المسرح المصري مئة وخمسون عاما من الإبداع .. كتاب جديد ودعوة يتبناها د. عمرو دوارة

المسرح المصري مئة وخمسون عاما من الإبداع  .. كتاب جديد ودعوة يتبناها د. عمرو دوارة

العدد 655 صدر بتاريخ 16مارس2020

يعد الدكتور عمرو دواره من أهم الموثقين للحركة الفنية المصرية « مسرح، سينما، إذاعة، تليفزيون» سواء كانت مدارس أو قضايا أو شخصيات، خاصة الشخصيات التي لها دور كبير في الحركة الفنية، قدم العديد من المؤلفات في مجال الفنون المسرحية ومن أهمها: «فؤاد دوارة عاشق المسرح الرصين» (المركز القومي للمسرح)، «الإخراج المسرحي بين مسارح المحترفين والهواة»، «شموع مسرحية انطفأت بلا وداع»، «الإخراج لمسارح الأطفال (الهيئة المصرية العامة للكتاب)، «مسرح الأقاليم وعلامات على الطريق»، «يوسف وهبي فنان الشعب»، «المسرح هموم وقضايا» (هيئة قصور الثقافة)، «المهرجانات المسرحية العربية» (أمانة عمان الكبرى المملكة الأردنية)، هناء عبد الفتاح فارس التجريب المسرحي (مطبوعات المهرجان القومي السادس - 2012)، «حكاية المسرح القومي» (هيئة قصور الثقافة - 2013)، «أحمد عبد الحليم قائد فيلق الفنانين العرب» (دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع - 2013)، ملك مطربة العواطف ومسرحها الغنائي (المركز القومي للمسرح - 2014)، محمود الألفي وعالمه المسرحي (دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع - 2015)، كرم مطاوع مؤلف العرض المسرحي (مهرجان شرم الشيخ - 2017)، جلال الشرقاوي والمسرح السحري (المهرجان القومي للمسرح المصري - 2018)، حسين رياض الفنان صاحب الأف وجه» (دار ذهبية للطباعة والنشر)، وأخيرًا المسرح المصري مئة وخمسون عامًا من الإبداع (المهرجان القومي للمسرح 2019).
الذي يقع في خمسة عشر فصل حيث تم تقسيم المئة وخمسون عامًا إلى خمسة عشر عقدً بداية من وبالتحديد خلال الفترة من 1870 إلى 2019، ولم يكن هذا الكتاب مجرد كتاب فحسب ولكنه مشروع كبير تبناه ودعوه قدمها لكل المهتمين بالمسرح للإحتفال بمرور مئة وخمسين عام على المسرح المصري وقد لاقت هذه الدعوة استجابة كبيرة.
 في هذا الكتاب يؤكد د. دوارة أن المسرح المصري ظل منذ بداياته عبر سبعة الآف سنة انعكاسا واضحا ومتميزا لأحداث الواقع وكذلك أيضا ظل المسرح المصري إنعكاسا صادقا للمتغيرات والتطورات السياسية والاقتصادية والانسانية والإجتماعية، ولكن هذا الإنعكاس يعد فقط أول أدواره والتي تنمى وتتكامل مع أدواره الأخرى، ولعل من أهمها تقديمه وتناوله للقضايا المختلفة ونقده للأنظمة الحاكمة وكشفه للسلبيات والتجاوزات، وأيضا التحذير والإنذار من الأخطار المستقبلية المحتمل حدوثها، وهو بدعوته الدائمة للتطوير ولتحقيق غد أفضل يساهم كذلك في إيضاح الطريق لكيفية مواجهة هذه الخطار، كما يعمل على حث ودعوة الجميع إلى المشاركة الإيجابية، وذلك عن طريق تأثيره الساحر وقدرته على شحذ الهمم وتجميع الطاقات.
 ويضيف أن المتتبع لمسيرة المسرح المصري يمكنه بسهولة رصد أن المسرح قد ظل ولسنوات طويلة رافعا راية الثورة ضد الظلم والطغيان ومطالبًا بتغيير النظم الديكتاتورية، وكذلك داعيا لمساندة الرموز الثورية الوطنية والدفاع عن مكاسب الثورات الشعبية بانحيازه إلى حقوق الأغلبية في الحياة الكريمة، وقد كان ذلك واضحا من خلال كتابات وعروض كل من مسارح المحترفين والهواة على السواء، حيث استطاع المسرح من خلال مبدعيه الكبار في مختلف مجالات الفنون المسرحية أن يقوم بتقديم كثير من المعالجات الدرامية المتميزة التي تطالب بالحرية وحق تقرير المصير، كما تطالب بتطبيق العدالة الإجتماعية والمساواة والتخلص من عناصر الفساد الإجتماعي والسياسي، كما قام أيضا خلال العقود الأخيرة بالقرن الماضي بتقديم معالجات درامية أخرى تنتقد مظاهر الانفتاح الاقتصادي وتحارب قوى الإرهاب، ومع بدايات هذا القرن في التعبير عن أهداف الثورة الشعبية التي قادها الشباب في يناير 2011، وعن ثورة تصحيح المسار التي قادها المثقفون في يونيو 2013.
كما يؤكد أن الظاهرة المسرحية ككل الظواهر الثقافية والفنية الأخرى، نتاج تراكمات فنية واجتماعية متعددة، ليس من السهل حصرها بدقة علمية كاملة، كذلك من المستحيل دراستها في فترة زمانية محددة، أو فصلها فصلا تاما عن مراحلها السابقة المؤثرة فيها سواء بالسلب أو بالإيجاب، وأنها ككل الظواهر الفنية شديدة التعقيد، تتفاعل في تحقيق منجزها عناصر عديدة، بعضها ذاتي يعبر عن شخصة الفنان المبدع وثقافته ومزاجه الشخصي وموقفه من الحياة، وبعضها الآخر موضوعي يعكس طبيعة العصر، وعلاقة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بهذا الإبداع الفني، بل ويجب التنويه إلى أن الظاهرة المسرحية أكثر تعقيدا من بقية الظواهر الفنية، وذلك نظرا لطبيعة الفن المسرحي كفن مركب يساهم في إبداعه مجموعة من المبدعين في مختلف مفرداته البصرية والسمعية، فالمسرحية الواحدة نتاج إبداع كل من المؤلف والمخرج ومصممي السينوغرافيا(الديكور/الملابس/الإكسسورات/الإضاءة) ومصمم الإستعراضات والمؤلف أو المعد الموسيقي والممثلين بالإضافة إلى باقي مجموعة العاملين وراء الكواليس.
 ويذكر حقيقة هامة هي أنه بالرغم من ذلك الجهد الكبير الذي بذله بعض الأساتذة والمؤرخين لتوثيق بعض مراحل المسرح المصري (وفي مقدمتهم كل من الأساتذة/ محمد تيمور، فؤاد رشيد، د.محمد يوسف نجم، د.يوسف داغر، د.رمسيس عوض، د.علي الراعي، فؤاد دوارة، سمير عوض، محمد الفيل، د.سيد علي إسماعيل) إلا أن هناك مساحات كبيرة بتاريخنا الفني قد ظلت مجهولة، كما أن هناك بعض الفرق والعروض التي مازالت ساقطة تماما من ذاكرتنا المسرحية، خاصة وأننا للأسف نفتقد بمكتبتنا العربية لجميع أشكال الموسوعات المسرحية.
ويهدف هذا الكتاب إلى محاولة استكمال أجزاء الصورة المبعثرة، ومحاولة الإجابة على كثير من الاستفسارات وخاصة تلك المرتبطة ببدايات الحركة المسرحية في مصر، وكيفية انطلاق الشرارة الأولى، وكيفية تشكل الظاهرة المسرحية ونجاحها في استقطاب الجمهور بمختلف فئاته والتعبير عنه بتقديم عروض تعبر عن واقعه الإجتماعي والثقافي والسياسي، وذلك بفضل جهود عدد كبير من المبدعين بمختلف المفردات المسرحية.
يتناول الفضل الأول انتشار الظاهرة المسرحية وترسيخ جذورها بالتربة المصرية والعربية يؤكد أنها تعود بالدرجة الأولى – كما يتضح من التصنيف التاريخي للعروض بالموسوعة - لأصحاب الفرق (يعقوب صنوع، سليم النقاش، يوسف خياط، سليمان قرداحي، سليمان حداد، أبو خليل القباني، اسكندر فرح، سلامة حجازي، أحمد الشامي، منيرة المهدية، جورج أبيض، علي الكسار، نجيب صدقي، يوسف وهبي)، ولمجموعة الكتاب أصحاب الأقلام سواء بالترجمة أو بالتأليف ( ومن بينهم: فرح أنطون، نجيب الحداد، أنطون الجميل، محمد عثمان جلال، إسماعيل عاصم، عباس علام، خليل مطران، محمد تيمور، إبراهيم رمزي، أمين صدقي، بيرم التونسي، محمد يونس القاضي، حامد السيد، بديع خيري، إسماعيل وهبي، طه حسين، توفيق الحكيم وآخرين)، ومجموعة المخرجين (ومن بينهم: عزيز عيد، زكي طليمات، عبد العزيز خليل، عمر وصفي، فتوح نشاطي وآخرين)، والنخبة من كبار الممثلين (ومن بينهم: أحمد فهيم، محمد بهجت، أحمد علام، حسين رياض، نجيب الريحاني، علي الكسار، بشارة واكيم، محمد عبد القدوس، حسن فايق، إستيفان روستي، عباس فارس، عبد الوارث عسر، فؤاد شفيق، حسن البارودي وآخرين)، ومجموعة الممثلات (استر شطاح، صالحة قاصين، مريم سماط، إبريز وألمظ استاتي، لطيفة عبد الله، منيرة المهدية، بديعة مصابني، روز اليوسف، فكتوريا موسى، فكتوريا كوهين، فكتوريا حبيقة، فاطمة سري، فاطمة ورتيبة وأنصاف رشدي، نعيمة ولعة، زينب صدقي، دولت أبيض، علوية جميل، أمينة رزق وأخريات).
 لم يهتم الكتاب برصد تاريخ المسرح المصري فحسب بل أنه تناول مدى تأثر الانتاج المسرحي بالظروف السياسية والإجتماعية والإقتصادية، ولعل ذلك يتضح جليا من خلال توقف الانتاج المسرحي تقريبا خلال الثورة العرابية وبداية الإحتلال الإنجليزي (1882- 1884)، وكيفية مشاركته في التعبير عن أحداث دنشواي 1906 ومؤازرة جهود الزعيم مصطفى كامل مؤسس الحزب الوطني، وكذلك كيفية تأثره كما وكيفا بأحداث ثورة 1919، ثم بنفي زعيمها سعد زغلول وإقالة حكومة الوفد، كما يتضح أيضا مدى تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي على الانتاج المسرحي مما دفع كثير من الفرق إلى وقف نشاطها أو تنظيم رحلات فنية إلى بعض الدول العربية، خاصة وقد امتد هذا الـتأثير إلى ظهور وانتشار «مسرح الصالات»، وأيضا تأسيس أول فرقة تابعة للدولة (الفرقة القومية عام 1935).
 كما تناول دور المسرح المصري في في القضايا الهامة ليس في الداخل فقط، لكنه بدأ بالتصدى لقضية «الصراع العربي الصهيوني» منذ نكبة فلسطين عام 1948، كما واكب بعروضه الحروب والمعارك الهامة التي خضناها معه وبالتحديد معركة «بورسعيد» عام 1956، والخامس من يونيو عام 1967، والسادس من أكتوبر عام 1973. ويحسب للمسرح المصري أنه لم يكن فقط مجرد انعكاس لأحداث العبور العسكري العظيم في أكتوبر 1973، بل كان أيضا مشاركا فعالا في صنعه والتمهيد له، حيث استطاع المسرحيون أن يقوموا بدور حيوي ومؤثر بعد نكسة يونيو 1967، وذلك حينما قاموا بتقديم عروضهم الوطنية أثناء حرب الاستنزاف، لمواجهة مشاعر اليأس والإحباط، والعمل على تعبئة الجماهير لمعركة جديدة لاسترداد الكرامة.
كما تناول أهم التغيرات المحورية التي حدثت في الداخل ولعل من أهمها: نجاح ثورة 23 يوليو وإعلان «جمهورية مصر العربية»، وتأميم «قناة السويس» والتصدي لمعركة العدوان الثلاثي، وكذلك تأسيس فرق التلفزيون المسرحية في بداية الستينيات، مرورا بنكسة 1967 ثم عودة الكرامة المصرية بنصر أكتوبر 1973، ثم ماأعقب ذلك الانتصار خلال فترة النصف الثاني من السبعينيات من تغيرات سياسية باتخاذ سياسة الإنفتاح الإقتصادي منهجا وماتبع ذلك من تغير أساسي لطبقات المجتمع المصري وبالتالي تغير أيضا لنوعية المشاهد المسرحي، مما أثر كثيرا على طبيعة العروض المسرحية، ولذ فقد كان من الطبيعي أن تنتشر ظاهرة العروض التجارية التي تعتمد على أرخص أشكال الفنون للترفيه عن الأشقاء العرب، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة المسرحيات المصورة التي تنتج خصيصا للتصوير خلال عرض واحد أو عرضين فقط في أفضل الأحوال، والتي تفاقمت وتعاظمت سلبياتها منذ منتصف العقد الأخير (بالتحديد منذ عام 2014) بتنافس بعض القنوات الفضائية على انتاج ما سمي ب»تياترو مصر» أو «مسرح مصر».
 ويحسب لهذا الكتاب اقتحامه لمناطق مجهولة من حياتنا المسرحية ورصد بعض الظواهر المسرحية لأول مرة ومثال لذلك «مسارح الصالات» في منتصف الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي التي قدمت ما يزيد عن ثلاثمائة وخمسين مسرحية، شارك في تقديمها كبار الكتاب (بيرم التونسي، أمين صدقي، بديع خيري، أبو السعود الإبياري)، وقام بإخراجها كبار المخرجين (عزيز عيد وبشارة واكيم وعبد العزيز خليل) كما شارك بالتمثيل فيها نخبة من كبار النجوم وفي مقدمتهم علي الكسار، فاطمة رشدي، بديعة مصابني، فتحية أحمد، رتيبة وأنصاف رشدي، ببا عز الدين، فهمي آمان، عبد الحليم القلعاوي، إسماعيل يس، تحية كاريوكا، وأيضا ظاهرة «المسرحيات المعلبة» أو «المصورة»، ويقصد بهذا المصطلح تلك المسرحيات التي يتم انتاجها خصيصا بهدف العرض التليفزيوني، وبالتالي يتم تقديمها على خشبة المسرح لمدة ليلة واحدة أو في أفضل الظروف لمدة ثلاث أيام في وجود الجمهور.
كذلك تضمن الكتاب بعض الإشارات لعروض بعض الفرق المجهولة التي قام بتأسيسها بعض النجوم وقدمت بعضها عرضا واحدا أو ثلاثة عروض على أكثر تقدير، ومن بينها فرق النجوم: حسن البارودي، حسن فايق، محمد كامل المصري (شرفنطح)، نجمة إبراهيم، نيللي مظلوم، فريد شوقي، بدر الدين جمجوم، كمال الشناوي، حسن يوسف، ليلى طاهر.
ورد بالكتاب أيضًا أسماء الكتاب والمخرجين بداية من الخمسينيات حتى 2019.


نور الهدى عبد المنعم