيل والمسرح العربي والمسرح العالمي والنصوص المسرحية وأسس إخراج ومدارس الإخراج والأداء التمثيلي والمسرح الشامل بالإضافة للمواد السابق ذكرها. 


روفيدة خليفة