كيف تكتب مسرحية؟(2)

كيف تكتب مسرحية؟(2)

العدد 679 صدر بتاريخ 31أغسطس2020

في الجزء السابق قمنا باختصار فكرة الكتاب والمنهج المتبع وعرض لبعض فصوله  وهنا نستكمل هذا العرض .
_4_
الحبكة
إن كثير من الكتاب المبتدئين والمحترفين يسمع لفظ الحبكة فيصاب بالارتباك
ابسط تعريف للحبكة:
إن كانت القصة هي ترتيب الأحداث بالزمن
فالحبكة ترتيب الأحداث بالسبب
ولكي تتضح إليك الفكرة قم بالتمرين الآتي:
تمرين:
ماذا فعلت من الصباح حتى المساء:
مثال:
صحوت مبكرا صليت وفطرت
ذهب للعمل
قابلت صديق على المقهى
ذهبت معه لعرض مسرحي
هذه هي القصة بترتيب زمني:
 والأن آن أوان الأسئلة:
صحوت مبكرا  وصليت..لماذا ؟
لإنني مؤمن بوجود الله (مؤمن بوجود الله)
ذهبت للعمللماذا ؟
لأنني أقتات منه رغم عدم حبي له(عملي وصبور)
قابلت صديقلماذا ؟
لأتناقش معه في عملي المسرحي القادم
(لديه هواية وأصدقاء)
ذهبت لعرض مسرحيلماذا؟
تلبية لدعوة من أصدقاء(ودود ويراعي الصداقة)
إذن الحدث هو الفعل،والحبكة هي السبب وراء الفعل وهذه الأسئلة لم تحل لغز البعبع المسمى الحبكة فحسب ولكن ايضا يمكن أن توضح لك جوانب متعددة في شخصيتك الرئيسة.
لذا يقول البعض أن الشخصية هي الحبكة والحبكة هي الشخصية . شخصية المرء هي مصيره .
والأن:
لماذا يوصف عمل ما بأنه «محبوك» وآخر لا ذلك لأن أحداثه لم تقم على أسباب مقنعة، إذن الحبكة تنتمي للمنطق مقدمات تؤدي إلى نتائج والعلاقة بينهما وثيقة ومتكاملة  فمثلا:
 لا يمكن أن يكن جزاء زوجة كشرت عن أنيابها لزوجها أو زمجرت بكلام لم يعجبه عن أهله القتل،إلا إذا اسهبت في سرد المقدمات التي أدت إلى تلك النتيجة حينئذ من الممكن قبول _غير المعقول هذا_ على أنه قشه قضمت ظهر البعير ..
الاستجابة العاطفية للحدث هي مكان وجود قلب الدراما (نتيجة الحدث و الصراع على الشخصيات) اتخانق مع مراته راح يسكر و لا ضرب بنته .
كثيرا ما يكتب الكتاب مشاهد ترينا شخصية في صراع لكنها لا ترينا نتيجة الصراع بالذات لذلك لا نستوعب معناه بالكامل الحبكة بناء الحدث و رد الفعل العاطفة لتحقيق التأثير المقصود
_5_
الصراع
الصراع هو تنافس (عراك) بين قوتين متكافأتين _في الغالب_ على شئ معين .
ينشأ الصراع في الأساس من وجود إرادتين _أو أكثر _لكل منهما رغبة ودوافع تختلف عن الآخر،مما يؤدي للصدام .
أنواع الصراع:  الساكن،الواثب،المتنامي،المرهص.
وإذا أردت المزيد عليك بالرجوع للكتب لكن لن يفيدك معرفة أنواع الصراع في عملك شئ فهذا من شأنه أن يفيد الناقد لكني لم أصادف كاتب يشرع في عمله ووضع خطته وتيمته الرئيسة وشخصياته ثم يقول واثقا سأستخدم الصراع المتنامي  أو الساكن أو ....
لكن ما يهمك حقا هو معرفة ما هو الصراع ؟وكيف ينشأ ؟وما الذي يساعده على النمو ؟
وما نوعه من حيث هل هو صراع داخلي أم خارجي؟
داخلي،داخل الشخصية وبينها وبين قيمها وأفكارها؟
خارجي،بين الشخصية وقوة خارجية،شخص،مؤسسة اجتماعية،قيم مجتمع،أو حتى قوى تنتمي للطبيعة أو الغيب .
وحدة المتناقضات : إقفال الصراع
وحدة المتناقضات هي كل ما يربط الشخصيات المتعارضة معا و يجبرها على التفاعل و التصادم..لا تستطيع التنازل و لا تستطيع الإيقاف (إلا تغير كامن في الوضع الدرامي أو في  احدى الشخصيات) يحدث عادة ذلك عند الذروة  وستعلم أن الصراع ليس مجرد عقبات و لكن ايضا أحداث تغير حياة الشخصية الرئيسة .
_6_
الحوار
إذا كانت الكتابة السردية تعتمد على الوصف في الأساس فإن العمل المسرحي يعتمد بالأساس على الحوار فهو البنيه الأساسية للمشهد (في الدراما الكلاسيكية)
وينقسم الحوار إلى:
حوار خارجي،داخلي،جانبي،مباشر،غير مباشر
للحوار الجيد سمات ثلاث وهي :
1 -أن يقدم معلومات (عن الشخصيات أو عن القصة )
2 - أن يدفع الحدث للأمام
3 - يطور الحبكة
عرفت الأن أنواع الحوار ومواصفات الحوار الجيد، دعها جانبا ولا تفكر فيها أبدا وأنت تكتب حوار. اكتب الحوار كما يجري على لسان شخصياتك بكل سذاجته وتفاهته وقلة أصله..
والأن أتذكر (الناقد، الشيطان،النزناز) الذي كان يلف حول أفكارك ويثبط عزمك الأن جاء دوره،فالتقرأ الحوار وضع أمامك الأن الخصائص الثلاث السابقة وعلى أساسها يتم الحزف والإحلال .
_هل الحوار مناسب للشخصية ؟ (بخلفيتها الاجتماعية والثقافية وقيمها الأخلاقية)
_هل هناك معلومات مقحمة بشكل مباشر؟
مثال : أنت تعلم بالطبع أنني طلقت زوجتي .
طيب طالما هو يعلم وأنت تعلم وزوجتك بالطبع تعلم لماذا تقولها الأن لكي يعلم المتفرج ؟
من فضلك سرب المعلومات بشكل أكثر ذكاء.
_ هل الحوار يدور بخفة ينتقل بحيوية ويتسرب كالماء؟؟
_هل هناك شبهة إفتعال في بث معلومة أو في نبرة أو إيقاع ؟؟
مثل تلك الأسئلة _الغلسة السخيفة _ ستجنبك مزالق كثيرة في كتابة الحوار .
والممارسة خيرمعلم للكتابة .
_7_
المعالجة
«إنك حين تدخل المطبخ لا تضع الأشياء فوق بعضها وتدعها تنضج وإنما تدخل بمكونات محددة وأنت تعرف ما الذي تطبخه « قصة مكتملة لها بداية ووسط ونهاية وحتى في الدراما الحديثة تحتاج القصة(الحكاية، الحدوتة) صحيح من الممكن أن تختلف طريقة سردك لها حيث تبدأ من النهاية أو من الوسط أو لا تعرضها كاملة لتترك للمشاهد إكمال مابين السطور لكن عليك أنت أن تعرف قصتك كاملة  ..
من أين سأبدأ القصة ؟؟
لا تفاجئ حين لا تلتزم بتلك المعالجة للنهاية فهي فقط متكأ يشعرك بالأمان أن لديك خطة لكن عادة ما تتغير مع تطور الأحداث حين تبدأ في رسم المشاهد وتحريك الشخصيات تتغير خطة العمل باستمرار وعليك الرجوع للمعالجة لإدراج تلك التغيرات وتتبع تأثيرها على الأحداث  وليس العكس حيث أن الشخصيات جيدة الصنع تتحرك وفق معطياتها وليس وفق خطتك أنت،وطبعا ليس هناك قاعدة . فهناك من يمشي على الخطة بحزافيرها . هي المرشد له للنهاية . المعالجة هي الهندسة وأساس الصنعة  عند البعض .
_8_
التحرير الأدبي
الأن جاء دور المقص .
هناك بندولا لا يتوقف بين الأحمق المغرور الذي يعتقد أن ما يكتبه عبقري  وبين الناقد الصارم شديد القسوة الذي لا يرضيه شئ . من تضخم الناقد عنده توقف عن الكتابة، ومن تضخم الأحمق عنده تدهور و فسد ما يكتب .
والمحرر الأدبي هو ناقد ذاتي، أو صديق عزيز تثق في رأيه .
الأن لديك المسودة الأولى .. اعطها لواحد أوثلاثة من الثقات (أصدقاء، أساتذة) واعرف رأيهم بدقة .
ولتسألهم أسئلة محددة _بعد أن تستمع إليهم _ ماهي بؤرة التركيز ؟؟
ما الذي فهموه من القصة ؟؟
هل هناك ترهل في الحوار ؟؟ هل هناك مشاكل في الدراما (يستطيع سردها في نقاط محددة)
والأن : أعد النظرإلى النص على ضوء تلك الآراء وأعد كتابته .
خطورة مهمة المحرر الأدبي
كل عمل فني محاولة لتطوير على النوع الصادر منه، مهمه المحرر الأدبي تطبيق القواعد القديمة (اتذكر قواعد الحوار الثلاث، اتذكر معنى الدراما ؟؟ أتذكر الحبكة والمنطق)، مهمه المحرر الأدبي وضع تلك الأسس أمام عينيه وهو ينظر للعمل وعلى أساسها يضع التقييم لكن :
هناك دائما شطحات وتجديد سواء في الشكل أو الأسلوب، لذا خذ من الجميع (المحررين) ثم استفت قلبك وحده وتذكر جيدا أن العمل سيحمل اسمك أنت لا أسمائهم هم لذا أنت المسؤل الأول والأخير إذا لم يطمئن قلبك لنصائحهم عليك بشيئان إما أن تغير الأشخاص أو تتجاهل كلامهم  أو تعيد تقييم رؤيتك أنت فمن الممكن أن النقد يصعب عليك سماعه أو أنك تكسل عن إعادة الصياغة كن صريحا _قدر الإمكان مع نفسك_ وتحلى بالوعي .
_9_
النهاية
هل دائما النهاية في دماغك أو في قصتك أو في المعالجة، الإجابة في أغلب الأحيان لا  رغم ما يقوله (سيد فيلد) في كتابه  «فن كتابة السيناريو» حيث ضرب المثال بقصة حقيقية من حياته الشخصية عن عامين عاش فيهما دون هدف في الحياة وكان يغادر – حرفيا – دون أن يعرف أين سترسوا قدماه لذا ينصح أي كاتب أن يعرف نهاية قصته قبل البدأ فيها .
أمامك الأن رأيان كل منهما على طرفي النقيض وعليك أن تختار منهما ما يناسبك .
ثم يستعرض الفصل أنواع النهايات المختلفة بالتفصيل
_10_
أسئلة مشروعة
هل هناك فرق بين النص الأدبي والنص المسرحي ؟؟؟
طبعا ..
النص يظل نصا أدبيا ينتمي لجنس المسرح  (مثله كمثل القصة أو الرواية)طالما لم ينفذ بالفعل على المسرح أما إذا تحمس مخرج لتنفيذه «سترى بنفسك أن هناك اختلاف بين ما كتب وما تراه أمامك في جوانب عديدة» وقد لمست ذلك بنفسي ..
فكل نص يحتاج إلى مفتاح يدخل منه المخرج إلى عالمه ويبدأ في تنفيذه وفي كل مرحلة من مراحل التنفيذ سيطلب منك إضافة أو حذف.نصيحة تعامل بمرونه مع تلك التعديلات المطلوبة طالما وثقت في المخرج .
ثم يستكمل الفصل بالعديد من الأسئلة ويجيب عنها
_11_
الشحن والتفريغ
ليس هناك شئ مرتبط بالآخر كارتباط القراءة بالكتابة، بل إن كثير من الكتاب يقدم نفسه على أنه قارئ بالأساس . وللحق إن القراءة هواية أي كاتب كذلك هي الوسيلة الأولى لإعادة شحنه .
كاتبنا الكبير «نجيب محفوظ» الذي كان يعمل يوميا في ميعاد محدد _هذا الكاتب غزير الإنتاج_
كان لا يكتب إبدا في الصيف لرمض أصاب عينيه، فماذا كان يفعل طوال شهور الصيف ؟؟ إعادة الشحن  عن طريق القراءة، التأمل، الملاحظة، تدوين بعض الأفكار للعمل عليها في وقت لاحق، المصيف (الترويح عن النفس وتغيير المناظر) الاسترخاء، الجلوس على المقهى والاستماع للناس والأخبار والروايات والقصص حتى ما كان يبدو بعيدا عن التصديق فمن المحتمل الاستفادة منها أو توظيفها لاحقا في شخصية مشعوذ أو مجنون .
حقا ليست لدي معلومات مؤكدة عن ما كان يفعله كاتبنا الكبير أو غيره من الكتاب لكني أتخيل أن هناك طرق عدة لإعادة شحن الكاتب ومع الممارسة والمران تتعرف بنفسك علي الطريقة المثلى الخاصة بك وستعرف ايضا مصادر إلهامك فمشاهدة الأفلام والذهاب لأماكن الترفيه والوقوع في الحب وقراءة صفحة الحوادث في جريدة يوميه تهوى الإثارة .،كلها وسائل مجربة لإعادة شحن الكاتب .
البحث عن مصادر الإلهام الشغل الشاغل لأي كاتب،ويقال أن الأفكار ملقاه على قارعة الطريق تبحث عنك كما تبحث أنت عنها وعليك بالأفكار القابلة للتطور وتلك لا تتعرف عليها إلا إذا وضعتها تحت الاختبار.، ولا يتأتى ذلك إلا إن كتبتها وحاولت العمل عليها ورأيتها تتطور .


نسرين نور