أساليب الأداء المسرحي وقيوده(2-2)

أساليب الأداء المسرحي  وقيوده(2-2)

العدد 771 صدر بتاريخ 6يونيو2022

 شيء أقوله لك Something to Tell you
تأخذ الفرقة كل كلمة في نص إبسن ثم يعيدون كتابته كجملة يستطيع أن عضو من الفرقة بصدق أمام المشاهدين وهو يواجههم. تجعل الفرقة أغلب الجمل بسيطة وتوضيحية. ويكتبونها كجمل شرطية تكون عددا محددا من المقاطع الرئيسية. تفكر الفرقة في الأماكن التي يمكن تكرار نفس الجملة فيها من أجل التأثير السمعي الممتع، تقرر الفرقة من يقول أي الجمل، ويضعون في أذهانهم أن كل جملة يمكن أن تقال أكثر من واحد منهم. وتعمل الفرقة الآن علي النماذج الإيقاعية والدينامية، ويستمعون معا إلى كمية كبيرة من موسيقي الروك أندرول والجاز، ويهتمون بالنماذج الإيقاعية وفرص السخرية الموسيقية في نصهم، ترتب الفرقة النص الناتج للأداء باستخدام شكل موسيقي صريح، تتدرب الفرقة مع المؤدين بهدف خلق نوع من الخبرة الصوتية التي نحصل عليها من الموسيقى. 
 هذه الدرجة من الحالات، التي أقترح أن نسميها «شيء أقوله لك» يتم حذفها من عرض «هيدا إلى هيدا» أكثر من عرض «احتراق طفل». أحد علامات الفرق بين هذا النوع من العروض والحالات السابقة هو حقيقة أن شروط الأداء المسرحي يتم الإشارة إليها صراحة داخل العرض نفسه. وقد قمت بتنميط هذه المجموعة من الحالات في العرض المسرحي ذاتي الإشارة المذكور في افتتاحية نص « اهانة المشاهدين Offending the Adiences» تأليف « بيتر هاندكه Peter Handke «. ومن المفيد أن نعرف أن هذا الجزء من الافتتاحية هو وصف لما يفعله وما لا يفعله المؤدون في هذا العمل، وهو أيضا جزء من العمل الذي يعرض. وها هو جزء من هذه الافتتاحية : 
 «نتحدث إليكم مباشرة. لم يتحرك حوارنا بعد إلي الزاوية الملائمة لنظرتك لم تعودوا الآن متجاهلين. ولن تعاملوا كمقاطعين فحسب .. فلا يوجد كلام جانبي هنا. ولن نخرج عن المسرحية لكي نتوجه إليك. ولا حاجــة لنا في الإيهام لكي نحــررك من الوهــم. ولن نعــرض لك شيــئا. ولا نلعب علي الأقدار. ولا نلعب علي الأحلام. وهذا ليس تقريرا واقعيا. وليس مسرحية تسجيلية. وليست شريحة من الحياة. ولا نحكي لكم قصة. ولا نؤدي أيــة أحداث. ولن نقلد أي حدث، ولن نمثل أي شيء. ولن نفعل أي شيء مــن أجلك. فنحن نتحدث فقط ونؤدي من خلال مخاطبتك» عرض «شيء أقوله لك» هو طريقة في تخيل استخدام نص «هيدا جابلر» لكي نعكس أسلوب مسرحية هاندكه «إهانة المشاهدين». وبالطبع سوف تكون أفكارها بعيدة عن أفكار نص إبسن. 
مسدسات وأبواب أخرى :
 تسرد الفرقة كل الجمل وأجزاء الجمل في مسرحية «هيدا جابلر» وتضع لها أرقاما، ثم تختار ترتيب ظهورها في النص باستخدام أسلوب عشوائي. والفرقة غير مستعدة للاعتماد علي الترتيب التصادفي تماما : ولذلك يقومون بكتابة النص الناتج، ويبحثون عن سبل تعزيز التأثيرات الإيقاعية، ويلعبون علي الكلمات، مع مزيج من هراء صوتي مثير للاهتمام، ولغة علي حافة المعني تتطاير عندئذ في كل الاتجاهات. وقبل التدريبات تبدأ العملية، تتناقش الفرقة وتقرر التركيز علي فكرة ضمنية، وهي تحديدا مخاطر العبثية في أي مغامرة محسوسة. وأداء هذه الفرقة، مثل حالات الأداء في عرض «شيء أقوله لك»، يهدف إلى خلق مؤثرات صوتية. ولكن تهدف الفرقة أيضا إلى توليد مؤثرات بصرية تؤكد أحيانا لحظات تقديم المعنى الفعلية كما ترد في النص وأحيانا تهدمها. وتختار الفكرة أن تبتكر نظاما يمزج الرقص وأساليب الحركة المسرحية التقليدية، ويفعلون هذا لأسباب تتعلق بالبنية الكلية والموضوعات التي يرغبون أن يعبر عنها العمل. وفي النهاية، يبدو أن أسلوب الأداء يدين إلى أسلوب الرقص أكثر من مماسات الحدث المسرحي التقليدي. 
 وكما يلاحظ مايكل كيربي، أساليب المسرح التي تدين لجروتوفسكي والمسرح المفتوح – مبالغ فيهما هنا في عرض « الجمال التلقائي «، أما عرض « احتراق طفل « وبدرجة أقل عرض « شيء أقوله لك « – فقد هيمنا علي الطليعة المسرحية. من المهم أن يكون لدينا مثالا لشكل الأداء المسرحي الذي تم تهميشه، حتى لو كان في عروض الطليعة. ولهذا السبب نتخيل الطبقة المثالية من الحالات التي أقترح أن نسميها « مسدسات وأبواب أخرى «. فهذه الحالة المثالية الأخيرة يتم استحضارها لكي تعكس الحقائق اكتشفت، في أوائل القرن العشرين، عند جرترود شتاين وتريستيان تزارا وفناني الأداء السيريليين والداديين، أساليب عرض « مسدسات وأبواب أخرى» لصياغة نصوص للأداء المسرحي، كما أنه في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، استخدم يوجين يونسكو بعضا من نفس هذه الأساليب، حتى لو كان ذلك لأهداف أخرى. 
تنويعات أخرى علي الأداء المسرحي : 
 تلفت كل هذه الأمثلة الانتباه إلى المؤدي المشارك بأسلوب ما في الأداء المسرحي. ويستدعي عرض « من هيدا إلى هيدا « عددا من أساليب التمثيل المختلفة والاستراتيجيات التي يكون أغلبها تنويعات علي مقاربات أحادية المسار أو ثنائية المسار للأدوار. وحالات مثل عرض « جابلر عن بعد « الذي يتضمن تحليلات وعروض بريختية تحتاج استراتيجيات تمثيل من نوع مختلف. وعرض « شيء أقوله لك» والعروض الأخرى يستدعيان تغييرات جذرية في تناول المؤدين للأداء أيضا. 
 ولكن التفاعل بين المؤدين والمشاهدين ليس هو كل ما يدور في الأداء المسرحي، ورغم أن هذا التفاعل ربما يكون مركزيا بالنسبة للظواهر التي نود أن ندرسها. لذلك سوف ألخص هذه الجولة في هذا المجال بثلاثة أمثلة توسع رؤيتنا لتشمل الصور الأخرى لما يدخل في الأداء المسرحي. 
 في المثالين الأولين، المهم مسرحيا هو الإضاءة، والأصوات والمساحات الخالية. فكل من هذين العملين ابتكرا وفقا للحركة المستقبلية الايطالية في بداية القرن العشرين. والأهم من ذلك هو أن كل أداء منهما لا يتعلق بمؤدين يجسدون أي شيء. ففي كل توليفات المسرح الحديث التي قدمها فرانشيكو كانجيلو Francesco Cangiullo)، تفتح الستارة لي تكشف اقتراحا لمفترق طرق علي خشبة مسرح عارية من أي ديكور. وبعد فترة صمت طويلة نسمع طلقة مسدس، فيسدل الستار. ومع ألوان فورتيوناتو ديبرو Fortunato Depro تفتح الستارة لكي تكشف عن أربعة أشكال هندسية صلبة بأربعة ألوان مختلفة. وبينما يتم إصدار صوت صفير من المؤدين وهم يتحدثون في ميكرفونات خارج خشبة المسرح – كل كائن يلمع ويرتجف. وعندما تتوقف الأصوات، تسدل الستارة. 
 بالنسبة للمثال الثالث، تأمل الملحوظة المنسوبة إلي جروتوفسكي : « في مسرحنا، عرق الممثلين هو ماكياجهم». تقدم الكتب الأساسية عن المكياج هذه الصورة لفن الماكياج باعتبارها تهدف إلي جعل التعبيرات مرئية بشكل أكثر سهولة في دور المسرح الكبيرة أو عند ابتكار شيء مثل الأقنعة المتحركة للشخصية – مثل، استخدام الماكياج لتغيير تقدم العمر الواضح علي الممثل أو الأطراف الصناعية لتغيير شكل وجه الممثل. وفي ضوء قصة الاستخدام المعياري للماكياج، فربما يتم تناول ملحوظة جروتوفسكي باعتبارها تعبير يتسم بالغلو في رفضه لتنكر ممثليه، لإخفاء ملامحهم. ولكن أيا كان قصده، فيبدو أن لديه شيء في ذهنه يمكن الاعتماد عليه باعتباره اكتشاف في المسرح لأحد وسائل المسرح. 
 ويمكن أن تمتد الانعكاسات الذاتية الوعي عن وسائل المسرح إلى الملابس وإعداد المشاهد والأدوات. ولا داعي لأن ننظر ابعد من الاستفزازات المستقبلية لإيجاد أمثلة. بالطبع لقد أصبح ذلك شيئا له أساس في المسرح المعاصر أن نتلاعب بالطريقة التي تعزز بها الملابس والمشاهد والأدوات ملامح الأداء لكي تساهم في أهداف الفرقة. وتأمل الفرق بين أي عرض لنص أجاثا كريستي الذي تم تقديمه إعداد المشهد في مسرح العلبة القياسي والأدوات الواقعية (البنادق والأوشحة والخطابات والخزائن ورقع الشطرنج) وعرض لنفس النص، يجرى علي عدد من المستويات والسلالم المدعومة بإضاءة أرضية، حيث يؤدي الممثلين عملهم الذي يتعلق بالأدوات. وربنا يسأل شخص لماذا يجب أن يتم هذا ويتساءل ما نوع الهدف التفسيري الذي يمكن يؤكد هذه الاختيارات. ولكن الفكرة هي أنها يمكن أن تحدث. وربما نصبح أكثر ألفة مع اكتشاف الوسائل المسرحية التي لا نتساءل أنها حدثت، ولكن لماذا حدثت فقط. 
2-3- ثلاث حقائق عامة حول العروض المسرحية والقيود التي تفرضها علي أي تقويم ناجح للعروض المسرحية : 
التحليل الذي أقدمه يتشكل لكي يتوافق مع ثلاث حقائق واضحة عن العروض المسرحية. وتلك الحقائق الثلاث هي :
 (1) الأداء المسرحي شكل فني اجتماعي. 
(2) يميل المؤدون والمشاهدون إلى التفاعل بشروط معيارية يرى من خلالها الأداء المسرحي. 
(3) الأداء المسرحي هو شكل فني زماني. 
 الأداء المسرحي شكل فني اجتماعي : 
 يتعلق المسرح بالتجمع العام. فهو يحدث في الأماكن العامة، الأماكن المخصصة اجتماعيا لعروضه. وكلمة « جمهور»، كما تستخدم في المواقع المألوفة تعني « مشاهدي الفن «، لا تعني بالضرورة التجمعات الفعلية للناس. ولكن عندما تستخدم بالقياس إلى المسرح فإنها تعني ذلك. المسرح بطبيعته هو فعالية اجتماعية. 
 يبدو أن مقولة إن المسرح يجب أن يتعلق بتجمع الناس متوافقة مع الزعم بأن الأداء المسرحي ربما يحدث بمشاركة بضعة متفرجين، بمتفرج واحد، أو بدون متفرجين علي الإطلاق. لأن المقولة تؤكد شيئا مثلما تتعلق خاصية الميول بالمفارقة بين ممارسة المسرح وممارسات فنون الأداء الأخرى. 
 يمكن أن تظهر الطبيعة الدقيقة للخاصية بواسطة ملاحظة التمييز بين ممارسات المشاهدين وممارسات غير المشاهدين. فممارسة المشاهدين هي توصيل فعالية تحتاج مستوى من المهارة في تنفيذها مع رؤية لتقديم الفعالية لآخرين، أو بعض ملامحها، أو نتائجها للمشاهد. وممارسة غير المشاهد هي توصيل فعالية تحتاج أيضا إلى مستوى ما من المهارة لتنفيذها مع رؤية لتحقيق الفعالية، وبعض ملامحها ونتائجها، ولكت بدون رؤية لتقديمها للآخرين. 
 ويمكن ملاحظة ممارسة غير المشاهد في عزف الموسيقى بواسطة المشاهد. إذ يمكن أن يسمع المارة مجموعة من الموسيقيين وهم يعزفون لأنفسهم. وربما يتم الاستماع إلي هذه الموسيقى بواسطة هؤلاء المارة بنفس نوع الانتباه والمتعة وكأنهم ذهبوا إلى قاعة موسيقي لكي يسمعوا أدائها. وهذا لا ينقل بذاته ممارسة غير المشاهدين للموسيقيين إلى المشاهدين الممارسين لسماع عزف الموسيقى. وبالمثل، ربما يشعر مجموعة من الموسيقيين علي خشبة المسرح أمام المشاهدين الذين دفعوا ثمن التذاكر لكي يسمعوهم، أنهم يعزفون لنفسهم فقط، ولكن هذا لا ينقل فعاليتهم إلى ممارسة غير المشاهد. 
 الفكرة هي أنه بينما يمكن أن يكون لعزف الموسيقى والرقص شكل لممارسة المشاهدين وغير المشاهدين، فان الأداء المسرحي ليس له شكل ممارسة لغير المشاهدين. ومقولة أن المسرح يتعلق أساسا بتجمع الناس، لم تأت إلا للمطالبة بأنه لا توجد ممارسات مشتركة بين غير المشاهدين معترف بها مثل تقديم المسرح. 
 وربما يعترض البعض بأن ألعاب التظاهر يمكن أن تعد ممارسة للمسرح من جانب غير المشاهدين. وفيما يتعلق بالتظاهر، أو الميل للمشاركة في التظاهر، هو ضمن المكونات الخام في الطبيعة الإنسانية التي تستخدم في مهنة المسرح. ولكن، في حين أننا لا نتردد في أن نعتبر الناس الموجودين في حفلة، وهم يغنون ويرقصون مثلا، وعندما يشارك الأطفال في ألعاب التظاهر لا نعتقد أنهم يقدمون المسرح، ولكنهم ينفذون فعالية لأنفسهم فقط. 
 أي اعتبار للأداء المسرحي، ولاسيما الأداء الذي يتعامل معه كشكل فني، يجب أن يكون مقيدا بحقيقة أن هناك ممارسة لغير المشاهدين للمسرح. ويجب أن توضح وتفسر الطبيعة الاجتماعية للمسرح. 
يميل المؤدون والمشاهدون إلى التفاعل بشرط أن تكون العروض المسرحية مشاهدة :
المسرح تقليد اجتماعي بمعنى آخر. ومن المعروف أن المؤدين والمشاهدين يتفاعلون في سياق الأداء. فالمشاهدون يشاهدون ويسمعون ويتفاعلون مع المؤدين. ويشكل المؤدون ما يفعلونه من خلال رؤية حقيقة أن المشاهدين سوف يشاهدونهم. والمؤدون أيضا يميلون إلى تعديل ما يفعلون استجابة لردود أفعال المشاهدين. 
 وقد نميل إلى الاعتراف بهذا ونظل نفكر في تحليل دوافع المؤدين والمشاهدين في إطار مستقل ثم نتأملهم مسخرين وموجودين لاستخدام التقاليد الاجتماعية للمسرح. فمثلا، ربما نعتقد أن الآلية التي يتلقى بها المشاهدين ما يقدم لهم تنشأ من المشاهدة فحسب فالاستماع والفهم، والمشاهدة والميل للتفاعل مع المؤدين خارج عن الآلية التي يفُهم بها المضمون. ويمكن أن نعتقد أن الآلية التي يقدم بها المؤدون ما يتلقاه المشاهدون ليست أكثر من تشكيل ما يفعلونه، وأن معرفتهم أنهم سوف يكون عرضة للمشاهدة والاستماع ويستجيبون لردود فعل المشاهدين بالطبع هو خارجي عن الآلية التي يلقون بها أدائهم. 
 تنشأ المشكلات إذا كانت هذه هي الحكايات التي نميل إلى تقديمها. أولا، مشاهدة المؤدين والاستماع إليهم هو تفاعل معهم. ولذلك، لابد لنا فعلا أن نضبط الحكاية أولا. ويمكننا أن نسعى إلى التمييز بين التفاعل مع المؤدين عندما تكون تلك هي الوسيلة التي يتم يٌفهم بها المضمون ويتم التفاعل مع المؤدين عندما لا توجد وسيلة يمكن بها فهم المضمون. وهذا يبدو صحيحا بالقدر الكافي. افرض أن هناك مؤدي التفت لكي يعطس بشكل ظاهري، ثم ينظر إلى بعض المشاهدين مباشرة ويبتسم. إذا انتظر بعض المشاهدين عرضا من نوع « هيدا إلى هيدا «، فإنهم من المحتمل أن يتفاعلوا مع هذا باعتباره سهوا عن المضمون، ثم من المحتمل أن أن ينسوا المضمون بالتفاعل مع المؤدي في تلك اللحظة. فهل كان يجب أن نسألهم عن ما رأوه وسمعوه في كلتا الحالتين، ويمكن أن يقدم المتلقون نفس الإجابة : التفت المؤدي لكي يعطس ظاهريا، أثناء النظر المباشر والابتسامة لبعض المشاهدين. ولذل، نود أن نقول إن الفرق هو مسألة كيف تفاعل المشاهدون مع المؤدي. والمشكلة هي أننا عندما نحاول أن نجعل ذلك التمييز دقيقا، فانه يهددنا بأن يصبح ادعاء دائري : فالتفاعل مع المؤدين هو الوسيلة التي يفهم بها المشاهدون المضمون في حالة ما إذا كان نوع التفاعل مع المؤدين يسمح لهم بفهم المضمون. 
 ثانيا، لا يميل المؤدون إلى التفكير في ميلهم للاستجابة إلى ردود أفعال المشاهدين باعتبارها خارجة عن مهنتهم. بالطبع يفكر بعضهم فيها باعتبارها أحد الأمور الأساسية التي تتعامل معها المهنة. وربما يبدو هذا متوافقا مع تأمل الميل باعتباره تسلية محتملة. فعلي سبيل المثال، إذا فكرنا فيما يفعله المؤدون باعتباره مسألة محاكاة أو تظاهر بشكل أساسي، فحقيقة أنهم يستجيبون لردود أفعال المشاهدين لن يكون أكثر من مجرد تسلية. ولكننا سوف نواجه صعوبة أن نشرح بالضبط ما يفعله المؤدون في المشهد في المشهد الذي وصفناه : فالالتفات إلى مشاهد والعطس بتفاخر يبدو أنه يحتاج إلى إدراك أن المشاهدين سوف يتفاعلون. ولذلك حقيقة أن المؤدين يستجيبون إلى هذا النوع من رد الفعل يبدو أنه صورة مركزية للقصة التي نحكيها عن ما يحدث في الأداء. 
 وسوف أوضح فيما بعد بديهية ما معنى الحضور أمام إنسان آخر. وسوف أحلل ظاهرة الحضور وأقترح أنها القصة الضمنية فيما يتعلق بما يحدث بين المؤدين والمشاهدين في الأداء المسرحي. 
 يبدو أن بعض نظريات المسرح التقليدية تستمد السلطة من فكرة أن ما يتناولوه علي أنه الآلية الإنسانية الضمنية في الأداء، والتي يميزونها بأنها محاكاة أو تظاهر هي طبيعية تماما. وبالطبع، المحاكاة والتظاهر هما دافعان طبيعيان. والدوافع الأخيرة، رغم ذلك، هي دوافع اجتماعية أصلا بالطريقة التي تجعل الأولي لا داعي لأن توجد. فنحن نستطيع أن نقلد الذئب دون أن نتوقع أن يشاهدنا إنسان أخر. وعلي هذا الاعتبار فان التقاليد الاجتماعية للمسرح ليست موضوعة علي قمة أكثر المواد الأساسية مستمدة من الدوافع الفردية، ورغم ذلك، فهي مشروع اجتماعي ينشأ من دوافع طبيعية ولكنها دوافع اجتماعية. 
الأداء المسرحي شكل فني زماني : 
تحتاج العروض المسرحية زمنا لتقديمها. وتحتاج الزمن لتلقيها. والزمن الذي يتلقى فيه المشاهدون الأداء المسرحي هو نفس زمن تقديمه. 
 تتكون العروض المسرحية من أحداث مرتبة في تتابع. ولا داعي لأن يكون تتابع الأحداث الذي يؤدي به عرضا مسرحيا بعينه هو نفسه من أداء إلى آخر. ونستطيع أن نتخيل عرضا ترقم فيه المشاهد، وعند الوصول إلى كل ليلية عرض، تستقر الفرقة علي ترتيب للمشاهد بسحب الأرقام المطابقة للمشاهد من قبعة. وبشكل واضح، يمكن أن تكون ليلة اداء العرض مختلفة عن كل ليلة أداء أخرى. وكما هو واضح، رغم ذلك، سوف يتم ترتيب كل ليلة أداء وتمارس بواسطة المشاهدين بهذا الترتيب المحدد، حتى لوكان الترتيب تم اختياره عشوائيا في عموم الأداء. 
 في كل هذه الاعتبارات، ربما يقال إن الأداء المسرحي شكل فني زماني. وهاهو شيء آخر، اللحظة المستقلة في الأداء المسرحي « شريحة المدى الزمني صفر zero duration time slice، لا تعد عادة شيئا في الأداء الذي يجب أن يمارس لذاته. فالأداء المسرحي يمكن تصويره سينمائيا، ونتيجة لذلك، لحظات منفردة لمشاهد مستقلة يمكن ملاحظتها وتذوقها بذاتها. ولكنها يمكن أن تجمد لقطات فيلم الأداء، وليس الأجزاء اللا زمنية الممتدة في الأداء لملاحظتها لذاتها، لا يوجد شيء يتطابق مع هذا الوصف في العرض المسرحي. وهذا لا يعني أن ننكر أن المؤدين يستطيعون إيقاف الحدث في المسرحية ويسمحون لشيء أن يسجل مع المشاهدين. مثل هذه اللقطات الجامدة إذا أردنا أن نسميها كذلك، ليست فقط ممكنة، بل ربما تكون أجزاء مؤثرة جدا. ولكنها تقدم أو تمارس باعتبارها لحظات تفهم في ذاتها بمعزل عن باقي تتابع الأحداث المكونة للأداء. وبالطبع قيمتها كأجزاء من المسرح سوف تمارس بدقة بسبب علاقتها وتباينها مع التذكير بالأحداث. 
 وهناك ميزتان أخرتان للأداء المسرحي تتبعان ما سبق. أولا، لا رجوع في الأداء المسرحي ونتناوله ككل في مشاهدة واحدة. ثانيا، ولا يوجد رجوع إلى الخلف وتقدم إلى الأمام خلال الأداء لفحص إذا كان أحدها صحيحا في المرة الأولي، لكي نذكر أنفسنا من هي الشخصية الحاضرة أمامنا أو أن نكتشف ماذا سيحدث لها فيما بعد. 
 الإشارة إلى هذه الممارسات والطاقات والسمات لما يمكن أن نفعله مع الأفلام والروايات وليس ما نفعله مع العروض المسرحية، ربما يعتقد أنه مفيد في تمييز الأداء المسرحي عن أشكال الفن الأخرى. ولن أقدم رأي فيما يتعلق لهذا. وأركز علي هذه الممارسات لصياغة قيد للأي اعتبار للآلية التي يفهم بها المشاهدون العروض المسرحية. ومهما كانت الآليات فإننا نفترض أنها يجب أن تكون ممكنة عمليا في ظل قيد أن الأداء المسرحي هو فن زماني بالطرق التي وصفتها. 
............................................................................................
• هذه المقالة هي الفصل الثالث من كتاب «فن المسرح The Art of Theater» الذي نشر في Blackwell Publishing 2007. وقد سبق أن قدمت مسرحنا عددا من الدراسات لنفس المؤلف كما سبق التعريف به.


ترجمة أحمد عبد الفتاح