مقاربات الفرجة.. في تحليل الدراما (1)

مقاربات الفرجة.. في تحليل الدراما (1)

العدد 803 صدر بتاريخ 16يناير2023

المقاربات الحالية للدراماتورجيا
 في السنوات الحالية نوسع مفهوم الدراماتورجيا لكي يتضمن مجموعة واسعة لمجالات جديدة نادرا ما تهتم بتحليل دراما النص نفسه، بل تهتم بالأحرى بالعمليات الإبداعية التي تتضمن عمليات الكتابة أو التدريبات . وقد أصبحت الدراماتورجيا كلمة رنانة، ولكن أصبحت الدراما تعاني من خطر الاختفاء من مجال المسرح . وتسعى هذه المقالة إلى بحث الدراماتورجيا كممارسة تحليلية . ولاسيما أننا نرغب في بحث كيف يرتبط تحليل الدراما، من منظور تاريخي، بمفهوم المسرح . أي أنه يرتبط بالمسرحانية والأدائية . ومن وجهة نظرنا أن النص الدرامي يتضمن عنصر أدائي تأسيسي يتعلق بالأداء المشترك من خلال الممثلين والمتفرجين .
 وفي العقود السابقة، كان هناك تصاعد في عدد الكتب الجديدة عن الدراماتورجيا. علي سبيل المثال، كتاب «الدراماتورجيا: ثورة في المسرحDramaturgy : A revolution in Theater» 2006 تأليف ماري لوكهرست، وكتاب «الدراماتورجيا والأداء Dramaturgy and Performance» 2008 تأليف كاثي تيرنر و سين ك بيرانديت، وكتاب «الاخراج المسرحي والدراماتورجيا Directing and Dramaturgy» 2010 تأليف يوجينو باربا. وكتاب «الدراماتورجيا الجديدة: منظورات عالمية حول النظرية والتطبيق New Dramaturgy :international perspectives on theory and practice» 2014 تأليف كاتالين تيرانسيني وبرناديت كوشارين، وكتاب «دراماتورجيا في المعالجة: دليل المستخدم لممارسي المسرح Dramaturgy in the making :A User’s Guide for Theater Practioners” 2015 تأليف كاتالين تيرانسيني. وبينما تقدم هذه الكتب رؤية جديدة في مهنة الدراماتورج (المعد الدرامي) أو في علم الجمال الأدائي والرقص، فان اهمال الدراماتورجيا كممارسة تحليلية معنية بالنص الدرامي أمر صارخ . وقد جاء مفهوم الدراماتورجيا لكي يؤكد علي ممارسة الدراماتورج (المعد الدرامي) فيما يتعلق بالعمليات الإبداعية .
 ومن المنظور الاسكندنافي، فان الكتب الحديثة حول الدراماتورجيا / تحليل الدراما، مثل كتاب «قراءة الدراما: مقدمة في النظرية والتحليل» تأليف فرود هيلاند وليزابث بيترسن  2011، وكتاب «مقدمة في الدراماتورجيا: المسرح والسينما والتليفزيون» 2006 تأليف مايكل ايفانز، قد فضلوا منظورا أدبيا في الغالب يتجاهل الجوانب الأدائية للنص، أو قدموا مسحا لتاريخ البلاغة كما هو الحال في كتاب «مفاهيم المسرح» تأليف سفين جلادسو وآخرين 2005، 2015.
 وقد كانت الدراماتورجيا كممارسة ومجال تحليلي منذ عدة قرون . وربما أصبحت ممارسة القراءة التحليلية بشكل لا إرادي، بدون إعادة تقويم لخصائصها، جانبا هامشيا من الدراماتورجيا، بينما مجالات التوجه الأحدث أصبحت معتمدة كمجال أدبي يخاطر بتجاوز الجوانب الأدائية والسياق المادي والمشهدي للدراما . والانتباه إلى التركيز الأدبي كان له تأثير الأدوات التحليلية التي تتعلق، علي سبيل المثال، بالجوانب المكانية الأدائية، أو جوانب الفرجة في المسرح التي أصبحت غير مرئية أو مختزلة من منظور القارئ .
 هذا الميل الأدبي له جذور في دراما البورجوازية في القرن التاسع عشر (أو حتى أبعد في كتاب الشعر لأرسطو (عام 330 قبل الميلاد)، حيث تم تصنيف التقديم المرئي أقل أهمية من التراجيديا التي قضت بشكل فعال علي المتفرج من منظورها لصالح الشخصية والدراماتورجيا المتمركزة حول الحبكة . وفي المقال الحالي، سوف نبدأ في استكشاف كيف أن أدائية النص، مع منظور المتفرج، قد اختفيا من الرؤية الدراماتورجية التحليلية، وما هي الطريقة التي يجب أن نتأمل بها مجال تحليل الدراما بالإصرار علي دمج الجوانب البدنية والمكانية والأدائية والإدراكية للنص الدرامي، بينما مازلنا نؤكد السياق التاريخي والمشهدي . ويجب أن تتأمل الدراماتورجيا، باعتبارها ممارسة تحليلية للقراءة والتفسير، النص الدرامي والأداء المسرحي باعتبارها مترابطين داخليا. فالنص الدرامي لا يتعلق ببعد واحد، بل أبعاد متعددة يقدم كل منها نقطة انطلاقه لتناول النص .

ما هي الدراماتورجيا:
 التاريخ الأوروبي للداماتورجيا كان موجودا منذ معرفتنا للدراما المكتوبة . وقد أكد الفهم المتغير لوظيفة الدراما والبلاغة المختلفة علي مفهوم الدراماتورجيا بشكل مختلف . ومع ذلك، يمكن تمييز أربعة تعريفات أو جوانب أساسية للدراماتورجيا .
1) دراسة تركيب وبنية وتأثير الدراما .
2) دراسة تكوين الأداء، بما في ذلك كل من العناصر النصية/الأدبية والعناصر غير النصية مثل الصوت والإضاءة والحركة .. الخ .
3) عملية التشكيل التي تحدث أثناء إبداع العمل الأدائي.
4) الدور المهني، وتحديدا دور الدراماتورج ومجال عمله، بما في ذلك التخطيط للربرتوار والتعاون مع الكاتب المسرحي والمخرج (أو ممارسي المسرح الآخرين) أثناء العملية الإبداعية لتطوير الأعمال من أجل الأداء (الذي يمكن أن يتضمن أيضا ترجمة الأعمال وإعدادها) .
 والقاسم المشترك لكل عناصر الفهم الأربعة هو الآثار المترتبة على عمليات التحليل النقدي . ولا تهتم هذه العمليات فقط بالنص أو الأداء وحدهما، ولكن أيضا تهتم بالسياق والتأطير وتأثير وردود أفعال المشاهدين .
 وفي سياق أوسع، أصبحت الدراماتورجيا مصطلحا تحليليا لترميز أو تنظيم الأحداث الاجتماعية الثقافية غير المؤطرة مثل المسرح أو الفن . والدراماتورجيا قد أصبحت هنا منظورا لتحليل أو تنظيم أشكال التفاعل الاجتماعية الثقافية . وخلال القرنين العشرين والحادي والعشرين، ظهر استخدام أكثر تطبيقا بشكل مجازي، في مجالات مختلفة مثل علم الاجتماع وعلم النفس والأنثروبولوجيا وأيضا في المجال النظري للإدارة والتنظيم  
 ومصطلح دراماتورجيا dramaturgy مشتق من الكلمة اليونانية Dramatourgia والمأخوذة من الكلمتين اليونانيتين «فعل Drama» و«عمل Ergon». وتبعا لذلك، يمكن تفسير الدراماتورجيا باعتبارها « أفعال في العمل» أو «العمل من خلال الأفعال»، وكلما يتضمن الأجسام والحركات والتفاعلات في اطار مكاني .
 في الاستخدام المعاصر لمفهوم الدراماتورجيا، فانه يظل ذا دلالات مختلفة في الثقافات الناطقة بالانجليزية علاوة علي المسرح الأوروبي. فقد استخدم المخرج يوجينو باربا مفهوم الدراماتورجيا بكثافة باستلهام من المخرج السينمائي سيرجي ايزنشتاين، الذي طبق فكرة المونتاج علي مفهوم السجل . وقد عرّف باربا الدراماتورجيا من الموقف الذي يقوم علي الممارسة، الذي يشير إلى مادية الدراما كطبقات للأفعال في الأداء : «كان الأداء بالنسبة لي أيضا كائنا حيا وكان لا بد ألا أميز أجزائه فقط ولكن مستويات تنظيمه أيضا، ثم فيما بعد علاقاتها المتبادلة. الدراماتورجيا إذن، كانت مصطلحا مشابها للتشريح. وقد كان طريقة عملية ليس فقط للعمل علي الكائن في مجموعه، ولكن أيضا علي مختلف الأعضاء والطبقات». ويسمي باربا استراتيجياته التركيبية المتعددة دراماتورجيا الدراماتورجيا»، والتي تتضمن الدراماتورجيا العضوية، والدراماتورجيا السردية، والدراماتورجيا المثيرة للذكريات. وهذا ملحوظ في الأداء، ولكن يمكن تتبعه أيضا في مونتاج أجزاء النص، التي تشكل جزء من التنظيم ككل .
 وتؤكد ماري لوكهرست أن الدراماتورجيا أيضا لها علاقة بالنص والكتابة : «في المعجم اليوناني ليدل وسكوت، فان الاسم dramaturgia هو مدخل فرعي تحت الفعل» يكتب نصا في الشكل الدرامي Dramatourg-eo»، «تكوين الدراما dramatopoia؛ و«والشاعر الدرامي dramato-poios». ورغم ذلك، في حين أن الدراماتورج (المعد الدرامي) قد يكون وفقا لذلك «قارئ للمسرحيات ومستشار وخبير في النصوص وناقد يعمل في شراكة مع المخرج والمؤلف ... ومقبول كجزء لا يتجزأ من صناعة المسرح، وهي ممارسة تحليلية درامية تدمج الأبعاد الثلاثة للأفعال العاملة  في تحليل النص ولا تزال قيد التطور . وتتضح الهوة بين النص والأداء في المعنيين اللذان قدمهما ملخص هيرست للدراما . الأول، كما تقول، يرتبط بالبنية الداخلية لنص المسرحية ويختص بترتيب العناصر الشكلية بواسطة الكاتب المسرحي – الحبكة، وبناء السرد، والشخصية، وإطار الزمن، وفعل خشبة المسرح . ويرتبط الآخر بالعناصر الخارجية المرتبطة بالتقديم علي خشبة المسرح، والمفهوم الفني الكلي فيما وراء التقديم علي خشبة المسرح، وسياسات الأداء، والمراوغة المحسوبة في استجابة المشاهدين ( ومن ثم الارتباط بالخداع ) . وتلاحظ بأن هذا المعنى الثاني يميز تفسير النص من خلال الأشخاص المعروفين بأنهم مخرجين، بأنه القراءة الأساسية للنص والتلاعب به في مسرح متعدد الأبعاد . بوضوح، يشمل هذا الفعل التفسيري إبداع جماليات الأداء وعلي هذا النحو يدعم الإطار النظري لأي عدد من المسرحيات . وتدل ملاحظات لوكهرست علي الفكرة السائدة بأن نص الدراما والأداء المسرحي علي خلاف مع بعضهما البعض بطبيعتهما . كما عبر عنه هانز سيز ليمان بقوله : « المسرح والدراما موجودان وسوف يظلا موجودين، في علاقة تناقض يمزقها التوتر « . وهذا التناقض مصطنع من منظورنا رغم ذلك . إذ يسعى ليمان الى حل هذا التناقض من منظور الأداء . فبالنسبة الى ليمان، يصف المسرح بعد الدرامي الحضور أكثر مما يصف التقديم، الذي حدث منذ الستينيات في أعمال جرترود شتاين باعتبارها أحد أسلاف هذا النوع من الكتابة . ونزعم بأن إمكانات وظروف الأداء موجودة في نص الدراما، وكذلك فيما يسمى المسرح المرتكز علي النص . ويجب أن يسعى التوجه الجديد للدراماتورجيا باعتبارها ممارسة تحليلية إلى تجاوز هذا التنافر بين النص والأداء خشية أن يصبح مقيدا، ليس فقط بسبب طريقة تفسير الدراما، ولكن أيضا بسبب طريقة كتابة الدراما . ولكن لماذا أصبح هذا التنافر مسيطرا ؟

الدراماتورجيا بين النص والأداء – منظور تعاقبي :
 يعد كتاب أرسطو « فن الشعر poetics « ( عام 335 -323 بعد الميلاد) هو أشهر أصول الدراماتورجيا في العالم . وتكمن بؤرة تركيزه على بنية الدراما المكتوبة فضلا عن الأداء، وبشكل أكثر تحديدا، علي التراجيديا المثالية . ونهج أرسطو في هذا الكتاب علميا هو نهج وصفي ومعياري . فالكتاب يدافع عن مسرحية تتابعية عرّضية، بدون أي حبكة فرعية غير ضرورية، تتقدم نحو حل اللغز أو العقدة ( حل العقدة أو توحيدها ) التي تم اعداها في بداية الحبكة . وقد عدل الدراماتورجيا الأرسطية أنصار النزعة الانسانية في عصر النهضة ( مثل لودوفيكو كاستيلفيترو 1505-1571)  والكلاسيكيين الفرنسيين ( مثل فرانسوا هيدلن، وآبيه دا أوبيناك 1606-1676، ونيكولاس بويو  1603-1711) علاوة علي دراماتورجيا البورجوازية في القرن الثامن عشر، والمسرحية جيدة الصنع والمسرح الواقعي . وقد وضع مبدأ « الوحدات الثلاثة «، الذي لم يكن مبدأ أرسطيا، بل بل تفسير تاريخي في السياق المطلق، الأساس لما سُمي فيما بعد الدراماتورجيا التتابعية .
     علي عكس هذه التقاليد نجد ما يُسمى الدراماتورجيا الدائرية أو الترابطية والتي كانت موجودة طوال التاريخ بشكل ملموس مع السرديات التتابعية . ومنذ القرن العشرين، كان المقاوم الرئيسي للدراماتورجيا الأرسطية هو برتولت بريخت . وقد أكد بريخت في دراسته « ملاحظات حول صعود وهبوط الأوبرا في مدينة ماهوجني « علي الانقسام الأرسطي والأرسطي المضاد، باعتباره مساويا للدرامي في مقابل شكل المسرح الملحمي . وبالنسبة لبريخت، لم يعد هناك تناقض بين الشكل والمضمون . وقد فضل بريخت الوظيفة (هدف العمل ) علي الشكل وتحدى مفهوم المحاكاة . وقد أكمل ما يسمى الاغتراب العمل ككل، وهذا يعني في النهاية أن الدراماتورجيا البريختية لم تكن مسألة أشكال درامية أو ملحمية .
     وقد كان كل من أرسطو وبريخت حساسين تجاه السياق الأدائي للنص وتأثيره علي المتلقي بمفهومهما للتطهير والاغتراب علي التوالي . ولذلك فان تكامل النص والأداء أساسي النظريات الدراماتورجية الأساسية . وبالمثل، فان رائد عمل الدراماتورج ( االمعد الدرامي ) هو جوتولد افرايم ليسينج، قد وصف الممارسة النقدية للدراماتورجيا باعتبارها تتضمن وجهة نظر أدبية وعملية، كما عرّف مهنة الممثل بأنه في منتصف الطريق بين الفنون التشكيلية والشعر، في كتابه « الفن الدرامي في هامبورج  Hamburg Dramaturgy « . ويشير تيرنر وبهرانت، بالاشارة الى يوجينو باربا وهانز ثيز ليمان، الدراماتورجيا الأدائية أو ما بعد الدرامية باعتبار أنها تنطوي علي التحول من منطق تركيبي يقوم على أولوية النص، إلى منطق لا يمكن افتراض هذه الأولوية بموجبه، بحيث تكون العناصر الأخرى ( البصرية والصوتية والجسدية ) متساوية في الأهمية أو مهيمنة . ويمكن أن يشير تفسير تيرنر وبهرانت الى تحول مستمد من تخصيص الدراماتورجيا فضلا عن أنه مستمد من تعريف ملامح الدراماتورجيا .
     وقد يكون مع جوستاف فريتاج في كتابه « تقنية الدراما Technique of Drama” (1863) أن المتفرج بدأ يختفي، إن جاز التعبير، من تحليل الدراما ومن المنظور الدراماتورجي . ويوضح نموذج فرايتاج الدرامي المؤثر جدا تفاصيل سعود وهبوط الفعل والصراع بين البطل والبطل المضاد . ففي عصره، استجاب  نموذجه الهرمي الى الفعالية الاقتصادية للتصنيع واستجاب أيضا الى الرواية التكوينية الواقعية في القرن التاسع عشر . وعلي قبيل السخرية والمفارقة، أن يتزامن اختفاء المتفرج مع اختفاء المخرج المسرحي المحترف وظهور مفهوم الميزانسين . ومن المفارقات أيضا أن حضور القارئ كمتفرج فيذلك الوقت كان مرئيا في الدراما . ومنذ عصر التنوير، الذي استمر حتى القرن التاسع عشر، كان نشر النص الدرامي ممارسة شائعة قبل تقديم الأداء علي خشبة المسرح . ونتيجة لذلك كان القارئ المتفرج المتخيل الذي تقوده إرشادات خشبة المسرح، لم يكن حاضرا في المسرح لكي يكتشف الحبكة، بل لاختبار كيفية تحقيق الدراما من خلال الاتصال المباشر مع الجمهور .
     وبعد بضعة عقود، تأثر تأسيس الدراسات المسرحية من قبل ماكس هيرمان بانقطاع دراسات الدراما والمسرح . فأصبحت الدراما والمسرح مجالا تاريخيا . وفي الممارسة العلمية اللاحقة، يبدو أن تحليل الدراما قد اتبع المدرستين الشكلية والنقد الجديد، بينما تولى مجال الأداء مقاليد الأمور من السيميوطيقا والفينومينولوجيا .
     وقد كانت أطروحة الدكتوراه التي حصل عليها عالم الأدب المجري الألماني بيتر سوندي، والتي كانت بعنوان « نظرية الدراما الحديثة ( عام 1956) هي المرجع الرئيسي للمتخصصين في النظرية الأدبية والدراماتورجية . ومن خلال التدقيق في موقف هيجل من العلاقة بين الشكل والمضمون، خلص سوندي الى أن الدراما الحديثة من حيث التكوين والسرد قد انهارات ووجدت نفسها في أزمة . وتركزت هذه الأزمة، وفقا لسوندي، في العلاقات بين الشخصية داخل الدراما، والتي استبُدلت بنقيضها كما نراه من خارج الدراما . وتحولت طبيعة المواجهة في الدراما الى مواجهة من خلال الدراما ومن خلال النظرة الملحمية . واقترح سوندي حلولا لهذه الأزمة من خلال تقديم عدد من المقاربات الدراماتورجية الشكلية التي ركزت علي  تراث ستريندبرج المتعلق بالدراماتورجيا الرمزية المبتكرة في مسرحيته «لعبة الحلم Dream Play»، وطبق عليها مؤلفات كتاب المسرح المعاصرين بشكل أساسي . وقد أدت محاولة سوندي في النهاية الى استراتيجيات قراءة مفاهيمية، وقد أتاحت لنا هذه الاستراتيجية، في المقام الأول، أن نبدأ خطابا جديدا في تحليل الدراما .
 طريقة سوندي التحليلية الشارحة في التطبيق الدراماتورجي علي الأشكال الدرامية كأدوات للدراما التحليلية مفتوحة أمام الدراماتورجيا غير التتابعية مثل دراما العبث . ومع ذلك، تعد الدراما، في هذه المقاربات المطلقة نظريا، مطلقة بالنسبة للمتفرج . وتدين قراءة ستيف جيلز النقدية لسوندي قصر بعد مشاركة المتفرج باعتباره جزء من مفهوم سوندي للدراما : الكلمات في الدراما ليست موجهة للمتفرج . فالمتفرج يشاهد العرض الدرامي في صمت، مشلول بانطباع العالم الثاني . ومع ذلك قد سوندي مسارا لمقاربات من أجل ابتكار المسرح ما بعد الدرامي والمسرح البصري منذ الستينيات وحتى الآن المرتبطة بما يسمى الدراماتورجيا البصرية للعناصر المسرحية .
     وبعدة طرق، وللعودة الى ليمان، يستمر « المسرح بعد الدرامي « حيث انتهى سوندي . وبالنسبة إلى ليمان، فان دعم سوندي للانقسام الأرسطي مقابل اللاأرسطي يحافظ علي فهم الدراما باعتبارها أدبا . وبدلا من ذلك يصر ليمان عل المسرح باعتباره أداء : « علي العكس من ذلك، يمكن القول ان المسرح الذي، علي حد تعبير سوندي، انسحب تماما خلف الحائط الرابع، والذي يسمح بإجراء اتصال حواري يعمل بسلاسة هناك، يمكن القول انه يمنع الاتصال في المسرح « . ويميز التناقض بين الفهمين حجة أن المسرح والدراما أصبحا منفصلين في النصف الثاني من القرن العشرين . وحجتنا أننا يمكن أن نستخدم نموذجي سوندي وليمان لتجاوز هذا الانفصال، وتحديدا من خلال فهمهما بشكل مستقل بأنهما الأداء في الدراما . فقد أدت سيادة الدراماتورجيا الأرسطية، أو بشكل أكثر تحديدا، التعديل المعياري لها، كنقطة مرجعية رئيسية، الى إعاقة التناول الدراماتورجي المبتكر للنص الدرامي . اذ يبدو الأمر وكأن كل ما يلي التراجيديا في اليونان القديمة هو (أرسطو – س ) . وبنفس القدر من التثبيط، وكما هو سائد تماما، هناك مفهوم بريخت باعتباره أبا الدراما الملحمية، وفكرة ما بعد الدراما كشكل وحيد من الدراما التي تتضمن الدراماتورجيا متعددة الوسائط .
................................................................................
• نشرت هذه المقالة في Nordic Theater Studies
Vol 30 , No 2 , 2018 – pages 22-39
• أولا كالينباش تعمل أستاذا في دراسات المسرح بجامعة بيرجن في النرويج
• أنيليز كولمان تعمل أستاذا للمسرح والدراماتورجيا والأداء بجامعة أرهاوس بالنرويج .


ترجمة أحمد عبد الفتاح