أساتذة الماكياج يوصون بالدراسة والاجتهاد

أساتذة الماكياج يوصون بالدراسة والاجتهاد

العدد 756 صدر بتاريخ 21فبراير2022

يُعد الماكياج المسرحي، عنصرا من عناصر الصورة، يستخدم للمساعدة في خلق مظهر الشخصيات، التي يجسدها الممثل على خشبة المسرح، فيستخدم الفنانون الماكياج من مستحضرات تجميل وأطراف صناعية وغيرها من مؤثرات، تُعزز من مظهر الفنان، فتضيف لأدائه، وتجعله يتعايش مع الشخصية أكثر ويستحضرها. عالم الماكياج المسرحي لا ينتهي، وهناك العديد يرغبون في دخول هذا المجال المختلف والشاق، خاصة في مصر، لأنه لم يأخذ حقه بعد. “مسرحنا” التقت ببعض الأساتذة في فن الماكياج المسرحي، بالإضافة إلى بعض الشباب المتميزين في هذا المجال، لنتعرف منهم على “كيف تصبح فنان ماكياج ناجح؟”، ويحدثونا أيضًا عن مشكلات واحتياجات هذا الفن.
البداية كانت مع د.أحمد عفيفي أستاذ مادة الماكياج الدرامي بأكاديمية الفنون الذي قال: الماكيير من المهن التي تحتاج إلى ثقافة عامة وإلمام بالعصور والفن التشكيلي، وتوضيحًا لما يجب أن يكون فسوف أتحدث عن أعمالي، فقد قدمت مسلسل زيزينيا الجزء الأول والثاني، في فترة الأربعينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، وكان يحتاج أن اقرأ عن هذه الفترة، وأتعرف على أشخاص هذا العمل، و في مسلسل مثل الملك فاروق، فإن تنوع الطبقات داخل المسلسل جعلني أطلع واقرأ أكثر عن طبيعة كل شخصية وعن الفترة الزمنية ، وكذلك عندما قدمت مسرحية الملك لير للفنان يحيى الفخراني، واستمرت لمدة سبع سنوات، هذا العمل كان يحتاج أن أكون قد قرأت لشكسبير بشكل عام، ولير بصفة خاصة، وبالفعل لدي مرجع عن كل أعمال ويليام شكسبير استعنت به. . يجب أن يقرأ فنان الماكياج الناجح العمل جيدًا ويُحضّر لذلك جيدًا ويتطلع على كل ما هو جديد، ويوظفه بناءً على طبيعة العمل، وهناك وسائل كثيرة للبحث، أعمال كثيرة في المسرح يجب أن يقرأها فنان الماكياج لتقريب الفترات الزمنية للعمل على حسب السياق الدرامي، ووفق توجيهات المخرج والفترة الزمنية، فتجسيد الشخصية يتم وفق الكاتب والمخرج، إلى آخر المفردات المعروفة.
وأضاف “عفيفي”: الماكياج مُكلف، لأنه يتم وضعه على بشرة الممثل، لذا يجب أن يكون من نوع جيد وأمن، و يتم إزالته بأدوات خاصة مكلفة. المخرج عمله ذهني مرتبط بخياله وعناصر غير مكلفة بشكل فوري، ولكن الماكياج والديكور والأكسسوار، جميعها عناصر مكلفة. أدوات وألوان الماكياج الخاصة بالمسرح والتليفزيون والسينما، مكلفة جدًا، وغير متوفرة غير في أماكن محددة، وهي خاصة بالمحترفين. الماكياج هو إدخال الممثل في الشخصية المراد تمثيلها وتشخيصها. عندما قدمت أبو زيد الهلالي و قام بهذا الدور الفنان أحمد عبد العزيز، كان لونه أسمر، وهذا اللون هو المشكلة التي تقوم عليها الدراما الخاصة بالعمل ككل، وكذلك عطيل، فهذه الألوان غير متوفرة في المحلات العامة، بالإضافة إلى الشارب واللحية، كل الأدوات الخاصة بعمليات الماكياج، جميعها تنتج عن طريق شركات خاصة، وفنان الماكياج في مصر هو من يحضر كل الأدوات، أما في الدول الأجنبية فالماكيير يكتب متطلباته، مثله مثل مهندس الديكور، وكل ما يتم تنفيذه يكون تحت إشرافه، أما في مصر فأجر الماكيير وأدواته فئة واحدة.  رفضت العمل مع مخرج كبير وله تاريخ عريق، لأن ميزانية الماكياج غير مناسبة تمامًا لمتطلبات العمل ولأجري. يجب أن يتم الاتفاق على هذا العنصر من البداية، وأن يطلع الماكيير على النص ويجلس مع المخرج أكثر من مرة، ويحضر أكثر من بروفة، ليكتمل تخيله مع رؤية المخرج، فهكذا يجب أن يكون.
وتابع “عفيفي”: للأسف ليس هناك قسم متخصص في أكاديمية يتخرج منه الماكيير، المكياج يتم تدريسه كمادة لطلبة الديكور والتمثيل ودراما ونقد والباليه، ولكن كل منهج يختلف عن الآخر، منهج الديكور مختلف لأنهم قادرين على الرسم، ومن ثم هم أكثر المؤهلين للعمل في فن الماكياج، لأن علاقته بالألوان قائمة، قادر على الرسم، نظرته التشكيلية جيدة. طالب التمثيل نتحدث معه أكثر عن الشخصية الدرامية، والشخصيات العامة في الحياة. المناهج الخاصة بالماكياج تختلف بناءً على ما يدرسه الطالب وما يستفيد منه. حاليًا هناك مدرسة تابعة لأكاديمية الفنون “المدرسة التكنولوجية” بها قسم للماكياج، أتمني بعد أن يتخرج هؤلاء الطلبة أن يعاد فتح قسم للماكياج في معهد الفنون المسرحية.
وأضاف “عفيفي”: أنصح من يرغب في أن يكون فنان ماكياج، أن يكون حاصلا على مؤهل عالي، حتى يستطيع فيما بعد أن يلتحق بنقابة المهن السينمائية، ويفضل أن يكون خريج كلية فنية، حتى يكون له علاقة بالرسم والألوان، ويجب أن يتدرب على يد أساتذة محترفين ومتخصصين، والأهم من كل ذلك أن يكون لديه الرغبة والقدرة، لأنها مهنة صعبة ومكلفة ومجهدة.

تصميم الشخصية
وقال مصمم الديكور د. محمد سعد الأستاذ بكلية الآداب قسم علوم المسرح جامعة حلوان وأستاذ مادة الماكياج بكلية السينما والمسرح بجامعة بدر: فن الماكياج في السينما والمسرح له دور كبير جدًا في تصميم الشخصية، مثل ذلك في مسلسل الكبير أوي، فالماكياج هو من صمم شخصيات أبطال المسلسل، وسنجد معظم المسلسلات الواقعية والخيالية، مطلوب منها  دائمًا عنصر الماكياج، سواء تكبير أو تصغير سن الشخصية، أو الإصابات الحديثة أو القديمة التي بهم، فعلى سبيل المثال شخصيات عادل إمام في فيلم المتسول، و أحمد زكي في فيلم البيه البواب أو كابوريا.. تصميم الشخصية يقف على الماكياج بشكل أساسي.
وأضاف “سعد”: يجب على من يدرس تمثيل أن يدرس ماكياج، لكي يعرف خيال الشخصيات التي يقوم بها ومدى تحقق ذلك في الصورة، الجمهور يري الصورة أولًا ثم يسمع الصوت، فالرؤية البصرية مهمة جدًا. دراسة الماكياج لكل دارسي التمثيل متاحة بالفعل في كل المعاهد الفنية المتخصصة في العالم كله ، كي يتعرفوا أكثر على الخامات والأدوات، التي من الممكن بها أن يغيروا الشخصية، على حسب السياق الدرامي للعمل.
وتابع “سعد”: تدريس مادة الماكياج منهج كامل يبدأ بماكياج الممثل على خشبة المسرح، ثم تكبير أو تصغير السن ثم تغيير لون البشرة ثم تغيير الملامح من رجل لسيدة والعكس صحيح، ثم الإصابات بكل أنواعها، ويجب أن يتعرف فنان الماكياج على بعض المهن ويعرف أكثر ما يميزها، وبعدها يتعلم كيف يقوم  بعمل ماكياج المهرج، ثم عمل فكرة مختلفة خارج الصندوق خاصة بفن الماكياج. ولأنني أقوم بتدريس مادة الماكياج من حوالي عشرين سنة، فإننا دائمًا نسعى لتطوير ما نقدمه للطلبة، والاطلاع على كل ما هو جديد في هذا العالم الثري.. للأسف خامات الماكياج الجيدة باهظة الثمن، وعلى الطالب أن يحاول أن يصل لحل وسط، ويستخدم بعض الخامات الجيدة ومتوسطة في التكلفة.

فروق المسرح والسينما
فيما قال فنان الماكياج إسلام عباس: هناك فارق بين الماكياج في المسرح والسينما والتليفزيون، فى المسرح الماكياج يجب أن يكون مُضاعفا، ويجب أن أُراعى البُعد المسرحى، لأن المسرح بدون كاميرا وهو أكثر واقعية من السينما، ويجب مراعاة مساحة المسرح الذي أعمل عليه، فمساحة مسرح دار الأوبرا غير القومي غير الطليعة وهكذا، فكلما بعدت المسافة بين خشبة المسرح والمتفرج وجب مضاعفة الماكياج من حيث الحجم والرؤية ومنظور الألوان، مثلها مثل الأداء التمثيلي والصوت، أما في السينما فإن مقياس عملي يُقاس على الكاميرا نفسها، لا يخرج عن الواقعية، والواقعية أن أُحاول أن أصل للشكل الحقيقي، وتكون الألوان غير متناسقة والقطعة المستخدمة غير حقيقية، فيجب تحقيق الماكياج بشكل يتناسب مع الرؤية المطروحة بشكل يصدقه المشاهد.
وأضاف “عباس”: مهم جدًا المذاكرة وأن تكون مميزا، بالإضافة إلى أن تُحب موضوع الماكياج، وعندما تحبه تنجح، وتكون مميزا أكثر، ومهم جدًا أن لا يشعر الفنان بالغرور، والأفضل دائمًا أن تحفز نفسك بنفسك وتسعى دائمًا للأفضل، دون أن تشعر أنك قد وصلت للقمة، لأن القمة في الفن فخ الغرور. مهم جدًا أن تشعر بقيمة فنك وخبرتك، ولكن دون أن يصيبك الكبر والغرور، والعلاقات الإنسانية مهمة جدًا، يجب أن يكون بينك وبين فريق العمل الذي تعمل معه تفاعلا إنسانيا إيجابيا، وبخاصةٍ مع الممثل. يجب أن تكون صديقًا للممثل، و يكون بينكما ثقة متبادلة، تثق أنه سوف يحقق بأدائه ما صنعته له من ماكياج، ويثق أنك ستقدم الرؤية التى يريدها بخامات جيدة، وتصلا معًا لحالة من السلام النفسي.
وتابع “عباس”: يجب أن لا تخف، وإن فشلت ستنجح، ولو نجحت ستفشل وتنجح وهكذا، وعند فشلك يجب أن تتعلم ، وعند نجاحك، يجب أن تدعم هذا النجاح، ومن الطبيعي مهما كان لديك من خبرة أن تُخطئ ، فلا تجعل هذا الخطأ يهز ثقتك فى نفسك وفنك، ويجب أن يتعلم فنان الماكياج كيفية التعامل مع الخامات، و يفرق بين الخامات الاحترافية والبديلة، وكيف يتعامل مع كل منهما، ويجب أيضًا أن يتعرف على التقنيات الفنية من دمج الألوان وصناعة القطع، سواء في المؤثرات أو بناء الشخصية . يجب أن تتخيل نفسك فى كل شخصية تصنعها، ضع نفسك مكان الفنان، وكأنك تصنع ذلك لنفسك، فسوف تحسه أكثر، ويجب أن تستفيد من أخطاء غيرك وكُن طموحا وحب فن الماكياج بشكل يجعلك تُبدع فيه، السعي ثم السعي. ودع خيالك يحقق ما تريد من إبداع. الكسب المادي يومًا ما ستحصل عليه، ولكن المعنوي هو ما يجلب المادي، والمادي غير دائم، ولكن المعنوي هو الباقي وهو من يصنع تاريخك.
وأضاف “عباس”: لدينا قلة اهتمام بعنصر الماكياج، والأولوية دائما تكون لعناصر أخرى مثل الديكور والأزياء والإضاءة، والحمد الله أغلب العروض المسرحية الماكياج عنصر أساسي فيها وأنا أُطالب بشدة بالدعم المادي لأن الماكياج هو العنصر الوحيد المستهلك يوميًّا، على سبيل المثال، الديكور عندما يُصنع لا يُرمم إلا بعد فترة، فى حالة التلف فقط، ولكن الماكياج يستهلك يوميًّا، والخامات تضاعفت قيمتها المادية، لذلك أطالب بالدعم المادي لفن المكياج، ولا نعتبره عنصرًا مُكملًا. مادة الماكياج تستخدم على وجوه الممثلين، ووجه الممثل وجسده هما كل استثماره، وعند حدوث أي شئ لا قدر الله، فإن فنان الماكياج هو من يُحاسب، لذلك يجب أن نهتم بالدعم المادي للحفاظ على جودة الخامات المستخدمة على وجوه الممثلين وأجسادهم، بالإضافة إلى العناصر الفنية الخاصة بدار العرض نفسه، أي الاهتمام بالتكييف ففي حال كانت الأزياء ثقيلة أو خاماتها تشعر الممثل بالحرارة، كل ذلك قد يؤثر على الماكياج، بالإضافة إلى تأثير الإضاءة على درجة حرارة جسم الممثل، لذلك يجب أن يتم تهيئة الجو البارد والمناسب، والاهتمام به جدًا، وبخاصةٍ على خشبة المسرح، والتحكم في التكييف بأن يكون على أعلى درجة على خشبة المسرح، حتى لا يؤثر ذلك على الماكياج، من أثر العرق وغير ذلك.

اكتشاف الخامات
كذلك قالت الفنانة التشكيلية ماري روماني وفنانة الماكياج: لكي تكون فنان ماكياج ناجح يجب أن تذاكر كثيرًا، وتجرب طوال الوقت، والتجربة تجعلك تكتشف الخامات، ومن خلالها تستطيع أن تنفذ شكل أو تخيل معين تستطيع صنعه، يجب أن تشاهد كثيرًا حتى يكون لديك مخزون بصري كبير في ذهنك، ويكون مرجعا لك، يجب أن تتحكم في انفعالاتك وتطمئن من تعمل له الماكياج، الفنان يحتاج إلى التركيز والشعور بأنه أفضل، لأن ذلك يجعله أكثر تقمصًا للشخصية التي سوف يقدمها، ومن أهم عوامل نجاح أي فنان ماكياج أن يذاكر النصوص جيدًا جدًا، ويحضر أكبر عدد من البروفات وخاصة الجينيرال، وأن يحتك كثيرًا بعناصر العمل المسرحي، لينعكس ذلك على عمله وأن يكون أكثر إبداعًا وتميزًا.
وأضافت “روماني”: هناك محاولات للتغلب على مشكلات ضعف الميزانيات، نحاول طوال الوقت الاستعانة ببدائل، ربما ذلك يكون أمرًا في غاية الصعوبة في العمل الاحترافي، ولكننا نحاول أن نصنع بعض الخامات بأنفسنا، من مواد طبيعية قد تعطي نفس التأثير، أما فيما يتعلق بضعف الميزانية الخاصة بالماكياج، والتعامل مع الأدوات الخاصة به وأجر الماكيير باعتبارهم شيئًا واحدًا، فهو أمر في غاية الصعوبة ويجعلنا جميعًا نطالب بأن يكون الماكياج مثل الديكور والأكسسوارات والأزياء منفصل عن الخامات. الماكياج عنصر أساسي ومهم في تكوين الصورة، وهو مساعد قوي لإخراج العمل الفني في أفضل صورة.
وتابعت “روماني”: يجب أن تُجرب وتحاول أكثر من مرة دون يأس، ولا تحكم على شكل معين تقدمه وهو مازال في مرحلة التحضير، ولكن احكم عليه عندما تنتهي منه، ويجب أن تأخذ آراء من حولك، وتتقبل النقد، وتطور من نفسك، وبأقل أدوات تستطيع أن تبدأ إن كنت تريد، فمن الممكن أن تبدأ بفرشاة وباليتة ألوان، وشيئًا فشيئ تصبح اسما معروفا، في مجال الماكياج. العلاقات والمساعدات ستجلك تظهر تميزك ويتم ترشيحك من قبل أسماء كبيرة تضيف إليك وتفتح أمامك أبوابًا جديدة في هذا العالم الثري .
واتفق كل من فناني الماكياج محمد حمدان ونادين أشرف على أغلب ما سبق، فقالا: يجب أن تفهم معنى كلمة فن في البداية، وأن يكون لك رؤية فنية، بعيدًا عن الإخراج، يجب أن تسرح بخيالك لتضع بصمتك في الماكياج، وبالتأكيد يجب أن تتفق رؤية فنان الماكياج مع المخرج في النهاية، ولكن المقصود ألا يعتمد فنان الماكياج على رؤية المخرج في خياله وتصوره لشخصيات العمل، و أن يطلق الماكيير العنان لخياله أولًا، و أن يطلع فنان الماكياج على كل ما هو جديد، و يقرأ كثيرًا، ويكون له رؤية فنية وبصرية.
وأضافت “أشرف”: أحاول جاهدة التغلب على ضعف الميزانيات، ومن وجهة نظري أجد بدائل لكل ما لا استطيع تحمل تكلفته، ولكن العمل الاحترافي يجبرك على استخدام خامات معينة ذات جودة عالية.
فيما أضاف “حمدان”: يجب أن يراعى عند وضع ميزانية الماكياج أسعار الخامات الحقيقية، وكونها باهظة الثمن وأننا قد نضطر إلى أن نحضر بعض الخامات من الخارج “أونلاين”، ونتمنى أن يتم وضع ميزانية لخامات الماكياج منفصلة عن أجر الماكيير، لأننا في بعض الأحيان نضطر لتحمل بعض تكاليف هذه الخامات من أجورنا حتى يظهر العمل في أفضل صورة.


إيناس العيسوي