المسرح المصري في فلسطين قبل نكبة 1948 (9) فرقة رمسيس ومعركة الصحافة الفلسطينية

المسرح المصري في فلسطين قبل نكبة 1948 (9) فرقة رمسيس ومعركة الصحافة الفلسطينية

العدد 687 صدر بتاريخ 26أكتوبر2020

بعد زيارة يوسف وهبي وفرقته لفلسطين لأول مرة عام 1929 - وهي الرحلة الناجحة التي تحدثنا عنها في المقال السابق - أراد يوسف تكرار النجاح مرة أخرى فقرر زيارة فلسطين في العام التالي ضمن رحلة الفرقة الفنية إلى بلاد الشام. وقد مهدت جريدة «الحياة» الفلسطينية – في أبريل 1930 – لهذه الزيارة بكلمة تحت عنوان «فرقة رمسيس»، قالت فيها: « ليس بين القُراء من يجهل مكانة هذه الفرقة في عالم التمثيل، ولا سيما بعد أن أخذ حضرة مديرها الفاضل الأستاذ يوسف بك وهبي على عاتقه، أمر ترقية التمثيل العربي، ورفعه إلى المقام اللائق به بين الأمم المتمدنة. حتى أصبحت فرقته في مصر تضاهي أكبر الفرق الأوروبية».
وتستكمل الجريدة كلمتها، وتذكّر القُراء بنجاح العام الماضي، قائلة عن يوسف وهبي: « ولم يقصر الأستاذ مجهوده على مصر بل طاف بفرقته الأقطار العربية فكرمته وأعجبت بفنه وهمته. ولا ننسى زيارته للقدس في العام الماضي والفوز الذي ناله على مسارحها. كما أننا نذكر تبرعه بإيراد حفلة لمنكوبي فلسطين في الحوادث الأخيرة [أي ثورة البراق]. لهذا نرى من الواجب علينا معاشر الفلسطينيين أن نرحب بمقدم هذا العبقري وفرقته وأن نحلها من قلوبنا المحل اللائق بها، وأن لا نغفل عن الاستفادة من فنه وأدبه مدة إقامته القصيرة بيننا، وهي ثلاثة أيام أو أربعة تبتدئ من يوم الأربعاء في 16 الجاري. وقد علمنا أنه سيمثل في الليلة الأولى رواية «البؤساء» الشهيرة، وسيطرب الحضور الأستاذ المبدع الشيخ محمد بخيت خريج نادي الموسيقى الشرقي، الذي حضر للاشتراك في هذه الحفلات».
عرض وتكريم
حضرت الفرقة، ومثلت عرضها الأول «البؤساء» في القدس وعلى «مسرح الروضة»، وهو من أقدم المسارح الفلسطينية وأشهرها؛ كونه مسرح مدرسة «روضة المعارف»، التي كان لها شأن كبير، سنتحدث عنه في مقالات منفصلة مستقبلاً!! أما عرض «البؤساء» فنجح نجاحاً كبيراً، وكان من نتائجه قيام «فخري النشاشيبي» - معاون رئيس بلدية القدس – بتكريم يوسف وهبي وفرقته في حفلة شاي في بيته، حضرها عدد كبير من الوجهاء. وقد كتبت مجلة «الصباح» المصرية، كلمة عنها، وعن حفلة تكريمية أخرى، قائلة: أقام صاحب العزة فخري بك النشاشيبي حفلة تكريم في منزله بضواحي القدس، لرئيس الفرقة وأفرادها في الساعة السادسة من مساء يوم السبت، بعد انتهاء حفلة «الماتنيه». وقد دعا إليها أعيان القدس وأدباءها، ولبوا جميعاً دعوته. كما أقام حضرة صاحب العزة «محمد بك صادق» قنصل مصر في القدس، حفلة شاي تكريماً لرئيس الفرقة وأعضائها في دار القنصلية المصرية بعد ظهر الأحد. وفي الخامسة بعد الظهر توافد على دار القنصلية كثير من الأعيان وكبار الموظفين في حكومة فلسطين والجالية المصرية. وكان صاحب العزة القنصل المصري وحضرتي مظهر بك وعزيز بك مأمور القنصلية وسكرتيرها، يستقبلون ضيوفهم بما جبلوا عليه من اللطف والايناس. وطلب منّا أفراد الفرقة أن نعلن شكرهم الخاص للمسيو خوري، وموظفي مكتبه للمساعدة القيمة التي قدموها طول مدة إقامتهم في القدس. ومكتب خوري، هو الذي تولى إذاعة البروباجندا، وتنظيم الحفلات للفرقة في القدس. وقد وفق في مهمته توفيقاً يشكر عليه.
أما عرض «البؤساء»، فنشرت عنه جريدة «الحياة» كلمة تحت عنوان «البؤساء على مسرح الروضة» بتوقيع «ملاحظ»، قال فيها: يشعر المشاهد لأول نظرة يلقيها على قاعة الروضة بنقص في النظام، الذي عودنا إياه نابغة الفن الأستاذ يوسف بك وهبي. وليس اللوم في ذلك على فرقة رمسيس؛ لأنه لم يكن لها أن تشرف على نظام القاعة ووضع أرقام على الكراسي ليعرف المشاهد المقعد الذي سيأخذه. أما الإقبال فيعتبر حسناً بالنسبة لرواية تمثلها فرقة عادية؛ ولكنه قليل بالنسبة لشهرة الأستاذ وشوق الجمهور لتمثيله. ولعل هذا يعود إلى ارتفاع أسعار التذاكر مع الضائقة المالية من جهة، وموقع مسرح الروضة وبُعده من جهة أخرى. وكان أكثر الحاضرين من الشبان الذين يقدرون الأستاذ حق قدره. وقد خصصت الصفوف الأمامية للسيدات العربيات اللاتي لم يحجمن عن حضور روايات الأستاذ وهبي الأدبية، وهذه ظاهرة من ظواهر النهضة النسائية في فلسطين. وبدأت الموسيقى تعزف قبيل الساعة التاسعة وبدأ التمثيل في الوقت المعين. أما التمثيل، فقام الأستاذ وهبي بدور «جان فالجان» أولاً، والعمدة أخيراً فأجاد كل الإجادة، ولم يترك فيكتور هوغو أثراً في نفوس قراء روايته أكثر مما تركه الأستاذ وهبي في نفوس مشاهديه. وقام حسن البارودي بدور الكاهن، ودولت أبيض بدور الراهبة؛ فكأنهما لم يخلقا إلا ليكونا من رجال الدين من حيث الوقار والصلاح. وقامت السيدة زينب صدقي بدور «مادلين»، والآنسة أمينة رزق بدوري «بتي جرفيه» و«كوزيت». ولا نبخس باقي الممثلين حقهم فقد قام كل بدوره خير قيام بالرغم من تحملهم مشقة السفر وعدم ملاءمة المسرح. وجدير بنا أن نشير إلى النشاط الذي أبداه مدير المسرح في سرعة تغيير الستائر في مسرح ينقصه الاستعداد الفني. وبهذه المناسبة نلخص الكلمة التي ألقاها سكرتير المسرح فقد شكر الحاضرين بلسان الأستاذ وهبي، وطلب إليهم أن يغضوا الطرف عن قصور يبدو بسبب ضيق المسرح، الذي يجب أن يكون علمياً أكثر منه فنياً، وأن الأستاذ فضّل هذا المسرح على غيره احتراماً للرأي العام وتقديراً للفكرة القومية. وقال إن الأستاذ ليس من طلاب المال أو الشهرة، فهو يقوم بواجب مقدس نحو الشرق، وغايته نشر الثقافة وتقوية الروابط التي تجمع بين القطرين الشقيقين».
وواصل يوسف وهبي مواقفه الوطنية، لا سيما بعد صدور أحكام الإعدام على بعض المسلمين بسبب أحداث حائط البراق، فنشرت جريدة «الجامعة العربية» الفلسطينية إعلاناً في أواخر إبريل 1930، جاء فيه: إن فرقة رمسيس الشهيرة برئاسة يوسف وهبي ستمثل رواية «الكوكائين»، تأليف وداد عرفي، تحت رعاية اللجنة التنفيذية لمؤتمر السيدات العربيات على مسرح كلية روضة المعارف الوطنية، وسيصرف ريع الرواية لإعانة عائلات المحكوم عليهم بالإعدام. ومن واجب كل وطني مساعدة هذا المشروع الخيري وحضور هذه الرواية الممتازة! وتطلب التذاكر من اللجنة التنفيذية لمؤتمر السيدات العربيات. والجدير بالذكر إن يوسف وهبي عندما عاد إلى مصر، واصل مساندته في هذا الموضوع، حيث قالت جريدة «الحياة»: علمنا أن الأستاذ يوسف بك وهبي قد أرسل شيكاً بخمسة عشر جنيهاً بواسطة صديقه حضرة الفاضل السيد حسن صدقي الدجاني، ليقدم إلى عائلات المحكوم عليهم بالإعدام. وقد سلم المذكور هذا المبلغ إلى سكرتيرة جمعية السيدات العربية لإيصاله وتوزيعه على ذوي الحاجة من أهل المحكوم عليهم. ونحن نضيف هذه المكرمة إلى سابقاتها ونحيي في الأستاذ وهبي هذه الأريحية.
معركة صحافية
مواقف يوسف وهبي الوطنية، ونجاح عروضه المسرحية في هذا العام العصيب، وهو عام نتيجة «ثورة البراق»، الذي شهد انقساماً وعداءً شديداً بين المسلمين والاحتلال الإنجليزي في صورته الصهيونية، وسعي اليهود للتوسع في فلسطين والتحكم في اقتصادها لتكون في يد اليهود .. إلخ ما نتج عن أحداث البراق!! لذلك بدأنا نقرأ في الصحف عن وجود مقاطعة للبضائع اليهودية، وعدم التعامل بالمال مع اليهود بيعاً وشراءً .. إلخ! في هذه الأجواء قامت معركة صحافية في فلسطين حول يوسف وهبي، والزج باسمه واسم فرقته وسط هذه الأحداث المطالبة بعدم التعامل مع الصهاينة في صورة اليهود المهاجرين من أوروبا، أو اليهود العرب المتعاملين معهم!! لدرجة أن كلمة «وطني» بدأت تُطلق فقط على المسلم أو المسيحي الفلسطيني، و«غير الوطني» تُطلق على اليهودي سواء كان صهيونياً أو يهودياً أوروبياً، أو يهودياً عربياً!! وبناءً على ذلك تم اتهام يوسف وهبي بعدم الوطنية، لأنه كان سيمثل في مسرح فلسطيني صاحبه يهودي، وكان يبيت في فندق فلسطيني، صاحبه يهودي!! هذا هو الاتهام الرئيسي الذي وجهته بعض الصحف إلى يوسف وهبي وفرقته، في مقابل دفاع بعض الصحف الأخرى عن يوسف وفرقته! ولو أردت أن أجمع أقوال الصحف حول هذه المعركة، لجمعت كتيباً صغيراً، لذلك سأحاول تلخيص المعركة فيما يلي:
في نهاية إبريل نشر «حنا خميسة» خبراً في جريدة «الحياة» - التي تصدر في القدس – قال فيه: « تأجلت رواية فرقة رمسيس التي كانت عزمت على تمثيلها في مدينتنا بسبب الأمطار؛ لأن مكان التمثيل مكشوف، ولا يوجد مع الأسف غيره إلا عند اليهود. وقد غادرتنا الفرقة إلى سورية، وعند رجوعها سوف تقيم ثلاث حفلات بدلاً من حفلة واحدة. هكذا وعد الأستاذ يوسف بك». ونفهم من هذا الخبر أن يوسف وهبي أعلن أنه سيمثل مسرحية في حيفا على مسرح مكشوف، وأعلن عن العرض من قبل، وتم بيع التذاكر. وفي يوم العرض هطلت الأمطار بغزارة مما جعل الفرقة تلغي العرض! وكان من الصعب تغيير مكان المسرح، لأن المسرح المناسب في تلك الفترة كان يملكه «صهيوني» أي «غير وطني»!! لذلك أعلن يوسف وهبي أنه سيعيد العرض بعد أيام أثناء عودته من سورية، حيث إنه مرتبط هناك بحفلات أخرى! 
وبالرغم من وطنية يوسف وهبي هذه، وأمانة كلمته ووعده بأنه سيعيد تمثيل المسرحية بعد أيام، إلا أن جريدة «الزهور» نشرت بعد أيام مقالة هجومية ضد يوسف وهبي، بعنوان «فرقة رمسيس تتعمد إهانتنا» موقعة باسم «مغتاظ»!! ومن وجهة نظري أرى أن هذا اسم وهمي، وكاتب المقال هو «جميل البحري» صاحب الجريدة؛ لأنه كاتب مسرحي ورئيس «جمعية الرابطة الأدبية في حيفا»، وهي جمعية أدبية، تخصصت في إقامة المحاضرات، وعرض المسرحيات، لا سيما وإن كانت من تأليف رئيسها جميل البحري! لهذا أرى أن الغيرة من النجاح المسرحي لفرقة يوسف وهبي، هي التي دفعت جميل البحري لكتابة هذه المقالة ونشرها، وهذه بعض الاقتباسات منها: «... فرقة رمسيس هي الفرقة المصرية الوحيدة التي امتصت أموالنا، ونحن في أشد الحاجة إليها .... وفي ذلك ما فيه من الاستهانة بشعورنا .... وإذا أردنا أن نغتفر لوهبي هذه الإهانة المقصودة نجد أمامنا غيرها ..... ومن الأدلة الناصعة على تعمد فرقة رمسيس إهانتنا عهدها تلصيق إعلانات الحائط إلى عمال اليهود أعداء البلاد متناسية ما بيننا وبينهم من العداوة والبغضاء .... نرجو من فرقة رمسيس أن تسارع إلى حزم أمتعتها، وتذهب إلى مصر أو إلى حيث تشاء خشية أن يصيبنا منها زيادة عما أصابنا من الإهانات».
وعلق صاحب الجريدة «جميل البحري» على رسالة مغتاظ، قائلاً: «كأن هذه الفرقة الشهيرة أو بالأحرى كأن عميدها الذي يجب أن يكون بفنه الراقي معلم الشعب، يلقي من فوق مسرحه دروساً في الأخلاق ثمينة، نقول، كأن الأستاذ وهبي أبى على نفسه إلا أن يترك وراءه في كل مرة يأتي بها فلسطين أثراً ليس بالحميد تسجيله عليه! ولم ينس بعد آل حيفا زيارته الأخيرة لبلادهم، ولا زيارته التي قبلها، وما كان منه في الزيارتين من مواقف سيئة الأثر جداً في نفوس الحيفاويين؛ فضلاً عن نفوس من بلغتهم أخبارها وهذه الرسالة المنشورة قبل هذه الكلمة التي حملها إلينا بريد يافا، تظهر مبلغ استياء اليافيين من سوء تصرف هذه الفرقة أيضاً في زيارتها الأخيرة».
ولم يكتف «جميل البحري» بذلك، بل نشر في العدد نفسه – الذي خصّه للهجوم على يوسف وهبي – بكلمة على لسانه هو، قال فيها تحت عنوان «وهبي في حيفا ولكنه لم يمثل»: « علمنا أن موعد تمثيل الأستاذ يوسف وهبي وفرقته رمسيس في حيفا، كان مساء الخميس الماضي. وكان قد بعث برسله وبمناشيره من قبل للإعلان عنه بكل طرق الإعلان والدعاية. غير أن اختلاف الطقس والمطر والهواء العاصف كل ذلك حال دون اعتلاء الأستاذ وهبي وجوقته المسرح في اليوم المعلن عنه ولا في اليوم التالي وارتحل الأستاذ عن حيفا. أما ما دفعه بعضهم مقدماً من أثمان التذاكر لحضور روايته فلقد بقي في ذمة الأستاذ أمانة يعوضها عليهم برواية يمثلها لهم عندما يمر بحيفا في فرصة أخرى. وهكذا فلقد كفت الطبيعة الناس شر حدث جديد ربما فاجأهم به وأساءهم الأستاذ النابغة. كما أنها وفرت على جيوب الذين لم يباركوا إلى أخذ التذاكر دراهمهم في هذا الوقت العصيب .. هذا وإذا دهشنا من شيء فإنما ندهش من شكاية الناس وتذمرهم من اشتداد الأزمة وضيق الحال وتمنعهم عن المساعدة في كثير من المشاريع المحلية ونراهم مع ذلك يقبلون على البذل عن سعة وسخاء إذا ما طرأ عليهم طارئ غريب».
وأمام هجوم جميل البحري، قام «عبد الله القليقلي» صاحب جريدة «الصراط المستقيم» - التي تصدر في يافا - بالدفاع عن يوسف وهبي، وفند اتهامات البحري! فقام البحري بنشر ما نشرته جريدة «الإقدام» التي تصدر في يافا، ودعوتها الفلسطينيين بأن يقاطعوا مسرحيات يوسف وهبي « لأن الرجل متعجرف متكبر وقد جرح إحساسات الفلسطينيين أكثر من مرة وليس ما يقوله عن نفسه من إنه يجوب البلاد العربية لخدمة الفن والأدب إلا من قبيل ذر الرماد في العيون فإن غايته واضحة وهي استدرار المال». ونشر البحري كذلك رسالة بتوقيع «حيفاوي غيور» كلها مدح ومباركة لموقف هجوم البحري على يوسف وهبي، والذي اختتمها قائلاً: أشكر « لك صراحتك في نشر كلمة «مغتاظ» اليافي حول فرقة رمسيس المصرية، وتعليقك عليها خصوصاً بعد الذي كان من موقف هذه الفرقة أمام الحيفاويين في زيارتيها السابقتين، الشيء الذي لم ننسه ولم يمح بعد من ذاكرتنا. وإنا لنرجو أن تكون دروس هذه الفرقة قد وجدت مكاناً عند مواطنينا في مثل هذا الوقت العصيب، الذي يحتاج كل منا فيه إلى درهمه يبقى في جيبه ليرد عنه غوائل الزمن، أو ليساعد به أخاه المنكوب، وكثيرة هي نكبات فلسطين، أو لينشط به مشاريعنا الوطنية المحلية. وفي تنشيطها رفعة لشأن هذا الوطن وتنشيط لبنيه. أحييك في الختام وأرجو أن تنفحنا دائماً بعبير زهورك الفياحة التي أرجو لها كل فلاح وتوفيق».
قام «إيليا زكا» - صاحب جريدة «النفير» التي تصدر في حيفا - بالرد على البحري، مفنداً مغالطاته ضد يوسف وهبي، وكتب مقالة عنوانها «سلسلة مغالطات عن فرقة رمسيس»، بدأها بقوله: « طلعت علينا إحدى صحف بعنوان «فرقة رمسيس تتعمد إهانتنا»، ولم نقدم على الرد على هذا الهراء وهذه السفسطة الفارغة، التي لا تصدر إلا عن صحيفة كهذه، إلا بقصد رد كيدها إلى نحرها، وإظهار كذبها ومغالطتها في أمر وضح لكل إنسان سليم البصر والبصيرة. فهي لا تكتفي باختلاق كتاب نشرته بتوقيع «مغتاظ» - ولينفلق إذا أحب – وقالت عنه إنه جاءها من يافا بل تعلق عليه تعليقاً بارداً يظهر منه الجهل والغباوة وإلى القارئ بعض سخف الصحيفة المذكورة». ثم قام بتفنيد جميع أقوال جميل البحري، وأثبت عكسها!! وأهم ما قاله: «... مثال آخر على الخرف والسخافة والجهل الفاضح: فقد جاء [يقصد جميل البحري] في تلك الجريدة أن فرقة رمسيس عهدت إلى عمال من اليهود أعداء البلاد بتلصيق إعلاناتها على الجدران! مع أن كل من في حيفا يعرف أنه عرض على يوسف بك – يوم جاء إلى حيفا وكانت الأمطار – أن يمثل في سينما أجنبية فأبى وقال لو دفع لي ألف جنيه لما مثلت على مسرح غير وطني».
ولم يتوقف «جميل البحري» عن الهجوم في صحيفته على يوسف وهبي وفرقته، لدرجة أنه أصدر عدد صحيفته متأخراً عن موعده عدة أيام من أجل تجميع بعض المقالات والردود التي تهاجم يوسف وهبي من الآخرين!! وعندما أصدر العدد في مايو 1930، قال تحت عنوان «هذا العدد»: « تأخر هذا العدد عن موعده لأسباب مذكورة في الكلمة الآتية بعنوان «للصداقة حرمة» وقد تراكمت لدينا المواد ورسائل المراسلين فإلى العدد القادم». أما مقالة «للصداقة حرمة»، فكانت رداً على جريدة «النفير»! وفي هذه المقالة، تراجع جميل البحري عن موقفه بعض الشيء، قائلاً: «... ولما كان لصداقة الأصدقاء حرمة في نفوسنا وكرامة لا تقابلان بالفشل لم نجد بداً من النزول عند رغبتهم وعطلنا عدد الجريدة كله بعد أن كان الرد مطبوعاً فيه ولو كان في هذا التعطيل تأخير للعدد عن الصدور في ميعاده مكتفين بالإشارة إلى ذلك وراجين أن لا يحوجنا الأمر إلى العودة إلى ما أباه الأصدقاء علينا وشاكرين لهم على كل حال غيرتهم».
واختتم البحري هجومه على يوسف وهبي بكلمة، عنوانها «وهبي لا يمثل»، قال فيها: « كان الأستاذ يوسف بك وهبي قد وعد على ألسنة زبانيته وسماسرته أن يعود إلى حيفا في 4 الجاري للتمثيل، تعويضاً على الذين سبق واشتروا تذاكر لحضور الرواية التي كان سَبَقَ وأعلن عن موعد تمثيلها في 24 نيسان الماضي ولم يمثلها. ومضى الموعد الجديد وتبعه آخر في 5 الجاري ثم آخر في 6 الجاري، ومضت المواعيد ولم تتم الوعود، وقد شعر حضرته بسوء الأثر الذي أبقاه وراءه في هذه المدينة، وعرف أن الفكرة سائدة بمقاطعته فيما لو مثل، فقصد إلى مصر عائداً من بيروت، وعرج في طريقه على حيفا ونزل على عوائده في نزل يهودي ولم يمثل. والذي أدهشنا أن يحاول بعضهم تصوير الحالة على خلاف حقيقتها، وإظهار شعور الناس نحو وهبي بغير مظهره الحقيقي، سواء بالكتابة إلى إحدى جرائد مصر، أو بالقيام أمام وهبي في ليلة مروره بما لم يغير شيئاً من الشعور نحوه؛ وكأن هذا البعض أراد بمجاملة وهبي تغطية حقيقة الواقع على العيون البعيدة».


سيد علي إسماعيل