في اختتام أيام الشارقة المسرحية «سيمفونية الموت والحياة» عرض مسرحي متكامل فنيا

في اختتام أيام الشارقة المسرحية «سيمفونية الموت والحياة» عرض مسرحي متكامل فنيا

العدد 656 صدر بتاريخ 23مارس2020

 أقفلت أيام الشارقة المسرحية دورتها الثلاثين التي استمرت لمدة  سبعة أيام، بمشاركة 13 عرضا مسرحيا، ما بين المسابقة الرسمية وخارجها، بفوز الكاتب المخضرم إسماعيل عبد الله بجائزة أحسن تأليف، وفوز مسرحيته المعنونه (سيمفونية الموت والحياة)  من اخراج محمد العامري بجائزة أفضل عرض مسرحي متكامل فنيا، كما حصل أحد ابطالها أحمد العمري على جائزة الفنان المسرحي من غير أبناء الدولة ، وكانت هذه المسرحية قد برمجت لتعرض في اليوم النهائي من المسابقة الرسمية،  ولتكون بالتالي  مسك ختام الأيام والانطباع الأخير الذي سيبقى محمَلا في ذاكرة الضيوف من الجمهور العام والخاص من ممثلين ومخرجين ونقاد.
وكان إسماعيل عبد الله قد شارك كمؤلف في عرضين مسرحيين ضمن المسابقة الرسمية للأيام، العرض الأول بعنوان (سيمفونية الموت والحياة ) والثاني بعنوان (ليلة مقتل العنكبوت) للمخرج الإماراتي محمد العامري  التي توجت بدورها بجائزة لجنة التحكيم الخاصة ، وهو عمل مسرحي من انتاج فرقة امارة الشارقة في مدينة خورفكان.
وتدور أحداث مسرحية سيمفونية الموت والحياة، حول فرقة موسيقية أرسلت الى الجنود لمؤازرتهم والترفيه عنهم، لكنها وأثناء رحلتها وقبل الوصول لهدفها تعترضها مجموعه من الجماعات الإرهابية  المتطرفة، وبعد ان تكتشف تلك الجماعة انها فرقة موسيقية تقرر قتلها، لكن أحد قادة هؤلاء الجماعة الذي أوعز له بالقضاء على تلك الفرقة، يتردد كثيرا خاصة بعد ان يستمع لموسيقاهم،  ويتمرد على قادته في محاولة منه للتكفير عن ذنوبه السابقة (حيث نفهم من مجريات الاحداث انه تورط في هذه الجماعة)،  فيحاول انقاذ الفرقة من الموت طالباً منها تقديم معزوفة بحيرة البجع، وأثناء قيامهم بالعزف يساعدهم على  الرحيل هرباً من الموت عبر احدى المقطورات، بينما يلقى حتفه وعقوبته وحيدا .
ورغم ان الكاتب إسماعيل عبد الله استند في عمله هذا على رواية الكاتب الإنجليزي  ألان سليتو(الجنرال ) واحتفظ بالخط الدرامي والعقدة  وحتى بالنهاية، إلا انه قام بمعالجة النص الأصلي وتحويره بشكل يتناسب مع الظروف والاحداث  التي تمر بها حالياً المنطقة العربية أو التي فرضت على المنطقة نتيجة تغلغل الإرهاب والجماعات التكفيرية ،  فولف الرواية وأضاف عليها مسحته الفنية وبعض الحوارات لتتناسب مع البيئة الجديدة، لدرجة انه استطاع تحويل هذا الرواية الموجعة الى نص لا يخلو من بعض الكوميديا وحتى الضحك، خاصة في اشد المواقف مأساوية، ولقد نجح في توليفته تلك الى حد  لن ولم  يتلمس معها  الجمهور أي نفس أجنبي أو أرضية غريبة  .
وبالعودة الى رواية الجنرال، هناك أيضا فرقة مسرحية توجهت للترفية عن الجنود أيام الحرب العالمية، ولكنها ولسوء مصيرها وقبل ان تصل الى مقصدها، تتبدل الظروف وخاصة  العسكرية منها، وتتحول الفرقه لتصبح بدورها ضمن صفوف الأعداء،  بل وأكثر حين يتحول أعضاءها الى أسرى حرب، وتتمكن من الفرار من مصيرها المحتوم بمساعدة أحد القادة الذي أيضا يعجب بموسيقاها بعد ان قدمت له واحدة من معزوفات تشايكوفسكي الشهيرة .
 ترجمت هذه المسرحية الى العربية من سنوات ونشرتها دار كنعان باقتراح حينها  من الكاتب المسرحي والتلفزيوني السوري  ممدوح عدوان، ويبدو ان تلك الرغبة  في ترجمة ذلك العمل الروائي راودت ممدوح عدوان، لان سيليتو أعتبر حينها واحداً  من الروائيين الذين أطلقوا على أنفسهم “ الشباب الغاضب” لشعورهم بخيبة الامل التي خلفتها الحرب العالمية الثانية .
الجميل في هذا العرض ليس فقط التوليفة الجديدة التي تمكن منها الكاتب إسماعيل عبد الله والتي قربت النص لتلائم البيئة العريبة، بل أيضا الإخراج المبتكر الذي حاول من خلاله المخرج محمد العامري الحاصل هذه الدورة على جائزة أحسن مخرج،  تطويع السينوغرافيه في خدمة العرض بطريقة منسجمة  ومميزة من حيث الإضاءة والديكور وحتى الموسيقا وهو أمر بات ضروري لجذب الجمهور والإبقاء عليه ضمن قاعة العرض، كما تحسب للمخرج استغلاله للفضاء المسرحي بشكل شبه كامل على الرغم من ضخامته (قدم العرض في مسرح دائرة الثقافة )، حتى انه استثمر مقدمه الصالة حيث يجلس الجمهور، حي جعل الممثل في نهاية العرض يلقى حتفه في المنصة بشكل ملاصق لبعض من الجمهور،
ولاستغلال المكان استخدام المخرج عدداً من البانويات الكبيرة  التي لعبت دور مساقط عرض من جانب ومن جانب أخر خلفية لأغراض درامية كثيرة ومتعددة لا تخلو من جمالية، بالإضافة لاستخدامه منصة حديدة صغيرة متحركة  تتوسط البانويات، تدخل وتخرج الى الخشبة كبديل عن القاطرة .
 لا يمكنا في هذا العرض وغيره من عروض المسابقة ان نتجاوز أهمية وجود الممثل على الخشبة، صحيح ان النص والإخراج يشكلان أساس أي عرض مسرحي، لكن الممثل يبقى هو الأداة التي ستحمل العرض في نهاية الأمر، واليوم بات واضحا وجود  ممثلين مسرحيين اماراتيين على درجة عالية من الحضور المسرحي على الرغم من التفاوت الكبير فيما بينهم  ما بين عرض وأخر تحديداً على صعيد الجسد والأداء الصوتي .
ويبقى السؤال هل تنتهي تلك العروض بعد مشاركتها في أيام الشارقة المسرحية، لتبدأ رحلة جديدة مع عروض مسرحية جديدة،ام ان بعضا متل العروض وخاصة التي لاقت أقبالا جماهيريا لديها جولة داخل الامارات كما اخبرنا مدير المهرجان السيد أحمد بورحيمة.
الجدير بالذكر ان أيام الشارقة المسرحية منحت وتقديرا منها لكل العاملين في مجال عروض المسابقة جوائز للعاملين في الديكور والمكياج والاضاءة والازياء والمؤثرات الصوتية وللممثلين والممثلات، كما منحت ثلاثة جوائز عن مسابقة الشارقة للتأليف المسرحي وهي مسابقة أتت كمبادرة لتحفيز المؤلفين والكتاب المسرحيين في دول مجلس التعاون،  وجاءت الجائزة الثالثة من نصيب الكاتب الاماراتي محسن سليمان عن نصه (الموت على المريخ)، اما الجائزة الثانية فكانت من نصيب السعودي عباس الحايك عن نص بعنوان (سر من رأى موته)، اما الجائزة الأولى فكانت من نصيب الكاتب العماني هلال بن سيف البادي عن نص بعنوان (الشواهد المنسية)


لمى طيارة