دكتوراه في المسرح الشرقاوي

دكتوراه في المسرح الشرقاوي

العدد 700 صدر بتاريخ 25يناير2021

ناقش الكاتب والمخرج/ محمود كحيلة رسالته للدكتوراه بأكاديمية الفنون المعهد العالي - لنقد الفني- قسم النقد الأدبي
وهي بعنوان الــتراث الشعبي بـين النـص والعـرض
محافظة الشرقية نموذجاً الفترة من 1995- 2015م
وتكونت لجنه الحكم والمناقشه من أ.د/ســــامح مهــــران أستاذ النقد الأدبي مشرفا ومناقشا --ا د / ساميه حبيب مناقشا من الداخل – ا د / احمد مجاهد مناقش من الخارج
اما عن الرساله فهي تدور حول  دراسة التراث الشعبي وتأثيراته علي النص والعرض المسرحي في أقاليم مصر هي محاولة لكشف ملامح ورصد بُني ساهمت في رفد مسرحنا بمقومات تأصيلية رسمت أبعاداً ثرية في شكل ومضمون المسرح المصري بوجه عام والإقليمي بشكل خاص، وكيف بدا ذلك جلياً في الكلمة والإشارة والإيقاع والتشكيل، فلقاء المسرح مع الذاكرة الشعبية يعد تأصيلاً لهوية مسرحنا الحامل لجينات التمسرح والتشكيل كإطار يتسع ليشمل انساقاً إنسانية وقيماً أخلاقية تتسم بالمرونة والقدرة الدائمة على التطور والتجديد والإضافة، وكيف ينسحب الأمر تفصيلاً علي ملامح المسرح الشرقاوي كنموذج تتوفر فيه ملامح التراث الشعبي رصداً وتحليلاً ونقداً للتجربة المسرحية بإقليم من أقاليم مصر هي محافظة الشرقية ذات الأبعاد التراثية والحضارية علي مر العصور والأزمان، الأمر الذي يعطي درس المسرح بها خصوصية ديموغرافية تنعكس تأثيراتها علي آداب التمسرح وفنونه الأدائية، بما في ذلك من استعراض توثيقي لجهود بذلت من قبل رواد المسرح الشرقاوي الذين تألقوا في سمائه، فمنهم من أضاء بالذيوع وكثير من حجبتهم الإقليمية رغم ما جادوا به من بذل وإجادة واجتهاد وسوف نتعرف بالطبع في سياق دراستنا علي نماذج مختارة من هؤلاء الرواد الذين سلطتنا الضوء في هذه الدراسة بالرصد والتحليل لبعض أعمالهم.
في ظل تنوع توظيفات الفنون التراثية في المسرح المصري ما بين بُنى مادية عريقة مثل بيوت قديمة ومقاهي شهيرة وشواطئ بحار وسفن، وعربات قديمة وبين أنماط بشرية محلية منها ما هو دخيل ومنها ما هو مرتبط بتركيبة المجتمع براً وبحراً، مثل البدوي والريفي، ومثل المجذوب والفنان، وغيرهما من أبعاد مادية وأنماط شخصية إضافة إلي اللهجة الإقليمية وطريقة الكلام ولغات الجسد.
فعلاقة التراث الشعبي بالدراما المسرحية عريقة جذرية عريقة الأصل والنسب، عمرها هو عمر المسرح، إذ ارتبط التراث الشعبي ارتباطاً وثيقاً بحالات الفرجة الشعبية ارتباط الفرجة نفسها بنشأة الفن المسرحي.
وفي هذه الرسالة يعرض الباحث الأسباب التي أدت إلي استمرار بقاء بعض مظاهر التراث الشعبي في الثقافة الشفاهية
وترجع أهمية دراسة التراث الشعبي إلي أنه حائط صد وحصن منيع ودرع واقٍ ضد أخطار الغزو الفكري والثقافي الذي يهدد مستقبل أمتنا ويحول بيننا وبين الاستقرار النابع من تلاقي الشعوب علي قناعات معينة أغلبها من الموروث غير المادي – التراث الشعبي - لأجل تحقيق النهضة من خلال البحث في جذور ثقافتنا الشعبية، وعلاقة كل ذلك بالمسرح نصاً وعرضاً
وقد درس الباحث نصوصاً مسرحية اختارت التراث مادة لصياغتها ومدي تواجد هذه النصوص علي مائدة الدراما المسرحية العربية والمصرية، وكذا محافظة الشرقية موضوع البحث في الفترة من عام 1995 إلي2015م حيث تخيرنا نصوصاً مسرحية، كتبت أو عرضت بمحافظة الشرقية أو ما يناظرها من أقاليم مصر وذلك في الفترة المشار إليها كونها تمتاز بوجود مسرح إقليمي حقيقي له حضور واضح على الساحة المسرحية المصرية إضافة إلي نماذج مختارة من عروض محافظة الشرقية مع توضيح تداعيات ذلك في الفن والفكر والسياسة والمجتمع والتنمية، وكيف كرست العقود الثلاثة الأخيرة مقولة التراث على المسرح بوصفه ممثلاً للأصالة في مقابل القالب المسرحي الغربي بوصفه مصدراً للمعرفة العربية بالمسرح، وهو في الأصل اعتمد علي سياقات تراثية في الثقافة التي ينتمي في بدايته عليها كالمسرح اليوناني، والمسرح الروماني، ومسرح شكسبير الذي اعتمدت صياغته علي التراث واستمر في ذلك كبار المسرحيين الذين وصلوا إلي المجد عندما اعتمدوا في صناعة مسرحهم علي التراث.
يوضح البحث كيف خضع التراث لعمليات تحويلية صعبة وشائكة واستعارات وتمثلات وتعارضات لا حصر لها، سواء ترتب على لسان هذه الشخصية أو تلك فالتراث لحمة داخلية من صور وأفكار، وليست شحنة خارجية من إسقاطات التأويل والقراءة كما افترضت ذلك كثير من النصوص المسرحية الأيديولوجية، ولذا تمثله بوصفه حركة ذهنية داخل النص مكونة له مع جملة حركات ذهنية أخرى لا حصر لها.
تبني البحث المنهج السيمولوجي إذ تبين أنه المنهج المناسب في تحري طريقة تداول المادة التراثية الشعبية والتعامل معها في صياغة النصوص المسرحية أو صناعة العروض التي تعرضنا لها في تحليل النص والعرض، وتوصل إلي أن توظيف العناصر التراثية في المسرح المصري المعاصر قد سار في طريقين: الأول هو الاستلهام المباشر، والثاني هو الاستلهام غير المباشر، وبالتطبيق على بعض الأعمال المسرحية التي استخدمت كنماذج لاستلهام العناصر التراثية من الأسطورة، والسير الشعبية، والحكاية الشعبية، والموال وغيره وقد تم ذلك في أربعة فصول ترتيبها علي نحو التالي:
الفصل الأول بعنوان (التراث والمسرح الشرقاوي)
وفيه عرفنا التراث وماهية التراث وأقسام التراث ومصادره وأنواعه المستخدمة في صياغة الدراما وهي الأسطورة «Myth»، والخرافة، والقصص الشعبية، والحكايات التاريخية التي منها قصة «الزير سالم» التي تعكس النفسية العربية والنموذج العربي الإنساني الذي لم يحدث به رغم مرور عشرات السنين تغيير يذكر وذلك علي سبيل التمهيد لما تم عرضه باستفاضة في الفصول التالية.
الفصل الثاني بعنوان (المسرح الإقليمي النشأة والرواد)
وقد تحدثنا في هذا الفصل عن ماهية المسرح الإقليمي كنوع مسرحي حديث نوعا ما ولكنه في نشأته يشبه نشأة المسرح العربي والمصري في تأثرهم جميعهم بالموروث الذي اكتشف المسرحيون منذ البداية بأنه السبيل الآمن لنجاح العروض المسرحية عندما تصاغ علي خلفية من مواد معروفة في الثقافة الشعبية محافظة الشرقية موضع البحث لم يعرف شعبها المسرح إلا في بدايات القرن العشرين عبر إقامة ما يمكن أن نطلق عليه شكلاً من أشكال التمثيليات المسرحية القصيرة، وكانت ذات طابع تعليمي وعلى ساحات المدارس،
الفصل الثالث بعنوان (الخطاب في المسرح الشرقاوي)
في هذا الفصل تم رصد وتدوين نماذج من التراث الشفاهي الذي عرف طريقه إلي المسرح الشرقاوي وتوضيح كيف تعاطي معه الكتاب والأدباء العرب وغير العرب حتى أصبح نصا مسرحيا مكتملا مغادرا بذلك قيمته ومكانته الشعبية التي كان يتمتع بها من دون قيود إلي مرحلة أكثر تعقيدا، وكيف تم تحويل التراث الشعبي من نص سردي أو شعري إلي نص درامي يعتمد على الحوار كي يصبح عرضا مسرحيا والمراحل والخطوات التي يتم بها ذلك؟ وأيهما أقدر علي التأثير في المتلقي؟ وإلي أي مدي يستطيع نص مسرحي مستلهم من التراث
الفصل الرابع بعنوان (قراءة سيمولوجية لمسرحية الزير سالم):
وفي هذا الفصل نبدأ القراءة بالتعرف علي الحوار الدرامي كونه اللغة الأقدم والأوسع انتشاراً داخل النص المسرحي عبر تاريخ المسرح، فهو لغة الشخصيات الدرامية كي تستطيع التعبير عن مكنوناتها النفسية وعن أفكارها، والتي هي بطبيعة الحال أفكار الكاتب التي تستتر وراء شخصياته الدرامية يتنوع الحوار الدرامي المسرحي من الناحية الشكلية إلى: «ديالوج» و»مونولوج»، فإنه يقسم من الناحية الجمالية التعبيرية إلى أربعة أنواع مختلفة: هي الحوار النثري أو الشعري، والفصحى والعامية وهذه الأنواع الأربعة تحكمها ثنائيات افتراضية اختيارية؛ فقد تمتزج اللغة النثرية بالفصحى في ثنائية منفردة، وقد تمتزج بالعامية مكونة ثنائية أخرى، ونفس الحال ينطبق على اللغة الشعرية، فيكون الحوار إما نثري فصيح أو نثري عامي، أو شعري فصيح وشعري عامي. والكاتب المسرحي عندما يختار إحدى هذه الثنائيات يكون هدفه الأساسي تحقيق نوع من الاتساق بين الشخصية ولغتها من جهة، والتواصل بين الشخصيات مع بعضها البعض من جهة أخرى، وبين لغة الشخصيات ولغة المتلقي من جهة ثالثة. وذلك لأن الكاتب المسرحي يطرح محتوى معين لابد أن يفهمه المتلقي ويستنتج دلالاته، فتعتبر اللغة الحوارية أداة ووسيلة تقليدية يقدم من خلالها المحتوى وقمنا بتطبيق ذلك علي النموذج المختار من مسرحية «الزير سالم» التي كان لها نصيب أكبر من الحضور علي مائدة المسرح الشرقاوي حيث استقبلتها أغلب أنواعه المسرحية فشكلت تواجد بمسرح الجامعة والمسرح المدرسي وعرضت عدة مرات بالمسرح الجماهيري.
في نهاية البحث حيث الخاتمة عرض ما توصل إليه الباحث من نتائج أهمها:
أن المبدع الدرامي المسرحي وضع الموروث الشعبي في اعتباره منذ صياغة أول سطر في كتاب المسرح الإنساني وأن هذا التفاعل مر بمراحل أسبقها إلي القبول والوجود كان النقل المباشر ثم تطور الأمر إلي أن وصل إلي الحد الذي أصبح فيه المؤلف المسرحي يتعامل مع التراث والتاريخ بحرية وظل في حركة مستمرة ومتجددة قابلة للنقد وليست وحدة كلية مغلقة.
المسرح الإقليمي بمختلف أنواعه المنتشرة بمحافظة الشرقية وبما فيها مسرح الثقافة الجماهيرية يستطيع أن يعيد بناء وتكوين الذوق الفني وتحويل حركة مسرح الأقاليم إلى تيار مسرحي يستلهم من البيئة المحيطة ومن التراث ما يؤثر في عقلية المتلقي الإقليمي.
التراث العربي الإسلامي يحتوى على كنوز من المعرفة وذخائر من الآداب طالما أستمد منها الآخرون وكانت سبب نهضتهم وإثراء ثقافاتهم ونحن العرب من الفريق الزاهد في تراثه على عظمه وغناه نقف منه أحياناً موقف النبذ والطرح رغم أنه أعظم تراث إنساني وهو ينقسم إلى تراث علمي وأدبي، وكذلك تراث فني حضاري يتمثل في المعمار والبناء والزخرفة والنقش على الحصى والخشب والخطوط الجميلة المتنوعة وتجليد الكتب والمصاحف والمصابيح الزجاجية الملونة والصحون الخرفية الرفيعة والأكواب والأباريق والزرابى الخملية والنعال المطرزة والمناديل الحريرية والطيلسانات الفاخرة وأنواع الحلي الشمية ، وأضف إلى ذلك الآلات الموسيقية ومنها القانون والأنغام والصنائع وفنون الغناء وصنوف الطعام.
وقد لاحظنا اختلافاً واضحاً في أسلوب المبدعين من حيث الالتزام بالاقتراب، والابتعاد عن جوهر العناصر التراثية، وإن كان هناك شبه اتفاق على توظيف هذه العناصر من أجل طرح قضايا سياسية واجتماعية وفكرية معاصرة لفكرة كتابة هذه النصوص، وإن المحاولات الناجحة في استلهام التراث الشعبي وتوظيفه، هي المحاولات التي تتسم بالموضوعية، من حيث الالتزام بجوهر العناصر التراثية ودلالاتها في إكساب هذه العناصر بعداً تفسيرياً جديداً يطرح من خلاله المبدع وجهة نظره في واقعه المعيش دون مساس بجوهر العنصر التراثي ومصداقيته.


محمود سعيد