نحو مسرح أفريقي أصيل

 نحو مسرح أفريقي أصيل

العدد 599 صدر بتاريخ 18فبراير2019

تعالج هذه الورقة المسرح الأدبي في أفريقيا وطموحه إلى المعنى النهائي للهوية الأفريقية. ولأن الأدب في هذا الموضوع شامل، فسوف نحاول تقديم دراسة تاريخية مفصلة لأبرز التطورات. على الرغم من أن هذه القضية أثرت غالبا في الخلاف العاطفي، وعبرت عنه مختلف الآراء، ولكن يبدو أن هناك إجماعا عليها.
فهناك من توقعوا إنجازه عندما تحررت المقاربات المفاهيمية والإبداعية في الأدب المسرحي من القيود الذهنية المفروضة عليها من المسرحيات الأوروبية الأمريكية. وهناك آخرين تمنوا أن يروه متحققا باعتباره مركبا من الأفكار والتجارب الأفريقية والأوروبية. وقد تضمنت هذه الفكرة وعيا بحقيقة أن الشخصية الإبداعية الموجودة في أي مكان وزمان في التاريخ الإنساني قد تم تخصيبها بتجارب من خارج تراثها الثقافي الإبداعي القومي. وكما أشار (كيتا فوديبا Keita Fodeba) بقوله «يكون العرض أصيلا في المسرح عندما يبعث بصدق الصور المميزة للحياة التي يريد أن يقدمها علي المسرح».
ولهدف هذه المقالة، فإنه يمكن تعريف مفهوم المسرح الأفريقي الأصيل بأنه ذلك الشكل الإبداعي الذي نشأ في تربة التجربة الأفريقية، والذي يجسد علاقة الترابط بين الماضي والحاضر، والذي يعكس بتأثيره مبادئ جماليات الأداء الأفريقي. ويوظف استراتيجية الاتصال التي تركز علي المفهوم المتكامل للعناصر البصرية والحركية والشفهية والسمعية الموجهة في نفس الوقت إلى طاقات الإنسان. وبهذه الطريقة، فإنه ينظر إليه باعتباره يحتضن أي انفصال تعسفي بين الأشكال الدرامية والغنائية والراقصة. ويفترض التعريف أن أفريقيا وتقاليدها الثقافية هي الحقيقة النهائية وينكر تماما المركزية الأوروبية والأمريكية وتقاليد مسرحها. ويسعي إلى ترسيخ مفاهيم التجذر والاستمرارية والعلاقة كاعتبارات أساسية في نطاق رؤيتها. وسوف تكون هذه الجهود الأساسية المبذولة في هذه المثالة محورية.
يوجد الآن اتفاق مشترك أن الأدب المسرحي في أفريقيا قد نشأ في تناقض الموقف الاستعماري، وأن هذا أثقله بمشكلات خاصة وغريبة. وقد كانت احدي هذه المشكلات سؤال التحيز والولاء لأفريقيا. فمن بدايته، منذ الفترة الاستعمارية، واجه المسرح الأدبي مشكلات في تنمية الإحساس بالولاء الكامل لأفريقيا، وشعبها وتقاليدها. ففي حالة غانا ونيجيريا المستعمرتين، كان ظهور الأدب المسرحي تحت رعاية المؤسسات الأجنبية الحديثة. إذ تعاونت النوادي الاجتماعية والأدبية والصحف ومؤسسات الكنيسة والتعليم بشكل مؤثر لكي تزرع المسرح الأدبي لأنه كان متوافقا مع تقاليد مسرح أوروبا. إذ صارت الصور الغنائية والمسرحيات التوراتية ومواكب الاحتفال باليوم الوطني للإمبراطورية ومسرحيات شكسبير هي الغذاء المسرحي. وقد حدث هذا السيناريو مع بعض التعديلات في كل أنحاء أفريقيا المستعمرة – سواء كانت القوة الحاكمة بريطانية أو فرنسية أو هولندية أو برتغالية إسبانية. وقد تم التنويه بتغذية فكرة المحاكاة التي تتكون أفكارها من رؤية الاستعمار باعتباره مؤسسة تحضيرية وحضارية. وتنكرت لأي أصالة أو دلالة علي التقاليد الأفريقية، وحضت الأفارقة علي محاكاة قيم وممارسات ومؤسسات سادتهم المستعمرين.وقد قويت هذه الرؤى من خلال التطورات الاجتماعية غير المسبوقة: التحضر والتعليم والتجارة والطرق والنقل، وتحديث وسائط الاتصال مثل السينما والإذاعة والصحف. وقدم كل هذا لأول مرة المعجزات التي أكدت علي ضرورة محاكاة أوروبا. ونتيجة لذلك، توظفت النزعة الاستعمارية وظهور المسرح الأدبي في شراكة لمواصلة أهداف فكر المحاكاة والتقليد هذا.
ورغم ذلك، لم تمض هذه التطورات دون تحديات. ففي الأربعينات من القرن الماضي، ظهرت أصوات أفريقية قوية معارضة، في المشهد الاستعماري في غرب أفريقيا علي الأقل. فقد كان هناك أولئك الذين سعوا إلى تعديل التغذية المسرحية الاستعمارية بتقديم الملابس الأفريقية والموسيقي أو الأفكار في العروض الأساسية. وقد ظهرت الحفلات الموسيقية والتقاليد المسرحية الشعبية في غانا ونيجيريا في ظل هذه الظروف، وأفسحت الطريق بسرعة للعروض التي تميزت بالتجربة الأفريقية وقيم الأداء الوطنية كإطار مرجعي. وكان هناك أفارقة مثل (كوبينا سيكي Kobina sekyi) ومسرحيته «الوميض Blinkards «ذات الشهرة، والذي سخر من أيدلوجية المحاكاة ودعا إلى الاهتمام بالتقاليد الأفريقية الشفهية. واكتملت هذه الجهود مع كتاب وطنيين مثل (أزيكيوي Azikiwe) و(كيسلي هايفورد Casely Hayford) و(أتو أهوما Attoh Ahuma) و(ج.ب. دانكوا J.B. Danquah)، والذين سعوا بحماسهم الفكري إلى دمج نزعتهم القومية الناشئة آنذاك مع تأكيد ملائمة التقاليد الثقافية الأفريقية. وفي النهاية تبلورت كل هذه الجهود في إرادة حاسمة، مع الآراء الأفريقية المستنيرة، لرفض فكر المحاكاة الاستعماري. وبعد ذلك، أصبحت النزعة الأدبية القومية في شكل تركيز أكبر علي التاريخ الأفريقي والتقاليد الشفهية والفولكلور مركزية في الفكر الإبداعي والتعبير الأفريقي. وبنهاية الستينات، توحدت هذه الاتجاهات في مبادئ مثل «الزنجية «و«الشخصية الأفريقية»، وفي حركات في اتجاه تأسيس حركات المسرح الوطنية. وقد تضمنت الافتراضات الأساسية في هذه الاستلهامات نزعة ثقافية إحيائية، ورغبة في خلق تقاليد فنية جديدة وتركيز علي جعل الماضي الأفريقي ملائما للتجربة المعاصرة. وتضمنت أيضا تفويضا بأن تمارس الدول الجديدة في أفريقيا الثقافة كسلاح سياسي أو كاعتبارات مهمة في الدبلوماسية الأفريقية. وقد كانت النتيجة الفورية المتوقعة في الإبداع الأفريقي في الستينات هي بداية ظهور الاتجاهات والميول إلى المسرح الأدبي.
وقد كان الاتجاه الرئيس هو الاعتقاد السائد بين كتاب المسرح الأفارقة الأوائل، أنه مهما كان ما هو موجود، فان المسرح الأدبي يتمتع بطابع عالمي وعام. إذ كان المسرح يعتبر الساحة الدولية للتعبير عن الاهتمامات الإنسانية العامة، كما هو واضح في أعمال الكتاب الإغريق وكتاب المسرح الإليزابيثي مثلا. ولم يكن هناك خطأ في العمل علي استدعاء المسرح الأدبي الشاب في أفريقيا إلى هذه الساحة الدولية ولتأكيد ارتباطه بالقيم الإنسانية العامة.
وقد أدي هذا التيار، في فكرته الأساسية، إلى ظهور عدد من الاقتباسات المباشرة من المسرحيات الأوروبية. فمنذ ظهور مسرحيتة «مونتو Muntu «، سعي الكاتب المسرحي (جو دو جرافت Joe de Graft) إلى ترسيخ ذلك الملمح في المسرح الغاني من خلال اقتباسه لمسرحيات شكسبير، وفي هذه التقاليد، تصبح «هاملت «هي «هاميل Hamile» بينما تظهر «ماكبث» باسم “مامبو Mambo”، وهي معالجات تتكون من المحافظة علي كل شيء عند شكسبير في هذه المسرحيات باستثناء الملابس والأدوات وإعداد المشهد والخلفية لكي تناسب المشاهدين الغانيين. وشكل الاقتباس الآخر ارتبط بالتحول الفكري الذي كانت فيه المادة الأفريقية هي نفس المادة الكلاسيكية الموجودة في التقاليد الأوروبية. وطبقا لرأي (وول سوينكا Wole Soynika) أن هذا مستمد من نماذج ملهمة موجودة في كثير من الأدب والدراما الأوروبيين، علوة على أنه موجود في أسلوب العرض. وقد جادل (ج. ب. كلارك J.B. Clark) بأن هذا يمكن تفسيره بمعنى أن أنه توجد مناطق من الصدفة والتطابق في طريق حياة الناس بين عدة شعوب منفصلة بمسافات وأزمان بعيدة.، والذين يحملون ثقافات وممارسات متمايزة. ففي السنوات الأولي من تجربة (ايفووا سازرلاند Efua Sutherland) في المسرح الغاني، أصبحت مقتنعة بأن المضمون التاريخي والرومانسي والعقائدي والملحمي للقرائن المثيرة (لفرق أصفو Asfo Companies في غانا) جعلهم يستغلون الأعمال الدرامية الكبيرة والتراجيديات اليونانية. ولذلك لم يكن من المدهش أن نجد في مسرحيتها «إيدوفا Edufa» أصداء مسرحية (يوربيدس) «السيستس «Alcestis، بينما مسرحية (سوينكا) «باخيات يوربيدس» بها توازيا قريبة جدا من أساطير المجتمع (أسطورة اليوربا). وبنفس الطريقة تميزت مسرحية (أولا روتيمي) «لا ينبغي أن تلام الألهة Gods are Not to Blame «بأنها إعادة تجسيد حساس لمسرحية (سوفوكليس) «أوديب ملكا «في باعداد نيجيري. بينما مسرحية (زولو سوفولا Zulu Sofola) «زواج الألهة Wedlock of the Gods» ينظر إلى أنها وفقا لتقاليد مسرحية شكسبير «روميو وجوليت».
وبالمقارنة، هناك مسرحيات سعت إلى التعبير عن شخصيتها العالمية من خلال ترسخها بشكل معين في الملامح البنيوية الأوروبية. فمسرحيات مثل «أغنية ماعز Song of a Goat»، «أوزيدي Ozidi» و» أنووا Anowa»، «حفلة تنكرية The Masquerede»، و» ايدوفا Edufa «تنتمي إلى هذا التصنيف. ففي أغلب هذه المسرحيات، هناك اهتمام بالملامح الغربية في الشكل مثل وحدة الزمان والمكان والشخصية بما في ذلك أصداء الجوقة الاغريقية ومفاهيم التراجيديا. فمثلا أوضحت (ك. موهيندي K. Mohindi) أن «ايفوا سازرلاند «يجب أن تتخلص من هاجس شكسبير وأرسطو المزدوج المفهومة بسهولة في مسرحية «ايدوفا «من أجل العودة الحاسمة إلى المصادر التقليدية للمسرح الأفريقي.
وبشكل متناقض، رغم ذلك، فان كل المسرحيات المستشهد بها آنفا توضح أيضا اهتمام أصيل بالتقاليد الشفاهية الأفريقية ونماذج التفكير والتعبير، بما في ذلك الاعتماد الشديد في بعضها علي أفكار قيم الأداء الأفريقي. فمثلا، تحدث (دابو أديلوجبا Dapo Adelugba) عن تضمين (أولا روتيمي) لعدد من الرقصات والأغاني والألحان المستعارة من الذخيرة الفنية الوطنية في مسرحيته “لا ينبغي أن تلام الآلهة” والمستخدمة بحساسية داخل بيئة الدراما الحديثة. ونشهد في مسرحيتي “أنووا” و«أغنية الماعز» بحث أصيل واستخدام لبنيات اللغة ونماذج الفكر الأفريقية. وبنفس الطريقة تبدو مسرحيات “أوزيدي” و”أنووا” و«الحفلة التنكرية» تشع بطاقة وحيوية السرديات التقليدية، لا، موضوعاتها وأحداثها مستمدة من تقاليد الحكاية الشعبية. ولذلك، في مرحلة التطور هذه، في الوقت الذي كانت تندفع إحدى رجلي المسرح نحو أوروبا بشكل مثر للشك، كانت الأخرى توازنها بأن تضع نفسها داخل التقاليد الشفهية الأفريقية.وقد أفسحت المجال مشكلة انقسام الولاء المبكرة علي خلفية التطور المؤسساتي واللامبالاة تجاه المشاهدين المحليين، لمفهوم الماضي الأفريقي باعتباره قوة الطرد المركزية. إذ أصبح الماضي الأفريقي هو ميثاق التوقعات التي قدمت إطار المرجعي العام للفنانين المبدعين والكتاب والمؤسسات الثقافية. ولحسن الحظ، أصبح البحث في الماضي الأفريقي متاحا بشكل أسهل، وزادت أعداد مجلات البحوث التي قدمت رؤى جديدة للتأثير في عقول وإبداعات الكتاب الأفارقة. وقلت عوائق المعرفة المشتركة عن أفريقيا، حيث أصبحت التقاليد الشفهية، والتغير الاجتماعي، والاستمرارية والتحديث أمورا حيوية ومفاهيم موحدة، في السعي الفكري بين الكتاب والباحثين والمتخصصين في الدراسات الأفريقية. ورغم ذلك، لم يوجد في المسرح نفسه أي إشارة للتوجه نحو الماضي الأفريقي. وقد تجلي هذا في زيادة مواقف التناقض والغموض تجاه التقاليد الموضحة في المسرحيات والعروض المسرحية. فمسرحيات (أولا روتيمي) التاريخية، إذ تصف مسرحيات مثل “أوفونرانوين Ovonranwen” و”كورومي Kurumi” المفهوم العاطفي لمشكلة القيادة السياسية والكفاءة السياسية في المجتمع التقليدي. وبالمثل، يكشف عرض (أما أتا ايدو Ama Ata Aidoo) لمسرحية “أنووا” وعرض (ج.ب. كلارك J.B. Clark) لمسرحية (أغنية الماعز) كبرياء مذهلة وإعجاب بمرونة بنيات اللغة الأفريقية. ورغم ذلك، تتحدث المواقف والأفعال المنسوبة إلى الشخصيات الرئيسية عن الصراعات بين النزعة الفردية والإرادة الجماعية، والهجمات علي المفاهيم الأساسية للمسؤولية الاجتماعية المتضمنة في التقاليد الأفريقية. ونشاهد نفس الصراع في مسرحية (سوينكا) “الموت وفارس الملك Death and the King’s Horseman” التي يختلط فيها الخلاص الجماعي بالاعتبارات الفردية. وبالطبع، كما لاحظ أحد النقاد “يهيمن فن التفكك العقلي علي الدراما عند (وول سوينكا) وينشئ له أبرز التجديدات والمنهج اللذان يكون الكاتب الدرامي أو من يوظفهما بنجاح بسبب اهتمامه بالواقعية في المسرح”.
والحقيقة هي أن الستينات والسبعينات شهدت كثير ا من التجديدات والتجريب في المسرح بجهود حثيثة لمعالجة مشكلات الشكل. وقد كانت هناك شكاوى مشروعة، في ما يتعلق مثلا ببعض المسرحيات ذات الأشكال الثابتة بشكل جامد، وتوضح موضوعاتها فقط مصدرها الأفريقي. إذ لم يكن منهج بعضها أكاديمي بارد، بل ان أسلوب تقديم عروضها يشبه كثيرا المسرح الأوروبي الحديث. وقد أدت مثل هذه الشكاوى إلى موجة من التجديد والتجريب في الأدب المسرحي في السبعينات. ففي بعض الحالات، أعيدت صياغة العروض التقليدية لكي تتوافق مع حساسية الزمن، وسيطرت طرق تقديم المادة القديمة علي خشبة المسرح. وكان هناك أيضا احياء مباشر وتجريد للأفكار التقليدية والمفاهيم علي أساس الأداء علي خشبة المسرح. وربما حدثت أبرز أمثلة هذا التيار في المسرح الغاني في مسرحية (ايفوا سازرلاند) “زواج أنانسيوا The Marriage of Anansewa” التي قام إعدادها الأساسي علي تقاليد الحكاية الشعبية الأفريقية.
ففي غانا جذبت تجربة تجريد الحكاية الشعبية في المسرح الحديث مختلف المواهب مثل (أما أتا ايدو) و(أسيدو يرينيكي) و(مارتن أوسو)، الذين أسست أعمالهم في هذا السياق بعثا للحكايات الشعبية المشهورة. ورغم ذلك، فقد كانت (ايفوا سازرلاند)، بالإضافة إلى إنجاز هذا العمل البطولي، هي التي حملت الوعي بالشكل الذي ارتبط باللجوء إلى أفكار ومبادئ الأداء الأفريقي. وقد عُرفت تجربتها الفريدة باسم «مسرحيات العنكبوت spider plays». ففي دراسة بعنوان «مغامرة في المسرح Venture in Theater» نشرت في مجلة أوكيام الأدبية، عبرت (ايفوا سازرلاند) عن اهتماماتها الأساسية بالتجريب. وأول شيء هو اهتمامها باستعادة الفكرة التقليدية في الدراما باعتبارها تجربة المجتمع، والشيء الثاني هو رؤية الأداء المسرحي باعتباره فنا مركبا بمعنى تأكيد تكامل الرقص والأغنية واستخدام الطبول والفرجة في المسرح.
والشيء المركزي بالنسبة لهذين المحورين هو الحاجة إلى مشاركة الجمهور في الأداء. إذ شعرت (ايفوا سازرلاند) بأن هناك نقص في الألفة بين الممثلين والمشاهدين في المسرح الأدبي، الذي تسبب في استسلام المسرح الأفريقي بالكامل إلى فكرة إبعاد الجمهور عن الممثلين الأوروبية. وقد تضمن هذا الفصل، الذي كان غريبا عن المعنى الحقيقي للدراما الأفريقية باعتبارها تجربة مشتركة. واهتمت أيضا بما وصفه (ميكي انزوي Meki Nzewi) بأنه مسرح جاف، بمعنى، دراما الحوار وحركة خشبة المسرح غير المريحين. ولذل سعت تجارب (ايفوا سازرلاند) في المسرح إلى تجاوز هذه العقبات.
وقد حدثت أول تجاربها المسجلة في مدينة «أدروبونج» خارج العاصمة أكرا في 27 مارس 1959. فمن ناحية، كانت فرقة المؤدين في المسرح التجريبي في غانا هي التي قررت اختيار فناءا مفتوحا في الهواء الطلق في مبنى قديم في أحد مباني كلية التدريب في أدروبونج إعداده لكي يلائم جو المسرح الغاني:
 “شكلت شاشات من الخيزران المتشابك الخلفية المنفصلة إلى خشبة المسرح، بحيث تمثل حوائط الفناء. وعلي طول الجدران توجد مقاعد ملونة يمكن أن تجلس عليها الجوقة. هذه المقاعد كانت تمثل مقاعد الفناء التقليدية حول الحوائط الداخلية للمنازل الغانية”.
اندمجت حجرة الجلوس هذه مع حركة الزحام، والمواكب، والحضور القوي للأغنية والطبول والرقص. وفي الأداء نفسه، يتجول عزف فلوت علي خشبة المسرح يعزف أجزاء من الأغاني الفولكلورية التي يمكن غناءها فيما بعد خلال فواصل الأداء. وسرعان ما يشارك قارعي الطبول.
 تتتابع الدعوة الافتتاحية مع دقات طبولهم، وتستجيب لدعوتهم, الجوقة من الرجال والنساء يمثلون الناس المتجمعين لجلسة سرد قصة، يظهرون في جماعات مكونة من ثلاثة أشخاص أو شخصين. يتصافحون لتحية بعضهم البعض عبر خشبة المسرح بأسلوب غاني. وبعضهم يصافح المشاهدين على الجانبين.
وقد كان هدفها من تجربة أدروبونج هو تقديم بنية محلية لخشبة المسرح وجو لمشاهد متدفق. إذ تستطيع الجوقة في عرض «أنانسيجورو ANANSEGORO» أن يجذبوا مشاهدي المسرح إلى المشاركة معهم. وقد كان هذ أيضا هو اهتمام (أولا روتيمي) الذي قامت تجربه في السياق علي الحاجة إلى لإشراك مشاهديه بشكل إيجابي في تجربته الدرامية وينشئ علاقة حميمة بين الممثلين والمشاهدين. ولذلك، في مقالته المدروسة جيدا عن إسهام (روتيمي) في الشكل الجديد للمسرح الأفريقي، يدرس (ايفيك ب يوات Efik B. Uwatt) أساليب (روتيمي) المختلفة ومناهجه ويخلص إلى أن:
 “تبني (روتيمي) لمكان الأداء التقليدي المفتوح في المسرح المعاصر هو تبنٍ مادي ومفاهيمي. فهو بشكل مادي، لم يستعيد فقط العلاقة بين الممثل والمشاهد التي يعززها تكوين هذا المسرح، بل انه حقق الآنية لمختلف الأحداث، بعد أسلوب المكان التقليدي المفتوح حيث تتجسد مختلف الأحداث آنيا داخل نفس مكان التمثيل. وقد أضاف (روتيمي) بشكل إلى المسرح الحديث المفهوم المكاني التقليدي في المسرح باعتباره مكان تمثيل على خشبة المسرح بشكل مفاهيمي فقط بل أيضا باعتباره حلبة للعلاقة الميتافيزيقية مع الكون، إذ ظهر أسلوب التقديم الذي يعززه تكوين المسرح في استخدام الرمزية والاقتصاد في ايقونية خشبة المسرح وديكوراتها. ولذلك فإن الأداء الدائري في مسرح (روتيمي)، قد وضع الأساس لشكل مسرحي جديد يوجد في الفراغ التقليدي المفتوح”.
ولا بد أن نشير، رغم ذلك إلى أنه على الرغم من إنجازات (إيفووا سازرلاند) في تجربة «أنانسيجورو»، فقد تضمن إنجازها، كما يوضح (مايكل إيثرتون)، هو عملية ترسيخ شكل مسرحي أفريقي حديث يقوم علي اكتشاف التقاليد القديمة. فقد أشارت إلى إمكانيات تحرير المسرح الأفريقي من أشكاله الأوروبية الثابتة، ولكن لم تصادف تجربتها لحظة التحرر نفسها. وقد كان (محمد بن عبد الله) هو الشخص الذي حمل مشعل التجارب الأولية الكافية لتحقيق إنجاز حقيقي في المسرح الأدبي الأفريقي، إذ يبدو أنه سيطر علي المسرح الغاني منذ الثمانينات. وحتى الآن، صدر كتابان له من المختارات المسرحية – “محاكمة مالام إيليا ومسرحيات أخرى” و”سقوط كومبي ومسرحيات أخرى”.
فهناك، أولا، ميلا في مسرحياته لمزج صيغ مثل الموسيقى والحركة والرقص والتمثيل والملابس، تتوافق كلها في نوع من التعبير المركزي. واذا تم ازالة أي من هذه المكونات الأخرى من أي مسرحية، فان المسرحية لن تعد دراما. ثانيا، كما نشاهد في كل من مسرحيتي «حكم الكويرا The Verdict of the Cobra» و”ساحر موبتي The witch of Mopti” يفهم الحدث باعتباره حكاية شعبية ولا سيما في مسرحية «حكم الكوبرا»، إذ يصبح الراوي أيضا البطل الرئيس لحدث القصة بدون أن يكسر عوائق المصداقية. وهذا التصميم متكامل جدا في المسرحية التي، كما يحدث في تقاليد الحكاية الشعبية نفسها، لا يمكننا أن نفصل القصة عن الراوي. والملمح الثالث، في كلا المسرحيتين هو أنه بينما يستمر السرد، يؤدي الممثلون في حركات تصويرية وتجسيد السرد الشفهي، والتأثير الكلي هو أن المسرحيات تتحرك فيما وراء الرقص والدراما بمعنى أن لدينا تقاليد شفهية للقصة لإشباع الأذن والهيمنة الآنية وإعادة السرد بحركات رمزية لإشباع العين. ومن خلال هذه الوسيلة يحقق (عبد الله) تكامل أكبر للشكل والمضمون المستلهم مباشرة من خلال المبادئ والقيم الإبداعية الأفريقية.
ومع ذلك، هناك تطور آخر هو التطور اللغوي الذي اقترحه (عبد الله) في مسرحية «ساحر موبتي». وهي أسطورة تاريخية يرتبط فيها الراويان بكل من الحدث والجمهور بلغتين منفصلتين – لغة الآكان واللغة الإنجليزية. فهو يستخدم أسلوب الترجمة المتزامنة بينما يتناقش الراويان ويختلفان ويعلقان أو يحذران من موقف علي وشك الحدوث. وهذا بالتأكيد مقصود لتعزيز تقييم المشاهدين ومشاركتهم، ولكن هذه الثنائية اللغوية المتعمدة مقصودة لإثارة مشكلة مكانة اللغات الأفريقية بالقياس إلى اللغات الأوروبية في المسرح الأدبي. ونعي أن لغة المسرح الموسيقى والمسرح الشعبي في غرب أفريقيا هي فرق وطنية بشكل واسع. ولا يقال لنا أن فرقة المسرح التجريبي في غانا تحت إدارة (ايفووا سازرلاند) اختارت مدينة «أكروبونج» لكي تضع أول عروضها في اختبار كبير في (تيوي Twi). وفي عام 1970 نلت شرف مشاهدة عروض (دورو لاديبو Duro Ladipo وهما عرضي «أوبو عبد ا «و» أوبو ملكا «بلغة قبيلة اليوربا. وفي الأدب المسرحي في شرق أفريقيا، يقال لنا أن مسرحية (إبراهيم حسين) «كينجيكتيل Kinjeketile» كتبت وعرضت باللغة السواحيلية. في حين أن (نجوجي واثيونجو) كان يماس التجريب بمسرحية «جيكيويو» في المسرح الكيني. ولا توجد المزيد من المفاجأت في استخدام اللغات الأفريقية في المسرح. ومع ذلك، فان تأثير تجاور لغتين مختلفتين غير متساويتين إجبارهما علي علاقة تساوي من خلال أسلوب الترجمة الفورية والوضوح المتبادل هو أمر محسوب بالتأكيد لتقديم صدمة للمشاهدين الذين جاءوا للمشاركة في لغة شعب آخر من خلال أدبه المسرحي باعتباره ممارسة عامة. وقد تنبأ (عبد الله) أن الجدال الكبير حول اللغة يحدث الآن في الدوائر الأدبية في أفريقيا. فهناك شعور أنه لكي تحقق المصداقية في الابداع الأفريقي المعاصر، فهناك حاجة لفعل ذلك باللغات الأفريقية. ورغم ذلك فان الأصيل في هذا الخلاف هو أيضا الاهتمام بتطوير اللغات الأفريقية وتنميتها إلى مكانة مقارنة للغات الأوروبية المستخدمة بشكل واسع. والفكرة هي تخليص لغاتنا من عقدة الدونية في علاقتها بالغتين الإنجليزية والفرنسية، والسبيل الوحيد لذلك هو قبول إجراء محاولة واعية لاستخدام اللغات الأفريقية وأدوات الإبداع الرسمية. انه ذلك الاهتمام الذي عبر عنه (عبد الله) باختصار في مسرحيته (ساحر موبتي).
وقد يرى ملمح التجريب المهم الآخر في السعي إلى الأصالة في المسرح الأدبي الأفريقي في التجريب الذي حدث في عروض مثل «سيزوي بانزي مات Sizwe Bansi is dead» و”الجزيرة The Island”، إذ التقى الكاتب المسرحي (أثول فوجراد Athol Fugrad) مع الممثلين – جون كاني، ونستون ناتشونا – وعلي أساس بعض الأفكار التخطيطية، قدموا شكلا ومعنى للمسرحيتين من خلال الارتجال التجريبي والعمل كفريق واحد. إذ تحول الموقف الذي يقدم فيه المؤلف خطا فكريا تخطيطيا عاما بالتتابع إلى مسرحا متكاملا بواسطة الممثلين يشبه من خلال مبادراتهم الخاصة العمليات الموجودة في مسرح الحفلات الموسيقية في غانا. إذ ينشأ النص في فرق الحفلات الموسيقية بشكل جماعي من خلال الارتجال حتى تيم تقديم الشكل النهائي للجمهور. وهذه العملية استمرت قبل السماح للمشاهدين بممارسة تأثير مفيد لأداء.
 - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - نشرت هذه الدراسة في جريدة الدراسات الأفريقية Journal of Afrivan studies (19، 2 - 3)


ترجمة أحمد عبد الفتاح