العدد 857 صدر بتاريخ 29يناير2024
يعد المسرح شكلا من أشكال الفن الذي يعتمد على التعاون بين عدة عناصر، حيث يشترك مجموعة من المؤدين معا لعرض تجربتهم أمام الجمهور، فالمسرح هو تجربة جماعية وليست فردية تتشابك فيه العناصر المختلفة معا، وإذا كان البعض يعطي أهمية لأحد العناصر على حساب العناصر الأخرى، إلا أن كل العناصر التي اتُفق على وجودها باختلاف النسب تحتاج إلى جهد وافر لخروج العمل المسرحي متكاملا إلى الجمهور، دون الانتقاص من أحدها أو الإهمال في تنفيذه. فلدينا عناصر متعددة مثل الديكور والصوت والإضاءة والأزياء وخشبة المسرح والرقص والموسيقى والتمثيل وغير ذلك.
إن العديد من هذه العناصر لها أصولها في أثينا القديمة حيث كانت أثينا جزءًا من ثقافة الأداء في اليونان القديمة. وكانت هذه العروض طريقة احتفل بها الإغريق القدماء بالأعياد الدينية والمسابقات الرياضية وحفلات الزفاف والاحتفالات السياسية والمآدب الكبيرة الأخرى. ويرى البعض أن المشاركة في هذه المهرجانات كانت إلزامية. ويرى أرسطو أن أصول المسرح يمكن العثور عليها في المهرجانات التي كانت لتكريم الإله ديونيسوس. حيث كان يتم تقديم هذه العروض في قاعة على شكل نصف دائرة تم تقطيعها في سفوح التلال. وكانوا قادرين على شغل المقاعد لحوالي 10000 إلى 20000 مواطن.
تعتمد جميع فنون الأداء على ما يسمى إدارة المسرح، التي تعتبر عنصرا خاصا يتم تعريفه على أنه نظام تنسيق وتنظيم الإنتاج المسرحي. وهو يقوم على تحقيق ودعم التواصل بين جميع أقسام التصميم الأخرى مثل الديكور والصوت والإضاءة والتمثيل وكافة العناصر الأخرى. ولكي تتأكد فعالية وأهمية عنصر الإدارة المسرحية، يجب أن يكون لدى مدير المسرح فهم عام لجميع هذه العناصر لضمان إدارة الإنتاج المسرحي بسلاسة ويسر.
إن الذي يمارس العمل المسرحي يلاحظ أن هناك فهما قاصرا في مفهوم الإدارة المسرحية، فغالبا ما يعمل المخرج إلى إعطاء هذه المهمة لكائن من يكون وبالأخص لأفراد لا علاقة لهم بمهمة الإدارة وبذلك شكلت هذه العناصر عنصرا سلبيا على إنتاج العرض المسرحي، فالإدارة المسرحية هي ذلك العصب الرابط بين كافة عناصر العرض المسرحي وتنظيمها بما يتناسب ونجاح ذلك العمل.
يعتبر المسرح أكثر المؤسسات المنتجة للفنون فهو بحاجة إلى إدارة متخصصة لإدارة عملياته وخطوط إنتاجه وقيادة عناصر العمل برمته، حيث تشتغل فيه اختصاصات متعددة وأشخاص مختلفو المنابع والمشارب، وكون الفنان بشكل عام وفنان المسرح بشكل خاص أصعب الناس انقيادا لخصوصية أذهانهم، وسعة مخيلتهم وإحساسهم المرهف، وطبعهم الصعب ومزاجهم المتغير والمتقلب، سريعي الملل محبين للتغيير والتجديد لا يمكن قيادتهم إلا من قبل إداري قيادي منهم ويفهمهم، متمرس بالإدارة يمتلك ملكة وموهبة ومؤهلات وصفات تساعده على القبول لديهم والتأثير فيهم ويحقق قناعة ورضا وانقيادا.
لمحة تاريخية:
لم يتطور مسمى “مدير المسرح” حتى القرن الثامن عشر الميلادي، ومع ذلك، يمكن أن نلحظ الدور نفسه منذ زمن بعيد مثلا في اليونان القديمة. تاريخيا، كان الكتاب المسرحيون مسئولين عن التنظيم وراء الكواليس وعناصر الإنتاج الأخرى. وكان أول فني عرف في تلك المرحلة هو سوفوكليس. وقد تم دعمه بسبب موقعه كفنان وكاتب مسرحي وموسيقي. وسوفوكليس هو واحد من المسرحيين الثلاثة المسجلين من اليونان القديمة المعروفين بمآسيه. كتب ما يقرب من 120 مسرحية في حياته، لكن ما وصلنا سبعة فقط اليوم.
خلال الفترة المسرحية الإليزابيثية، تم تقسيم الدور الحديث لإدارة المسرح إلى وظيفتين مختلفتين: Book Keeper وStage Keeper. كان Book Keeper مسئولاً عن النص والترخيص وتلقين وتدريب الممثل للحركة والتعبيرات المختلفة. وكان حارس المسرحStage Keeper مسئولاً عن صيانة المسرح والأمن.
وحتى عصر شكسبير وموليير رغم وجود مهمة مدير المسرح، إلا أنه لم يكن دورا مميزا وضروريا، فكان غالبًا ما تُرك هذا الدور للمتدربين المسرحيين، وظل كذلك حتى القرن الثامن عشر عندما تمت صياغة مصطلح مدير المسرح. حيث تم تعيين هذا الشخص خارج دوائر الكاتب المسرحي والتمثيل وتم تعيينه لتوجيه وإدارة المسرح وجميع عناصر الإنتاج. وبعد ذلك، مع نمو حجم الإنتاج وتوسعه، تم تقسيم واجبات مدير المسرح إلى مدير، ومدير المسرح.
وقد تطورت إدارة المسرح اليوم وتتنوع بتنوع الإنتاج. ومع ذلك، هناك قائمة رئيسة بالمسئوليات التي لا تتغير مع الإنتاج. إدارة المسرح هي المسئولة عن إنشاء جدول للبروفات، وتدريب الممثلين أثناء البروفات، ومراجعة مكان البروفات وتنظيم كل ما يخص المكان، وإنشاء تقرير بروفة بعد كل تدريب والتجهيز للعرض.
تبدأ مهمة إدارة المسرح خلف الكواليس، حتى يتم الانتهاء من كتابة (نسخة العمل). وهي نسخة من نص المسرحية خاصة بمدير إدارة المسرح ومساعديه. وهي تحتوي على نص الحوار والتعديلات وحركة الممثلين، وحركات الإضاءة والصوت، والجداول الزمنية للعمل، وجهات الاتصال في حالات الطوارئ، وتقارير التدريبات، وتقارير الأداء، وخطط التصميم. فهذه النسخة تحتوي على جميع المعلومات اللازمة لتشغيل العرض.
وكان أول توثيق لنسخة عمل مسرحي مع Prompter في العصور الوسطى. وفي القرن التاسع عشر، بدأ انتشار فكرة نسخة العمل لإدارة المسرح، حيث تطور مشهد المسرح بشكل كبير. وتطور استخدام التقنيات التي تغيرت على مدار سنوات من النمو التكنولوجي.
وقبل أن نذكر المهام التي يقوم بها فريق الإدارة المسرحية نؤكد مرة أخرى على أن العمل بالمسرح يمثل شكلا من أشكال العمل الجماعي، إذ يستحيل أن يقوم به فرد وحده، كما أنه إذا حدث خللا في جزء ما فسوف ينهار البناء بأكمله، لذا يجب على الجميع التعامل بروح الفريق الواحد، حيث أن نجاح المسرحية هو نجاح للجميع وليس لفرد وحده أو بذاته.
وتتمثل أولى مهام فريق الإدارة المسرحية في تنفيذ رؤية المخرج في مرحلة التحضير، وتتلخص في :
- كتابة ملاحظات المخرج على النص المسرحي : في بداية مرحلة التجهيز للبروفات يجتمع المخرج مع فريق الإخراج، ويقوم بشرح خطة العمل. ويقوم بقراءة النص المسرحي بصوت عال إما بحضور بعض الممثلين أو بدونهم، ويبدأ المخرج في إبداء بعض الملاحظات أثناء القراءة، سواء ملاحظات خاصة بالحذف أو الإضافة أو التعديل على بعض الجمل أو المشاهد المكتوبة. وهنا على أعضاء هيئة الإخراج (الإدارة المسرحية ومساعدو الإخراج والمخرج المنفذ) تدوين كل ملحوظة يقولها المخرج بدقة، في هامش جانبي أو في الصفحة البيضاء المقابلة مع الإشارة إلى مكان الحوار بالنص أو ترقيمه.
- تجميع الممثلين الذين تم اختيارهم للعمل: يقوم مساعد الإدارة المسرحية بالالتزام بالحضور إلى مكان البروفة قبل موعدها بوقت كاف قبل حضور باقي الفنانين والمخرج لتجهيز قاعة البروفات من حيث التأكد من خلوها لاستقبال فرق العمل، التأكد من وجود عدد كاف من المقاعد يكفي الحضور، التأكد من نظافة المكان من قبل عمال النظافة المسئولين، التأكد من وجود إضاءة كافية للعمل، التأكد من تشغيل جهاز التكييف (إن وجد). بعدها يبدأ في تجميع الممثلين وجميع الفنانين بدعوتهم لدخول قاعة البروفة قبل الموعد المحدد بفترة كافية (تتراوح عادة بين ربع ساعة وعشر دقائق) حتى يكون الجميع مستعدا للبدء الجدي في العمل دون إهدار للوقت. وعليه أن يكون نشطا ومتحمسا وحاسما في ذلك. ثم إبلاغ المخرج بالاستعداد لدخول البروفة.
كما تتضمن عملية تجميع مساعد الإدارة المسرحية للممثلين، الاتصال بهم هاتفيا وإبلاغهم بموعد ومكان البروفة قبل الموعد بوقت كاف لا يقل عن يومين. وعليه فإن من ضمن المهام الأساسية له إعداد جدول بأسماء وأرقام هواتف كل المشتركين بالعرض من ممثلين وفنانين وفنيين ومساعدين إخراج وعمال وإداريين دار العرض وجهة الإنتاج المختصين بأعمال العرض. للاتصال بهم وقت اللزوم.
- توزيع نسخ النص على الممثلين: مع البدء في البروفات الأولى للقراءة يكون كل ممثل بحاجة لوجود نسخة ورقية من النص أمامه للقراءة من منها، فإذا كان عدد نسخ النص متوفرا بشكل يكفي جميع الحاضرين، يقوم مساعد الإدارة المسرحية بتوزيع النسخ عليهم طبقا لتعليمات المخرج أو المخرج المنفذ حتى يحصل كل ممثل على نسخته، وإن لم يكن العدد كافيا نظرا لطبيعة بداية الإنتاج بالعمل، يقوم مساعد الإدارة المسرحية بتوزيع النسخ في بداية كل بروفة ثم تجميعها في نهاية البروفة مرة أخرى (طبقا لتوجيهات المخرج أو المخرج المنفذ). كما يقوم بالعمل على توفير النسخ الكافية للآخرين بالقيام بالتصوير الضوئي لها وترتيبها وتنسيقها (في غير وقت البروفة)، وإعداد كل نسخة في ملف خاص بها حتى يتم تسليمها نهائيا في البروفة التالية.
- عمل جدول البروفات للممثلين حسب المشاهد: يقوم المخرج المنفذ بالتعاون مع المخرج بإعداد جدول لحضور الممثلين للبروفات، حتى يقتصر الحضور على من له عمل فعلي بالمشاهد، وذلك لأن طول وقت البروفات مع طول فترة الانتظار بين المشاهد المسرحية للممثل تصيبه بحالة من الخمول والضيق تؤثر على أداءه وحماسه للعمل. مع الأخذ في الاعتبار أن بعض المخرجين يصرون على حضور الجميع أثناء البروفة دون استثناء من باب الاستيعاب والفهم الأعلى والاندماج الأفضل في الشخصية.
ويحصل كل مساعد في الإدارة المسرحية على نسخة من هذا الجدول ليقوم بمتابعة تنفيذه بدقة وتأكيد الحضور، وإبلاغ كل ممثل بموعد بروفته القادم. وإبلاغ المخرج المنفذ أو المخرج أولا بأول بأي مستجدات أو اعتذارات لدى أحد الممثلين عن البروفة.