العدد 796 صدر بتاريخ 28نوفمبر2022
مع المنافسة الشديدة بين فرقة يوسف عز الدين وبين بقية فرق مسارح روض الفرج، لم ينجح يوسف في الاحتفاظ بحقه التمثيلي في كازينو سان أستفانو، الذي احتكره طوال السنوات السابقة، لذلك قرر يوسف العمل على مسرح كازينو مونت كارلو في صيف 1932، والذي بدأه في مايو، وأعلنت عنه مجلة «الصباح»، قائلة: «أفخم وأحسن افتتاح بمصيف روض الفرج على ضفاف النيل والهواء الجميل «فرقة يوسف عز الدين» بكازينو «مونت كارلو». تبدأ الفرقة عملها يومياً من الساعة السادسة مساء باستعداد كبير ومناظر فخمة وموزيكهول فاخر. وكل يوم رواية جديدة من أحسن الروايات، يقوم بأهم أدوارها مطربة الفرقة السيدة «رتيبة أحمد»، والبطل الكوميدي المحبوب الأستاذ «يوسف عز الدين»، ومطرب الفرقة النابغ الأستاذ «محمد الصغير».
تتكون الفرقة من منتخبي ممثلي وممثلات القاهرة وفي مقدمتهم: ماري منيب، حسين إبراهيم، محمد مصطفى، عباس الدالي، حسين لطفي وغيرهم من النوابغ. فرقة ألعاب، فرقة راقصات مشهورات، منولوجات فكاهية، بروجرام شامل. مدير المسرح «رياض القصبجي»».
ولعل القارئ سيلفت نظره في الإعلان السابق عبارة «تتكون الفرقة من منتخبي ممثلي وممثلات القاهرة»، وسيسأل عن معناها! والإجابة يسيرة تتمثل في أن فرقة «يوسف عز الدين» تقوم بالتمثيل في موسمين كل عام: الأول الموسم الشتوي ومكانه «دار التمثيل العربي» أو «كازينو عز الدين» أو «تياترو عز الدين» _ وهو البيجو بلاس سابقاً – في شارع عماد الدين. والموسم الآخر صيفي ومكانه كازينوهات روض الفرج! والفرقة التي تؤدي عروض الموسم الشتوي في شارع عماد الدين، تختلف نوعاً ما – في أعضائها وعروضها – عن الفرقة التي تؤدي عروض الموسم الصيفي في روض الفرج، بسبب اختلاف المكان والفروق الواضحة بين عماد الدين وروض الفرج في التجهيزات والموضوعات وفي الطبقة الاجتماعية التي تحضر عروض شارع عماد الدين، والمختلفة تماماً عن طبقة الجماهير التي تحضر عروض روض الفرج! لذلك كان يوسف عز الدين يستغل هذا الفرق في الإعلانات ويقول إن الفرقة هي منتخبة من فرقتي الموسمين الشتوي والصيفي.
بهذا الإعلان وغيره تألقت فرقة يوسف في مونت كارلو، لا سيما بعد ضم المطربة «ماري الصغيرة» - التي ستشتهر فيما بعد باسم «ماري الجميلة» - بالإضافة إلى وجود الممثلة القديرة ماري منيب، والمنولوجست سيد سليمان، وجوقة راقصات في مقدمتها سعاد صبري، إحسان فهمي، إنصاف حمدي. مع وجود فقرات جديدة مثل «الفقهاء الثلاثة»، و«البرابرة الثلاثة» تحت إدارة مدير المسرح رياض القصبجي.
مصاعب أمام الفرقة
نجت الفرقة في مونت كارلو صيف 1932، وحاول يوسف الاستمرار في النجاح في الكازينو نفسه للعام التالي، ولكن للأسف نشرت جريدة «أبو الهول» في يونية 1933 خبراً بعنوان «حجز وضرب وتعطيل بكازينو مونت كارلو بروض الفرج»!! وقالت في التفاصيل: كان الخواجة «يوسف حمص» قد اتفق مع السيدة «جميلة» قرينة حضرة «عبد السيد بطرس» أفندي صاحبة كازينو مونت كارلو على استئجاره لمدة سنة بمبلغ وقدره 800 جنيه مع تصليح الكازينو، فاكتفى بالتصليح ولم يسدد الأقساط في المواعيد التي حُددت في العقد لدفعها. فرقعت صاحبة المِلك أمرها إلى المحكمة المختلطة. وبعد اتخاذ الإجراءات اللازمة فوجئ المتفرجون بكازينو مونت كارلو مساء السبت الماضي بدخول المُحضرين الأجانب للحجز على إيراد القسم الخارجي، الذي تعمل به المطربة المعروفة السيدة «حياة صبري»، والقسم الداخلي الذي تعمل به «فرقة يوسف عز الدين». وعرضت السيدة حياة على المحضرين أن تأخذ نصيبها المقرر وهو الإيراد 40 في المائة، ويحجز على الباقي وهو نصيب يوسف حمص المؤجر. فرفض المحضرون فاضطرت أن تتوقف عن العمل. وكذلك يوسف عز الدين طلب أن يأخذ نصيبه من الإيراد وهو 50 في المائة فرفض المحضرون إجابة طلبه فأوقف الموزيكهول وأشار إلى الممثلين والممثلات «تشطيب»، واطفئت الأنوار فصاح المتفرجون يريدون استرداد نقودهم فطلب منهم عز الدين أن يأخذوا نقودهم من الجرسونات! ولكن ما كان مع الجرسونات من إيراد حُجز عليه أيضاً فتبودل الضرب بالكراسي وغيرها، وصرح الباش مُحضر - بعد إشارة تليفونية - لفرقة عز الدين بالعمل مقابل 50 في المائة .. ولكن حصلت مفاجأة أخرى هي أن عامل الكهرباء انتهز هذه الفرصة فسرق اللمبات وولى الإدبار. فاستعان العمال بلمبات القسم الخارجي الذي عطلته السيدة حياة صبري! وهكذا استمر الحال كما استمر الحجز في اليوم التالي، وسوف يستمر إلى أن تبت المحكمة المختلطة في الموضوع.
سيلاحظ القارئ في الكلام السابق وجود عبارتي «القسم الخارجي» و«القسم الداخلي» لكازينو مونت كارلو!! وتوضيحاً لهاتين العبارتين أقول: عد إلى المقالة الأولى في هذه السلسلة وفيها تحدثت عن بداية تكوين كازينوهات روض الفرج، بأنها كانت تتكون من رصيف ممتد على ساحل النيل وكان مفروشاً بالمقاعد والمناضد على شكل قهوة مخصصة للغناء الشعبي، وهذا هو القسم الخارجي المقصود في الكلام السابق والتي كانت تغني فيه «حياة صبري»! أما القسم الداخلي فهو الخاص بالبناء الخشبي للكازينو الذي تحدث عنه في المقالة الأولى، وهو المسرح الذي تمثل عليه فرقة يوسف عز الدين!!
وإذا عدنا إلى موقف الفرقة ومشكلة المكان وانقطاع الكهرباء، سنجد المشكلة ظلت قائمة عدة أيام، ولكن فرقة يوسف عز الدين تريد أن تعمل!! ففكر مدير الفرقة في فكرة جديدة، وهي الاستغناء عن النور الكهربائي بنور الجاز المنبعث من (الكلوبات) التي يستخدمها الباعة الجائلين أو الباعة على الأرصفة، والتي تشبه عمل (وابور الجاز) ولكن بدلاً من الشعلة النارية، يُستعاض عنها بماسورة طويلة تنتهي بأسطوانة زجاجية في وسطها «رتينة» - وهي قطعة قماش من نوع خاص على شكل كيس بيضاوي، عندما تشتعل تكون مثل اللمبة الكهربائية في حجمها ونورها - وتم تطبيق الفكرة ومثلت الفرقة عروضها على «كلوبات الجاز» وضوء الرتينة!!
ولكن الأمر لم يستمر طويلاً!! فقد نشرت جريدة «أبو الهول» خبراً عنوانه «غلق كازينو مونت كارلو»، قالت فيه: على أثر الخلاف الذي أشرنا إلى حصوله بين صاحبة أرض كازينو مونت كارلو بروض الفرج والمؤجر يوسف أفندي حمص، ذهب يوسف أفندي إلى شركة النور وسحب تأمين الموتور فانقطع النور عن الكازينو! ولاحظ حضرة الملازم أول «أحمد أفندي عطية» ضابط بوليس نقطة روض الفرج أن فرقة عز الدين تعمل في «كلوبات»، فحرر لها محضر مخالفة، لأن هذا يخالف نظام لجنة التياترات، وأخطر بذلك لجنة التياترات بوزارة الداخلية فأرسلت إشارة مستعجلة يوم السبت الماضي بغلق الكازينو إلى أن يُعاد إليه النور الكهربائي.
وبالمعنى نفسه نشرت مجلة «الصباح» خبر إغلاق الكازينو في أوائل أكتوبر 1933 - ولكن بتفاصيل دقيقة ومختلفة بعض الشيء - قالت فيه: عندما جاء موعد عمل فرقة عز الدين بكازينو مونت كارلو بروض الفرج مساء الخميس الماضي فوجئت الفرقة بمنع النور من الشركة، فاضطرت إلى إحضار كلوبات للعمل بها مؤقتاً. غير أن أحد ممثلي روض الفرج أبلغ فرقة المطافئ تليفونياً، فأصدرت المحافظة أمرها إلى نقطة البوليس أمس بتعطيل العمل وغلق الكازينو في الحال. وقد تم ذلك فعلاً بواسطة قوة من رجال البوليس. وعلى أثر هذا اتفق عز الدين مع حديقة أفكاروس وأقام بها ثلاثة أيام ثم سافر مع الفرقة إلى المنصورة يوم الاثنين الماضي لإحياء عدة حفلات.
علي الكسار منافساً
تراجعت أخبار فرقة يوسف عز الدين في روض الفرج في موسمي صيف عامي 1934 و1935، مما يعني وجود سبب قوي! هذا السبب كان المنافسة بين فرقته وبين فرقة «علي الكسار»!! ولعل القارئ سيتعجب ويظن وجود تشابه أسماء!! والحقيقة لا يوجد أي تشابه أسماء بل هو الفنان الشهير «علي الكسار»، ولم يكن وجوده في روض الفرج عابراً، بل كان الكسار أحد أعمدة تأريخ مسارح روض الفرج، وسنتأكد من ذلك عندما نتحدث عنه في المقالات القادمة!!
المنافسة بين الفرقتين كانت لصالح الكسار بطبيعة الحال! ويكفينا نشر الخبر والرد عليه لنقف على أساس المنافسة!! حيث نشرت مجلة «الصباح» في نهاية يونية 1935 كلمة عنوانها «بين الكسار وعز الدين»، جاء فيها الآتي: أبلغنا الأستاذ يوسف عز الدين أن فرقة الأستاذ علي الكسار بدأت عملها بجواره بكازينو سان أستفانو بروض الفرج، وأنه من أجل ذلك ينشر هذه الكلمة: «كنت أود أن يكون هناك فارقاً بيني وبين الأستاذ علي الكسار في عمله بصفته مدير فرقة كبيرة لها مسرح في شارع عماد الدين فتكون لفرقته ميزة في الأسعار! ولكنه رضى أن يجعل الدخول إلى فرقته بالمشروب العادي، أي أنه لم يزد عليه حتى ولا خمسة مليمات. وليس معنى هذا إني أخاف عاقبة هذا على عملي، ولكني أبديت هذا الرأي فقط نظراً لغرابة الأمر».
وبعد أسبوع نشرت المجلة الرد تحت عنوان «من علي الكسار إلى يوسف عز الدين»، جاء فيه: صاحب الصباح الأغر .. بعد التحية. اطلعت على كلمة الأخ يوسف أفندي عز الدين بالعدد السالف من صباحكم الأغر، ولا يسعني أن أرد على هذه الكلمة إلا بأن ليس على الإنسان من بأس في أن يسعى في سبيل الرزق المشروع. وروض الفرج مصيف كباقي مصايف القاهرة تؤمه طبقة من الرواد، لا يقل وسطهم عن مستوى الطبقات التي تؤم المصايف الأخرى. أما أن باب الكازينو مفتوح والدخول فيه بثمن المشروب فهذا جوابه عند الخواجة «خريستو» صاحب الكازينو، لأنه مستأجر جميع الحفلات التي أحييها وكل ما أفهمه من تصرفه هذا أنها أضمن طريقة للكسب. ولولا أنه محتاج إليها ويعلم أنها لمصلحته لما أقدم عليها وهذا كل ما أعرفه وبس. [توقيع] «علي الكسار».
انتهى موسم الصيف بانتصار الكسار، ولكن مع بداية موسم الشتاء في شارع عماد الدين، رغب يوسف في رد الصاع صاعين للكسار، حيث كوّن فرقة افتتح بها فرقته في شارع عماد الدين الذي يعمل فيه الكسار!! بل وقام يوسف بتجديد في أعضاء فرقته وفقراتها، وكانت تضم كلاً من: ماري عز الدين، رجاء، فتحية رشدي، نعيمة، دلال، سهام، فتحية فهمي، بدرية حسن، صالح ونعيمة ولعة، سنية محمد، سميحة، فردوس فوزي، إحسان فهمي، حسين لطفي، محمد الصغير، فريد الأطرش، فايد محمد فايد، أحمد شاهين، والفقهاء الثلاثة. وافتتح يوسف موسمه بفرقته في كازينو يحمل اسمه، وكان عرض الافتتاح مسرحية «زغروطة يا حبايب»، والتي نجحت نجاحاً كبيراً، وقد اكتظت الصالة بالمتفرجين، لأنه جعل الدخول إليها بنفس نظام صالات ومسارح روض الفرج بالمشروب!! هكذا ردها يوسف للكسار!! وعلقت الصحف على هذا الأسلوب بقولها: «ولما كانت ملاهي عماد الدين لم تألف هذا النظام فقد أقبل عليه الجمهور»!!
وكازينو عز الدين في شارع عماد الدين ابتداء من موسم عام 1935 أصبح هو التاريخ الفني الحقيقي ليوسف عز الدين والتأريخ له يحتاج كتاباً خاصاً!! لذلك كان يوسف عز الدين من حين لآخر يعرض عروضاً نادرة في روض الفرج كوْن مسارحها هي التي شهدت بدايته وشهرته! ومن هذه الإعلانات هذا الإعلان في صيف 1936، وجاء فيه الآتي: افتتاح المصيف الجميل بكازينو ليلاس بروض الفرج، فرقة يوسف عز الدين. هذا المساء والأيام التالية، أول وأكبر فرقة خصيصة في تمثيل الروايات الأوبرا كوميك والفودفيل والكوميديا. وإرضاء لحضرات المشرفين أحضرت إدارة الفرقة فرقة راقصات خصيصاً من أوروبا حيث يرى المشاهد أنواع الرقص الباريسي الحديث من فرقة الراقصات الأوروبية. وذلك لموسم الصيف في هذا العام ليتحدث به الخاص والعام. الفرقة المحبوبة الحائزة لإعجاب الشعب المصري الكريم تتقدم بروايتها الجديدة بكازينو ليلاس، وقد استعدت الفرقة استعداداً لا مثيل له يشهد لها بالتفوق والعمل على رفعة فن التمثيل والطرب الراقي، وانتخبت لهذا الموسم أجمل الروايات الخصيصة بالفرقة بكامل معداتها الفنية. تقدم باستعداد عظيم كل يوم رواية جديدة. كروانة الشرق السيدة «ماري عز الدين». بلابل مصر الأساتذة: أحمد عبد الله، محمد الصغير، بروجرام من تلحين الأساتذة إبراهيم فوزي وفهمى فرج. المنلوجست الرشيقة فايزة رشدي، مدهشات الرقص الأفرنجي فرقة «مزاي» العالمية، رقص أكروباتيك من لياليان، الممثلة سميرة حسين، الراقصة نعيمة جمال، الراقصة وهيبة أحمد، المنولوجست حياة خيري، زعيمة المنولوجست فى الشرق نعيمة ولعة، الراقصة الحسناء فاندي، تريو سندروس، رقص مدهش من تريو كارلوس، الراقصة فردوس مصطفى، الراقصة جمال، الراقصة حكمت لبيب، المنولوجست سهام وعواطف، الفنانة سعدية، مدير الإدارة حسين لطفي، مدير المسرح أحمد شاهين.
وفي صيف عام 1937 أشارت مجلة «المصور» إلى أن الفرقة استطاعت أن توفق بين العمل في شارع عماد الدين وروض الفرج!! فهي تعمل ماتنيه في روض الفرج، وسواريه في عماد الدين في اليوم نفسه. وهذا الأمر تكرر مرة أخرى في صيف 1939 وتحدثت عنه جريدة «المقطم» حيث كانت الفرقة تعمل في «كازينو ليلاس» بروض الفرج الساعة السادسة مساء، وفي الكازينو بشارع عماد الدين الساعة التاسعة مساء في اليوم نفسه. وبشيء من التفصيل نشرت الجريدة إعلاناً آخر جاء فيه: سهرات باهرة بكازينو ليلاس بروض الفرج، فرقة الأستاذ يوسف عز الدين، تقدم برنامجاً هائلاً ليس له نظير، رواية «أنا وأنا»، وإسكتش «أحلامي»، ورقصة «سامحني». على رأس الفرقة نجمة المسارح المشهورة السيدة «ماري عز الدين». منولوجات طريفة من نعيمة ولعة، وثلاث فرق أجنبية عالمية، وكباريه برنامج خاص دور منتصف الليل، بكازينو عز الدين بعماد الدين.