إميل شوقي عن سمير العصفوري: أستاذي وصاحب مدرسة خاصة

إميل شوقي عن سمير العصفوري:  أستاذي وصاحب مدرسة خاصة

العدد 700 صدر بتاريخ 25يناير2021

تزخر مسيرة المسرح المصري منذ بداياته حتى الآن بمئات بل وآلاف المبدعين المسرحين بين مؤلفين ومخرجين وممثلين ونقاد حتى على مستوى الإدارة أيضا, أثروا في الحياة المسرحية, إنما هم محطات مهمة ومؤثرة ساهمت في تطور وازدهار هذا الفن العظيم. وعلينا دائما أن نتذكرهم ونذكرهم ونتناول سيرهم ليس لكي لا ننساهم فقط بل ليتعلم منهم الأجيال الحالية والتالية, ويتعرفوا على علامات ورموز المسرح وكيف وضعوا بصماتهم وحفروا إبداعاتهم في تلك المسيرة الفنية.

من أهم علامات المسرح المصري الفنان القدير/ سمير العصفوري هو مدرسة فنية متكاملة وأحد أعلام عصر النهضة المسرحية ومن أهم رموزها الفنية، حيث استطاع المخرج الكبير أن يضع بصمته الفنية في مسار المسرح المصري، ليكون قدوة ونموذجا لأجيال تالية ومصدرا مشعا للإبداع لمن عاصروه. هو قيمة فنية إبداعية وعقلية إدارية كان له دور كبير في المسرح الطليعي منذ سبعينيات القرن الماضي من خلال عروضه المسرحية، ومن خلال إدارته لعدة مسارح كان أهمها وأكثرها تأثيرا وارتباطا باسمه الكبير هو «مسرح الطليعة». وقد تميزت أعمال الفنان الكبير/ سمير العصفوري بروح الفكاهة والسخرية الفكرية المرة والتمرد على القواعد السائدة واستلهام الصيغ الشعبية والبحث عن الجديد المدهش.
يعد من أهم تلاميذ العصفوري المخرج/ إميل شوقي, حيث ارتبط بالعمل معه منذ السبعينيات وحتى الآن, فيحدثنا عنه قائلا:
المخرج الكبير الأستاذ/ سمير العصفوري بالنسبة لي هو رحلة عمري, منذ أن عدت من رحلتي بإيطاليا, حيث كنت أنهي بعض الأوراق للعودة إلى إيطاليا مرة أخرى, فطلب مني عدم السفر والبقاء للعمل معه. فاشتركت معه في عرض مسرحية «مسافر ظهر» من تأليفه وإخراجه, وبعد ذلك عندما هممت بتجهيز أوراق سفري ثانية طلب مني أن أعمل معه في مسرحية «العسل عسل» وتوالت الأعمال معه بعد ذلك.
“العصفوري” ليس مخرجا عاديا بل هو صاحب مدرسة, ونحن عندما كنا طلبة في الجامعة كنا نذهب لمشاهدة مسرحية “يا عنتر” و”أبو زيد الهلالي سلامة” وكنا مرتبطين بمسرح الطليعة, وهذا كان حوالي عام 1975م, كنا كمجموعة كبيرة من جامعة عين شمس, كان معي / أحمد عبد العزيز ومحمود حميدة وسامي مغاوري وعصام السيد ومصطفى إبراهيم, ومحسن حلمي وسامح الصريطي وآخرين, مجموعة كبيرة كنا مرتبطين بهذا المسرح, لأن هذا المسرح في تلك الفترة كان شعلة نشاط في مصر, في وقت يقال فيه عن مسرح الطليعة إنه مزار للوطن العربي, فأي مسرحي قادم من الدول العربية, مثل عبد الكريم برشيد أو عبد الرحمن بن زيدان أو شخص قام من الأردن أو تونس أو غيرهما لابد له أن يزور مسرح  الطليعة ولابد أن يطلع ويشاهد آخر أعمال مسرح الطليعة أو آخر أعمال «العصفوري».
 تولى «العصفوري» إدارة المسرح لفترات طويلة وهو الوحيد في مصر الذي يمكن أن نطلق عليه إنه أستاذ صاحب مدرسة, فقد كان يجمع المريدين حوله ويعرف أخبارنا ويسأل كل منا (ماذا قرأت؟ افعل كذا . ساعد فلان, وهكذا). فكنا بالنسبة له تلاميذ يحبونه وكان هو لا يبخل على أي شخص بأي شيء, وأعطى الفرص لأناس كثيرين للأسف ينكرون فضله الآن. ومنهم من يتصدرون المشهد  المسرحي الآن.
أثناء تجهيزي لأوراق سفري لإيطاليا سألني العصفوري عن سبب السفر وعندما عرف أنه لدراسة الدكتوراه قال لي «أنا أمامك, ليس معي دكتوراه, وأن تعمل في الفن أفضل من دراسة الدكتوراه, أن تكون مبدعا أفضل من أن تكون خوجة أو مدرسا», وبالفعل اشتركت معه في مسرحية «مسافر ضهر», وهي معارضة لمسرحية الشاعر/ صلاح عبد الصبور «مسافر ليل», وقد اشترك فيها بالتمثيل كل من/ المرسي أبو العباس, رؤوف مصطفى, أحمد عبد العزيز, وفي هذه المسرحية شاهد المخرج/ يوسف شاهين الفنان/ أحمد عبد العزيز واستعان به في فيلم «وداعا بونابارت».
“العصفوري” لم يكن مجرد مخرج أو أستاذ فقط بل كان صديقا, كنا معا على مدار أربع وعشرين ساعة , بمجرد الصحيان من النوم في الصباح نتحدث, وفي وقت العصاري, حتى نلتقي مساء في مسرح الطليعة أو في أي مكان أو في منزل أحدنا, فكنا كلنا أسرة تسمى “أسرة مسرح الطليعة”, وكانت حينها تتألف من: زايد فؤاد, يوسف رجائي, أحمد حلاوة, سهير طه حسين, ممدوح قاسم, فكري صادق, أحمد عبد العزيز, سامي مغاوري, إميل شوقي, ناصر عبد المنعم, عصام السيد, وغيرهم. كل هؤلاء كانوا مريدين الأستاذ/ سمير العصفوري.
عندما سافر «العصفوري» إلى المغرب أعجب بالطيب الصديقي عندما قدم مقامات بديع الزمان الهمزاني, المقامات العربية. وكان “العصفوري” معجبا بالمسرح الاحتفالي الذي قدمه الطيب الصديقي وعبد الكريم برشيد وبن زيدان, ففكر أن يقدم “المقامات البيرمية”, فبعد عودته قدم “مقامات بيرم التونسي” في عرض “العسل عسل والبصل بصل” والتي ذاع صيتها في وقتها واستمر عرضها أكثر من أربعة سنوات في أواخر الثمانينيات.
العصفوري المبدع في الإخراج. بمعنى أنه لو يقيم عشرين بروفة في اليوم, في كل مرة لابد أن يضيف جديدا, فو ليس مثل المخرجين الذين يكتبون الحركة مسبقا ويلتزمون بها حرفيا, فهو أستاذ الإخراج المسئول عن العرض المسرحي وليس النص المسرحي, هو يفكك  المسرحية الدرامية ويعيد تكوينها مرة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة, هو من يقوم بترتيب المشاهد ليس على الورق وإنما للعرض المسرحي حسب الممثلين. هو من يعمل مع الممثل الشاطر الذكي الذي يقول له: «واحد», فيقول «العصفوري»: اثنان, ثلاثة, أربعة, خمسة. الممثل يقول: ستة, فيعد «العصفوري» معه حتى عشرين. سمير العصفوري هو صانع النجوم, هو من صنع محمود الجندي, ومحمد هنيدي, وأشرف عبد الباقي, وغيرهم الكثيرين بلا عدد. كما أعاد سمير العصفوري اكتشاف ممثلين كثيرين كانوا موجودين من قبل, فعندما عمل مع أمينة رزق وعبد الله فرغلي في «حقا إنها عائلة محترمة», وجعلهما يمثلان أنهما يحبان بعضهما, فيخرج منهما الكوميديا, فهذا كان جديدا على السيدة/ أمينة رزق, ودورا جديدا على الفنان/عبد الله فرغلي.
“العصفوري” هو مخرج شاطر فعندما يخرج عرض “يا ساكني مصر” عن الشاعر/حافظ إبراهيم والشاعر/ أحمد شوقي, وأنا كنت فيها مخرجا منفذا, والمسرحية تتحدث عن حافظ وشوقي, والعصفوري يكاد يكون حافظا لكل الأعمال التي كتبها كل منهما, هو من يبدع داخل الشعر, هو مبتكر وباحث ومكتشف, هو مدرسة.
من لم يعمل معه ولم يجلس معه في البروفات لا يستطيع أن يفسر كيف يفكر هذا الرجل, لأنه مبدع في البروفة, لا يحضّر مسبقا, بل ينطلق من نقطة داخل المشهد المسرحي ويبني عليه. فيمكن أن يبدأ من ورقة تقول: إن هناك علاقة بين فلان وفلان ويوجد كذا وكذا, فيبدأ العمل مع الممثلين على هذا الأساس.
و «العصفوري» موسيقي من الدرجة الأولى, وهو يبني العرض موسيقيا أثناء العمل. أي أنه لا يرسم الحركة ثم يضفر الموسيقى بالترتيب, بل يرى المشهد مكتملا, موسيقيا وديكوريا وتمثيليا.
هو من صنع نجوم الكتابة المسرحية, ففي فترة من الفترات كان يلتف حوله في مسرح الطليعة في قاعة 79, الكتاب/ محمد الفيل, يسري الجندي, د. أحمد العشري وغيرهم من الكتاب, أعطاهم العصفوري فرصا. كما قدم كثيرا من تلاميذه المخرجين, فقدمني ومحسن حلمي وأحمد عبد العزيز وناصر عبد المنعم وعصام السيد, وإيمان الصيرفي والكثير من الأجيال الجديدة وقتها. هو من أعطاني الفرصة لإخراج مسرحية «استربتيز”, وبعدها “حريقة” ثم “هموم الآخرين”, و حتى عرض “حمام شعبي” عام 95 كان هو خلف هذا العمل.
سمير العصفوري لم أكن مجرد المخرج المنفذ له, بل كنت صديقه, فعندما كنا نسافر للخارج كنت رفقه في غرفته, ولم يكن يبخل بأي شيء, وعندما قمت بتحضير رسالة الماجستير الخاصة بي عن مسرح الطليعة ساعدني الأستاذ/ سمير العصفوري كثيرا, وأعطاني مراجع ومادة كبيرة عن مسرح الطليعة. واستمرت علاقتنا سويا تخللها أعمال كثيرة, منها باللو, عالم قطط, وغيرهما الكثير, إضافة لمسرحيات كثيرة ومشاريع كثيرة لم تكتمل. وأكثر شخص يأتمنه العصفوري على عمله هو أنا, هو من أعطاني الفرصة لأقدم مسرحية “العسل عسل” ريبرتوار, وهذا كان إنجازا بالنسبة لي, فكيف أتخطى العبقرية التي قدمها بها سمير العصفوري, والحمد لله وفقني الله ولم أقلده وأبدعت شيئا خاصا بي أنا. الكلام كثير ومتشعب, وبيننا حديث يومي, حتى عن عرضه الأخير (موريستان) الآن نتبادل الرأي وأحضر بروفاته, مع أني لا أعمل معه فيها, لكن بيننا علاقة فنية وود وحب تسمح لنا بالكثير من الكلام.
هو مدرسة كاملة لو تحدثنا عنه, سنتحدث كثيرا ولا تكفي عشرات الكتب كي نحيط بكل تفاصيل العصفوري مع تطبيقها على أعماله.

 


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏