عروض مسرحية متميزة في مهرجان الكرازة 2019.. أسيوط طبعة خاصة

عروض مسرحية متميزة في مهرجان الكرازة 2019.. أسيوط طبعة خاصة

العدد 633 صدر بتاريخ 14أكتوبر2019

يعد مهرجان الكرازة الذي تنظمه أسقفية الشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمصر، واحدا من أكبر المهرجانات العالمية الدينية والثقافية والفنية التي تهدف إلى اكتشاف وتجميع الطاقات الإبداعية لجميع الشرائح السنية والاهتمام بها وتنميتها ورعايتها وتحفيزها. وقد تم تكريم هذا المهرجان محليا من وزارات الثقافة والشباب والرياضة والتتمة المحلية، كما تم تكريمه عالميا ومنحه شهادة الأيزو الدولية. كما كرمته الكثير من المؤسسات غير الحكومية شرقا وغربا نظرا للشريحة العمرية التي تمتد من مرحلة الطفولة المبكرة وحتى كبار السن وخدمته لجميع الشرائح الاجتماعية من متعلمين ومحو الأمية وتعليم الكبار والطلبة بجميع مراحلهم التعليمية والحرفيين والمسجونين ومتحدى الإعاقة والمتزوجين والخريجين والأسرة. إلى جانب امتداد مسابقات المهرجان لتشمل إلى جانب المسابقات الدينية والكنسية المسابقات الثقافية والأدبية والفنية والإعلامية والبرمجيات والكومبيوتر والمسابقات العلمية والهندسية والابتكارات والاختراعات.
ولقد امتد نشاط مهرجان مسرح الكرازة ليتعدى حدود جمهورية مصر لتشارك فيه الكنائس القبطية في أفريقيا (السودان وإثيوبيا وارتيريا) والكنائس القبطية في آسيا (القدس والبحرين والإمارات وقطر والكويت) والكنائس في أوروبا (إنجلترا – فرنسا - ألمانيا - اليونان - هولندا - إيطاليا - السويد - المجر - إسبانيا - النمسا - سويسرا - جورجيا) وكنائس بلاد المهجر(أمريكا وكندا وأستراليا).
الفنون لها الدور الأكبر في مهرجان الكرازة التي تتنوع بين المسابقات الفنية التي شملت المسرح والسينما والتلفزيون والبرامج الإذاعية والتلفزيونية والموسيقى والكورال والفنون التشكيلية والتصوير الفوتوغرافي. وصل عدد المتسابقين في المهرجان إلى نحو 2 مليون متسابق وبهذا يكون مهرجان الكرازة واحدا من أكبر مهرجانات العالم الثقافية والفنية كما ونوعا.
فيما يخص المسرح والعروض المسرحية محور هذه الدراسة، فإن مسرح مهرجان الكرازة يعتبر أيضا من أكبر مهرجانات المسرح في مصر حاليا كما ونوعا ذلك أنه إلى جانب العروض التي تقدمها كل شريحة سنية بعينها (مرحلة الحضانة. الابتدائي. الإعدادي. الثانوي. الجامعة. الخريجين. الحرفيين. المتزوجين. متحدى الإعاقة. كبار السن) يسمح بتقديم عروض يطلق عليها مجمعة تضم شرائح سنية مختلفة وذلك علي امتداد كل الدول وكل البلدان وكل الكنائس المشتركة في المهرجان. إلى جانب هذا التفوق الكمي يقدم مسرح مهرجان الكرازة تفوق نوعى مميز إذ يقدم فنون المسرح المختلفة لكل تلك الفئات العمرية من المسرح البشرى ومسرح الطفل والعرائس والمسرح الأسود والميم والبانتوميم والميلودراما والأوبريت وخيال الظل في بانوراما مسرحية متكاملة.
يقام المهرجان في كل أيبارشية (مجموعة كنائس) أو كل محافظة يتسابق كل المشاركين من كل الكنائس فيها ثم تقام تصفيات نهائية العروض التي فازت في خمس مراكز كبرى موزعة شمالا وجنوبا (الإسكندرية. القاهرة. المنيا. أسيوط. نقادة) ويقام الاحتفال النهائي للفائزين ومنحهم جوائز المهرجان بالكاتدرائية المرقصية بالعباسية بالقاهرة.
لقد شرفت بالمشاركة في تحكيم التصفيات النهائية للمسرح هذا العام 2019 مع أساتذة أجلاء في محافظة أسيوط. آلاف من الأطفال واليافعين والشباب والخريجين شاركوا في مسابقات المهرجان. كانت أسيوط مفاجأة لي حيث سبق لي التحكيم في القاهرة والمنيا ونقادة العام السابق لكن مسرح مهرجان الكرازة في أسيوط استطاع أن يحقق تميزا نوعيا واختلافا ملحوظا عن العام السابق. كانت عروض العام السابق متأثرة بجملتها بالأحداث الطائفية التي حدثت في المنيا والحادث الإرهابي لأتوبيسي الرحلة إلى دير الأنبا صموئيل فجاءت العروض تحكي عن قصص التاريخ الكنسي لعصر الاضطهاد وشهداء أسنا وقوص وشهداء ليبيا وكثرت مناظر الدم التي كان ينبغي أن تختفي من مسرح الطفل لما تمثله الطفولة من براءة وبكارة وما يتعرض له الطفل من أضرار نفسية وإحساس بالدونية والعدمية وهو يفضل الموت علي الحياة.
أختلف الحال هذا العام وتألق الطفل والشاب في عروض مبهرة حملت أفكار جديدة وتصدت لقضايا شبابية معاصرة وقدمت صورة مسرحية بحرفية ومهارة وشكلت الفضاء المسرحي بتشكيلات بصرية وحركية حية ونابضة وتفاعلت مع المشاهد لتستدعي عقله وخياله وأفق توقعه. لقد قدمت الكنائس عروض دينية وكنسية كثيرة لكني في هذا المقال سأكتفي بالعروض التي خرجت من الإطار الديني الخالص لتناقش قضايا ومشكلات الطفل والشاب والوطن.
قدمت مرحلة الطفولة عرضا عن التنمر والاختلاف بعنوان «مش كيس قطن» لأطفال قرية بني عديات التابعة لأيبارشية منفلوط. العرض تأليف مارينا مجدي وإخراج يوستينا القمص لوكاس وتقديم بنات فريق الكاروز المسرحي. إنه عرض للطفلة والفتاة الصعيدية إذ إن كل العناصر من تأليف وإخراج وتمثيل حتي العناصر المعاونة من الفتيات. نسوية صعيدية مبكرة بامتياز. إنها نسوية قادرة علي مناقشة قضايا الفتاة في أعماق القرية والصعيد بكل جرأة وقوة وحقها في عدم الإيذاء النفسي أو الجسدي أو الجنسي من أي أحد. فكرة العرض بسيطة تناسب مرحلة الطفولة وتتحاور معها. رحمة طفلة في المرحلة الابتدائية لا تريد أن تذهب للمدرسة حيث تعاني من سخرية زميلاتها في الفصل علي شعرها الأبيض حتي أنهن أطلقن عليها كيس القطن. تذهب رحمة تحت إلحاح أمها للمدرسة فتتعرض للإيذاء المعنوي ثم البدني والتلامس الجسمي، وعندما تحاول البنات سكب الماء علي شعرها تصاب بالانهيار العصبي عندئذ تصاب البنات بالخوف والذعر خوفا من العقاب لكن الإخصائية الاجتماعية تتدخل لتعديل سلوك الفتيات اللاتي يذهبن إلى رحمة معتذرات ليبدأن معها علاقة جديدة. العرض يناقش ظاهرة التنمر وسلوك الإيذاء حيث يري بعض الأطفال أنه من الطبيعي الاستهزاء بالطفل المختلف سواء كان اختلافا في الشكل أو الفقر أو الضعف البدني أو أي إعاقة. وقد أصاب العرض حين ركز علي مشاعر الطفل الذي يتم التنمر به وأثار التنمر عليه واستطاع أن يستدر عطف ومساندة المشاهد. كما أجادت طالبات المرحلة الابتدائية في إبراز صور التنمر بشكل طفولي بسيط يقنع المتلقي وتم تقديم صورة مسرحية معبرة من خلال ديكورات بسيطة جدا لفصل مدرسي ولبيت متواضع. كما أن العرض يطرح قضية عدم قبول الآخر. هذا الآخر المختلف والذي يجعله يشعر بالدونية والتمييز وهو ما يؤدي إلى العنف المجتمعي.
أما المرحلة الإعدادية فقد قدمت عرض بوستس/ Posts الذي يتصدي لقضية إدمان الفيسبوك وهي قضية جد خطيرة. العرض تأليف وإخراج كيرلس شاكر وهو يتبع مطرانية أبنوب والفتح وأسيوط الجديدة. تلاميذ أعدادي يطلبون أن نعرف أسباب المشكلة قبل أن نطالبهم بالحل أو نقترح عليهم الحلول أو نقدم إليهم نصائحنا. هكذا يتحدث أحد أبطال العرض لذلك الذي ينصحه بأن يشغل نفسه بشيء مفيد بدلا من الكتابة علي الفيسبوك. تتوالي صور الأسر المشغولة عن أبنائها وبناتها. هذا أب مشغول بتجارته وهذه أم مشغولة بالشجار مع زوجها وغير ذلك حتي يصبح الهروب من هذا العالم الواقعي سبيلا للراحة عندئذ يفتح العالم الافتراضي أحضانه لهذا الشباب الصغير الذي فقد اهتمام الكبير فتجد البنت الحبيب الذي يتصيدها من صفحة الفيس حتي إذا ما أصابه الملل جعل منها مادة للسخرية والمهانة مع أصدقائه. كما يجد الوحيد المهمل بوستات أصدقائه في عيد ميلاده تجيب علي ندائه بأن يحتفلوا معه. كذلك الشاب الذي تغرب للعمل بسبب ظروفه المادية. وهناك فتاة تمنعها تقاليد وعادات الصعيد لتعيش حلم الحرية التي تنشدها فتغير أسمها ومكانها وشكلها ولبسها علي الفيس لتتنفس حرية تفتقدها، وهناك من يدخل سجن هذه الشبكة لرفض الآخرين له وسخريتهم منه. كل قصة من هذه القصص تصل إلى ذروتها لينادي هؤلاء الصبية أنهم لو وجدوا الحب الحقيقي والاهتمام والحرية وقبول الآخر سيتحررون برغبتهم من سجن إدمان هذه الشبكة العنكبوتية.
المدهش أن هؤلاء الأطفال الكبار طرحوا أفكارهم في صورة مسرحية مبتكرة ومن خلال تشكيلات بصرية قدمت شكل شاشة كومبيوتر ضخمة ضخوا فيها أفكارهم ومشكلاتهم ومن خلال مكعبات خشبية صغيرة أجادوا استخدامها وتوظيفها بأشكال متعددة رسمت عليها علامة الفيسبوك والماسنجر وأكسسورات بسيطة شكلت علامة الواي فاي إريال فوق رأس المتكلمة باسم العالم الافتراضي في مقابل المعالج الذي يريد أن يخرجهم من هذا العالم. تشكيلات بأجساد الممثلين وأخري من المكعبات وثالثة تجمع بينهما في عرض يجمع بين عمق الفكرة وبكارة وروعة الصورة المسرحية التي تفيض بالجمال وتملأ الفضاء المسرحي.
يتناص مع هذه الفكرة عرض مونودراما للمرحلة الجامعية بعنوان «الضحية» تأليف وإخراج يوستينا القمص لوكاس وهي التي أخرجت عرض «مش كيس قطن» للأطفال. تمثيل شنودة ماهر بسطوروس. فالبطل يقرأ ما يكتبه علي الشات كما يقرأ الردود التي ترد إليه. إنه يقوم بعمل محادثات علي شبكة الإنترنت في محاولة منه للإيقاع بكل فتاة تتجاوب معه لتعويض ما حدث معه منذ طفولته حيث كان والديه ينعتونه بالفاشل ويقللون من شأنه فأصبح شخصية عديمة الثقة بالنفس تجد تعويضا في إقامة علاقات خاطئة عبر الإنترنت وتركها بعد ذلك لمجرد إثبات نجاحه في إقامة العلاقة وتعويض الحب الذي حرم منه في طفولته من والديه. هكذا تعكس العروض قضية شبابية ملحة يتعرض لها الشباب بقوة وهي الإهمال وعدم الاهتمام بهم من الآخرين وبخاصة الوالدين مما يطرحهم أسرى ومدمنين في هذا الفضاء السيبرالي الإلكتروني بل ومدمنين لأنواع أخرى من المخدرات.
خلال المهرجان أيضا ولأول مرة كانت هناك ثلاثة عروض تتحدث عن مرض السرطان. قدم فريق المرحلة الثانوية عرض مينودراما بعنوان «حرب الموت» تمثيل مرنا محسن وتأليف مينا ميلاد وإخراج فام مجدي وناقش العرض فكر سائد في بعض قري الصعيد بأن مرض السرطان مرض معدي وعليه تحرم الجدة حفيدتها من زيارة أمها المريضة بالسرطان في المستشفى بل وتمنع الزوج من زيارة زوجته والوقوف بجانبها مكتفيا بالأنفاق عليها. وعندما تسوء حالة الأم وتطلب أبنتها لتراها فأن الابنة تخاف من الاقتراب من أمها كي لا يسقط شعرها أو تصاب بالعدوى وتحث المسرحية علي تصحيح هذا الفكر وتعضيد مريض السرطان معنويا ونفسيا وعاطفيا. قدمت ابنة الثانوية العامة مرنا محسن ستة أدوار باقتدار واستطاعت التنقل من شخصية إلى أخري بحرفية ووعي. تنقلت من دور الأم التي تحكي لأبنتها عن قصة المريضة التي كانت معها في المستشفى للابنة وهي تلملم مع أمها تفاصيل الحكاية لمريضة السرطان للزوج والجدة والحفيدة والطبيب. إن دخول بطلة العرض وخروجها من شخصية إلى أخري لم يفقد المشاهد الصدق الفني واقتناعه بدور كل شخصية ورغم الشخصيات المتعددة التي تقدمها ممثلة واحدة ظلت قابضة علي تركيز المتلقي وحضورها الدرامي مما يحسب لها وللمخرج طالب كلية الطب فام مجدي وحيوية النص الدرامي للمؤلف الطبيب مينا ميلاد.
أما عرض الجامعة فكان عرض «جوه لعبة» وهو عرض بنتومايم تأليف وإخراج بيشوي مجدي. العرض يصور أحاسيس مريض السرطان الذي يعامله البعض كمادة للدعاية والشو ألإعلامي فيقدمون إليه أشكال من اللعب ويطلبون منه أن يلعب معهم لكي يتم تصوير ذلك لأحد البرامج. أو يتعاملون معه باعتباره قد أصابته الشيخوخة وينتظر الموت. ويقدم الممثلون تشكيلا بصريا رائعا والمريض ينظر إلى نفسه من داخل هذه اللعب وقد حملوه رغما عنه ميتا فوق أعناقهم وهو يقاوم هذا الموت العبثي. إن المريض يحاول أن يخرج من معاناته بأن يصنع هو عالمه من خلال اللعب مع طفلة صغيرة فيستعيد إحساسه بالعالم وبنفسه منتصرا علي المرض بداخله. نجح الممثلون في تقديم صور حية من خلال الألعاب واستحضار شكل الموت ومراسم العزاء في صورة كاريكاتيرية ساخرة تكتمل بانتصار المريض في صراعه مع عالمه الداخلي والخارجي وتحطيم الجدار الذي يسجنه داخله مستعيدا قدرته علي الحياة والتحدي من خلال لوحات يشكلها الممثلون بأجسادهم وحركاتهم ويلونون بها فضاء مسرحيا بعلامة النصر.
كان العرض الثالث الذي تناول مرض السرطان بعنوان «الفراشة» إخراج ريمون عادل مرحلة للخريجين هن خلال عجوز يسترجع ذكرياته مع زوجته الشابة التي ماتت بسبب هذا المرض. ويقرر في النهاية أن يلحق بها فلا معني للحياة بدونها. في تلك المدينة يتحول الموتى إلى فراشات وكأن الموتى أحياء لا يغادروننا فهم يطوفون حولنا كفراشات جميلة. لكن العجوز المنتحر يفشل في أن يتحول إلى فراشة بسبب انتحاره. وتنقلب المدينة الملك والكاهن والمستشار بحثا عن سبب عدم تحول العجوز إلى فراشة رغم استكمال كل الطقوس الدينية. العجوز يعاقب في النهاية فالتحول إلى فراشة هو لمن يجتاز رحلة الحياة ولا يهرب منها. العرض هنا يخاطب من تتجهم الحياة في وجوههم بعد رحيل أحبائهم بسبب السرطان. هكذا تناولت العروض المسرحية مرض السرطان من زوايا مختلفة أحاسيس مريض السرطان والمفاهيم الخاطئة لطبيعة المرض. أشكال من تعامل الناس مع مريض السرطان ثم مخاطبة من لديهم أحباء عانوا من هذا المرض.
لا يمكن أيضا إغفال عروض مسرحية تناولت الأمراض النفسية التي تنتشر بين الشباب ومنها مرض الاكتئاب ومناقشة بعض أسبابه كالإحباط والتفشييل من البيئة المحيطة كما في عرض بانتوميم «انفصام» مرحلة الجامعيين تأليف وإخراج بيشوي زغلول من قرية ساحل سليم بأسيوط. استخدم العرض صورة مسرحية موحية ليقدم رسالته للمتلقي فالديكور يلف المسرح برسومات مبهمة وصور من داخل عقل الإنسان. الأشخاص الموجودة علي المسرح تحاول تخطي حواجز أمامها بغير فائدة. البطل يمثل المعاناة ومحاولة التخلص من الأشخاص الآخرين الذين يحيطون به مرة في شكل قطار يتحرك بهم وهم مغيبون. إنهم رمز للمجتمع المحبط والبيئة القاتلة للتميز والروتين الخانق للحياة وهو يحاول التحرر ليبتكر ويفكر ولكنهم يعيدونه مرغما للقطار وكلما يحاول الخروج والابتكار يتعرض للهجوم والعودة إلى أن تفرغ طاقته ويقع صريعا للاكتئاب والإحباط.
من القضايا الشبابية الأخرى التي ناقشتها عروض الشباب عرض عن الإلحاد لمرحلة الخريجين وكان عرضا متميزا في الفكرة والصورة المسرحية حيث بدا المخرج عرضه من إمام الجمهور حيث المذيع الذي ينقل وقائع المؤتمر الكبير والافتتاح لأحد المشاريع. المذيع وكاميرا التلفزيون من موقع الحدث ويلجأ المخرج إلى تقسيم المسرح فالاستوديو في مقدمة المسرح. وفي الوسط المجمع العلمي الذي يدور فيه صراع العالم المؤمن مع أعضاء هذا المجمع الملحدين والذين ينجحون في طرد العالم من المجمع العلمي لتمسكه بالدين ضد الإلحاد في مناظرات لا يغلب عليها الجدل بل الأدلة البديهية البسيطة القادرة علي إقناع الشباب والتعامل مع عقولهم. ينجح العالم في اكتشافاته لكنه يتعرض لمؤامرة من الملحدين لتتم إحداث الجزء الأخير من العرض في عمق المسرح الذي يتحول إلى كابينة طائرة تتقسم بين الراكبين وبين الطيار وبين الأمن الواعي الذي ينجح في القبض علي المتآمرين الذين ينجحون في استخدام سلاح الدين ضد العلماء وأبناء الوطن.
كذلك كانت عروض المسرح الأسود وخيال الظل متميزة جدا في مهرجان الكرازة بأسيوط تقنية وحرفية وفهم للصورة المسرحية المبهرة التي تقدم السحر المسرحي من خلال استخدام التكنولوجيا والوسائل الحديثة ممتزجة بإمكانيات الممثل الذي يجيد توظيفها مخرج العرض. لقد بهرت بعرض خيال الظل «الهروب» الذي قدم قصة يونان النبي (النبي يحيى) وكيف بعث لمدينة عظيمة هي مدينة نينوى ثم العاصفة التي أحاطت بالسفينة التي ركبها وطرحه في البحر وابتلاع الحوت له وصراعه في بطن الحوت ثم خروجه ليكمل الرسالة التي أرسله بها الله. قدم المخرج مدينة نينوى القديمة علي خيال الظل في صورة لونية مبهرة بمبانيها وقصورها الواسعة والفخمة مؤكدا علي عظمة المدينة كما استطاع فريق العمل أن يقدم لوحات من خلال خيال الظل تظهر فساد المدينة والشر الذي عاشوا فيه واستطاعوا أن يقدموا لوحات مسرحية تشكيلية بأجساد الممثلين وحركاتهم للمدينة العظيمة بعد التوبة. استطاع المخرج في مزج متميز بين البحارة ويونان والحوت وبين بانوراما لونية للعاصفة والبحر والسفينة أن يقدم حالة من السحر المسرحي تدل علي قدرة وحرفية وامتلاك المخرج لأدواته الفنية. عرض ينافس اي منتج فني مصري أو عالمي. كل التهنئة والتقدير لمخرج العرض فادي مجدي ولفريقه الرائع وهذا المستوى العالمي الذي قدموا به هذا العرض المتميز.
هكذا قدم لنا مئات من أبناء أسيوط عروضا مسرحية متميزة أتسمت بالتصدي لقضاياهم ومشكلاتهم وعدم التقوقع داخل الإطار الكنسي الخالص. إنه عالم أكثر شمولية ورحابة.. عالم الحوار والفكر.. عالم المسرح أب الفنون الذي يجمع ويحتوي.

 


منتصر ثابت