د.حسن عطية.. كاتب بالمعرفة وناقد بالسؤال

د.حسن عطية.. كاتب بالمعرفة وناقد بالسؤال

العدد 682 صدر بتاريخ 21سبتمبر2020

ظلت العلاقة بين الباحثين والنقاد والفنانين المصريين، موصولة دائما إلى المرجعيات العربية، وفي نفس الآن متفاعلة مع المرجعية الثقافية الغربية التي كانوا ينهلون منها المعارف والثقافات والتجارب، وبها كانوا يعمقون فهمهم للتصورات المطروحة والمفاهيم الرائجة لتوظيفها أثناء القراءات التي يقومون بها لقراءة زمن الإبداع العربي بما يناسب الزمن النقدي الأدبي والفني دون التفريط في أصول كل الخاصيات التي تتميز بها عوالم الثقافة في مصر باعتبارها منارة الثقافة العربية التي تصنع بهاء كل الخطابات الأدبية المنفتحة على العالم، وهو ما يمثله الدكتور حسن عطية بوضوح حين كان يربط علاقاته بالثقافة الإسبانية لجعلها نافذة يطل منها على الغرب، لكن بتخصص في المناهج، لا سيما المنهج السوسيولوجي. 
والدكتور حسن عطية حين عاد من العوالم المعرفية الغربية محمّلا بمعرفته بالمنهج، فإنه صار يمارس فعل قراءة النتاجات الأدبية والفنية بتمثل عميق يفهم بدقة حيوية الثقافة المصرية، والمناهج النقدية في الغرب، فكان يتعامل مع الثقافات المكتسبة بالسؤال النقدي الذي فتح أمامه مكامن الاختلاف في القراءات وهو يحرك نظرته إلى الذات بالمفاهيم، والنظرة إلى التصورات التي كانت لا تنتج خطابات مستلبة، أو تعيد مواقف موصوفة بصفات التغريب، أو أنه ظل حبيس الأخذ دون عطاء متجدد، أو ظل منبهرا بما لدى الغرب بدهشة تنسيه إبداع مصر، وهويته، فهو حين كانوا يقرأون مواضيعه فإنه كان ينتج ما يميزه بما يضيفه لتبقى خاصية الفعل الإبداعي لديه قائمة على تثبيت الاختلاف وهو يقدم الصورة الحقيقية للثقافة المصرية ضمن سياقها العربي المتجدد، ويقدمها ضمن سياقها العالمي.
تبرز صورة ونموذج هذا المثقف في كل ما كتبه الدكتور من دراسات تطبيقية أبرز فيها صورة علاقته التواصلية مع الغرب، وعرض فيها مستويات وشائجه القوية مع العطاءات المصرية، وهو بهذا كان يسهم مساهمات مائزة في تشكيل المنظومة الثقافية المصرية وهو يتعامل تعاملا خاصا مع ثقافتها بوعي نقدي حقيقي راكم به قراءاته المتعددة للسرد الروائي، وللمسرح، وللنقد، وقدم سير الفنانين، والكتّاب، فكان في كل ما يكتب يبرز حيويته في الفهم، وقدرته على اكتشاف البنيات العميقة لكل جنس من الأجناس الأدبية والفنية التي يحلل منظوماتها ودلالاتها، وهو في هذه القراءات كان يقوم بتجريب معرفته بأدوات المنهج، ويجرب قدرته على تسخير المصطلحات، والمفاهيم بما يغني النص المقروء بالوضوح وبالبيان.
عندما عاد الدكتور حسن عطية من إسبانيا التي أنجز في جامعتها (الأتونوما) بمدريد أطروحته الموسومة بـ(المنهجية السوسيولوجية في النقد المسرحي) بدأ يكتب عمرا معرفيا جديدا لمقاربة القضايا الأكثر إثارة في الزمن المسرحي والفني والأدبي المصري موظفا مهاراته في القراءة مدعوما بتخصصه في مجال الإعلام، والتزامه المبدئي تجنب التهافت على المواضيع السطحية التي لا تنتسب إلى عالم الإبداع الحقيقي لأنه كان لا يمشي حثيث الخطى مسرعا نحو تبني القراءة الانطباعية السطحية، بل يختار ما يقدمه وهو يعرض ذلك في كل كتاباته التي بقي فيها متأملا بهدوء لمواضيع قراءته لا ينتج إلا ما له علاقة بالتروي، والتبصر، وتحسس مكامن الإبداع في الإبداع، وتأمل ما يفيد القراءة وهو يتسمّع بأناة إلى صوت مواضيعه.
الدكتور حسن عطية في كل المصنفات التي كتبها كان يثبت حضوره القوي في بناء زمن القراءة الحيوية اعتمادا على النقد التطبيقي أولا، ثم على عشقه للنتاجات المصرية التي ظل فيها متمسكا بتدقيق المفاهيم، والمصطلحات، وظل عاشقا للنقاشات العلمية وهو يجادل بالتي هي معرفة وإحاطة بالموضوع كل موضوع يستحق النقاش والاختلاف.
 لقد كان الدكتور حسن عطية يحترم الرأي السديد الذي يناقش به رأيا سديدا آخر، لناقد آخر، وكان يدفع بعجلة الاختلاف إلى بلوغ فهم الدلالات الممكنة التي تثبت نجاعة الاتفاق والتجانس بينه وكل طرف يشارك في الجدل وهو النهج الذي بنى به كتبه ومصنفاته النقدية كما ظهر ذلك في كتاب: (الثابت والمتغير: دراسات في المسرح والتراث)، وكتاب: (نجيب محفوظ في السينما المصرية)، وكتاب (ألفريد فرج صانع الأقنعة المسرحية)، وكتاب (زمن الدراما).......
وإضافة إلى الاشتغال على أعلام التمثيل الفني الراقي في مصر فإنه منهجيا كان يبني شخصية كل علم من أعلام الفن المصري على تجميع المفردات، وتكثيف الأحداث، وإبراز المساهمات الجادة في الحياة الفنية المصرية لبلورة المستوى المحترم الذي حتى يُكون به الحديث عن الشخصية بشكل مكتمل الجوانب، وهو ما ظهر في كتابي (عزت العلايلي ملح الأرض وحلوها)، وكتاب (سناء جميل: زهرة صبار قمرية).
ما خلفه الدكتور حسن عطية من دراسات، ومن مصنفات نقدية ثرية بالمعارف كلها تنطق بتميزه ونجاحه في تدبير مهاراته في إنتاج الخطاب النقدي العارف بشروط القراءة كإبداع، وتفكيك، وتركيب معاني النص المقروء كظاهرة اجتماعية، وهذا دليل قوي على أنه ناقد عربي مبدع متخصص بمرجعياته المتعددة في ميادين الآداب، والفنون المسرحية، وفي الفن السابع، وهي المجالات التي كان يبني فيها بهدوء وروية منظومته القرائية التي جعلت منه ناقدا عربيا استثنائيا في تجربة الإنتاج الأدبي والفني والصحافي في مصر وفي الوطن العربي.     


عبد الرحمن بن زيدان