المنبوذ.. دعاية «إسرائيلية» عبر مسرحية «إسلامية»  

المنبوذ.. دعاية «إسرائيلية» عبر مسرحية «إسلامية»  

العدد 566 صدر بتاريخ 2يوليو2018

قد يبدو عنوانا صادما .لكن هذا للاسف الشديد ما حدث ولايزال يحدث فى  الولايات المتحدة وعدد من المدن الاوروبية.
وتستغل اسرائيل والدعاية الصهيونية عادة المسرح كوسيلة لبث دعاياتها الكاذبة، وهذا امر بات معروفا للجميع.وسبق ان تناولنا تلك الظاهرة  فى دراسات سابقة فى جريدة مسرحنا وضربنا امثلة على ذلك.  
  والجديد اليوم اننا نستعرض مسرحية    مهمة تقدم على المسارح الامريكية وخارجها منذ عام 2012 بنجاح كبير حتى الان. والسبب انها مسرحية كتبها كاتب امريكى مسلم   ويفترض فيها ان تناقش أوضاع  المسلمين فى الولايات المتحدة.   لكنها وبشكل غير مباشر تتضمن دفاعا عن اسرائيل وتعتبر ها دولة لها  حق البقاء   وكأنها لم تقم على اشلاء شعب شقيق بدون وجه حق وبتواطؤ من المجتمع الدولى .
انها مسرحية المنبوذ وهى الترجمة التى ارتضيناها للاسم الانجليزى للمسرحية DISGRACED . وهى من تاليف الكاتب المسرحى  الامريكى الباكستانى عياد اخطار المولود فى الولايات المتحدة عام  1970. وكانت اول اعماله المسرحية. وهو ايضا فى الوقت نفسه كاتب سيناريو وممثل.
وهذه المسرحية عرضت لاول مرة فى شيكاغو فى يناير 2012 وعرضت بعد ذلك فى عدد كبير من الولايات الامريكية وخارج الولايات المتحدة خاصة فى المانيا والنمسا .وعرضت فى نيويورك نفسها ثم فى بردواى عام 2014. وفازت المسرحية بجائزة بوليتزر للدراما عام 2013 . وفازت بعدد اخر من الجوائز المسرحية المرموقة فى عالم المسرح الامريكى  مثل جائزة جوزيف جيفرسون التى تمنح للاعمال المسرحية الموسيقية فقط عكس جوائز تونى التى تتميز بالشمول . وهناك ايضا جائزة جوبى للكتابة المسرحية .ورشحت المسرحية لجائزة احسن مسرحية فى جوائز تونى عام 2015 ولم تفز.
تتناول المسرحية –أو يفترض ان تتناول  موضوع الاسلاموفوبيا او العداء للاسلام من خلال تناولها عدة نقاط ذات طبيعة اجتماعية وسياسية تواجه المسلمين المقيمين فى الولايات المتحدة.
90 دقيقة
وتدور المسرحية التى تستمر 90 دقيقة فى فصل واحد  فى حفل عشاء يحضره  عدة  اشخاص ذوو خلفيات مختلفة بدعوة من محام مسلم يدعى عامر كابور متزوج من سيدة مسيحية تهتم بالفن والثقافة الاسلامية. ولم يكن هو نفسه يهتم بموضوع الثقافة الاسلامية . ويبدا الحاضرون فى مناقشة بعض الامور العادية ثم تقودهم المناقشات الى موضوعات دينية وسياسية وترتفع حدتها . وكما يقول المؤلف تصور المسرحية النعرات العرقية والجنسية والدينية التى لا تزال تسود بقوة حتى فى اكثر الاوساط ثقافة وادعاء للتقدمية وان كانت تظل كامنة وتطفو على السطح وقت اللزوم. كما انه تبين التحديات التى يواجهها المسلمون فى الولايات المتحدة فى اعقاب احداث ديسمبر 2001 .  ويشارك فى المسرحية ممثلون من عقائد وخلفيات اخرى ولا تقتصر المشاركة فيها على المسلمين فقط.  
وفى بداية المسرحية يحضر ابن شقيقه لابلاغه ان السلطات الأمريكية القت القبض على امام مسجد المنطقة التى يعيش فيها بتهمة تمويل الارهاب. وهنا يرى عامر انها محاكمة دينية تختفى وراء اتهامات بدعم الارهاب ويقرر بتشجيع من زوجته  الترافع عن هذا الامام لاثبات برائته.ويدخل فى جدل دينى مع أحد الحاضرين وهو يهودى متخصص فى تجارة الاعمال الفنية ثم يتبين خلال المناقشة ان المحامى المسلم يكره اسرائيل “دون سبب”او هكذا يوحى النص والحوار. ويتبين انه استغل صداقته مع صديقه اليهودى واقام علاقة غير مشروعة مع زوجته. ويتبين ايضا ان الزوجة كانت على علاقة بتاجر التحف اليهودى فى الماضى   وجاء الحفل ليجدد الماضى.
وتمضى الاحداث مشوشة وغير مفهومة لكن يصبح من الواضح انها نوع من الدعاية اليهودية والاسرائيلية التى تحاول استخدام قنوات اسلامية هذه المرة على امل ان تكون الدعاية اكثر اقناعا. وهى تتبع اساليب جديدة مبتكرة مثل الصاق بعض السلبيات باليهود وليس باسرائيل وبالفكرة الصهيونية . كما انها تبدى تعاطفا مع المسلمين وما واجهوه فى اعقاب احداث سبتمبر الدامية. 
تشجيع يهودى
ولعل هذا ما يفسر احتضان الدعاية اليهودية لهذه المسرحية إلى حد أنها ساعدت على عرضها فى أكثر من دولة أوروبية خاصة النمسا وألمانيا. وكانت العروض التى قدمت فى شيكاغو والمدن الامريكية الاخرى من اخراج  المخرجة كمبرلى سينور وهى مخرجة معروفة باتجاهاتها الصهيونية. ولم يكن الامر بحاجة إلى ذلك لأن محاولة المؤلف – المسلم للأسف –لاسترضاء اليهود واضحة فى المسرحية وليست بحاجة إلى تفسير يقدمه المخرج. وحتى تأتى المسرحية مقنعة كان يتم اختيار ممثلين مسلمين ذوى اصول باكستانية أو هندية للقيام بدور المحامى مثل عثمان على وعاصف مندوى وعمر ماسكاتى. اما شخصية تاجر التحف اليهودى وزوجته  فلم يجسدها اى يهودى حسب القاعدة المتبعة فى عالم الفن فى الولايات المتحدة وهى الا يجسد اليهود شخصيات يهودية. وهناك بالمناسبة جائزة سنوية تمنحها مؤسسة ثقافية يهودية امريكية لافضل من يجسد الشخصيات اليهودية فى الاعمال الدرامية من غير اليهود  ،ويتكالب عليها الممثلون الامريكيون بشكل كبير للاسف .     
 ويعد اخطار من الاجيال الاولى من الباكستانيين الامريكيين الذىن ولدوا فى الولايات المتحدة حيث انه من مواليد نيويورك ونشأ فى ويسكونسن. ويبدو انه يفضل اللعب على هذا الوتر دائما. 
سبق له كتابة فيلم “الحرب من داخلنا “وقام بطولته عام 2005 .وفى هذا الفيلم قام بدور ابراهيم الطالب الباكستانى  الذى يدرس الهندسة فى الولايات المتحدة ويتحول الى ارهابى حيث يناقش الفيلم الاسباب التى تؤدى الى هذا التحول. وبعدها كتب اخطار على قصة “الدرويش الامريكى”التى قال انها تدرس التجربة الدينية للمسلمين فى الولايات المتحدة. ويقوم حاليا بتحويلها الى مسرحية.
واخطار ابن لطبيبين من مواليد باكستان ودرس الفن والدراما فى جامعتى براون وكولومبيا. ويقول اخطار عن نفسه انه مقل فى انتاجه لانه يدرس القضية التى يكتب فيها لعشر سنوات احيانا كما حدث مع المنبوذ.
نقاد
وطبيعى طالما ان المسرحية تعد دعاية غير مباشرة لاسرائيل ان  تنهال عليها الاشادات بطريقة غير مباشرة باعتبارها تتناول حياة المسلمين فى الولايات المتحدة وما يواجهونه من مشاكل. ووصل الامر بالناقد المسرحى لصحيفة النيويورك تايمز ان اعتبرها واحدة من افضل عشر مسرحيات عرضت فى الولايات المتحدة خارج برودواى عام 2012. واعتبر اختار  واحدا من اشجع الكتاب الامريكيين طبعا لانه دافع عن اسرائيل وحقها فى الوجود على ارض فلسطين واعتبر كراهيتها نوعا من العنصرية. واعتبره شجاعا لانه تجرا على الحديث فى موضوعات يحجم عنها الاخرون وينجح فى تصوير الصراعات الداخلية لدى شخصياته. واعتبرها اخر واحدة من اهم المسرحيات التى تعالج مشكلة العداء للاسلام من جانب المتعصبين فى الولايات المتحدة.  
ووصفته مجلة المسرح الامريكى بأنه اكثر كتاب المسرح الامريكى  انتاجية فى موسم 2015 -2016 حيث عرضت مسرحية المنبوذ فى 18 مدينة امريكية وثلاث مدن اوروبية بالانجليزية ومترجمة الى لغات اخرى .
ولاختار مسرحيتين اخريين عرضتا بعد المنبوذ وهما “من وماذا “ و”اليد الخفية “ وكلاهما تعالج ايضا اوضاع المسلمين فى الولايات المتحدة والصراع بين القيم الاسلامية والقيم التى جاءوا بها من اوطاتهم الاصلية وبين الثقافة الامريكية. لكن يبدو انهما تعالجان الموضوع بشكل تقليدى ولا تتضمنان اشادة او دعاية لاسرائيل واليهود فلم تحصلا على نفس الشهرة . 
ويبدو انه اراد التجديد لبعض الوقت فكتب مسرحية تعرض له حاليا بعنوان “العصر الذهبى للديون “ وتدور حول استحواذ الشركات على بعضها البعض وما ينتج عن ذلك.     .
وتعرض له  المنبوذ حاليا على مسرح بيرج الشهير فى فيينا وهو مسرح تملكه مؤسسة يهودية. 
ويتحدث اخطار فيقول انه سعيد لانتشار اعماله بين الناطقين بالالمانية واللغات القريبة منها مثل الهولندية. كل ما يضايقه فقط ان الالمان يرفضون الرؤية الاخراجية المطبقة فى الولايات المتحدة . فهم يجعلون كل المشاركين فى العمل من البيض بينما يعكس العمل الاصلى التنوع العرقى فى الولايات المتحدة. كما ان الاخراج يسند دور البطولة فى المسرحية الى ممثل غير مسلم مثل الممثل الالمانى بيتر سيمون.
ويعود فيقول ان المخرجين فى النمسا وهولندا ادرى بجمهورهم.
 


ترجمة هشام عبد الرءوف