محمود مسعود .. «درويش المسرح»

محمود مسعود .. «درويش المسرح»

العدد 668 صدر بتاريخ 15يونيو2020

ودع المسرح المصري الأسبوع الماضي فنانا من طراز رفيع، وموهبة فنية كبيرة وهو الفنان المبدع محمود مسعود  الذي وافته المنية عن عمر يناهز 67 عاما، وما أن تلقى الوسط الفني والمسرحي خبر رحيله  حتى تحولت مواقع التواصل الإجتماعى إلى سرادق عزاء، حيث خيم الحزن على الأجواء. محمود مسعود أو كما لقب «بدوريش المسرح» زخرت رحلته الفنية بالعديد من الأعمال التى تركت بصمة بارزة، وقد كان مشواره الفني زاخرا بالإبداعات المسرحية والتلفزيونية والسينمائية.
 تخرج الفنّان الراحل من المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة، منتصف سبعينات القرن الماضي، وبدأ مسيرته الفنية التي امتدت لنحو 44 عاماً من مسرح «الطليعة»، فى رصيده العديد من الأعمال المسرحية، منها: مولد وصاحبه غايب، ملك الأمراء، مسافر ليل، ورد الجنانين، حوش بديعة، مأساة الحلاج، على اسم مصر، المحظوظ، عالم أقزام، كان جدع، بلال مؤذن الرسول. أما فى الدراما التلفزيونية فقدم العديد من الأعمال ومنها: صعاليك ولكن شعراء، ألف ليلة وليلة، أم كلثوم، قسمتى ونصيبى، غدا تشرق الشمس، الحب وأشياء أخرى، رجل الأقدار، أم الصابرين، بوابة الحلواني، المرأة في الإسلام، واحة الغروب، الركين، الأب الروحي. و قدم فى السينما مجموعة من الأفلام السينمائية الهامة منها: بيت الكوامل، حبيبى دائما، أيام الماء والملح، الحلم القاتل، المتمرد، إمرأة آيلة للسقوط، في العشق والسفر.خلال هذه المساحة نقدم بعض شهادات من أصدقائه وزملائه عن مشواره الفني.

قال نجل الفنان الراحل محمود مسعود الشاعر أحمد مسعود نشأت فى بيت فني فقد كان بيت أبي بمثابة أكاديمية ثانية للفنانين الناشئين ، كان من طلابها زملاء شقيقتي الكبرى إيمان مسعود فى المعهد العالي للفنون المسرحية، و منهم الفنان محمود عبد المغنى والفنان أحمد رزق والفنان محمد عبد الحافظ، وكنت أرى حبهم واحترامهم لوالدي الذي  كانوا يلقبونه ب «الخال « وكنت دائما شغوفا بقراءة وحفظ النصوص المسرحية مع  والدى ومن أكثر المواقف التي لا أستطيع نسيانها عندما عاد أبى من أحد رحلاته الى اليونان وتحدث إليه الفنان احمد عبد العزيز ليجسد شخصية الحلاج فى مسرحية «مأساة الحلاج « وذلك فى فترة التسعينيات وكان العرض سيتم افتتاحه بعد فترة قصيرة لا تزيد عن احد عشر يوما، وخلال تلك الفترة استطاع حفظ الدور وطريقة الأداء الخاصة بالشخصية وجسد شخصية الحلاج بتميز وإتقان شديد وحصل على جائزة عن دوره وكان العرض « من إخراج الفنان أحمد عبد العزيز. أضاف نجل مسعود :  عند إلتحاقى بالجامعة بدأت علاقتى به تتحول إلى صداقة فقد كان يؤمن بموهبتي و يشجعني و كان يخشى أن تكون رغبتي أن أكون كاتبا او شاعرا حبا فيه فقط، ولكنه أعطاني ثقة كبيرة وأصر على أن أقدم معه عرض «على اسم مصر « الذي كان يعده بمثابة الحلم الذي يسعى لتحقيقه للشاعر الراحل صديقة صلاح جاهين، وكان يرى أن قصيدة «على أسم مصر « لم تحصل على حقها ومن الضروري أن تقدم بأداء يجعل الجماهير والمشاهدين يشعرون بكلماتها، وقد قدم العرض عدة مرات وفى المرة الأولى كنت مساعد مخرج ، وقدمنا العرض فى مكتبة الإسكندرية عام 2014 وقمنا بتقديم العرض مرة ثانية عام 2015 فى المسرح القومي وفى هذه المرة كنت أقوم بتصميم « الأنيميشن « وفى المرة الأخيرة كان العرض أكثر نضجا، فقد كان معنا الملحن الشاب محمد الشيخ وكان يتخلل العرض مجموعة من الأغنيات و كنت أقوم بعزف البيانو مع الفرقة وعرضت المسرحية عام 2016 في مكتبة الإسكندرية وكان يتمنى عرضها فى نطاق  أوسع حتى تصل كلمات صلاح جاهين لكل الناس.
موهبة حقيقة
وصف الفنان منير مكرم الفنان الراحل بأنه ذو موهبة متفردة و كثير الاحترام لفنه ومن الفنانين القلائل الذين يمتلكون موهبة حقيقة، وانه إنسان. أضاف : « كان أول لقاء بيني وبين الفنان محمود مسعود فى عرض «مسافر ليل» لصلاح عبد الصبور، وقد جسد دور المسافر باقتدار شديد، وفى مشواره الفني قدم العديد من الأعمال المسرحية التى تركت بصمة كبيرة فى المسرح المصري ومنها  «مأساة الحلاج» من إخراج الفنان احمد عبد العزيز، فلم أرى فى حياتي قط  إبداعا مثل هذا الإبداع، كما لو كانت هذه المسرحية كتبت من أجله، وقد تعاونا سويا في عدة أعمال مسرحية منها عرض « الرقص مع الزمن « لأنطوان تشيخوف  وكانت أحداث العرض تدور بين ممثل وملقن وقد جسد الفنان محمود مسعود دور الممثل الذي انتهت نجوميته وقد جسدت دور الملقن الذي يتوفى الممثل بين يديه.
كما  تشاركنا سويا فى العرض المسرحى «حوش بديعة « الذى قدم فيه شخصية المثقف الذى يعتبره أهل الحوش رجلا مجنونا، وقد امتلك الفنان محمود مسعود كاريزما خاصة فهو صاحب ملامح مصرية أصيلة من طمى النيل، وما أفجعني كثيرا  هو أنى كنت على موعد معه قبل ساعات من وفاته. رحمه الله .                                                  
 سيذكره التاريخ
وأشار الفنان رضا إدريس إلى أن محمود مسعود فنان من العيار الثقيل ، تاريخه الفني يحفل بالعديد من الأعمال التي تركت بصمة واضحة، و أنه لم ينل التكريم الذي يستحقه فى حياته. أضاف :  ولكن التاريخ سيذكر أعمال هذا العملاق ومسيرته الفنية المتفردة التي  قدمها فى السينما والتلفزيون والمسرح .
 قيمة وقامة
الفنان رشدى الشامي لقب الفنان مسعود بالمعلم فقال « وقف بجاني فى بداية مشواري الفنى وكان دائما يشجعني ويحفزنى وتعلمت منه الكثير، و أمتع أوقاتي عندما كنت أعمل معه، فقد تعاونا فى العديد من الأعمال المسرحية والتليفزيونية  آخرها مسلسل «واحة الغروب « للمخرجة كاملة أبو ذكرى، أضاف : محمود مسعود قيمة وقامة كبيرة لن تتكرر، تعملت منه الكثير على المستويين الإنساني والفنى.           
العاشق
وروى المخرج إيمان الصيرفي بداية علاقته بالفنان محمود مسعود فقال: «عندما التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية كان الفنان محمود مسعود قد تخرج منه،  وكان مسرح الطليعة آنذاك المكان الذى يجمع شباب المسرحيين ، وكان محمود مسعود من أنشط فناني جيله وكان المخرج سمير العصفورى يؤمن بموهبته، وفى تلك الأثناء كان مسرح الطليعة يقوم بإنشاء قاعة 79 التى سميت بعد ذلك بقاعة صلاح عبد الصبور وكانت تضم كل محبي وفنانى المسرح، وبعد كل عرض فيها  تقام مناقشات وندوات ، وكان الفنان الراحل محمود مسعود يقدم آنذاك عرض «مسافر ليل « لصلاح عبد الصبور وهو عرض قائم على ثلاثة ممثلين وكان معه الفنان رشوان سعيد والفنان صبرى عبد المنعم، وكان هو يجسد دور الراكب الذى تقع عليه كل أشكال الاضطهاد، وتفوق مسعود على نفسه فى تجسيد شخصية «الراكب» ونتيجة وعيه وتحليله لهذه الشخصية قدم مملحا خاصا به لهذا الشخصية وتفرد بأدائها. أضاف : تربطنى به صداقة قوية وكان لدينا طموحات كبيرة فى تقديم أعمال مشتركة وتم اللقاء الأول بيننا فى عرض «هز الهلال ياسيد « من إخراجي لقطاع الفنون الشعبية، ثم  التقينا فى عمل آخر أعتبره أهم اعمالى وأعماله وهو مسرحية «كان جدع « جسد فيه  شخصية نجيب سرور.  
وتابع الصيرفي: «كان يوجد توافق بينى وبين الراحل محمود مسعود، وقد أعطى للمسرح كل طاقته فهو واحد من عشاق المسرح والمضحيين من أجله،  هو واحد من دراويش المسرح « الذين لا يعنيهم ماذا سيحصلون مقابل ما يقدمونه بقدر استمتاعه الشديد بما يقدمه.  
استدرك الصيرفي:  شاهدته أيضا فى عرض «مأساة الحلاج « من إخراج الفنان احمد عبد العزيز، و قدم فيها شخصية الحلاج بتميز وإخلاص شديدين،  وقد كنت حريص على حضور جميع عروضه، وكذلك حضور جلساته التي كان يعقدها بمنزلة والتي  تضم كبار المثقفين والفنانين،  وكان عمه الفنان محمود الحناوي، يجمع الفنانين والمثقفين أيضا  فى مكان يسمى «الواحة « بكوبرى القبة.                                         
خسارة شخصية لي  
صداقة حميمة جمعت بين الفنان أحمد عبد العزيز والفنان الراحل وعن بداية  هذه العلاقة ذكر الفنان أحمد عبد العزيز:
كانت تربطني به صداقة قوية فهو «عشرة عمر» وتمتد علاقتي به الى منتصف السبعينيات ، فقد تخرج الفنان محمود مسعود من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1975 وكنت آنذاك طالبا فى الجامعة،  شاهدت أحد مشاريع التخرج التى قدمها أثناء فترة دراسته بالمعهد، وتعلقت به، وقد تزاملنا فى مسرح الطليعة وتشاركنا فى أكثر من عمل كان من أهمها «مأساة الحلاج « لصلاح عبد الصبور الذى قمت بإخراجه  للمرة الأولى عام 1968 وأتذكر أن الفنان محمود مسعود كان عائدا من رحلة خارج مصر  صور خلالها أحد الأعمال الدرامية، وفى تلك الأثناء كنت أقوم بإخراج عرض « مأساة الحلاج « و كان يجسد دور الحلاج د. حسن عبد الحميد الذي اعتذر عن تقديم شخصية الحلاج،  ففكرت في إسناد الشخصية لمحمود مسعود وكان الأمر يمثل صعوبة، لأن  موعد  العرض كان بعد أسبوعين،   ولكنه ببراعة ومهارة شديدة تمكن من أداء الدور وأجاد  فى تقديم شخصية الحلاج و أشاد به الجميع و حقق العمل نجاحا كبيرا.  
أضاف : تربطنى بالراحل محمود مسعود صداقة قوية وعميقة، فقد كنا نمضى معا أوقات طويلة فى قراءة الأدب والشعر لكبار الشعراء ومنهم فؤاد حداد وصلاح عبد الصبور وصلاح جاهين وبديع خيرى، فقد كانا محب للشعر.
تابع عبد العزيز:  «قدمنا معا أكثر من عمل تلفزيوني منهم «غدا تشرق الشمس « ، ومسلسل «شعراء ولكن صعاليك «  وكانت آخر الأعمال التي تشاركنا بها «الأب الروحى « منذ ثلاثة سنوات. وهو «على المستوى الإنساني طيب القلب،  فنان مثقف ورحيله يمثل فقدا كبيرا لشخص مميز في حياتي، وقد أحزنني أيضا  أنه عندما توليت رئاسة المهرجان القومى للمسرح المصرى العام الماضي كان اسم الفنان محمود مسعود من الأسماء المرشحة للتكريم ،و كان وجهة نظري أن نكرم المبدعين وهم على قيد الحياة، ولكن مفارقات القدر أن يرحل محمود مسعود فى هذا التوقيت ،وكنا قد  قررنا تكريمه في دورة قادمة من دورات المهرجان ، ولكن القدر لم يمهلنا، وأخيرا أتمنى أن يتم تكريم اسم الراحل محمود مسعود وان نحتفي بذكراه.
  قلب الأم
و على صفحته الشخصية نعى الفنان على الحجار الفنان الراحل فقال « محمود مسعود فنان قدير وإنسان لم أر في حياتي أصدق منه يمتلك قلبا مثل الأمهات.. بدأت صداقتنا فى أوائل الثمانينيات ورغم أن محمود مسعود كان يمتلك حسا مرهفا بشكل كبير إلا أنه لم يكن يستطيع البكاء، فقد حكى لى أن والده رآه يبكى عندما كان طفلا فضربه ونهره بشدة قائلا له «إن الرجل لا يبكى « وظل هذا المشهد يلازمه طوال حياته. أضاف الحجار: « قام الفنان محمود مسعود ببطولة المسرحية الشعرية «الحلاج « للشاعر العظيم صلاح عبد الصبور مرتين كانتا من إخراج الممثل والمخرج المسرحى الصديق أحمد عبد العزيز وكانت المرة الثانية التي عرضت فيها المسرحية فى منتصف التسعينيات  وكان من حظى أن اعمل معه، فقد طلب منى المخرج أحمد عبد العزيز أن أغنى بعض الأغاني كراوى للأحداث وكانت الألحان للفنان أمير عبد المجيد.
فيما قال الشاعر والفنان عمرو عفيفي : «حتى الآن لا أستطيع تصديق خبر وفاة الفنان محمود مسعود وما أحزنني كثيرا أنى تحدثت معه  تلفونيا فى عيد الفطر وكنا سنلتقي لمناقشة بعض الأمور والمشاريع الفنية، ويعد رحيل الفنان محمود مسعود صدمة كبيرة بالنسبة لى ، بعد صدمة رحيل الفنان أحمد راسم. أضاف : تربطني بالفنان محمود مسعود صداقة قوية وذكريات عديدة وأتذكر أنني شاركت فى بروفات عرض «على اسم مصر « مع فريق الموسيقى المصاحب للعرض وقدمنا حفلا فى نادى إسبورتنج بالإسكندرية.  
وتابع « كان منزله بمثابة أكاديمية ثانية يجتمع فيه الفنانون والمثقفون وكان رحمه الله عليه من الفنانين المحبوبين ،  خلوقا وطيب القلب ومحبا للفنون ومنها الشعر، وكان ملك البساطة، يتمتع بأداء فنى يصل للقلوب ويخترقها ، و يلقى الشعر بأداء رفيع المستوى ومتفرد.     


رنا رأفت