العراق.. وعودة مهرجاناته المسرحية

العراق.. وعودة مهرجاناته المسرحية

العدد 763 صدر بتاريخ 11أبريل2022

 المسرح العراقي:
العراق بلاد الرافدين (نهري دجلة والفرات) بلد حضارة أصيلة، ووطن مسرح ريادي ومتميز، وهو من أوائل الدول الشقيقة بالوطن العربي التي حملت شعلة الفن المسرحي منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر. ويعد الرائد المسرحي/ حقي الشبلي الأب الحقيقي للمسرح الحديث في العراق، ويعود إليه الفضل في تأسيس أول فرقة مسرحية محترفة في العراق عام 1927، وذلك بعدما تأثر بزيارات الفرق المسرحية المصرية التي عمل معها، ثم تدربه بعد ذلك بالعمل معها في «مصر»، وكذلك دراسته للفنون المسرحية في فرنسا، والتي وفق بعد عودته منها في افتتاح قسم للتمثيل في معهد الفنون الجميلة ببغداد وأشرف على إدارته وتدريب طلابه، ويذكر أنه نظم مجموعة عروضه اعتمادا على نصوص مترجمة أو مقتبسة أو محلية. وتضم قائمة الفرق الرائدة بالعراق أيضا كل من فرقة «المسرح الشعبي» التي شارك في تأسيسها عام 1947 الفنانين: إبراهيم جلال، عبد الله الغزاوي، جعفر السعدي، وخليل شرقي، وفرقة «مسرح الفن الحديث» التي تأسست بعدها بخمس سنوات (عام 1952)، والتي شارك في تأسيسها كل من الفنانين: إبراهيم جلال، يوسف العاني، وسامي عبد الحميد، والتي كان لهـا أكبر الأثر في بلورة التجارب المتميزة لمجموعة من المخرجين والممثلين الشباب خلال اثنتين وعشرين عاما. وبصفة عام يتميز المسرح العراقي بتلك النخبة المتميزة من المخرجين، خاصة بعدما عادت إلى بغداد مع أواخر الستينات ومطلع السبعينات من القرن العشرين مجموعة من خريجي المعاهد المسرحية العليا في غربي أوربا وشرقيها. هذا وتضم قائمة المخرجين المتميزين بالعراق مجموعة المبدعين الذين يمثلون مختلف الأجيال ومن بينهم على سبيل المثال كل من الأساتذة: حقي الشبلي، إبراهيم جلال، يوسف العاني، عبد الله العزاوي، جعفر السعدي، سامي عبد الحميد، د.صلاح القصب، جواد الأسدي، د.عوني كرومي، قاسم محمد، د.فاضل خليل، د.عقيل مهدي، محسن العزاوي، د.عواطف نعيم، عزيز خيون، فخري العقيدي، فتحي زين العابدين، د.شفيق مهدي، كاظم نصار، سعدون العبيدي، جبار جودي، محمود أبو العباس، سامي قفطان، محسن العلي، د.ميمون الخالدي، قاسم البياتلي، د.هيثم عبد الرزاق، عماد محمد، د.حسين علي هارف، د.جبار خماط، أسامة سلطان، سنان العزاوي، راسم منصور. 
ويحسب للعراق مشاركة مبدعيه بمختلف المجالات المسرحية في تقديم كثير من الأنشطة والفعاليات والعروض المسرحية المتميزة، ويكفي أن نذكر تأسيسهم لبعض المهرجانات المسرحية المهمة ومن بينها: مهرجان المسرح المدرسي منذ عام 1969، المهرجانات التابعة لمراكز الشباب منذ عام 1973، المهرجانات التابعة للإتحاد الوطني لطلبة وشباب العراق منذ عام 1976، مهرجان المسرح العمالي منذ عام 1979، ومهرجان معهد الفنون الجميلة ومنتدى المسرح (التابع لمؤسسة السينما والمسرح) عام 1984. وتجدر الإشارة إلى حرص العراق على المشاركة المستمرة بذلك التمثيل المشرف بجميع المهرجانات المسرحية العربية (وأخص بالذكر المهرجانات الدولية الثلاث الكبرى: دمشق، قرطاج، القاهرة التجريبي)، وذلك بالإضافة إلى نجاحه في تنظيم عدة دورات ناجحة لمهرجان بغداد المسرحي الدولي (منذ عام 1985). 

 مهرجان «أيام كربلاء الدولي للمسرح»:
تحت شعار «مسرح كربلاء رسالة فكر وبناء» نظمت شعبة المسرح المعاصر الدورة الثالثة لمهرجان «أيام كربلاء الدولي للمسرح» خلال الفترة من الأربعاء 23 مارس إلى الأربعاء 31 مارس بمسرح بيت الثقافة بمدينة «كربلاء» بدولة العراق الشقيق، وقد تحمل مسئولية رئاسة المهرجان المسرحي/ منتظر الطويل، وإدارته المخرج/ زيدون آل سلطان. وقد تضمنت فعاليات المهرجان عدة مشاركات عربية مهمة، وفي مقدمتها مشاركة خمسة دول عربية بعروضها - وذلك بعد تعذر مشاركة العرض المصري «سالب واحد» من إخراج/ عبد الله صابر وإنتاج «أكاديمية الفنون» نتيجة لوجود بعض المعوقات الإدارية التي تعذر التغلب عليها في الوقت المحدد - فكانت العروض المشاركة  كما يلي: عرض «لقمة عيش» لسلطنة عمان، «الأخيلة المتهالكة» لجمهورية السودان، «قطار الباقورة» للمملكة الأردنية الهاشمية، «الهوارب» للجمهورية التونسية، وذلك بالإضافة إلى مشاركة الجمهورية العراقية بأربعة عروض منهما اثنين بالمسابقة الرسمية وهما: «المحراب المضطرم»، و»المفتاح»، وعرضين خارج إطار التسابق وهما: دمى محطات وظل للمخرج/ زيدون آل سلطان، اشتباك للمخرج/ صادق مكي. وتجدر الإشارة إلى أن جميع العروض قد تم اختيارها من خلال لجنة المشاهدة التي تكونت برئاسة د.علي الشيباني (العراق)، وعضوية كل من د.لمياء أنور (مصر)، عادل شمس (البحرين)، ميثم الرزق (السعودية)، وهي اللجنة التي يحسب لها التزامها الدقيق في جميع اختياراتها بمراعاة جميع الشروط الفنية المحددة لعروض المهرجان. 
وجدير بالذكر أن فعاليات المهرجان قد تضمنت أيضا بعض الأنشطة المسرحية الموازية للعروض ومن أبرزها – بالإضافة إلى الجلسات النقدية التي نظمت برئاسة الناقد العراقي/ د. باسم الأعسم وضمت بعضويتها كل من المسرحيين: د.علي الربيعي، د.شاكر عبد العظيم (العراق)، د. أسامة رؤوف، د.لمياء أنور (مصر)، الجلسة البحثية التي نظمت بعنوان: «البعد الإنساني والتأريخي لملحمة كربلاء وتجليات القراءة الدرامية» بمشاركة ستة باحثين (هم الأساتذة: د.علي الشيباني، د.باسم الأعسم، د.شاكر عبد العظيم، د.علي محمد الربيعي، د.عقيل ماجد، د.عقيل مهدي)، كما تم تنظيم ورشتين أحدهما بعنوان: «بناء العرض المسرحي من النص إلى العرض» إشراف وتدريب/ محمد السباعي (المغرب)، والثانية بعنوان: «الكيروجراف والصورة الفيزيائية للجسد» إشراف وتدريب/ أمين جبار (العراق). 
وتجدر الإشارة إلى أن المشاركة المصرية في الدورة الثالثة للمهرجان – بعد إعتذار العرض المسرحي - قد تمثلت بمشاركة ثلاثة مسرحيين يمثلون أكثر من جيل، وهم المسرحيين: د.عمرو دوارة (بلجنة التحكيم)، د. أسامة رؤوف، د.لمياء أنور (بلجنة الندوات). 

- العروض المسرحية: 
تضمنت فعاليات المهرجان تقديم ستة عروض في إطار المسابقة الرسمية وهي طبقا لتسلسل تقديمها كما يلي:
- «المحراب المضطرم» (العراق): توليف وإخراج/ ميثم فاضل، والنص تم توليفه من خلال ثلاث نصوص (هي: أرواح جائحة لسعد الهدابي، سهم من نار لحيدر عبد الله الشطري، الحر الرياحي لعبد الرزاق عبد الواحد)، وشارك بالتمثيل: علي حسن علوان (صوت 1)، مهند بربن (صوت 2)، فقدان طاهر عباس، مخلد طاهر الخياط، ظفار فلاح حسن، حسنين الحسيني، سجاد علاء، حيدر الريماس، إبراهيم الدرويشي، حسين ميثم فاضل، وقام بتصميم الديكور/ زيدان الكركعاوي، والأزياء/ عدوية فائق، والموسيقى والمؤثرات الصوتية/ إبراهيم عبد الله. والعرض يتناول قضية الحرية وأهمية النضال من أجل تحقيقها، مع ضرورة مواجهة كافة أشكال الديكتاتورية. وتدور الأحداث الدرامية حول الصراع بين الذات الإنسانية المتحررة وبين قوى الصنمية التي يعود تاريخها للعصور الغابرة، ويتخذ العرض من «واقعة الطف» بكربلاء نقطة لانطلاق أحداثه الدرامية.
- «لقمة عيش» (سلطنة عمان): من إنتاج فرقة مسرح الدن (برئاسة/ محمد بن سالم النبهاني)، ومن تأليف/ جمال صقر وإخراج/ محمد الرواحي، ويشارك في بطولته ستة من الشباب هم: سالم الرواحي (شخصية رمضان)، أحمد الرواحي، خميس البرام، وليد الدرعي، أحمد الصالحي، وهيثم المعول. والحقيقة أنهم جميعا كانوا مفاجأة سارة للجمهور بتفوقهم وتميزهم الفني وقدرتهم – بقيادة المخرج - على تقديم فرجة مسرحية غنية في مفرداتها الحركية والأدائية، وذلك دون استخدام أي قطع للديكور أو الأكسسوارات بل باعتمادهم على المساحة الفارغة ومهاراتهم في توظيف لغة الجسد وتكوينهم للتشكيلات الجماعية المعبرة والتي تتسم بالجمال والابتكار. والعرض يتناول بشكل كوميدي ساخر مجموعة من القضايا الاجتماعية الآنية والمواقف الحياتية التي يعاني منه الإنسان المعاصر، ومن بينها مشاكل الزواج وضعف الرواتب وغلاء الأسعار، كما يستعرض العرض بعض القوانين والأنظمة والعادات التي تزيد وتضاعف من قسوة الحياة، ومن بينها بعض الممارسات الخاطئة مثل التكاسل في تأدية الواجبات الوظيفية، أو الاعتماد على الآخرين مع تفشي السلبية.
- الأخيلة المتهالكة (السودان): من إنتاج الورشة الجوالة المسرحية، ومن تأليف/ سيد عبد الله صوصل وإخراج/ ربيع يوسف الحسن، وتمثيل/ إيهاب بلاش، محمد الحسن طيارة، وغالية رمضان. 
العرض محاولة لربط قضايا الوطن السوداني من خلال التأثير والتأثر المتبادل بين كل من الفرد والأسرة ثم الشارع والمجتمع، والتي بالضرورة ستصل بالمشاهد في النهاية إلى استعراض مفهوم السياسة بمعناها الأشمل. فهو يوضح كيف ترمي السياسة بظلالها على الفرد وعلى الأسرة وعلى المجتمع ككل، كما يكشف عن كيفية تحالف كثير من السياسيين مع بعض القوى المتآمرة لانتهاك فرص وحقوق المواطن البسيط وأفراد المجتمع بصفة عامة في الحياة وفي التعبير عن حقوقهم ومطالبهم، لذا قدم العرض بعض الحكايات من داخل الأسرة السودانية ليدق ناقوس التحذير بأنها بقمعها للأطفال ولأبنائها وبناتها ستشارك في انتاج سياسيين قامعين. والعرض يلقي ببعض الأضواء حول ما يدور في السودان حاليا، ويكشف المحاولات السياسة - بوجهها السيء المخادع - لقمع الفعل الثوري للشعب السوداني وللشباب الذي يفدي وطنه بدمه و بصدره العاري، وبالتالي فإن العرض بصفة عامة يعد تعبيرا رمزيا للمجتمع السوداني حاليا ولثورة الشعب في ديسمبر، والتي شهد فيها العالم للسودان بتقديمه لكثير من البطولات والتضحيات،
- «المفتاح» (العراق): من تأليف/ مثال غازي وإخراج/ أسامة سلطان، والنص مأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب العراقي الكبير/ عبد الستار ناصر، ودراماتورج/ د.سعد عزيز عبد الصاحب، وتصميم ديكور/ حمزة الزكلاوي، إضاءة: غيث زهير، وموسيقى وهندسة صوتية/ محمد فؤاد، اللقطات السينمائية/ هشام كاظم، وتمثيل الفنانين/ هاشم الدفاعي، إسراء العاني. ويحسب للعرض نجاحه في الموائمة مع ثيمة النص ذو المضمون الفكري الجاد والطابع الإنساني، والذي يتناول قصة وطن وشعب يستحق الحياة في أمان وسلام بعدما تحمل الكثير. فالعرض دعوة للأمل والمحبة والتسامح والصفح والمغفرة من أجل بناء وطن سعيد وآمن، حيث يتمحور الخطاب الدرامي للعرض حول أهمية الصفح وعدم الانسياق إلى معطيات الثأر والانتقام بإنعكاساتهما السلبية. وتبدأ الأحداث الدرامية بخروج سجين سياسي من المعتقل بعد فترة طويلة متجها لمنزله - والذي يرمز إلى الوطن ككل - فاتحا أبوابه بالمفتاح الذي ظل محتفظا به عسى أن يفرج عنه يوما ما لينتقم من ظالميه ومغتصبي منزله، وبالفعل يدخل منزله في المساء حاملا جيركا من البنزين بهدف إحراقه ومن فيه، إلا أنه يفاجئ بأن منزله كما تركه لم يتغير فيه شئ، وبامرأة نائمة على كرسي هزاز تنتظر زوجها. بالطبع تفزع المرأة صاحبة البيت من زائر الليل الذي اقتحم منزلها بلا استئذان، فتفقد توازنها النفسي كرد فعل لغضبه وتخويفه وانفعالاته الانتقامية، خاصة بعدما يتصاعد الصراع بينها وبين الرجل المنقض ببغضه الشعوري نحوها حول أحقيته في ملكية المنزل. وتنجح المرأة في إرجاء وتأجيل فعل الانتقام لديه من خلال السرد وتنشيط ذاكرته، فيعود السجين بالذاكرة من خلال المكان ويتذكر زوجته «باهرة» التي انتحرت بعد أن اغتصبها ضباط الأمن في العهد البائد. وتنجح المرأة من خلال المزاوجة بين الإقناع العقلي والهمس العاطفي أن تبقي على حياتها، خاصة بعدما وجد السجين فيها شكلا وذاكرة تربطه بزوجته، فيطئن لها ويعود في النهاية الى شواطئ السلام النفسي والصفح والغفران.
- قطار الباقورة (الأردن): من انتاج فرقة «طقوس المسرحية» في وزارة الثقافة الأردنية تأليف واخراج وسينوغرافيا/ إياد الرموني، دراماتورج/ المعتمد المناصير، تأليف موسيقى/ عبد الرزاق مطريا،  تمثيل/ ميس الزعبي، عمر أبو غزالة، منى الزبيدي، وماريا خوري. ومسرحية «قطار الباقورة» تدور أحداثه حول قصة زوجين شابين سافرا على متن قطار الباقورة لقضاء شهر العسل ولكن القطار يتعرض لحادث حيث اندلع حريق قضى على كل من بالقطار، ولكن ظلت قصة حبهما تتناقلها الأجيال حتى أصبحت تروى بأكثر من طريقة.
ولتأكيد البعد السياسي في العرض وفك شفراته تجدر الإشارة إلى الخلفية التاريخية لمنطقة «الباقورة»، حيث أنهى العاهل الأردني/ عبد الله الثاني عام 2019 العمل بالملحقين الخاصين بمنطقتي الباقورة (التي تقع شمال الأردن وشرق نهر الأردن)، والغمر (التي تقع جنوب الأردن) مع إسرائيل رسميا، وفرض سيادة الأردن الكاملة على المنطقتين بعد 25 عاما، وقد جاء ذلك بعد انتهاء اتفاقية السلام المبرمة بين الجانبين عام 1994، والتي ألزمت الأردن بتأجير أراضي المنطقتين لإسرائيل لمدة 25 عاما، نظرا لأن كل منهما تعد إحدى بنود النزاع بين الأردن وإسرائيل منذ عقود لوقوع كل منهما على حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكانت «الباقورة» قد شهدت هجوما بعد ثلاث سنوات من معاهدة السلام الأردنية/ الإسرائيلية في مارس (آذار) 1997، عندما فتح جندي أردني النار على مجموعة من الفتيات الإسرائيليات اللاتي كن في زيارة للمكان (الذي يضم محطة قطار تاريخية ومحطة لتوليد الطاقة بالمياه)، وذلك تضامنا مع هؤلاء النازحين من «الباقورة» الذين لا يستطيعون العودة إلي ديارهم بعد توقف القطار التاريخي عن العمل خلال فترة الإحتلال الصهيوني لأراضيهم.
تبدأ أحداث العرض الذي يمكن تصنيفه تحت مسمى العروض التجريبية بصوت القطار التاريخي لتظهر الشخصيات الروبوتية في حركة آلية يسيطر عليها ويقودها الشخصية الرابعة (لطيف) كمايسترو يوجهها ويهيمن علي عقلها، وذلك في دلالة لحالة سلطة الإحتلال الإسرائيلي بعد قرار إنتهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر. وقد اعتمد مؤلفه ومخرجه علي وسائل غير تقليدية فشخصيات العرض الأربعة وهم: بهيج (الأب)، فهيمة (الأم)، لطيفة (الأبنة)، لطيف (حبيب لطيفة) لا يستخدمون قطع الديكورات أو الإكسسورات التقليدية، بل يستخدمون فقط بعض أدوات التنظيف (المكانس، المساحات، والجاروف، والحبال) للدلالة على ضرورة تغيير الفكر التقليدي المتحجر وتنظيفه من كل ماهو ثابت وتقليدي، وكذلك للتأكيد علي لحظة النصر المتمثله في طرد و كنس وتنظيف جميع أراضي» الباقوره» من آثار الإحتلال، ليقف القطار في محطته التاريخيه العتيقة، وينتظر الجميع إما قبلة الحياة أو الموت في نهاية مفتوحة علي الصراع الوجودي الأزلي بين قوى الخير وقوى الشر.
- «الهوارب» (تونس): من إنتاج/ شركة حنبعل للإنتاج، ومن تأليف/ محرز الغالي وسينوغرافيا وإخراج/ حافظ خليفة، موسيقى/ أحمد بجي، وأضاءة/ نزار الجبالي، وتمثيل: محرز الغالي، هاجر الفهري وضياء المنصوري. ومصطلح «الهوارب» يعني مجموعة الهاربين من واقع متردي. وتكشف المسرحية أحوال المثقف العربي في صراعه المستمر من أجل تحقيق طموحاته السياسية وفي مقدمتها الحرية والعدالة، كما تكشف عن مدى تضحياته من أجل المحافظة على قضاياه الملتزمة لخدمة وطنه، ولذلك فهو كثيرا ما يضطر إلى دفع ثمن ذلك إما بغربته القاسية خارج الوطن أو باعتقاله المستمر. والشخصية المسرحية المحورية هي شخصية الصحفي/ يحي الذي تضاعفت معاناته بعدما أصبح سجينا سياسيا قرابة ثلاثين عاما في معتقل «الهوارب» المليء بالسجناء السياسيين، فقد تعرض داخل السجن لانتهاكات نفسية وجسدية إلى حد تعوده على الألم ليصبح الألم جزءا من روتين ونظام حياته، ولدرجة أنه أصبح يعتقد بأن الحياة داخل السجن أفضل بكثير من الحياة خارجه في ظل ما تعيشه البلاد من فوضى سياسية. والعرض يستعرض من خلال علاقات ثلاث شخصيات (الأب يحيى، والأم والابن) صرخة الألم النفسي والجسدي المكبوتة نتيجة للتفكك الأسري، لنكتشف في النهاية أن جميع أحداثه الدرامية كانت تدور فقط في خيال الأب/ يحيى وهو ما زال سجينا بزنزانته.
 - عروض على هامش المهرجان: وبالإضافة إلى مجموعة العروض السابقة شاركت الجمهورية العراقية بعرضين خارج إطار المسابقة الرسمية (على الهامش) وهما: «دمى محطات وظل» من إخراج/ زيدون آل سلطان، «اشتباك» من إخراج/ صادق مكي. ونظرا لارتقاء المستوى الفني بكل منهما رأت لجنة التحكيم بالإجماع الإشادة بتميز كل منهما وتوجيه الشكر والتحية للمشاركين فيهما. 

- لجنة التحكيم وجوائزها:
لجان التحكيم فرصة رائعة ليست – كما يظن البعض – لتوظيف الخبرات والمهارات أو استعراضها ولكن بالدرجة الأولى لتبادل وجهات النظر وزيادة المعرفة واكتساب خبرات جديدة، خاصة إذا كانت تضم في تشكيلها مجموعة متجانسة من الخبرات المسرحية الحقيقية، لذا تعاظمت سعادتي بذلك التشكيل الرائع للجنة التحكيم والتي ضمت نخبة من كبار المسرحيين يمثلون مناهج واتجاهات وخبرات مسرحية متنوعة، وهم الأساتذة: د.عقيل مهدي (رئيسا) وعضوية كل من (أبجديا): د.إقبال نعيم (العراق)، عباس الحايك (السعودية)، د.عمرو دوارة (مصر)، كريستوف بلايدت (ألمانيا). لقد سبق لي بالطبع المشاركة في عدة لجان تحكيم ببعض المهرجانات المحلية والعربية الدولية (بعدد من الدول العربية الشقيقة والأجنبية أيضا)، ومن بينها على سبيل المثال بكل من: المملكة المغربية، الجمهورية الجزائرية، الجمهورية الليبية، الكويت، المملكة السعودية، سلطنة عمان، وكان لي حظ مشاركة نخبة من كبار المسرحيين خلال تلك اللجان أذكر من بينهم على سبيل المثال كل من المبدعين: د.عبد الكريم برشيد، د. عبد الرحمن بن زيدان (المغرب)، د.شفيق مهدي، جواد الأسدي عزيز خيون، قاسم مطرود (العراق)، رفيق علي أحمد، د.وطفاء حمادي (لبنان)، سعد المغربي، خدوجة صبري، د.محمد العلاقي (ليبيا)، محمد بن قطاف، وحميدة أية الحاج، د.إبراهيم نوال (الجزائر)، سناء يونس البكر، راشد الورثان، عباس الحايك (السعودية).  
وأسباب سعادتي بمشاركتي بعضوية لجنة التحكيم بالدورة الثالثة لأيام كربلاء الدولي للمسرح تعود بخلاف صداقتي القوية مع أعضائها منذ سنوات طويلة إلى ذلك التفاهم الكبير بيننا، ومن أوضح مظاهره الإتفاق على ضرورة عقد اجتماع يومي طوال فترة المهرجان وأيضا على المشاركة بمختلف فعالياته، وفي مقدمتها مشاهدة جميع عروضه سواء قدمت في إطار المسابقة الرسمية أو خارج إطار التحكيم،  وكذلك الإتفاق بالإجماع على جميع النتائج الخاصة بالتحكيم في جو اتسم بالتفاهم الكبير والإحترام الشديد، ولعل من أهم مظاهره الإتفاق على قرار عدم منح العرض الفائز بالجائزة الكبرى (جائزة العرض الأول) أي جوائز أخرى فردية، نظرا لأن حصوله على الجائزة الكبرى يعني تكامل جميع عناصره الفنية وتميزها، وبناء على ذلك تم منح الجوائز التالية:
1 - جائزة العرض الأول: منحت لعرض لقمة عيش (سلطنة عمان)، بعدما تم ترشيحه مع كل من العرضين: الأخيلة المتهالكة (السودان)، قطار الباقورة (الأردن).
2 - جائزة أفضل نص: منحت للمؤلف/ مثال غازي عن عرض المفتاح (العراق)، بعدما تم ترشيحه مع المؤلفين: جمال صقرعن نص لقمة عيش (سلطنة عمان)، وإياد الريموني عن نص قطار الباقورة (الأردن).
3 - جائزة أفضل إخراج: منحت للمخرج/ ربيع يوسف عن عرض الأخيلة المتهالكة (السودان)، بعدما تم ترشيحه مع المخرجين: محمد الرواحي بعرض لقمة عيش (سلطنة عمان)، أسامة سلطان بعرض المفتاح (العراق).
4 - جائزة أفضل سينوغرافيا: منحت للفنان/ إياد الريموني عن مسرحية قطار الباقورة (الأردن)، بعدما تم ترشيحه مع الفنانين: زياد الكرعاوي بمسرحية المحراب المضطرم، محمود بن سليم المخرومي بعرض لقمة عيش (سلطنة عمان).
5 - جائزة أفضل تمثيل أدوار نساء: منحت مناصفة لكل من الفنانة/ ميس الزعبي بمسرحية قطار الباقورة (الأردن)، والفنانة/ إسراء العاني بمسرحية المفتاح (العراق)، بعدما تم ترشيحهما مع الممثلة: غالية رمضان بعرض الأخيلة المتهالكة (السودان). 
6 - جائزة أفضل تمثيل أدوار رجال: منحت مناصفة لكل من الفنان/ هاشم الدفاعي بمسرحية المفتاح (العراق)، والفنان/ ضياء المنصوري بعرض الهوارب بمسرحية (تونس)، وذلك بعدما تم ترشيحهما مع الممثلين: إيهاب بلاش، محمد الحسن طيارة بعرض الأخيلة المتهالكة (السودان) مناصفة.

توصيات لجنة التحكيم:
تختلف توصيات لجان التحكيم كثيرا طبقا لاختلاف طبيعة كل مهرجان وتنوع فعالياته. وإيمانا بأهمية هذا المهرجان النوعي - خاصة بعد ما شهدته هذه الدورة من تطور كبير من حيث دقة التنظيم وتكامل الفعاليات وارتقاء مستوى العروض المشاركة - ومن واقع الحرص على استمراريته وتعظيم أنشطته وفعالياته قررت لجنة التحكيم وضع عدة ملاحظات وتوصيات على أمل استجابة إدارة المهرجان لها وتنفيذ ما يمكن تنفيذه خلال الدورات القادمة بإذن الله وهي كما يلي:
- عقد المهرجان في موعد ثابت سنويا والإعلان عن تنظيمه وتقديم طلبات المشاركة قبل موعد إنعقاده بستة شهور على الأقل.
- العمل على مد فترة إنعقاد المهرجان إلى إحدى عشر يوما على الأقل لإتاحة الفرصة لمشاركة عشرة فرق مسرحية تمثل عشرة دول في كل دورة، مع تكريم أحد الرموز المسرحية من خمس دول على أقل تقدير، وذلك لإلقاء الضوء على مسيرتهم كقدوة للأجيال الحالية.
- تنظيم مسابقة للنصوص يعلن عنها بمجرد انتهاء فعاليات كل دورة، على أن تعلن النتيجة خلال ستة أشهر على أكثر تقدير لإتاحة الفرصة لطبع الأعمال الفائزة بالجوائز الثلاث الأولى، مع الحرص على إنتاج النص الفائز بالجائزة الأولى وتقديمه خلال المهرجان التالي.   
- تنظيم ورشة فنية للمخرجين الشباب بمدينة كربلاء تحت إشراف كبار الفنانين والمخرجين بها، وذلك على أن تنتهي فعالياتها قبل الإعلان عن فتح باب المشاركة بالمهرجان، وذلك مع التركيز على أهمية اختيار النصوص ذات الخطاب الدرامي الذي يتناسب مع طبيعة المهرجان، والذي يدعو إلى قيم الخير والحق والجمال.  
- إصدار نشرة يومية لتغطية جميع أنشطة وفعاليات المهرجان، وأيضا إصدار كتاب تذكاري في نهاية كل دورة توثق من خلاله جميع الأنشطة والفعاليات. وذلك مع ضرورة توفير التغطية  الإعلامية المناسبة لفعاليات كل دورة. 
وفي النهاية أشادت اللجنة بذلك الجمهور الواعي المتذوق الذي حرص على حضور جميع عروض المهرجان، كما أكدت للجميع على أن الجائزة الكبرى لكل فنان هو حصوله على إعجاب وتقدير الجمهور، كما أفادت بأن الجائزة الحقيقية لجميع المسرحيين المشاركين بالمهرجان من مختلف الدول المشاركة هي تلك اللقاءات المثمرة بينهم والتي أتاحت لهم فرصة تبادل الخبرات.
وأخيرا يقتض الواجب أن أتوجه بخالص الشكر والتقدير لنخبة المسرحيين ورؤساء الوفود المشاركة بفاعاليات المهرجان لاختياري بالإجماع لإلقاء كلمة جميع الوفود وكذلك كلمة المسرحيين المكرمين بالدورة الثالثة، كما تقتضي الموضوعية بأن أخص بالذكر زملائي بلجنة التحكيم الدولية الذين منحوني فرصة إعلان جائزة الإخراج الأولى وأيضا الجائزة الكبرى، وكذلك كل من المسرحيين: منتظر الطويل (رئيس المهرجان)، وسعدون آل سلطان مدير المهرجان .


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏