العدد 673 صدر بتاريخ 20يوليو2020
نبذة مختصرة :
تقدم المقالة نظرة عامة لكيفية تناول المتخصصين في مجال الفولكلور موضوع الدراما الفولكلورية خلال المائة وخمسين سنة الماضية، وأجادل بأنه علي الرغم من إهمالها النسبي في هذا المجال، فان الدراما الفولكلورية نافذة قيمة إلى الثقافة ويجب تناولها بجدية أكثر . وسوف أبدأ بأفكار القرن التاسع عشر حول الدراما الطقسية التي تنبع من أفكار (جيمس فريزر James Frazer) . ثم أناقش التأكيد المتنامي علي الدراما الفولكلورية، والأداء، ونظريات اللعب بشكل أكثر عمومية . وسوف أختم بتقديم نظرة عامة مختصرة للعلاقة بين اللعب والدراما والسياسة .
............................................................................................
في مقدمة كتابه “تأمل الدراما الفولكلورية Rethinking Folk Drama “ يقول (ستيف تيليز Steve Tillis) “ نظرا للدافع العام تجاه الدراما، من الجيد ألا يمكن أن تعلمنا الدراما الفولكلورية شيئا عن ثقافات بعينها فحسب، بل إنها تخبرنا عن الإنسانية عموما . ويوحي تعليق ( تيليز ) المثير بإمكانية إجراء دراسات حول الدراما الفولكلورية لتحدي العلوم الإنسانية، ولكن في حين أن الدافع نحو الدراما قد يكون عاما، إلا أن الأفكار العلمية والأشكال المتعلقة بالدراما الفولكلورية ليست كذلك . فمصطلح “ الدراما الفولكلورية”، من ناحية، هو مصطلح استخدمه المتخصصين في مختلف المجالات لكي يشمل مختلف الأفكار ويطبق علي مجموعة واسعة من تقاليد الأداء . وباعتباره مصطلحا مستقلا، فانه يفرض بسهولة أطر التفسير التي لا تنشأ بالضرورة من الفهم العامي . فعند استخدامه في بيئات غير غربية، مثلا، يفرض المصطلح فهما غربيا للدراما علي أساس التقاليد التي يمكن أن تكون مفهومة بشكل مفيد باعتبارها شيئا آخر، مثل العبادة والسرديات المقدسة أو زيارات الإلهة، وبالتالي تستنتج تقاليد أداء في نفس المجال التفسيري . بالإضافة إلي ذلك، فقد تغيرت تعريفات ومفاهيم ما يشكل في الواقع الدراما الفولكلورية مع مرور الوقت، وهذا الفهم يتوقف علي مجموعة متنوعة من العوامل التي تطورت . وبالتالي فقد طٌبقت الدراما الفولكلورية علي مجموعة واسعة من التقاليد التي ترتبط بها أو لا ترتبط بها .، مما لا يجعل صعوبة التعريف والاستنتاجات العامة مرجحة. ومع ذلك من الناحية الأخرى تقدم الدراما الفولكلورية، باعتبارها أداء ثقافي مرتبط جوهريا بسياقات اجتماعية وسياسية وثقافية مباشرة، رؤى حول تحولات المجتمع غير المتاحة في الأشكال التعبيرية الأخرى . فالدراما الفولكلورية تستحضر مؤقتا عالما بديلا لكي تتحدث عن العالم الحقيقي وتعلق عليه بطريق رفيعة جماليا، وتزود المشاركين بوسائل بديلة لرؤية أنفسهم والمجتمع وفهمهما علي حد سواء . وبذلك لا تعلق الدراما الفولكلورية فقط علي العالم، بل انه بطريقتها البسيطة تغيره.
وتقدم هذه المقالة نظرة عامة للكيفية التي تناول بها المتخصصون في الفولكلور فكرة الدراما الفولكلورية خلال المائة وخمسين سنة الماضية، ويحتجون بأن الدراما الفولكلورية هي نافذة قيمة علي الثقافة وجيب تناولها بجدية . ولسوء الحظ لم تعد الدراما الفولكلورية في الولايات المتحدة أحد أهم أنواع الفولكلور . إذا ركزت دراسات الدراما الفولكلورية علي المسرحيات البريطانية ( وهي تعرف بأنها مسرحيات التنكر، وهي تصنف إلى مسرحيات الرقص بالسيف، ومسرحيات البطولة/ القتال، ومسرحيات المحراث ) لدرجة أن مصطلح الدراما الفولكلورية ومسرحيات التنكر ربما يستدعي كل منهما الآخر عمليا . وباستثناء العمل المكثف علي أعمال ( كايون ماردي جراس Cajun Mardi Gras) فهناك بضعة أمثلة للدراما الفولكلورية أو المسرحيات الفولكلورية (كمصطلح بديل ) في الولايات المتحدة تتوافق مع هذه المعايير . فهناك أيضا بعض المتخصصين في الفولكلور الذين يتميزون بأنهم متخصصون في الدراما الفولكلورية . وعلي الرغم من ذلك، فان كثير من تخصص الدراما الفولكلورية يندرج تحت دراسة المهرجان والطقس والعقيدة أو بعض الأشكال ذات الصلة الأخرى . أخيرا، لأن الدراما الفولكلورية ترتبط بهذه الأشكال التعبيرية الأخرى، فربما ينشر كثير من المتخصصين المعاصرين ( وسوف نناقش كثير منهم فيما بعد) عن نوع من الدراما الفولكلورية ولكنهم ينتقلون عندئذ إلي مجالات دراسة ذات صلة بها . وقد صنعت مثل هذه الميول نوع “ الدراما الفولكلورية “ كتخصص مستقل أحادي نوعا ما .
هناك صور للدراما الفولكلورية قد أثارت اهتمام المتخصصين في الفولكلور بانتظام عبر العقود السابقة . إذ كان هناك اهتمام بعلاقة الدراما بالأشكال الثقافية الأخرى ولاسيما الطقس والاحتفال . كانت الافتراضات المبكرة أن الدراما الفولكلورية التي نشأت في الطقوس والاحتفال لا تزال صحيحة، ويظل صحيحا أن الدراما الفولكلورية غالبا ما تحدث في المناسبات الدينية والاحتفالية مثل احتفالات أعياد الميلاد الأسبانية أو المسرحيات العاطفية أو التقاليد الدينية الأفروأمريكية. وربما تؤدي أيضا وظائف لكي توجد مع الفعاليات المرتبطة الأخرى مثل الرقص والتنكر والموسيقى والكلام والأغاني . ولذلك كان دائما سؤال العلاقات بين السياق والشكل والوظيفة مهما علي نحو ما . وناقش المتخصصون أيضا نشأة كل من الممثلين والمشاهدين ودورهم، وسألوا علي سبيل المثال، ما إذا كان يجب أن يكون الجمهور من المحليين حتى تكون الدراما فولكلورية، وما إذا كان يمكن دفع الممثلين أو المحترفين المدربين ، وربما الأهم من ذلك، ما إذا كان هناك جمهور والطريقة التي يضع بها الجمهور الحدث في إطار لها سمة مميزة . وقد كانت مثل هذه الفروق غالبا أساس تمييز الدراما الفولكلورية عن الدراما الشعبية عن دراما النخبة، رغم أن هذه التقسيمات علي الأرجح ذات درجة أكبر من أنها نوع.
• الأصول الطقسية :
في القرن التاسع عشر كان العلماء مهتمين بأصول الأشكال الثقافية التي اعتبروها “ دراما فولكلورية “، والتي تم تصويرها إلي حد كبير على أنها مسرحيات قديمة استمر وجودها في العصر الحديث بشكل أساسي بين طبقات الفلاحين الأوروبيين . وكان من المفترض أن تكون المسرحيات حية – بمعنى أنها بقيت من الحقبة السابقة التي ازدهرت فيها الإصدارات الكاملة، حيث كان من المفترض أن يتم دمج الوظائف التي تؤديها في المجتمع بشكل كلي . ووفقا ل (روجر ابراهامز Roger Ibrahams)، نشأ بعض التفكير العلمي حول الدراما الفولكلورية من الاحتفال، علي الرغم من أن الكثير من العلماء الذين تأثروا بنظريات ( جيمس فريزر) قد نسبوا أصول الطقوس إلى الدراما الفولكلورية . وفي وقت مبكر آنذاك، وضع علماء الفولكلور الدراما الفولكلورية في إطار العمل التطوري والمقارن . هذا السياق من الفكر، البارز في جوانب أخرى من دراسات الفولكلور أيضا، هو ما حدده ( الآن دوندس Alan Dundes) باعتباره الفرضية غير التطورية في دراسات الفولكلور – الفولكلور الذي يمكن العثور عليه في المجتمع الحديث كان مجرد جزء أو ظل لذاته السابقة . وتشمل الأمثلة علي هذه الفرضية فكرة ( جريم Grimm) أن الحكايات الشعبية كانت بقايا الأساطير التوتونية المبكرة، والمفهوم في دراسات الأغنية الشعبية أن الغناء الفعلي لها قد ساهم في تغييرها، وبالتالي في انحدارها . هذه الطريقة في تصور الفولكلور كانت شائعة حتى منتصف القرن العشرين .
كما لاحظنا سابقا، كان ( جيمس فريزر) أبرز العلماء وأكثرهم تأثيرا الدراما الفولكلورية، وهو عالم أنثروبولوجي ومتخصص في الفولكلور . وقد كان مهتما بأزياء الربيع الموسمية في شمال أوروبا والتي ساهمت في إحياء ذبح ( وأحيانا بعث ) شخصية نباتية في شكل مسرحية قصيرة . مثل هذه الشخصيات، تلبس أوراق الشجر و الطحالب ولحاء الشجر والزهور، والعناصر الأخرى، ويتم تنفيذها في المسرحيات بقطع رؤوسها بإطلاق النار عليها أو طعنها . وقد افترض (فرايزر) أن هذه المسرحيات الفولكلورية كانت بقايا طقوس الخصوبة في عصور ما قبل المسيحية علي أساس التقويم الزراعي الدوري ومتصلة بالأساطير القديمة . وقد فسر (فرايزر) القتل الدرامي للشخصيات النباتية باعتبارها صيغة مسرحية لطقوس قديمة حقيقية التي يٌقتل فيها الملك أو الكاهن فعلا الذي يجسد الروح النباتية من أجل تأكيد الخصوبة وضمان أشكال جديدة للحياة . وكما لاحظنا عند ( جرين Green)، كان أساس فرضية (فريزر) أن ما يسمى “ الإنسان البدائي “ اعتمد علي شكل من التفكير السحري الذي يقوم علي مبادئ السحر المتعاطف، بمعنى أن الإنسان يمكن أن يؤثر في الكون من خلال حركات تمثيلية.
وقد تأصلت أفكار ( فرايزر) حول الدراما الفولكلورية التي نشأت في الطقوس في القرن العشرين . إذ يشير ( ابراهامز) علي سبيل المثال إلى أعمال (باسكرفيل Baskervill) كنموذج للعالم الذي يقترح أن الدراما الفولكلورية نشأت في الطقوس الوثنية، وتطورت في عادة الاحتفال، ثم أصبحت أصولا للفنانين المحترفين . وبتلخيص المقدار الهائل من الدراسات التي تم القيام بها علي مسرحيات المومرMummer plays البريطانية علي مدار القرن العشرين، يلاحظ (جرين) أن هذه الدراما الفولكلورية عادة ما تميزت بظلال من الفعاليات الأكثر حنكة لأن الدراما الفولكلورية كانت بقايا الطقوس قبل المسيحية والتغيرات الريفية في المادة الأدبية أو إحياء دراما دينية، مما يوضح مرة أخرى أن الدراما الفولكلورية التي كانت تعد كشيء بقي كمثال أقل تدهورا بشكل مجسد سابق .
وبالتزامن مع الاهتمام بالأصول القديمة دراما الفولكلورية، فقد كان التركيز العلمي علي النصوص والتنويعات النصية والتأثيرات الأدبية . وبضم تقاليد تعود إلى أرسطو، كانت دراسة الدراما إلي حد كبير مسعى أدبي، اذ تم تحليل الدراما الفولكلورية تاريخيا باعتبارها شكلا من أشكال الأدب ونوع من النصوص بدلا من اعتبارها مجموعة من الأداء المتنوع . هذا التوجه النصي يعني تاريخيا أن الكلمات، ولاسيما الحوار، قد تميزت في دراسات الدراما الفولكلورية، مع إهمال العلماء لجوانب مسرحية مثل الموسيقى وتفاصيل الأداء البدني . وتعبيرا عن هذا الاهتمام النصي، لاحظ (بيتر بوجاتريف Petr Bogatyrev) مثلا أكثر كثيرا من الدراما الفولكلورية قد تضمنت تأثيرات أدبية، ولكن أعيدت معالجتها بواسطة الناس أنفسهم. اذ لم يتم فحص كيف أن الدراما الفولكلورية (أو المسرحية الفولكلورية) مرتبطة بسياقها الثقافي أو الاجتماعي المعاصر، حيث كان يعتقد أن الدراما الفولكلورية معلقة من الماضي وبالتالي لا تتجذر في القضايا الحديثة بحكم تعريفها .فقد كان نص المسرحية هو التقاليد، وبالتالي كانت عن النص الأدبي أو نص الأداء الذي ركزت عليه الدراسة .
• السياقات والعروض :
استمر العلماء في تأمل مسائل الأصول والنصوص في التفكير في الدراما الفولكلورية، ولكن ترسخت أفكار أخرى بحلول منتصف القرن العشرين . وقد استند أحد الجوانب المهمة في التأثير إلي الإمكانيات المجازية للغة الدراما والمسرح لكي يفهموا السلوك الانساني الفعلي . فقد أثر منظرون مثل (كينيث بورك) و ( ايرفنج جوفمان Irving Gofman) و ( فيكتور تيرنر Victor Turner) في صيغ النظرية الاجتماعية باقتراح تشابهات بين الحياة اليومية والدراما . وتأمل (بورك Burke)، وهو فيلسوف للغة والبلاغة، الاتصال باعتباره شكلا من أشكال الفعل الرمزي، قدم في خماسيته الدرامية عام 1945 مصطلحات مسرحية مثل التمثيل والمشهد والوسيط والواسطة والهدف الذي يمكن تطبيقه . وعالم الاجتماع ( ايرفنج جوفمان) الذي تأثر ب(بورك)، قد طور فكرته المؤثرة للفن الدرامي في عام 1959، والتي اقترحت أن هوية الفرد كانت بناء اجتماعيا ثقافيا، وأن تقديم الذات في الحياة العادية هو نوع من الأداء ينتج عن ارتداء الفرد لمختلف الأقنعة والقيام بالأدوار للمشاهد . واقترح (جوفمان) أيضا أن هذا الأداء في الحياة اليومية أشبه بالطقس، وهي فكرة التقطها (ريتشارد شيشنرRichard Schechner ) الذي جادل بأن ذلك لأن المسرح مستمد من الحياة اليومية، وكان المسرح مرتبطا بالطقس . في النهاية ( فيكتور تيرنر )، الذي عمل مع (شيشنر)، قد طور فكرة “ الدراما الاجتماعية “ التي ساهمت في توسيع المفاهيم المسرحية في النظرية الاجتماعية . وقد نظر (تيرنر) للصراع الإنساني الحقيقي باعتباره دراما ( دراما اجتماعية) تتكون من أربع مراحل مختلفة من العمل الجماعي، وتعكس الفكرة القديمة بأن الدراما انبثقت من الطقس، واقترح أن له جذور في المرحلة التعويضية ( الثالثة) والتي كانت تتألف من طقوس والأفعال الدينية في المجتمعات ما قبل الحديثة . وقد شعر (تيرنر) أن الفنون الحديثة ومن ضمنها الدراما، قد لعبت هذا الدور التعويضي في المجتمعات المعاصرة، وقدمت حلقة المرآة المرتدة بين الدراما الاجتماعية والدراما الجمالية ووضحت الطبيعة الانعكاسية للأداء الثقافي الحديث .
وقد أثرت لغة التجسيد في تطور مقاربات الأداء في دراسات الفولكلور . إذ تؤكد مقاربات الأداء علي الأداء الفعلي للفولكلور بدلا من المقاربات النصية أو الأدبية، وقد ابتكرت الأفكار السابقة روابط نظرية معقدة بين الحياة اليومية / المسرح / الدراما والطقس، ووسعت المفاهيم القديمة في الصلة بين الدراما الفولكلورية والطقس في تطبيقات جديدة . ونتيجة هذه النقلة النموذجية في دراسات الفولكلور أن بدأت الدراما الفولكلورية أن ترى ليس باعتبارها عائق من الماضي القديم، بل كعروض متناغمة وحديثة وقابلة للتحليل تاريخيا . وقد كان ( روجر ابراهامز) مؤيدا مبكرا ودرس إعداد الزيارات المنزلية الموسمية في غرب الانديز باعتبارها أداء حيا يوظف كمعيار سياسيي لنظام الزراعة . لذلك تم تصور الدراما الفولكلورية باعتبارها تشريعا لا يتحدث فقط عن الاهتمامات المعاصرة مباشرة، بل كانت أيضا نوعا من العمل الذي يهدف إلي التعبير عن العلاقات بغرض تحقيق التغيير الاجتماعي .
وبالتالي بدأ العلماء في استخدام تنويعة من المعلومات التاريخية والعرقية لدراسة الصلات بين أداء الدراما الفولكلورية والوظائف الاجتماعية والثقافية الحديثة. وقد نشر (هالبرت Halpert) و (ستوري Story) مجموعة من مسرحيات الأقنعة التقليدية في نيوزيلاندا وكندا، وهي مثال لهذا التناول في منصف القرن . وقدمت المقالات معلومات تاريخية وعرقية لتوضيح التوازيات بين المؤدين لمسرحيات الأقنعة والغرباء أو لتوضيح أن بعض أشكال هذه المسرحيات تم توظيفه باعتباره طقس للشفاء حيث يتم انهاء العداوات تعزيز المعايير الاجتماعية . وتعد مقالات ( سويد Szwed) مثالا لمقاربة مسرحيات الأقنعة التي أعادت بؤرة التركيز الكلاسيكية علي العلاقات بين الدراما الفولكلورية والطقس، ولكنا صورت البعد الطقسي للدراما الفولكلورية باعتبارها انجازا للوظائف الطقسية المعاصرة فضلا عن الاعتماد علي أصول طقسية مزعومة . ولعل دراسة ( هنري جاليسي) الشهيرة حول مسرحيات القناع في شمال ايرلندا في الثلاثينيات هي مثال آخر . فقد ركز علي العروض المكونة من ذكريات مؤدين مسرحيات القناع الأفراد لتوضيح تنوع الوظائف المعاصرة بما في ذلك كسب النقود، وتسهيل المواعدات، وتقديم التسلية، ولم شمل الجماعة معا .
ارتكز التغير الآخر الذي نتج عن التغير في التوجه من النص الي الأداء علي طبيعة موضوع الدراسة نفسها . ففي حين ظلت نصوص المسرحيات مهمة، فقد تغيرت الأفكار حول ما ينشئ التقليدي . فمثلا، أيدت ( آن بورسون) تناولا موجها للأداء بشكل أكبر بقولها إن تقليدية الدراما الفولكلورية تكمن في النموذج التقليدي للأداء فضلا عن الالتزام بنص بعينه . وقد تضمنت التعريفات السابقة للدراما الفولكلورية مفاهيم نتيجة متوقعة سلفا، بمعنى أن نهاية المسرحية كان معروفا تماما للمشاهدين . ورغم ذلك، لاحظت (بورسون) أن نصوص المدرسة العلاجية قالت إنها جادلت بأن الدراما الفولكلورية تغيرت خلال العام ولكن الإصدار السنوي قال إنها ما تزال متشابهة لأنها كانت تعتمد علي النماذج التقليدية . فقد ساعدت في توسيع الأفكار حول ما تستتبعه الدراما الفولكلورية بالنسبة لتنويعة العروض الدرامية التي لم يتم دراستها سابقا، ومن بينها إصدارات المدرسة العلاجية و التمثيليات، والعروض المدرسية، ومعسكرات الكشافة . فأصبح مفهوم النموذج التقليد هو الأساس في تعريف ( جرين) للدراما الفولكلورية، إذ عّرفها بأنها عروض نصية تضم التمثيل وتوزيع الأدوار بين مملين أو أكثر والتي تلتزم بالجماليات التقليدية ونماذج الاتصال لجماعة الأداء .
وقد كان يقصد بالتحول الي الأداء أن تنظيم عروض الدراما الفولكلورية يمكن دراسته الآن . فالمزاعم المبكرة بأن الدراما الفولكلورية تلقائية أو غير منظمة قد تم طرحا جانبا لأن العلماء وثقوا الاستعدادات التدريبات الموسعة التي سبقت الأداء وحددت شكله . وقد فصل (ريتشارد شيشنر) و ( باميىلا ريتش) تنظيم وتتابع التدريبات المؤدي إلي عرض “ الندوة Coloquio “، وهي مسرحية محلية مكسيكية لها جذور ترجع الي أسبانيا في القرون الوسطى . وبتأسيس دراستهما علي العمل الميداني الذي أجري في (خوانخواتو) في المكسيك، درس ( بومان) و(ريتش) مختلف صور التدريبات، نسخ جوانب من النص الأصلي الخاص بالممثلين، وهي الطريقة التي تم بها تعليم الأجزاء و تذكر السطور، ودور الملقن، والجو الهزلي المحيط بالإعداد . وقد أثرت أيضا خبرات القرويين ب “ الندوة “ في أسلوب التراتيل التقليدية . وفي اتخاذ هذا النهج العلمي في دراسة الدراما الفولكلورية أوضح (بومان ) و ( ريتش) العناصر والمصادر المحددة التي منحت الأداء النهائي شكله الخاص وكذلك كيفية تعامل السكان المحليين مع هذه المصادر أو السيناريو أو نص المسرحية . وقد امتد هذا التأكيد في مقالة ( راي كاشمان) حول نصوص التنكر في أيرلندا، لأنه قام بتوضيح مشاركته كعضو في فرق المومر وكيف أن جلسات التنكر قد نظمها المشاركون أنفسهم، وتقديم المنهج الموجه للممثل في الدراما الفولكلورية . وعلي العكس من ذلك اتبع ( بيل ايليس) في دراسته حول الاختبارات الساخرة mock ordeals في المعسكرات منهجا موجها للجمهور، واحتج بأن الاختبارات الساخرة يجب أن يكون لها جمهور لا يشارك فيها حتى تكون ناجحة . ومن الأمور الأساسية في خلق الانجذاب، كما يقول، هي الطريقة التي تفصل بها المحاولات الوهمية الجمهور عن الحدث . وهذا التأكيد علي الجمهور هو نتيجة مباشرة لظهور منهج دراسات الأداء في الدراما الفولكلورية .
ولعل أهم فكرة نتجت عن الدراسات الحديثة للدراما الفولكلورية هي الاعتراف بأن الدراما الفولكلورية جزء من شيء آخر . فقد أكد (ابراهامز) أن الدراما الفولكلورية يجب أن تعد جزء من شكلية أوسع للفعاليات الاحتفالية ؛ بمعنى أننا يجب أن ندرس السياقات الاحتفالية الأكبر التي توضع فيها الدراما الفولكلورية . وقد ميز ( توماس بيتيت ) “ الدراما العرفية Customary drama” باعتبارها مسرحيات هي جزء من تقاليد أكبر مثل الاحتفالات الموسمية أو التقويمية، مثل الأعياد والطقوس والمهرجانات أو نماذج الأداء الثقافي الأخرى .ويلاحظ (بيتيت) أنه لا ترتبط كل الدراما الفولكلورية بالعادات، ولكن تحديد تصنيف للدراما الفولكلورية لارتباطها بالعادات يلفت الانتباه إلي العلاقة والوثيقة بين أنواع كثيرة من المسرحيات الفولكلورية والسياقات والمناسبات التي تٌقدم فيها بشكل تقليدي . فمسرحيات التنكر، مثلا، هي جزء هي جزء من عادات لزيارات المنزلية في الشتاء وتٌؤدي خلال موسم عيد ميلاد المسيح، ويجادل ( بيتيت ) أن العادة نفسها يجب أن تكون هي وحدة التحليل . وهذا تغيير أساسي في توصيف كيف تدرس المسرحيات الفولكلورية : بدلا من التصنيف الذي يقوم علي كلمات النص أو نوع الحبكة، ويقترح ( بيتيت) تصنيفا بحسب العادات أو السياقات الأوسع . ويصنف(بيتيت) المسرحيات علي أساس الأنماط الاجتماعية فضلا عن تصنيفها علي أساس النصوص نفسها، ويلاحظ أن المنظور الجديد يكٌتسب ... بمجرد أنه اعتبر أن مسرحية التنكر ... ليست بالضرورة مسرحية منفردة، أو حتى تنويعة من تطورات لشكل أصيل، بل هي نوع من العادات، وتنويعة علي المسرح الفولكلوري .. التي يمكن أن تٌعرض فيها تنويعة من التتابعات الدرامية . وقد دفع هذا المنظور ( بيتيت) وآخرين الي فهم الدراما الفولكلورية بأنها لاحقة علي البيئة .
اللعب والمسرحيات والتحول :
لعل أحد إسهامات (ابراهامز) المتعددة في دراسة الدراما الفولكلورية هي فهمها باعتبارها “ فعالية لعب “ . ويقول إن فعاليات اللعب يستدعي ترسيخ عالم لعب مستبعد بشكل ملحوظ من العالم الحقيقي مع أنه مماثل له من عدة نواح . وهناك انزلاق سيمانطيقي بين صيغة الاسم في كلمة “ Play “ بمعنى مسرحية والتي تشير الي نص، وصيغة الفعل “ Play” التي تشير الي الفعالية، ولذلك ليس من المستغرب أن الأفكار عن اللعب والمرح، وأطر المسرحية مهمة في فهم الكيفية التي تعمل بها الدراما الفولكلورية – والمسرح الدرامي عموما .
تخلق فعاليات اللعب العوالم البديلة، والمعاني التي يتخيل من خلالها المشاركون عالما مختلفا عن الدنيوي الذي يعيشون فيه عادة . اذ يحدث التجريب والتحول في هذا العالم البديل، لأن الناس يصبحون شخصيات وأشياء أو حتى أفكار بطرق ربما تكون محدودة أو مستحيلة في الحياة العادية . وقد لاحظ (بوجاتريف) في ثلاثينيات القرن الماضي أن المسرح الفولكلوري يتعلق ب بالتحولات ومعنى أن الممثلين متحولين الي شخصيات معينة طوال مدة المسرحية . وهذا العالم البديل هو ما سماه ( جريجوري باتسون Gregory Pateson) “ إطار اللعب Playframe”، ويعتبر من جانب المشاركين “ ليس حقيقيا” . وباستخدام مختلف المفاتيح والمحددات، يرسل المشاركون رسائل اتصال شارحة meta-communicative massages للآخرين بأن العالم البديل قد تم استدعائه وأن أفعالهم بداخله يجب تفسيرها تبعا لذلك . ومن المفارقات، مع ذلك، أن المشاركين يتصرفون “ وكأن” إطار اللعب حقيقيا، وهو منطلق يسمح لفعاليات اللعب أن تحدث . ولكن الأفعال والسلوكيات التي تحدث داخل إطار اللعب لا تعني بالضبط وكأن هذه تلك الأفعال والسلوكيات كان يمكن أن تحدث خارجه . فالأفعال في إطار اللعب محاكاة فضلا عن أنها نفس الأفعال . ولهذا السبب، وفقا ل (ستيف تيليز)، فان التمثيل ضروري لتعريف الدراما الفولكلورية . إذ يٌعرّف ( تيليز) التمثيل بأنه ليس مثل المحاكاة فقط، ولكنه تحديدا مثل إنشاء إطار جمالي بين المؤدين والمشاهدين حيث يتصدر مجال التصديق . ويقول “ إن المهم، في تأمل ما اذا كان الشكل المسرحي دراما من عدمه، هو الإطار الذي يتم الحصول عليه داخليا بين المؤدين والمشاهدين” - بمعنى أنه يجب توضيح إطار اللعب . والأهم، أن القواعد التي تحكم المجتمع يمكن أن تكون مساعدة ( مؤكدة) أو مكسورة في إطار اللعب، وتسمح بسن وتجسيد مجموعة واسعة من السلوكيات غير العادية مع عواقب ضئيلة أو معدومة وتجعل من إطار اللعب ساحة مهمة للتجريب .
إن النظر إلي الدراما الفولكورية باعتبارها “ فعالية لعب “ يضيء بعض جوانب العلاقة بينها وبين المهرجانات والطقوس والأشكال الأخرى المرتبطة بها، مثل الرقص والألعاب، علي الرغم من أنها تحجب جوانب أخري منها أيضا . وهذه الفعاليات كلها تتعلق باستدعاء عوالم بديلة وتولد التحول . ومن ناحية التبسيط، مع ذلك، لا يعٌتقد أن الطقوس ( أو الدين عموما ) لعبه في الفكر الغربي / الأمريكي، إذ يرجع في جزء كبير منه الي المواقف البروتستانتية المتشددة تجاه اللعب باعتباره تافها وغير جاد . فطقوس المرور، مثلا، تعتبر نشاطا تقليديا جادا تنتج عنه تحولات دائمة ( مثل تحول الرجل الأعزب إلي متزوج ) . فالعالم البديل الذي يعتد به في الطقوس هو عالم السلطة الدينية أو الخارقة للطبيعة أو العلمانية، مثل الدولة . وموقف المشاركين تجاه هذا العالم البديل أنه عالم حقيقي، أو علي الأقل من المفترض أنه كذلك طوال مدة الطقس . والتحول الناتج هو ذلك الذي يتم وفقا للمعايير والبنيات الاجتماعية الموجودة سلفا، والنتيجة معروفة مسبقا . وبالمقارنة، يفترض أن تكون العوالم البديلة المستدعاة في الدراما الفولكلورية والاحتفال وأشكال الفن الأخرى خيالية، وعادة ما تكون التحولات الناتجة مؤقتة، وتؤدى لأغراض التسلية والترفيه، والتعليم، أو وظيفة أخرى . علاوة علي ذلك، لا تتوافق هذه التحولات مع المعايير الاجتماعية .
ومع ذلك تتداخل الدراما الفولكلورية والطقس والاحتفال مع أنواع اللعب الأخرى حتى أنه يتم حذف التمييز بينهما كلما ظهر . فالاحتفالات مثلا لها أبعاد طقسية وأن مثل هذه الفروق لا يعتد بها في التقاليد غير الغربية، حيث يمكن أن تمزج الطقوس الهزلي والجاد، وحيث يمكن أن تكون بعض صور الأداء طقسية وصور أخرى للتسلية والترفيه . ويلاحظ ( ريتشارد شيشنر ) أن الطقس والمسرح علي حد سواء يحققان التسلية والترفيه في البيئات الغربية : والسؤال هو أيهما يهيمن علي الآخر . ربما تستخدم الطقوس والاحتفالات الأخرى مجموعة من الحيل الدرامية مثل الأدوات والأقنعة والعرض علي خشبة المسرح واللغة الجمالية والحوار التقليدي لتحقيق غاياتها، ورغم ذلك ربما لا تعد مثل الدراما الفولكلورية في حد ذاتها . وبالعكس، يمكن أن تكون بعض المسرحيات الفولكلورية مضحكة ومسلية مع أنها تؤدي وظائف طقسية من خلال توليد تحول دائم .
وأحد هذه الأمثلة في البيئات الغربية هو احتفال البحرية ب “ عبور الحدود “ . وتنفذ البحرية هذه المسرحية الطقسية للاحتفال بعبول البحار لخط الاستواء لأول مرة . وهدف الاحتفال تحويل المستجدين ( الرجال الذين لم يعبروا خط الاستواء) الي متمرسين (الذين عبروا خط الاستواء وبالتالي أصبحوا بحارة مخضرمين) . ويتضمن الاحتفال مسرحية هزلية مع شخصيات مثل الملك “نبتون” وحاشيته . والمسرحية الهزلية فكاهية لأنها تتعلق بارتداء الملابس العكسية وهي مصممة بالتأكيد لتسلية الرجال، علي الأقل أولئك الذين عبروا خط الاستواء . مع أن ذلك أمر خطير، لأن الآثار التي يتحملها هؤلاء علي مدار الاحتفال ربما تكون مؤلمة ومهينة للغاية . وفي النهاية يحدث التحول الدائم : يتحول المستجدين إلي متمرسين، وتنجح العادة المتخيلة . وهنا تكون الدراما الفولكلورية جزء من احتفال أكبر يحقق التحول الطقسي ولا يمكن فهمه باعتباره وحدة مكتفية بذاتها، فهو مثال (بيتيت) لتصنيف الدراما الفولكلورية المرتبطة بالعادات، باعتبارها جزء من كل أكبر .
والمسرحيات الطقسية مثل “احتفال عبور الحدود “ تصور أيضا أن الفروق بين “اللعب “ و “ الجد” وبين “ الحقيقي “ و” المتخيل “ متماسة حتى في البيئات الغربية . وفي هذه الحالة، يكون لتجسيد التصديق تأثيرات حقيقية : فلا أحد يصدق أن الجنون الذين شاركوا في احتفال عبور الحدود قد تحولوا فعلا الملك نبتون وحاشيته ( فمثل هذه التحولات يمكن أن تحدث خلال طقوس دينية أكثر جدية، مثل عندما يرفع “ لوا” المريد في طقوس الفودو، أو يلاقي المؤمن الروح القدس ويتحدث بلسانه ) ومع ذلك تحدث الطقوس التي تبدأ من “ اليرقات “ الي “الضفادع” برغم كل شيء . وعلي العكس من ذلك، حتى في الطقوس الجليلة التي يتم فيها استحضار عالم بديل “ جاد أو حقيقي” فربما يتصرف الناس وكأنهم يصدقون ( بمعنى أنهم يلعبون أو يتظاهرون وكأنهم ممثلين) فضلا عن أنهم مؤمنين حقا . فربما لا يؤمن العروس والعريس بالله فعلا، أو في الدولة التي تزوجهما، ولكنهما يخضعان للطقس، وينتهي بهما الأمر إلي اعتبارهما زوجين .
وتستكشف ( مونتانا ميللر) هذا التحول وتداخل الأطر بين اللعب والحقيقة بشكل اثنوجرافي في دراستها المطولة عن عرض “ كل خمس عشرة دقيقة يموت إنسان Every 15 minutes Someone dies” وهو عرض مسرحي مدرسي عن حادث تصادم نتيجة القيادة في حالة سكر، يتم تجسيده في المدارس لكي يعلم المراهقين ألا يشربوا الخمر أثناء قيادة السيارات . وعلي الرغم من أنه لا يوجد نص رسمي، فانه عرض متقن، يكتمل بالسيارات المحطمة والشرطة وسيارات الإسعاف والخدمة الطبية و متعهدي الدفن وشخصية الميت . وتدرس ( ميللر ) بالتفصيل العلامات التي تميز عرض “ كل خمس عشرة دقيقة “ كمسرحية، وبالتالي باعتبارها ليست حقيقية أو مختلفة عما يحدث في الحياة فعلا، ولكن هدفها الأساسي هو توثيق الانزلاق الذي يحدث بين الواقع والخيال . وباتخاذها لمنظور المشارك، توضح كيف أن الممثلين والمشاهدين ينتقلون بين الإطارين . ومثل كل العروض الدرامية، يبدأ العرض وينتهي في وقت معين ويعرض في مكان أو إطار معين يحدد أن الأداء ليس حقيقيا . ولكن (ميللر) توضح الطبيعة المفتوحة للدراما الفولكلورية : فمثلا تقدم وسائل الإعلام تقريرا عنها، يصبحون نوعا من الشخصيات الذين يمثلون أنفسهم، ولكن يقدمون أيضا تقريرا عن العرض . بينما المشاهدون، والطلاب يكون لديهم استجابات عاطفية حقيقية، مثل الدموع، تجاه التجسيد الخيالي، وإظهار إن المتلقين في داخل الإطار الخيالي أيضا . ومثل كل أشكال المسرحية، ينتشر جو الغموض والالتباس وتعدد المعاني في كل الأحداث، بينما يضحك الطلاب والمدرسون وأولياء الأمور، ويصرخون، ويستمتعون وهم يرون الأجسام المصنوعة من الحقائب تسارع باتجاه الحطام، وتقدم درسا عن أهوال السكر والقيادة تحت تأثير الخمر . وتوضح دراسة ( ميللر) أن الدراما الفولكلورية تفهم بشكل أفضل باعتبارها حدثا مركبا، وحتى عندما نعرف أنهم يمثلون، فان الخط الفاصل بين الخيال والواقع يمكن تعميته .
• السياسة :
من البديهي أن نقول إن المسرحيات الفولكلورية وأشكال الأداء الثقافي الأخرى انعكاسية، بمعنى أنها لا تعكس المجتمع فقط، ولكنها تتأمل عملية فعل ذلك . ولأن الدراما الفولكلورية شكل من أشكال اللعب فإنها مضاعفة الانعكاس : كما اشرنا سابقا، ينغمس المشاركون في أفعال ليست حقيقية ولكنها محاكاة لأفعال تسمي “عرض الفعل Showing-doing”، ويدخل المشاركون إلي الإطار ويخرجون منه بدرجات متفاوتة بين الحقيقة والتظاهر لكي يختبروا ويقيموا ويفهموا بشكل أفضل ما يحدث . ويستتبع الدراما الفولكلورية بعدا جماليا قويا يعزز طبيعتها الانعكاسية وهي تعرض بشكل علني وتلفت الانتباه إلي ما تفعله الصيغ الدرامية . وبينما يصبح الإطار هو التظاهر يحدث التحول ولذلك ان ما يحدث في الدراما الفولكلورية هو فعال، حتى لو لم يكن فعالا من الناحية الطقسية .
تقطع الجماليات المتعالية والنموذج الانعكاسي شوطا طويلا نحو توضيح العلاقة الوثيقة بين الدراما الفولكلورية والمهرجان والسياسة . ومن المعترف به منذ فترة طويلة أن الثورات تحدث في أفات الاحتفالات . فالمهرجانات التي توصف بأنها مسرح الشعب، يمكن أن تفهم باعتبارها أحداث اللعب في المجتمع التي يتم فيها تعليق الوقت العادي مؤقتا، ولا يتم الاعتداد بالسلوكيات، ويشارك الناس في أنشطة لا يرغبون في فعلها في الحياة الفعلية . فالمهرجانات تجمع الناس معا في كتل، ويتسامحون فيما بنهم أو يشجعون علي السلوك المنحرف، وغالبا يشجعون علي التخفي وراء قناع أو وراء الملابس وتمثيل الأدوار . وكما لاحظنا سابقا، يرتبط مجال الدراما الفولكلورية عادة بالاحتفال والعادات الموسمية الأخرى باعتبار أنها جزء مكمل للاحتفالات التي تكون لها نفسها أيضا وظائف طقسية . وليس من المفاجئ إذن أن يستخدم الناس أوقات الاحتفالات للاحتجاج أو التحريض علي العنف : المثال الحديث لذلك هو التفجير الإرهابي في مارثون بوسطن عام 2013 . ومن المثير للاهتمام أن (توماس بيتيت) قد أوضح أن الثورة نفسها يمكن استنتاجها من اللغة الرمزية وتنميط الاحتفال الموسمي ومسرحيات الدراما الفولكلورية المرتبطة بهم . وربما يتخذ قادة الثورة أسماء شخصيات الاحتفال أو الدراما الفولكلورية ويرتدون ملابسهم كجزء من أداء الدور . وطبقا ل ( بيتيت)، لا يمكن أن ينتشر العنف في إطار الاحتواء الممنوح للمهرجان الفلكلوري والدراما فقط، ولكن يمكن أن تكون هناك علاقة بين التمرد والاحتفال .
التمرد أو الثورة هما مثالان متطرفان، ولكن الدراما الفولكلورية الاحتفالات والمهرجانات والعادات الموسمية، أو السياقات الأخرى التي يوضعون فيها هي ساحة مثمرة لاكتشاف التغير الاجتماعي لأنها أداءات ثقافية انعكاسية متعالية جماليا.
...........................................................................................
• ليزا جيلبرت تعمل أستاذا في قسم اللغة الانجليزية بجامعة ولاية يوتا في الولايات المتحدة الأمريكية
• وقد نشرت هذه المقالة في مجلة Humanities في عام 2018 .