وداعا حسين العزبي.. رمز الأصالة والمعاصرة

وداعا حسين العزبي.. رمز الأصالة والمعاصرة

العدد 669 صدر بتاريخ 22يونيو2020

الفنان القدير حسين العزبي الذي رحل عن عالمنا - يوم الجمعة الموافق 12 يونيو (2020) - عن عمر يناهز  73، بعد رحلة معاناة طويلة مع المرض فنان عالمي بكل المقاييس، فقد نجح بابداعاته الفنية - في مختلف المجالات وخاصة بالفنون المسرحية - أن يصنع لنفسه بصمة مميزة وأن يضع لنفسه مكانة خاصة وسط عدد كبير من الأساتذة الذين حققوا شهرتهم منذ بداية ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.. ومن بينهم الأساتذة: رمزي مصطفى، أحمد إبراهيم، عبد الغني أبو العينين، ناجي شاكر، عبد الله العيوطي، سكينة محمد علي، صلاح عبد الكريم، حسن سليمان، عبد الفتاح البيلي، رؤوف عبد المجيد، حسين جمعة، نهى برادة، عبد المنعم كرار، فوزي أبو شال، لطيفة صالح، منى البارودي، وفاء زيادة، سمير زكي، صبري عبد العزيز، سمير أحمد، نهاد بهجت، زوسر مرزوق، مهيرة دراز، مجدي رزق، فوزي السعدني، زناد أبو العينين، أشرف نعيم. والحقيقة أنني قد تعمدت ذكر أسماء عدد كبير من المبدعين في مجال تصميم الديكورات المسرحية ليس فقط للتأكيد على خصوبة “مصر” التي تعتز وتفتخر بكثرة عدد المبدعين بها، ولا لايضاح مدى الصعوبة والمشقة التي تواجه الفنان الجديد لاثبات موهبته ووضع اسمه وسط تلك الكوكبة من الأساتذة المبدعين، ولكن أيضا للإشارة إلى ذلك المجهود الكبير الذي بذله الفنان حسين العزبي لعدة سنوات في محاولة لتقديم أول موسوعة شاملة تضم جميع مصصمي “السينوغرافيا” المسرحية بالوطن العربي، ولكن للأسف لم يمهله القدر لاستكمالها وخروج هذا المشروع القومي  إلى النور.
الفنان العالمي حسين العزبي (واسمه طبقا لشهادة الميلاد: حسين محمد العزبى) من مواليد محافظة “القاهرة” في 14 فبراير عام 1947، وقد حصل على بكالوريوس قسم الديكور في “المعهد العالى للفنون المسرحية” عام 1971. وأثناء فترة دراسته بالمعهد درس أيضا لمدة عامين بالقسم الحر للديكور المسرحى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة (عامي 1969، 1970).
ويحسب برصيده الفني تصميمه للديكورات والملابس لعدد يزيد عن 90 مسرحية، وذلك لعدد كبير من فرق الهواة والمحترفين (من بينها فرق الدولة المختلفة وكبرى الفرق الخاصة)، ويكفي أن نذكر تعاونه مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل من بينهم الأساتذة: عبد الرحمن الشافعي، محمد صبحي،    حسن عبد السلام، السيد راضي، سمير العصفوري، وذلك من خلال تعاونه مع كبرى الفرق المسرحية ومن بينها: “المسرح القومي”، “المسرح الحديث”، “المسرح الكوميدي”، “الغنائية الاستعراضية”،  “أستديو 80”، “أحمد الإبياري”، “أوسكار”، “محمد فوزي”، “مينوش” (مدحت الشريف)، “عصام إمام”.
وتجدر الإشارة إلى أن الحظ قد أسعدني بمشاهدة نسبة كبيرة - قد لا تقل عن 90% - من العروض التي أبدع في تصميم ديكوراتها، كما كان لي شرف تناول أغلبها نقديا بنسبة لا تقل عن 50%، وبالتالي أستطيع أن أقرر أن عروضه مع كل من رائد المسرح الشعبي عبد الرحمن الشافعي والفنان القدير محمد صبحي تمثل حالة متفردة وقمة في إبداعاته. فإذا كانت مسرحية “عاشق المداحين” هي أولى المسرحيات التي لفتت الأنظار إلى تميزه وموهبته الأصيلة، والتي تأكدت بعدها من خلال سلسلة أعماله الأخرى مع الفنان عبد الرحمن الشافعي (منين أجيب ناس، الليلة الكبيرة، علي الزيبق، سيرة بني هلال، مولد يا سيد، الشحاتين، ليلة المولد) فإن تصميماته وابداعاته مع الفنان القدير محمد صبحي قد أبهرت الجميع بتميزها وابتكاراتها الجديدة، وخاصة بمسرحيتي “ماما أمريكا”، و”الزيارة”، ويكفي أن أذكر أنه في المسرحية الأخيرة قد أبدع بتسيير “قطار” على خشبة المسرح وتحليق “طائرة بموتور” أعلى رؤوس الممثلين في سقف المسرح. ويمكنني أن أضيف إلى ما سبق تميزه الكبير وتألقه أيضا مع المخرج القدير حسن عبد السلام في العرض الكوميدي الغنائي “رصاصة في القلب”، حيث تميزت تصميماته - التي اتسمت بالرقة والجمال - بسرعة التغيير، وخاصة خلال الأغاني المختلفة حتى منح المتفرجين شعورا بأنهم يشاهدون ولأول مرة “فيديو كليب” على خشبة المسرح.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد كيف استطاع الفنان حسين العزبي تحقيق ذلك النجاح والتميز والتألق وتلك المكانة السامية، وأعتقد أن الإجابة- من وجهة نظري - لجمعه بين كثير من التناقضات، فهو ابن البلد الذي ولد بحي السيدة وقضى بعض مراحل تعليمه الأساسي بحي “شبرا” (قبل أن يعود مرة أخرى إلى”السيدة”)، وهو البرنس رقيق المشاعر الذي اختار تخصصه وحرص على السفر لعدد كبير من دول العالم، وبالتالي فقد جمع بين الأصالة والمعاصرة، بين توظيفه لخامات البيئة من حصير وكليم وجزوع نخيل وبين توظيفه في أحيان أخرى لأحدث الخامات العصرية من معادن ولدائن وبلاستيك وشرائح شفافة. وبصفة عامة قد وفق في التعامل مع كل عرض طبقا لطبيعته مع مراعاة وجهة نظر المخرج ومع ذلك فقد وفق أيضا في وضع بصمته المميزة بجميع أعماله ولم يتخل عن سماته الإبداعية. كان حريصا جدا على تقديم رؤية جمالية مبهرة بجميع عروضه مع توظيفه للتصميمات المبتكرة والخامات المناسبة والألوان الجذابة وذلك بشرط أساسي وهو أن تنسجم تلك الرؤية التشكيلية مع مضمون العرض وأحداثه الدرامية، فقد ظل طوال مسيرته شديد الإيمان بأن الديكور ليس إطارا خارجيا مجملا ولكنه جزء أساسي من نسيج العمل الدرامي ومكملا له وبالتالي يجب أن يوظف لخدمته.
والمتتبع لعروضه يمكنه أن يرصد بسهولة مراعاته لترك مساحات فارغة مناسبة لتقديم الاستعراضات المختلفة بالعروض الاستعراضية، في حين يراعي بالعروض الكوميدية تحقيق البهجة من خلال تصميماته المبتكرة وتوظيفه للخامات والألوان الفوسفورية، أما في العروض التجريبية فنجده يجيد توظيف الضوء والظلام وكيفية اسقاط الظلال. وبقدر نجاحه في تصميماته وتوظيفه الجيد للفراغ بالمسارح التقليدية تألق أيضا في توظيفه للفراغ الخارجي فقدم مجموعة من أفضل عروضه بالأماكن الأثرية ومن بينها “وكالة الغوري”، “قصر الغوري”، كما نجح أيضا في توظيف واجهة “المعهد العالي للفنون المسرحية”، بعض السرادقات ومسرح السامر.
وأخيرا يجب التنويه إلى أن الاسهامات الفنية لهذا الفنان القدير لم تقتصر على مجرد الإبداع في مجال تصميم الديكورات والأزياء للعروض المسرحية، بل تعدت ذلك بكثير باشتراكه بتصميم الديكورات والأزياء لبعض الأعمال السينمائية وبالدراما التليفزيونية، وأيضا برسم عدد كبير من اللوحات التشكيلية، ومشاركته بعدة معراض جماعية وأيضا تنظيمه لعدة معرض خاصة (بعدة دول ومن بينها: إيطاليا والكويت وقطر) وكان من أهمها “معرض الربابة” بدار الأوبرا، وأحدثها “معرض التنورة” بمركز الهناجر للفنون. وذلك بالإضافة إلى مشاركاته في عدد كبير من الفعاليات الفنية والمهرجانات المسرحية المحلية والعربية، وأيضا بالتدريس الأكاديمي حيث تحمل مسؤولية منصب أستاذ التصميم والأزياء بقسم المسرح في “كلية الأداب” بجامعة حلوان.
ويطيب لي في هذا الصدد تقديم شهادة حق وهي أن الفنان الصديق حسين العزبي ظل يمارس الفن وخاصة من خلال المسرح بروح الفنان الهاوي، فلم ينتظر منه على الإطلاق تحقيق أي مكاسب مادية، بل على العكس كثيرا ماكان يقوم بالصرف عليه، وذلك لأنه أدرك مبكرا أهمية الوقوف على قاعدة مادية قوية تمكنه من اختيار الأفضل والأنسب من الأعمال، فتخصص في الديكورات الخارجية للفيلات والقصور وخاصة الحدائق وحمامات السباحة كمصدر رزق لا يجعله يضطر يوما إلى تقديم أي تنازلات فنية.
يمكن من خلال رصد المشاركات الإبداعية الكبيرة للفنان القدير حسين العزبي بمختلف المجالات الفنية تصنيفها إلى ثلاث أقسام رئيسة كما يلي:
أولا - الإبداعات بالمسرح:
وهو المجال الذي يمكن اعتباره مجال ابداعه الأساسي الذي أظهر من خلاله مهارات كبيرة وتميزا وضحا. ونظرا للعدد الكبير من المسرحيات التي أبدع الفنان حسين العزبي في تصميم الديكورات والملابس لها - أو الديكورات فقط - تم تصنيف تلك المسرحيات طبقا للجهات الانتاجية إلى ثلاثة أقسام كما يلي:
1 - بفرق مسارح الهواة:
- “مسرح السامر”: الجواب (1973)، عاشق المداحين - زكريا الحجاوي (1978)، منين أجيب ناس (1979)، مصطفى كامل (1980)، ليلة نجيب سرور، الليلة الكبيرة (1981)، الله يا بلدنا، أحزان رجل طيب (1983)، سهرة مع رواة السيرة الشعبية، شرخ في جدار الخوف، عروسة الزار، علي الزيبق (1984)، طريق السماء (1986)، مولد يا سيد (1987)، الشحاتين (1988)، فركشة، ليلة المولد (1990)، قابيل وهابيل، ليالي السيرة الشعبية (1991)، عطاء بلا حدود، الليلة المحمدية (1992)، يا حلاوة زمان (1993).
- “قصر ثقافة الغوري”: سيرة بني هلال (1985)، الغوري يبني الهرم الأكبر (1985).
- “الجمعية المصرية لهواة المسرح”: جرير وميراث اللعنة (1987).
- “ بني سويف القومية”: الإمام البوصيري (1988).
- “منف التجريبية”: الدربكة (1988).
- “بورسعيد القومية”: الطوفان (2001).
- “الإسماعيلية القومية”: خرابة زعتر (2004).
2- بفرق مسارح الدولة:
- “المسرح المتجول”: رسائل قاضي أشبلية (1987).
- “الغنائية الاستعراضية”: لولي (1995)، أحلام ياسمين (1996)، رابعة زهرة العاشقين (2002).
- “تحت 18”: الساحر أوز (1999)، حلمان وعروس البحار (2001).
- “رضا للفنون الشعبية”: قلب في الروبابيكيا (1999).
- “المسرح الكوميدي”: رصاصة في القلب (2000).
- “الشباب”: البروفة الأخيرة (2002).
- “أنغام الشباب”: يا أنا يا هو (2000)، ابن حسب الله (2005).
- “القومية للفنون الشعبية”: زكية زكريا والعصابة المفترية (2000).
- “المسرح الحديث”: تفاحة يوسف (1998)، الأوله في الغرام (2003)، الناس النص نص (2005)، نساء السعادة (2006)، يمامة بيضا (2007).
- مسرح التليفزيون”: يا غولة عينك حمرا (2004).
- “مركز الهناجر للفنون”: ليلة 14 (2005).
- “المسرح القومي”: بيت الدمية (2006).
- “القاهرة للعرائس”: ثورة العرائس (2011).
3- بفرق القطاع الخاص:
- “أستديو الممثل” (محمد صبحي): هاملت (1971)، أوديب ملكا (1974)، الزيارة (1993).
- “أحمد شادي”: عيل وغلط (1980)، سيدة الحوش (1983).
- “أستديو 80”: تخاريف (1987)، وجهة نظر (1989)، بالعربي الفصيح (1991).
- “فايز حلاوة”: الأوبك (1987).
- “النيل”: مراتي تقريبا (1991).
- “أشرف صدقي”: حارة الضحك (1991).
- “أستديو 2000”: العار (1993)، الكابوس (1994)، وجع الدماغ (1995)، جنون البشر (1996)، سلامة النساء (2005).
- “أوسكار”: على بلاطة (1993)،
- “محمد فوزي”: ماما أمريكا (1994)، أنا والحكومة (1998)، شقاوة (1999)، حلو وكداب (2000)، ملاعيب (2000)، زكية زكريا تتحدى شارون (2001).
- “عصام إمام”: شبورة (1998).
- “مينوش” (مدحت الشريف): الواد ويكا بتاع أمريكا (1998)، ديسكو ديسكو يا هووه (1999)، الواد ضبش عامل لبش (1999)، عسل البنات (2000).
- “فيصل ندا”: كيمو والفستان الأزرق (1999).
- “أحمد الإبياري”: أنا ومراتي ومونيكا (1999)، دور ري مي فاصوليا (2001)، مراتي زعيمة عصابة (2008)، سكر هانم (2010).
- “راضي آرت”: نيو لوك (2004).
- “جرين لاين”: ديدي في مخ صعيدي (2004).
- “عبد المنعم جابر”: ريا وسكينة في مارينا (2004).
- “رويال ستارز”: أوعى تلعب (2006).
- مسرحيات مصورة: يلعب على الحبلين (1975)، كحيون يربح المليون (2002)، ماما مسافرة وجت على غفلة (2015)، المستريح (2015).
وجدير بالذكر أنه قد تعاون من خلال المسرحيات السابقة مع عدد كبير من المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: حسن عبد السلام، السيد راضي، فايز حلاوة، سمير العصفوري، عبد الرحمن الشافعي، محمد صبحي، محسن حلمي، مراد منير، محمد أبو داود، عمرو دوارة، انتصار عبد الفتاح، فؤاد عبد الحي، نبيل الهجرسي، فيصل عزب، أبو بكر خالد، محمد عمر، حسام الدين صلاح، خالد جلال، عادل عبده، أشرف زكي، محمود أبو جليلة، هاني البنا، علي خليفة، سامح مهران، عباس أحمد، شريف عبد اللطيف، عادل العليمي، سمير حسني، جمال قاسم، سعد جميل، سامي فهمي، رشدي إبراهيم، محمد النجار، عادل الأعصر، أحمد البدري، رائد لبيب، مدحت الشريف، حسن السبكي.
ثانيا - الإبداعات في الفنون الدرامية الأخري:
لم تقتصر ابداعات هذا الفنان الكبير على مجال العروض المسرح بل شارك أيضا ببعض الفعاليات والأعمال الدرامية الأخرى ومن بينها:
1 - تصميم الملابس لعدة رقصات مختلفة لبعض فرق الفنون الشعبية بالأقاليم ومن بينها فرق: “الواحات للفنون الشعبية”، “الأقصر للفنون الشعبية”، “بورسعيد للفنون الشعبية”.
2 - تصميم الديكورات لبعض المسلسلات الدرامية ومن بينها:
- “السيرة الهلالية” من إخرج أحمد بدر الدين (عام 1989).
- “مطعم تشي تو” من إخراج محمد فاضل (2006).
- “هايم عبد الدايم” من إخراج أشرف عبد الهادي (2008).
- “عائلة حاحا” من إخراج رائد لبيب (2016).
3 - تصميم الديكورات لبعض الأفلام السينمائية ومن بينها:
- “لحظات أنوثة” من إخراج هاني عيسى (2008).
- “بنطلون جولييت” من إخراج طارق الإبياري (2012).
ثالثا - الإبداعات في مجال الفنون التشكيلية:
حرص الفنان حسين العزبي على صقل وتنمية موهبته في الرسم عن طريق الدراسة المستمرة وكذلك اكتساب الخبرات العملية، ويحسب له في هذا المجال اصراره على ممارسة الرسم بصورة منتظمة، فبالرغم من عشقه الكبير لعالم الفنون الدرامية ومشاركته بتصميم الديكورات والملابس لعدد كبير من المسرحيات إلا أن ذلك لم يشغله أبدا عن تنظيمه لعدة معارض تشكيلية سواء بصورة فردية أو بالتعاون مع بعض الزملاء في معارض جماعية. ويمكن تصنيف مجموعة المعارض التي شارك بها كما يلي:
1 - معارض فردية بكل من: إيطاليا (1974)، الكويت (1976)، قطر (1980)، مصر (الأقصر، مكتبة الأسكندرية، أكاديمية الفنون، دار الأوبرا، مركز الهناجر، مسرح السلام، هيلتون بلازا، ساقية الصاوي).
2 - معارض جماعية: أكاديمية الفنون (1978)، التشكيلي لفناني الجيزة (1985)، أشهر مصممي الديكور والأزياء المسرحية (1991)، معرض السينوغرافيا (2012).
3 - تصميم نصب الشهداء لثورة يناير 2011، وهو عبارة عن ثلاث أهرامات مزينة بقصاصات الصحف التي نشرت أخبار الثورة لتعبر عن أرواح الشهداء وترمز للخلود بمصر.
ذكريات مسرحية:
كان من المنطقي أن تجمعنا الصداقة كما جمعتنا الهواية والزمالة، خاصة وأننا أبناء جيل واحد تقريبا - فهو يكبرني بثمان سنوات فقط - ويجمع بيننا حب وعشق الفنون المسرحية، ومع دماثة خلقه ووداعته المعهودة ونبل أخلاقه السامية تعرفنا سريعا من خلال مجموعة الأصدقاء المشتركين بفرقة “السامر” في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي. كان الصديق الغالي حسين قد بدأ يشق طريقه الاحترافي للفن، في حين كنت ما أزال بمرحلة إثبات موهبتي وصقلها من خلال بعض فرق الهواة ومن أهمها: فرقة “مجانين المسرح”. وسريعا ما تحولت لقاءات الصدفة بيننا إلى لقاءات متعمدة ومحددة لزيارة المعارض والمتاحف أو لحضور البروفات والعروض المسرحية. واستمرت الصداقة تجمع بيننا وتنمو دون محاولة استثمارها في عمل مشترك حتى عام 1985، حيث بادر وبنبل كبير وعطاء حقيقي بعرض تطوعه بالتصميم والتنفيذ لديكورات وملابس عرض مونودراما “جرير وميراث اللعنة”، وهو يعلم تماما أن العرض يقدم في إطار فعاليات “المهرجان الثالث للمونودراما” الذي تنظمه “الجمعية المصرية لهواة المسرح” على مسرح الطليعة عام 1987، ومعنى ذلك أنه سيتعامل تماما بروح الهواية الخالصة وأنه لن يتطوع بالعمل مجانا فقط بل وربما يضطر أيضا إلى احضار بعض الخامات الضرورية، وأتذكر آنذاك جملته الرائعة: “يكفيني سعادة أن أشارك أصدقائي الثلاث جنونهم الفني البديع، أنت كمخرج وانتصار عبد الفتاح كموسيقي و الممثل الرائع زين نصار المتمكن من أدواته جيدا، ولستم أكثر مني عشقا للفن ولا جنونا فنيا”. وتقتضي الحقيقة الاعتراف بأنه بمشاركته الفنية هذه قد تحول العرض فعليا من مجال الهواية إلى الاحتراف، ومن المسرح الفقير الغني بعناصره البشرية فقط إلى مسرح غني وثري بجميع عناصره المرئية والسمعية، خاصة بعدما أصر على استكمال جميع عناصر رؤيته التشكيلية على نفقته الخاصة بل واحضار بعض الموتيفات والاكسسورات القيمة جدا من منزله، مما دفعنا كمجموعة المشاركين فيه إلى الانسحاب من مسابقة المهرجان والاكتفاء بالمشاركة على هامش المهرجان.
ومنذ ذلك العرض توالت الفعاليات المسرحية المشتركة التي جمعت بيننا، ولعل من أهمها فعاليات “مهرجان المسرح العربي” الذي نظمته “الجمعية المصرية لهواة المسرح” مع بداية الألفية الجديدة، حيث شارك متطوعا في أكثر من دورة بعضوية لجنتي “المشاهدة واختيار العروض”، و”التحكيم العربية”، فكان بحق واجهة مشرفة للموضوعية ونموذج يحتذى للعطاء الحقيقي، فقد كان حريصا جدا بعد مشاهدته لكل عرض على تقديم نصائحه المفيدة المخلصة لجميع هواة المسرح المشاركين فيه.
كثيرا ما نردد أننا لا نستطيع الحكم الفعلي على الأشخاص إلا من خلال التجربة العملية واستمرارية التعامل أو ما يطلق عليه مصطلح “العشرة”. وغالبا ما تكون نتائج الحكم أكثر دقة وموضوعية إذا ما تضمنت تلك المسيرة فرصة السفر معا خارج الوطن، وهو ما تحقق بالنسبة لي مع هذا الفنان القدير أكثر من مرة. لقد أسعدنا الحظ بمشاركتنا معا في أكثر من مهرجان مسرحي عربي، ومن بينها “مهرجان مسرح الخليج العربي”، الذي ما زلت أتذكر جيدا مواقفه المشرفه خلاله، وكيف استطاع بخبرته وحكمته ودماثة خلقه نزع فتيل الأزمة التي تفجرت في كواليس لجنة التحكيم، بعدما اشتد الصراع باختلاف وجهات النظر بين عضوين، وللأسف سرعان ما تحول الاختلاف في وجهات النظر الفنية إلى إقحام السياسة وتحويله أيضا إلى صراع سياسي بين دولتين شقيقتين!! فتدخل على الفور بهدوء وحنكة مطالبا وقف المناقشات وتبادل الاتهامات، وتحكيم الضمير الفني مع إقتراح باجراء التصويت السري واعتماد نتيجة متوسط الأرقام، وهو ماتم تنفيذه بالفعل. هكذا كان رحمه الله دائما حكيما بخبرته وحاسما بهدوء وساعيا دائما لجمع الشمل، فظل طوال مسيرته خير مثال للمسرحي العربي وواجهة مشرفة للفنان المصري.
أهم مظاهر التكريم و الجوائز:
كان من الطبيعي أن تتوج تلك الرحلة الإبداعية العطرة بتقلده لبعض المناصب القيادية المهمة ومن بينها:
- أستاذ الديكور بقسم المسرح بكلية الآداب (جامعة حلوان).
- مدير عام فرقة “مسرح القاهرة للعرائس” (خلال السنوات الأولى للألفية الجديدة).
- مقرر شعبة الديكور بنقابة “المهن التمثيلية”، وكذلك عضوية مجلس الإدارة لأكثر من دورة.
وكذلك تم تتويج مسيرته الفنية الثرية بحصوله على بعض مظاهر التكريم والعديد من الجوائز ومن بينها:
- شهادة تقدير عن تصميمه لديكور عرض “عاشق المداحين” (1978).
- شهادة تقدير وأوسكار من “C.A.T.” الدولية في مجال تصميم الديكور (1987).
- جائزة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب عن بحث “علاقة التشكيل بالمسرح الشعبى” (1990).
- جائزة وزارة الثقافة للديكور المسرحى عن عرضي: “ماما أمريكا”، و”أحلام ياسمين” (1996).
- جائزة التفوق والآداب عن مجمل تاريخه فى مجال الديكور فى مجالى الديكور والأزياء (2015).
- التكريم بالدورة الحادية عشر للمهرجان “القومي للمسرح المصري” (2018).


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏