العدد 577 صدر بتاريخ 17سبتمبر2018
لم يكن الكاتب المسرحي الأمريكي نيل سيمون... الذي رحل قبل أيام عن عمر يناهز 91 عاما يكتب للمسرح فقط. كان يكتب أيضا للسنيما وللتلفزيون.لكن شهرته الأساسية كانت في عالم المسرح حتى لقب بالكاتب المسرحي الكوميدي الأسطوري بسبب تألقه في المسرحيات الكوميدية. واعتبره الكثيرون على قدم المساواة مع عمالقة المسرح الأمريكى مثل ارثر ميلر وادوارد البى. وكان يرجع هذا التالق إلى تجاربه الشخصية في حياته التي كان يستمد منها أعماله.
ولهذا الكاتب الذي تزوج خمس مرات عدد من المسرحيات التي تعد من العلامات المميزة من التاريخ الأمريكي والتي اهلته للفوز بجائزة توني المسرحية الأمريكية أربع مرات. منها «الزوجان الغريبان» و»حافيا في الحديقة». ويعتبر أكثر كاتب مسرحي تحقق مسرحياته ايرادات في الولايات المتحدة خلال القرن العشرين وربما في تاريخ المسرح الأمريكي.
ولم يكن له أي إنتاج مسرحي بعد 2001 لأسباب فشل هو نفسه في تفسيرها وقال إن الإلهام توقف عن زيارته.
إنتاج غزير
كتب في حياته عشرات المسرحيات التي يصعب حصرها لتعدد أنواعها. وكان منها 30 مسرحية عرضت في عاصمة المسرح الأمريكي برودواي. وكانت منها خمس مسرحيات موسيقية و17 مسرحية استمر عرضها لأكثر من عام منها مسرحية «حافيا في الحديقة» التي استمر عرضها لأربع سنوات متوالية وتحولت إلى فيلم كتب له السيناريو والحوار بنفسه. وسجلت أقل مسرحياته عرضا وهي «الضحك في الطابق 23» و»حفل العشاء» 300 ليلة عرض. وفي وقت ما كانت تعرض له في برودواي 4 مسرحيات في وقت واحد. كانت الأولى «انفخ في البوق» عام 1961. وكانت آخر مسرحية في 2001 هي «45 ثانية من برودواي» ولم يكتب غيرها حتى وافاه الأجل المحتوم. وكان يبرر ذلك بأن شيطان الإلهام المسرحي لم يعد يزوره. وكانت مسرحية «فتاة الوداع» التي عرضت في 1977 أقرب المسرحيات إلى قلبه.. وكان أول كاتب مسرحي يطلق اسمه على مسرح في برودواي حال حياته.. وكانت فرق أمريكية محلية كثيرة تعيد تقديم مسرحياته وتعيد تقديمها أيضا اقسام المسرح في الجامعات. وكانت له 11 مسرحية تم إنتاجها تلفزيونيا فقط ولم تعرض على أي مسرح. وقام بكتابة معالجات سنيمائية لعدد 18 من مسرحياته الناجحة منها «خارج المدينة» و»فتاة الوداع». وتم ترشيح 4 من الأفلام التي كتبها عن مسرحياته لجوائز الأوسكار لكنها لم تفز. وكان يصف الكتابة للمسرح بأنها دماء الحياة والاهتمام الأول بالنسبة له. هذا رغم أن بدايته لم تكن مع الكتابة للمسرح حيث كان يكتب مع شقيقه حلقات فكاهية لعدد من محطات الإذاعة والتلفزيون المحلية.
وفي بداية حياته المسرحية كان النقاد يتهمونه بأنه يركز على إضحاك الجماهير أكثر من اهتمامه بالتجارب الإنسانية. وكان نقدا استفاد منه سيمون وبدأ يتعمق في الوجود الإنساني.
طقوس الإبداع
وفي كتاب عن تجربته مع الكتابة للمسرح بعنوان «إعادة الكتابة» صدر عام 1996 قال إنه عندما يكون بصدد كتابة مسرحية يمضي كل يوم جلسات من التأمل الصامت للواقع المحيط به ولتجاربه المؤلمة. وأبرز هذه التجارب الخلافات المستمرة بين أبويه التي كان يتبادلان خلالها العبارات القاسية وانتهت بأن ترك الأب البيت وترك الأم والولدين يواجهون الحياة بمفردهم. وهناك أيضا وفاة زوجته الأولى (تزوج خمس مرات) بمرض السرطان وهي في التاسعة والثلاثين وام ابنتيه. وهو يعتز بنجاحه في تحويل ذكرياته المأساوية إلى ضحكات يرسمها على شفاه جمهور مسرحه. وقد تستمر جلسة التأمل سبع ساعات أحيانا يجلس خلالها صامتا في مكان معزول من بيته ويجرى حوارا مع شخوص مسرحياته. ويبدأ الكتابة عندما تنتهى ساعات التامل. ويمضي قائلا إنه لا يهتم كثيرا بتحديد أجره عن كتابة الأعمال المسرحية لأن كل ما يهمه هو أن يعبر عن أفكاره ويجد نفسه في هذا النوع من الكتابة. ويعوض الأجر في الأعمال السنيمائية والتلفزيونية. ويقول أيضا إن من أسباب نجاح مسرحياته أن يعبر عن مخاوف الإنسان المعاصر التي عاناها هو نفسه في طفولته وشبابه بشكل كوميدي.
ويقول إنه يدين بقدر كبير من نجاحه لشقيقه الوحيد الراحل داني الذي كان يكبره بثماني سنوات وسبقه إلى العالم الآخر عام 2005. وكان كاتبا كوميديا أيضا لكن أعماله اقتصرت على التلفزيون فقط. وكان يعتبره بمثابة الأب وكتب الاثنان عددا من الاسكتشات الفكاهية قبل أن يستقل كل منهما بذاته. ورغم نجاح مسرحياته، انقسم النقاد بشأنها حيث رأها البعض أعمالا خالدة بينما رأها البعض الآخر مسرحيات ستندثر مع الزمن. وكان البعض يأخذ عليها أنها تنتهي بنهايات سعيدة ملفقة لا تبررها الأحداث الدرامية.
ويبقى السؤال المهم، كان سيمون يهوديا فهل سخر كتاباته لخدمة إسرائيل والصهيونية؟ ما بين أيدينا لا يقدم لنا إجابة واضحة عن هذا السؤال ونرجو أن نقدم الإجابة عن هذا السؤال في عدد قادم.
إنقاذ المسرح ينعش اقتصاد دي بلين
ليست من عواصم المسرح في الولايات المتحدة، إنها مجرد مدينة من مدن مقاطعة كوك في ولاية إلينوي، اسمها دي بلين، وهي تستمد اسمها من نهر يشقها يعتبر من أقصر أنهار العالم حيث لا يزيد طوله عن 214 كيلومترا، ومع ذلك تضامن المسئولون والسكان على قلب رجل واحد من أجل حماية مسرح المدينة من الهدم.
تم إعلان حالة الطوارئ بمجرد إعلان الشركة المالكة للمبنى اعتزامها إنهاء عقد إيجاره لأنه غير مجز واعتزامها بيعه لإحدى الشركات لاستغلاله في غرض آخر. وبات من المتوقع في أغلب الأحوال أن يتم هدم المبنى وإقامته على طراز جديد.
وبدأت مفاوضات لشراء المبنى من الشركة المالكة والحيلولة دون هدمه بلا جدوى بسبب المقابل الكبير الذي تطلبه الشركة أو هكذا يقول مجلس المدينة. فقد طلبت الشركة لإيمانها بالدور الثقافي والاجتماعي للمسرح 2,3 مليون دولار. هذا بينما عرض مجلس المدينة 400 ألف دولار في البداية ثم زادها إلى 500 ألف. وقال المجلس إنه لن يستطيع عرض أكثر من هذا المبلغ لأنه سينفق عليه بعد ذلك 4 ملايين دولار لتجديده وتطويره منها مليونان من ميزانيته ومليونان من التبرعات.
وفي محاولة للضغط عليها عقد مجلس المدينة اجتماعا عاجلا قرر فيه بأغلبية 7 أصوات ضد صوت واحد رفع دعوى قضائية للمطالبة بمصادرة هذا المبنى مع دفع التعويض الذي يراه مجلس المدينة مناسبا للشركة المالكة باعتباره من المنافع العامة.
دور المسرح
وقال عمدة المدينة مات بوجاس إنه سوف يتم تحريك الدعوى القضائية في أسرع وقت ممكن قبل أن تتمكن الشركة المالكة من القيام بأي إجراء مضاد. واتهم الشركة المالكة بالأنانية والسعي إلى تحقيق أرباح مبالغ فيها دون مراعاة التكلفة المرتفعة للعمل المسرحي والدور الذي يمكن أن يلعبه المسرح في حياة المجتمع.
ويعود تاريخ إنشاء المبنى إلى عام 1925. وكان يستخدم كمسرح منذ أيامه الأولى لكن العمل كان يتوقف فيه أحيانا ويتحول إلى دار سنيما أو يتوقف تماما بسبب إصلاحات تطلبها البلدية حفاظا على سلامة رواده. وحتى عندما كان يعمل كمسرح كان يقتصر غالبا على روايات الفودفيل (الهزلية) أو بعض المسرحيات التي لا تحتاج ديكورات أو إمكانيات كبيرة. وتقول البلدية انها تهدف من التطوير إلى أن يكون المسرح قادرا على تقديم عروض كبيرة. كما يهدف التطوير إلى تخصيص جزء من المبنى لتأجيره لأغراض تجارية بحيث يكون قادرا على الإنفاق على نفسه بنفسه دون الاعتماد على دعم كبير من ميزانية المدينة أو من الولاية.
وكان صاحب الصوت الواحد الذي صوت ضد إنقاذ المسرح يرى أن المسرح ليس مجالا مهما وأن إنقاذه يعد نوعا من تبديد أموال دافعي الضرائب. لكن عمدة المدينة رفض هذا الرأي قائلا إن الثقافة قيمة مهمة في حياة الإنسان ولا ينبغي التعامل معها بحساب الربح والخسارة.. والمسرح مؤسسة ثقافية رئيسية، وسيتم إدارته بشكل اقتصادي لينفق على نفسه بنفسه كما ذكرنا. وسوف يساعد تطويره على جذب الجماهير من المناطق السكنية والمقاطعات المجاورة وإنعاش السياحة في المدينة.