في ميزان النقاد في وداع موسم مسرحي واستقبال موسم آخر2017

في ميزان النقاد في وداع موسم مسرحي واستقبال موسم آخر2017

العدد 539 صدر بتاريخ 25ديسمبر2017

في حصاد الموسم المسرحي 2017 تُرى ما هي أهم الظواهر اللافتة للنظر خلال الموسم، “مسرحنا” التقت بعدد من النقاد للتعرف على آرائهم فيما شاهدوه من عروض، ومن كان الأفضل من وجهة نظرهم؟

 

يقول الناقد د. سيد الإمام إن هناك سمة مشتركة لمسها خلال موسم 2017 ظهرت جلية في أربعة عروض هي «شامان» إخراج سعيد سليمان، و«الجلسة» إخراج مناضل عنتر، و«بلان سي» إخراج منار زين، وعرض «يوم أن قتلوا الغناء» وهي الأزمة الأخلاقية التي يعاني منها الشباب داخل المجتمع، حيث تراهم غير قادرين على التكيف مع مجتمعهم، فإما أن يلجأوا للنزعة الصوفية التي لا تملك حلا لمشكلاتنا، وإما اللجوء للمخدرات التي تغيب عن الواقع ويطرح «بلان سي» فكرة الحل الثالث ويلقيه للجمهور.
ويضيف: إن الأزمة الروحية تجسدت في القوى الغيبية التي دخلت على عقولهم فشوهت واقعهم وهذا هو الطرح الذي قدمه عرض «شامان». موضحا أن هذه العروض لجأت إلى الحلول الطقسية باعتبار أن معالجة الواقع ومحاولة الاشتباك معه غير مجدية، وبالتالي لجأت إلى الأداء الطقسي. ويخلص الإمام من ذلك إلى أن الظاهرة التي يرصدها من خلال هذه العروض الأربعة تؤكد على وجود أزمة أخلاقية داخل المجتمع تطرح نفسها على المسرح بشكل واضح. ويرى الإمام أن أفضل مؤلف في هذا الموسم هو محمود جمال وأفضل مخرج تامر كرم وأفضل أداء تمثيلي مروة عيد في عرض «واحدة حلوة»، ونشوى مصطفى في عرض «سيلفي مع الموت»، وأفضل ديكور للفنان عمرو الأشرف في عرض «الجلسة».
محلك سر
ويقول الناقد عبد الغني داود إنه لم يلمس أي ظاهرة لافتة للنظر في مسرح 2017 وإن مسرح الدولة ما زال يدار بنفس الروتين المعتاد، فلا توجد انطلاقات صارخة لافتة أو مساحات من الحرية، موضحا أن الأمور ما زالت – على حد تعبيره – «محلك سر».
وأضاف أن المسرح ما زال يدور في فلك المناسبات أو مواكبة التيار السياسي السائد، وكذلك المهرجانات المسرحية لا تعدو كونها عملا روتينا.
وفيما يخص العروض المسرحية في 2017 يرى أن أبرزها عرض «قواعد العشق الأربعون» للمخرج عادل حسان، وإن اعتراه بعض الخلل، لكنه حاز على إعجاب وإقبال الجماهير نظرا لما يحويه من غناء وإنشاد صوفي، وإن كان – بشكل عام، ومن وجهة نظره – لا يخطو مسرحيا للأمام. ويرى داود أن الحركة المسرحية تسير بخطى بطيئة كسد خانة، وأنه يبحث عن ظاهرة أو حركة تحدث تيارا وهذا ما نفتقده. وكذلك على مستوى التمثيل أو الديكور يؤكد أنه لم يشاهد ما يلفت نظره، حتى وإن جاءت بعض العروض مبهرة سينوغرافيا، مؤكدا أن الإبهار على مستوى الصورة المسرحية ليس كافيا، لا سيما إن كانت بقية العناصر ضعيفة، مما يحدث نوعا من عدم التوازن. وأشار داود إلى أن الساحة المسرحية تحتاج لأن تنفتح لكتاب المسرح الحقيقيين وألا تظل منغلقة على بعض «الشلل» وعلى «المجاملات»، مضيفا أن سياسية البيت الفني للمسرح تحتاج لمثل هذا الانفتاح، وأن الثقافة الجماهيرية تقدم عروضا مكررة وكذلك الفرق الحرة والمستقلة. ويؤكد داود أن المسرح في 2018 يحتاج من المبدعين البحث عن كتابات مسرحية تخلق مسرحا مصريا وعربيا أصيلا بعيدا عن السطحية والتقليد، وبدون هذا لن تقوم للمسرح قائمة.
الورش الفنية
وتقول د. ياسمين فراج أستاذ النقد الموسيقى بالمعهد العالي للنقد الفني، إن اللافت هذا العام هو انتشار ظاهرة الورش على هامش أغلب المهرجانات مثل المهرجان القومي والتجريبي ونوادي المسرح، وإنها أصبحت جزءا من مشروعات بعض المسارح مثل مسرح الشباب، مؤكدة أنها ظاهرة صحية، وإن كانت ترى ضرورة اختيار المدربين بعناية.
أما على مستوى العروض، فتقول إنها لم ترَ عرضا في 2017 يستحق أن يكون الأفضل في جميع عناصره، لكن يمكنها أن تقيم العناصر كل على حدة، فعلى مستوى التأليف ترى أن الأفضل هو محمود جمال عن عرض “يوم أن قتلوا الغناء” حتى وإن كانت ترى به بعض القصور إلا أنه الأفضل، وعلى مستوى التمثيل ترى أن الأفضل هو محمد ناصر وهند عبد الحليم.
وعلى مستوى الماكياج والأداء الحركي ترى أن عرض “الجلسة” لمناضل عنتر هو الأفضل.
وعلى مستوى الإخراج ترى أن المخرج سعيد سليمان يستحق أفضل مخرج عن عرض «شامان» حيث استطاع توصيل الحالة الانفعالية من خلال الموسيقى والحركة لا سيما وأن جمل النص لم تمثل حوارا تقليديا، بل كانت إرهاصات تعبر بها الشخصيات عن نفسها، وقد استطاع المخرج من خلالها تقديم حالة صوفية، مشيدة بالملحن هاني عبد الناصر الذي استطاع تقديم حالة نفسية مختلفة ومتنوعة في أجزاء العرض الثلاثة الرئيسية.
وتطرقت فراج للحديث عن عرض «قواعد العشق الأربعون» للمخرج عادل حسان كنموذج لحالة صوفية أخرى قدمت في نفس العام، لكنها ترى أن “قواعد العشق” قدم مجموعة أغانٍ جيدة تمثل قالبا ما بعد حداثي للغناء الصوفي موسيقى وألحانا، وأشادت بالمغني سمير عزمي. أضافت أن عرض «سلم نفسك» للمخرج خالد جلال يعد من أفضل العروض التي قدمت في سياق عروض مسرح الارتجال، موضحة أن أغلب الممثلين لديهم طاقات وقدرات تمثيلية رائعة، وهي ترى أن الديكور والإضاءة هما مشكلة المسرح المصري، مشيرة إلى أن اللبنانية منى كنيعو قد أكدت على ذلك في ورشتها على هامش التجريبي.
وفي ختام حديثها، أكدت فراج على ضرورة مراعاة مبدأ تكافؤ الفرص بين الأجيال. وعلى أهمية وجود مزيد من الورش الحقيقية وليست «الشكلية» في مجالي الديكور والإضاءة.
عودة المسرح الغنائي
ويقول الناقد باسم صادق إن أكثر الظواهر المسرحية اللافتة للنظر في 2017 هي محاولات عودة المسرح الغنائي مرة أخرى من خلال عرض «يوم أن قتلوا الغناء» وعرض «ليلة» لا سيما وأن هذا اللون الغنائي والاستعراضي من المسرح مكلف جدا، لذا يجب أن نثمن أي محاولة في هذا الاتجاه، ويضيف أن أبرز ما لفت نظره من عروض هو عرض «الجلسة» من إخراج مناضل عنتر، حيث يعدّه بمثابة محاولة مختلفة لا سيما وأن عنتر من أبرز مخرجي الأوبرا المصرية، وأن محاولات تضفير الدراما بالرقص المعاصر شيء مبشر، خصوصا وأنه استعان ببعض الممثلين وقام بتدريبهم على الرقصات بديلا عن الاستسهال والعمل بمجموعة راقصين، وكانت النتيجة جيدة جدا، وتابع: كنت أتوقع أن هذا العرض سيكون تميمة حظ البيت الفني في مهرجانات 2017، والمبشر أن العرض تم ترشيحه للمشاركة في مهرجان المسرح العربي بتونس في يناير 2018.
وعلى مستوى التمثيل يرى أن أفضل ممثل في 2017 هو الفنان ياسر صادق في عرض “يوم أن قتلوا الغناء”، مشيرا إلى أنه ممثل جيد وعندما أتيحت له الفرصة لبطولة عرض مسرحي قدم عرضا متميزا، وكنت أتوقع أن يحصل على جائز أفضل ممثل في المهرجان القومي للمسرح 2017، لا سيما في ظل المباراة التمثيلة القوية بينه وبين د. علاء قوقة في هذا العرض. تابع: وأفضل ممثلة هي الفنانة إيمان غنيم في عرض “الجلسة”. وعلى مستوى الديكور يرى أن الأفضل هو ديكور عرض “ليلة” للفنان حازم شبل، حيث استطاع استخدام تقنيات مختلفة لإبراز الحالة الرومانسية الحالمة داخل العرض بديكور موحٍ ومعبر ويعدّ من أهم عوامل نجاح العرض، ويرى أن أفضل أزياء للفنانة مروة عودة، وأفضل مخرج خالد جلال الذي أنهى عام 2017 بعرض “سلم نفسك” الذي كشف الستار عن دفعة جديدة من العناصر التمثيلية المتميزة، وأشار صادق إلى أن المسرح المصري يحتاج إلى التكاتف من مخرجين وممثلين ونقاد بدلا من النرجسية التي تؤدي إلى عدم وجود أعمال متكاملة إلى حد كبير، مشيرا أيضا لأهمية وجود نصوص وورش أكثر.
سيطرة عنصر الشباب
ويقول د. محمد سمير الخطيب إن اللافت في هذا الموسم هو سيطرة عنصر الشباب والغزارة الإنتاجية لكنه يتساءل: أين الريادة من ذلك؟ موضحا أنه رغم الغزارة الإنتاجية من قبل جميع المؤسسات، فإن العروض المنتجة لا تستطيع المنافسة على المستوى العربي والدولي.
وأشار إلى أن نموذج المسرح التونسي على سبيل المثال سبقنا بخطوات واسعة، وقد لمس ذلك جليا في العروض التي شاهدها في مهرجان شرم الشيخ الدولي للشباب ومهرجان مسرح بلا إنتاج بالإسكندرية، ويرى الخطيب أن العروض المصرية تركزت على نقد الأوضاع الحالية بالإضافة إلى الاهتمام بالصورة أكثر، مضيفا أن بعض المخرجين والمؤلفين أكدوا وجودهم أكثر مثل محمود جمال وتامر كرم. ويشير إلى أن البيت الفني للمسرح أعطى الفرصة لمخرجين ومؤلفين شباب وهو شيء جيد. تابع: أفضل الممثلين في هذا الموسم هو د. علاء قوقة، كما لفت نظره محمود رميح وهو ممثل بفريق كلية الهندسة بجامعة طنطا في عرض «الماسة»، والممثل والمخرج ميشيل ميلاد، وعلى مستوى الإخراج المخرج السعيد منسي وهاني عفيفي وفي التأليف محمود جمال، وعلى مستوى الديكور الفنان حازم شبل.
وأكد الخطيب على ضرورة الوعي بأن مصر دولة كبيرة، لذلك فمن الضروري الاهتمام بالجودة الفنية للعروض حتى تكون مؤهلة للمنافسة على المستويين العربي والدولي خاصة ونحن نملك المواهب الشابة الحقيقية.
ربنا ياخد بيده
الناقدة د. إيمان عز الدين تقول إن عرض “سينما 30” تأليف وإخراج محمود جمال هو أبرز ما شاهدت هذا العام، فهي تجربة رغم تميزها في المزج بين المسرح والسينما بخلق صورة سينمائية على خشبة المسرح، لم تحظَ بالنجاح الجماهيري الذي تستحقه كالعروض التي كتبها محمود جمال من قبل مثل “1980 وانت طالع”، وأضافت أن المخرج استطاع استخدام مجاميع وقيادتها وشغل الفضاء المسرحي بتشكيلات لها دلالتها، رغم بعض الهنات في «الفيلم الأخير» داخل العرض فإنها تجربة تستحق الإشادة.
وعلى مستوى التأليف ترى أن شباب الكتاب لديهم أفكار جيدة ولكن تنقصهم الحرفية، في حين أن الكتاب الكبار إما يكررون أنفسهم أو «حس الستينات» ما زال مسيطرا عليهم.
وتضيف أن أزمة الكتابة المسرحية تتمثل في أزمة النشر حيث إن دور النشر لا تهتم بنشر المسرح كما تهتم بنشر الرواية أو القصة، بالإضافة إلى سيطرة الكتابة للسينما على الكتابة المسرحية على الرغم من اختلاف تقنيات الكتابة لكليهما.
وتضيف عز الدين أن التمثيل لم يلفت نظرها في العروض التي شاهدتها، فهي ترى أن التمثيل ما زالت تسيطر عليه أشكال ومناهج قديمة، لكنها أشارت إلى أن فرقة الورشة للفنان حسن الجريتلي تقدم عروضا مختلفة على مستوى التمثيل مثل عرض «يوم القيامة» وعرض «الغرف الصغيرة» للمؤلف السوري وائل قدور الذي قدمته الفرقة على مسرح الفلكي.
وعلى مستوى الديكور ترى أن عرض «ليلة» رغم أنه فقير دراميا لقيامه على الوعظ، فإنه غني بالجوانب المسرحية الأخرى لا سيما الديكور للفنان حازم شبل الذي استطاع تقديم صورة ثرية، موضحة أن العرض إنتاجه ضخم جدا وأن ذلك بدا جليا في الموسيقى والغناء والملابس والديكور.
وأكدت عز الدين أن النجاح الجماهيري ليس هو المؤشر الأول ولا الوحيد على النجاح، مشيرة إلى أن المسرح التونسي حقق قفزة مهولة سواء على المستوى الفني أو على مستوى الأفكار التي تتجاوز وتكسر كل التابوهات وتمنت للمسرح المصري أن «ربنا ياخد بيده».
جودة العروض الفقيرة
وتقول الناقدة داليا همام إن بعض العروض التي شاهدتها في هذا الموسم اتسمت بجودة فنية عالية رغم إنتاجها الفقير، بالإضافة لفكرة اللوحات المنفصلة المتصلة التي تناقش قضايا اجتماعية مختلفة لكنها في سياق واحد مثل عرض «بلان سي» الذي قدمته فرقة تحت 18 إخراج منار زين، فهو يقدم لقطات من الواقع الاجتماعي لها علاقة بالتكنولوجيا، وكيف تؤثر على العلاقات الاجتماعية بكوميديا جيدة ومعبرة. وتضيف أن عرض «يوم أن قتلوا الغناء» للمخرج تامر كرم من العروض اللافتة للنظر، وكذلك عرض “سينما 30” تأليف وإخراج محمود جمال. وعرض «معتدل بهدوء غاضب» تأليف وإخراج عمر صلاح. تابعت: عرض «قواعد العشق الأربعون» للمخرج عادل حسان من العروض اللافتة والمهمة في هذا الموسم لا سيما في تعامل معدّة النص رشا عبد المنعم مع الراوية وكيف استطاعت الاستغناء عن الحبكة الخارجية وركزت على الحبكة الداخلية ليصل العرض برسالته المتعلقة بالحب والوحدة الوطنية.. إلخ ببساطة دون زيادة أو نقصان، مشيدة بأداء الفنان عزت زين التمثيلي في دور جلال الدين الرومي.

 


عماد علواني