كتيبة نغم.. منتخب جامعة عين شمس

كتيبة نغم.. منتخب جامعة عين شمس

العدد 797 صدر بتاريخ 5ديسمبر2022

ما يقوم به مسرح الطليعة من استضافته لبعض العروض المسرحية الفائزة بجوائز في مهرجانات قد لا تتبع وزارة الثقافة من حيث الإشراف المباشر ؛ هو شيء جيد بالفعل؛ يضيف للحركة المسرحية ويمنح أملا في القادم سواء بالنسبة للهواة المشتغلين بتلك العروض أو حتى فيما يخص الجمهور الذي قد يرى بعضا من مستقبل الفن والمسرح في مصر؛ من خلال هؤلاء الهواة.
وعرض ( كتيبة نغم) هو واحد من تلك العروض التي استضافتها الطليعة. العرض هو لمنتخب جامعة عين شمس؛ وحاز على الجائزة الأولى في مسابقة العروض الغنائية أو الموسيقية التي يشملها مهرجان إبداع الشبابي في دورته الأخيرة.
إذن الهدف الرئيس من تلك المسابقة هو الدراما الغنائية ؛ والبحث عن مواهب تجيد الأداء الغنائي والتمثيلي؛ ثم محاولة تقديمها للساحة الفنية ؛ ومع ما عرف من أنه لا يجوز للطالب الاشتراك في أكثر من مسابقتين في هذا المهرجان. أي أنه لا يمكن للطالب الاشتراك في مسابقتي الغناء الفردي أو الجماعي ثم الاشتراك في المسرح الغنائي؛ ويجب عليه اختيار مجالا واحدا فقط. ونظرا لأن الفردية موجودة في الجين الإنساني ؛ ولا يمكن أن تلوم شخصا لأنه بحث عن التفرد بشخصه؛ لا وسط مجموعة؛ خاصة وأن هناك ما يمنع بين الجميع بينهما.
لذت فمن الممكن أن نقول بكل سهولة أن شادي سرور بصفته مخرجا للعرض؛ لم يكن نجاحه الأول هو تقديم عرض يفوز بالجائزة. ولكن الكيفية خاصة في اختيار عناصره الطلابية؛ كانت هي المحك، فهو قد استطاع إقناع مجموعة من الموهوبين ؛ يتمتعون بجودة متباينة في الأداء بنوعيه ؛ الغنائي والتمثيلي. وأقنعهم بمحاولة تغليب الجانب الجماعي لا الفردي.
والحقيقة أن كل من ظهر على خشبة المسرح يستحق التحية ؛ مع وضعنا في الاعتبار انهم مازالوا هواة ولم يأخذوا فرصة التفرغ الكامل للقيام بالعمل.
ولكن أعتقد أن حديثنا  يجب أن ينصب في المجال الأولى على العنصر الاحترافي في هذا العرض؛ المتمثل في الكتابة والأشعار والديكور والموسيقى والألحان ؛ وصولا للإخراج.
معروف ومصرح به أن العمل مأخوذ عن قصة فيلم ( صوت الموسيقى) ؛ والنسخة الأكثر شهرة في شرقنا العربي؛ من أعمال اقتبست هذا الأصل؛كان العرض المسرحي ( موسيقا في الحي الشرقي) لفرقه الثلاثي . وإذا كانت فرقة الثلاثي قد ركزت على شخصية الأب؛ طبقا لمرامها التسويقي ؛ إلا أنها في نفس الوقت قدمت مجموعة ومن الأطفال والشباب اسهموا في الفن المصري فيما بعد. ولكن كل هذه الإضافات كانت موجودة خصيصا لخدمة أبطال العرض أثناء وجودهم على الخشبة.
من المنطقي أن يأخذ/ طارق علي؛المعد والشاعر منحى مختلفا عن سياق الثلاثي؛ فالعرض سيشارك في مسابقة المسرح الغنائي لا الكوميدي ؛ فحاول ان يركز على الأبناء الذين يتعامل معهم الأب بصورة عسكرية ؛ ويبدون الطاعة والاستقامة أمامه؛ في الفترات القليلة التي يقضيها معهم؛ فهو طول الوقت غائب في سفرياته، مع أن الحقيقة أنهم قد أصبحوا منفلتون لحد ما ؛ يمارسون كل الأشياء السيئة التي من الممكن أن يمارسها أبناء جيلهم_ كما صورها المعد_ من تدخين وعبارات غير لائقة ... الخ ؛ وطبيعي ان يكون لهم مشاكلهم الإنسانية التي كانت بالتلميح فقط. ثم تدخل عليهم المربية/ المدرسة التي تحب الموسيقي. وفجأة نراهم أسوياء بل ويتخذون مواقفا ؛ حتى وإن تعارضت مع رغبة الأب. مثل الاشتراك في المسابقة الغنائية.
ربما يبدو الغرض جميلا. ولكن كيف تم هذا؟ وهل نمرر للشباب ان لكل شيء سبب؟ أم الأشياء تحدث وكفى؟
فاولاد كانوا يعانون وكانو غير أسوياء لحد ما؛ وفجأة انقلبوا دون أن نرى مشكلة واحدة تم التعرض لها ؛ ثم المنافسة والوصول لمنفرج يدعو للاقتناع ؛ حتى اللقطة الدرامية الرئيسة التي ربما غابت عن البعض لم يكن لها ما يبررها. ألا وهي ان مائدة الطعام كان بها مقعدا محجوزا للأم التي توفت ؛ ولا يسمح لي كائن الجلوس عليه. ولكن فجأة نراهم يقدمون لها مقعد الأم!! على أي اساس سوى الغناء؛ والإخبار بأنها تفاهمت معهم؛ ولكننا لم نرى بشكل واضح هذا التفاهم. وكان من الممكن الاكتفاء بمناقشة مشكلة شخصية واحدة لي شخصية من الأبناء. ثم الإشارة أن هذا حدث مع الجميع ليكون الأمر مبررا؛ وليس مجرد استلطافا دون سبب سوى القبول. كما أن الإصرار على الغنائية لكل الأفراد ربما يقصم ظهر الفكرة الرئيس؛ فالأب قد قدم على أنه يكره الموسيقي. فكيف يقوم هو بالغناء في اللوحات الأولى؛ دون سبب يبرر ذلك. أو حتى تبيان تعارضه مع ما يحبه من موسيقى وبين الشائع الذي جاءت به المربية. أعتقد أننا لو ضحينا بغناءه . ولم نهرع وراء إضافات سمير غانم. خاصة وهو وراء الكواليس. وتأجيل غناءه للحظة الأخيرة . ربما كان أكثر اتساقا مع فكرة النص وفكرة طارق علي نفسه. كما أن المشهد الأخير الذي يعبر عن قبول المربية لمشاركة الأبناء معها في المسابقة الموسيقية التي ستؤدي فيها لحنا من الحان ابيها؛ وهذه المشاركة تأتي بالرغم من إرادة الأب_ حتى وإن كان على الخطأ _ لا يمكن أن تمر حتى من الجانب التربوية ثانيا, ومن الجانب الفتني أولا طبقا لتصوير الشخصيات. فنحن أمام سياسة الأمر الواقع بالنسبة للأبناء ؛ والاستغلال بالنسبة للمربية لتقديم والدها. حتى التحول الفجائي من الأب الذي ذهب لمكان الحفلة ليمنع الأبناء من المشاركة . جاء فجأة ووصل قبل أن يؤدوا أغنيتهم فبالتالي انعدم التأثير اللحظي/ ما يقدمونه؛ وبقي التأثير الثابت/ الغضب؛ ولكنه أعلن الندم والموافقة؛ دون إبداء اي ملحوظة عن الخطأ الأساسي ؛ الذي يستوجب شيئا من لوم؛ ربما يفوقه ثواب المشاركة والتعبير عن أنفسهم؛ ولكن يبقى الأمران قائمان وعلى الجميع التعامل معه.
خلاصة القول هنا أن تعامل طارق علي مع النص كشاعر غنائي؛ تتسم الأعمال التي قدمها بالغنائية كان أكثر من جيد بالنسبة لواضع الدراما أو المعد. بل أن كلمات أغانيه وتعبيرها عن المرحلة العمرية وأحلام الشباب حتى وإن جاءت شكل غنائي لا درامي؛ كانت عاملا مهما في قبول الجمهور للعمل. فقد غاب عنه المسرح الغنائي كثيرا. وهو حاول وأجاد بشكل ملحوظ في الخروج من قالب الثلاثي. ساعده على هذا موسيقى وألحان أحمد الناصر التي جاءت متسقه مع الحالة وعبرت بشكل جيد عما يراد منها؛ وعند سماعك لما قدمه لا يمكن أن تقول لنفسك أنه كان هناك أفضل.
أما عن ديكور أحمد حبيب. فبرغم من محاولته إظهار عدم تأثره بالسابق . خاصة عندما وضع مائدة الطعام على يمين المسرح ؛ وحرك مقاعد الاستقبال من اعلى الوسط ؛ لوسط اليمين؛ إلا أن المشهد الرئيس المتمثل في درجات السلم المؤدي للأعلى مع الحجرات على الجانبين ؛ كان كما في السابق تماما وهو يشكل الوحدة الرئيسة في المنظر تلك التي تظل على الدوام. كما أن إضافته للمائدة كانت اضطرارا وليس إضافة. فالأمر منصوص عليه في الدراما ولابد من تصويره . ولكن ايضا يمكنك أن تقول أن الديكور قد أدى وظيفته ؛ بصرف النظر عن الجدة أو التكرار ؛ ومساحته المشغولة أو الفضاء قد توافقت مع ما أراده المخرج للتعبير.
وإذا كان شادي سرور قد استطاع أن ينجز عملا ينال الجائزة الأولى بمهرجان إبداع. فالملحوظ ايضا نتيجة إعادة العرض بالطليعة . أنه يملك فريقا متجانسا خاصة مع الشاع المعد والملحن؛ كما أنه من الواضح أنه قدم جهدا تدريبيا هائلا للشباب . بما يمكننا معه أن نقول أن بعضهم سوف يستمر لاحقا ؛ وربما يتجاوز مرحلة الهواية. كما أنني رغم بعض ما قلته عن الدراما والصورة المسرحية . إلا أن العمل خرج مقبولا. وساعد الحماس الذي يشعر به الشباب في تقديم أنفسهم ؛ مع حسن التدريب ؛ ووضع الحركة في مكانها الصحيح. على خروج المتفرجين وأنا منهم _ مع حالى لا بأس بها من بهجة واستشعار بأمل قادم.


مجدى الحمزاوى

mr.magdyelhamzawy@gmail.com‏