فوزي منيب وشخصية البربري

فوزي منيب وشخصية البربري

العدد 800 صدر بتاريخ 26ديسمبر2022

كانت مجلة «أبو نواس» سبّاقة في مقابلة «فوزي منيب» وإجراء حوار صحفي معه! مما يعني أن فوزي منيب أصبح من النجوم اللامعة في روض الفرج!! وحسب ما لدي من معلومات – وفقاً لما بين يدي من وثائق ومقالات – لم أجد حواراً أجرته أية صحيفة أو مجلة مع أحد أصحاب فرق روض الفرج من قبل إلا هذا الحوار المنشور في أغسطس 1926!!
بدأت المجلة نشر موضوعها بعنوان مشوق قالت فيه «ماذا في روض الفرج؟؟» وكانت الإجابة هي الموضوع نفسه، وقالت فيها: من خلال جولة في مسارحه، رأينا أن نتحدث إلى مديري مسارح روض الفرج .. عن أعمالهم وآمالهم، لأنهم ربما استطاعوا النجاح بفرقهم في هذا الموسم! تحدث مندوبنا مع الأستاذ فوزي أفندي منيب، «س»: سمعنا أنك تحمل إحدى الشهادات، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان صحيحاً فما هي؟ «ج»: إني أحمل شهادتين لا واحدة هما الابتدائية والكفاءة، ومتخرج من السنة الثالثة بالمدرسة الخديوية، وشغفي بالتمثيل هو منذ الصغر حتى إني كنت أقيم حفلات خصوصية لبعض المدارس. «س»: كيف بدأت العمل على المسرح؟ «ج»: كان أول عملي على المسرح هو إني بدأت التمثيل على مسرح الإجبسيانة وأول دور قمت به في رواية «قولوا له» تحت إدارة نجيب أفندي الريحاني. وما أن صافت من الجمهور إعجاباً واستحساناً عمدت إلى إتقان هذه الشخصية، ومن ثم انتقلت إلى الإسكندرية والتحقت بجوق أمين أفندي عطا الله أيام كان يعمل بمسرح «كونكورديا» ومن ثم ألفت فرقة خاصة، ولم أمكث في الفرقتين أكثر من شهرين. «س»: ما رأيك في مسارح روض الفرج؟ «ج»: مسارح روض الفرج في هذه الأيام أرق بكثير من ذي قبل حتى إنني أستطيع أن أقول لك إنه ربما في الصيف المقبل كانت سمعة روض الفرج قد تطهرت تماماً مما يشينه. «س»: ما الذي تنوي عمله بفرقتك فصل الشتاء؟ «ج»: أُتيحت لي فرصة ثمينة للاتفاق مع أمين أفندي صدقي اشتركنا معاً في العمل فهو يقدم الروايات وأنا أقدم الفرقة، وإذا لم نتفق سأعمل لحسابي الخاص في مسرح سميراميس أو دار التمثيل أو دار التمثيل العربي. «س»: هل عندك روايات جديدة؟ «ج»: عندي سبع روايات بعضها من تأليفي والبعض الآخر من تأليف أمين أفندي صدقي، وهذه الروايات هي: عثمان في الشنطة، واحترس من؟، ومطلوب 3 لطوخ! والباقين تحت اختيار أسماء لهم. «س»: ما هو أملك في المستقبل؟ «ج»: عزمت على الاشتغال في فصل الشتاء في مسرح لا أستطيع تبينه الآن، وهو كائن في شارع عماد الدين. «س»: ما رأيك في أخلاق الممثلين والممثلات بصفة خاصة؟ «ج»: هذا سؤال محرج أعفني من الجواب عنه. «س»: هل أنت تشتري هذه الروايات من أمين أفندي صدقي؟ «ج»: نعم. «س»: ما هو أملك في الحياة؟ «ج»: أملي أن يصبح لي مسرح مِلكي وابتكر نوعاً جديداً من التمثيل لم يسبق ظهوره.
وفي صيف 1927 انتقلت الفرقة إلى كازينو سان أستفانو، ومثلت مسرحية «خاتم الملك» بطولة فوزي منيب وزوجته ماري منيب وكان الدخول العمومي بخمسة قروش كما نشرت مجلة «الإيجارات» في سبتمبر!! وفي الشهر نفسه أخبرتنا مجلة «أبو نواس» أن فرقة فوزي منيب مثلت مسرحية «العشرة الطيبة»!! وأوضحت هذا الأمر بمقدمة، قالت فيها: مات فقيد المسرح محمد بك تيمور وترك بعد موته ما ترك من آثار قلمه من روايات خالدة، لا تزال تمثل بين ظهرانينا! ومات بعده الشيخ سيد درويش، وقد تركا الاثنان عدة روايات اشتركا في وضعها وتلحينها. وكان في مقدمة هذه الروايات رواية «العشرة الطيبة». ولقد كان يوم الخميس الماضي موعد تمثيل هذه الرواية في مسرح سان أستفانو بروض الفرج إحياء لذكرى فقيد المسرح تيمور، وقام الأستاذ فوزي منيب بدور «حسن بك عرنوس» فظهر بشكله الطبيعي وأجاد في تمثيله وأبدع. وكذلك قام النابغة الأستاذ فؤاد أفندي شفيق ممثل الفرقة الأولى بدور «حزمبل» فملأ دوره وقام به خير قيام. وقام بدور الوالي حسن أفندي راشد فأظهر شخصية يعشقها الجمهور منذ زمن بعيد، وهي شخصية الولاة من الأتراك في حالة انفعالهم وكبريائهم. وقام محمد أفندي صادق مدير المسرح بدور «حاج بابا» فعرف كيف يعطي حقه من الاتقان. على أننا إذا قارنا أكثر العوامل في سبب نجاح هذه الرواية وظهورها في مظهرها الفخم، الذي أخرجته الفرقة، علمنا أن للسيدة «ماري منيب» الفضل في هذا النجاح، وهي التي قامت بدور «ست الدار» فأبدعت وأجادت. وكذلك أجادت الممثلة النشيطة فهيمة صادق في دور «نزهة». وبالاختصار فقد نجحت هذه الرواية نجاحاً باهراً لولا بعض الهنات الصغيرة التي تزول مع مرور الأيام.
شخصية البربري
كما قلت سابقاً إن فوزي منيب هو أهم منافس في تاريخ المسرح المصري لعلي الكسار في تمثيل شخصية البربري، رغم أن هناك ممثلين كثيرين مثلوا الشخصية وقلدوا الكسار، ولكنهم جميعاً كانوا مقلدين وأقل شأناً وفناً وشهرة من الكسار .. إلا فوزي منيب!! هذا الأمر اتضح للجميع ابتداء من عام 1928، أي بعد أن مثل فوزي شخصية البربري سنوات عديدة، ونجح فيها! لذلك لا نتعجب عندما نجد مجلة «النيل المصور» تنشر كلمة عن فوزي منيب في بداية الصيف لموسم 1928 بروض الفرج، قالت فيها:
ما كان استبدال فوزي منيب للشخصية العادية إلى شخصية البربري من الصعوبة بمكان، كما يتوهم «علي الكسار» بأنها أصبحت وقفاً عليه دون سواه، وأن لا أحد يستطيع أن يبرز هذا النوع من التمثيل! على أن أي كائن لديه الاستعداد والقوة التقليدية لا يجاريه فقط بل يمتاز عنه فيها. وها أنت ترى «فوزي منيب» قد استعار تلك الشخصية، وأقدم على تمثيل الروايات، فامتاز عن علي الكسار الذي قضى من يوم أن انتقل من حياته العملية الشاقة إلى التمثيل الكوميدي من زهاء عشرة أعوام! وها هو فوزي يعمل على رأس فرقته في روض الفرج قانعاً به مرتضياً بإقبال الناس على مشاهدة رواياته. ومن يدري فقد لا يقدم الموسم المقبل حتى يكون فوزي منيب على رأس فرقة تعمل في عماد الدين لمنافسة الكسار في هذا النوع من التمثيل!!
هذه الكلمة الجريئة غير المسبوقة، من المؤكد أنها نُشرت بسبب تألق فوزي منيب في تمثيل شخصية البربري، وتمثيل مسرحيات علي الكسار نفسها!! وهذا الأمر أشارت إليه سريعاً مجلة «الصباح» في كلمة عنوانها «الكسار وفوزي منيب»: قالت فيها: «ذهب علي الكسار مع جميع الأنفار الذين تتكون منهم فرقته إلى روض الفرج، وهجم على تياترو فوزي أفندي منيب هناك، ودخل إلى المسرح فجأة مع هؤلاء، واختطف أصل الرواية التي كانت تمثل من المُلقن بدعوى أنها روايته، وهو الذي أخرجها على مسرحه، فلا يصح لفرقة أخرى أن تمثلها .... إلخ
النصوص المسرحية
مما سبق يتضح لنا أن فرقة فوزي منيب كانت فرقة مختلفة عن أية فرقة أخرى من فرق مسارح روض الفرج! بل ولدينا قناعة بأنه كان منافساً قوياً للكسار في تمثيل شخصية البربري. كما أننا علمنا أن فوزي منيب كان يؤلف مسرحياته أو يقتبسها أو يحوّرها!! ولكننا حتى الآن لم نجد صحيفة نشرت موضوعات هذه المسرحيات، أو روت لنا أحداثها، أو بحثت عن أصول نصوص هذه المسرحيات لنعرف أية مسرحيات ألفها فوزي منيب أو اقتبسها أو حوّرها!! هنا تظهر الوثائق لتجيب لنا على أسئلة مرّ عليها قرن من الزمان تقريباً دون أن نعرف أجوبتها إلا اليوم!! هذه الوثائق تتعلق بالتقارير الرقابية، وأغلبها كان في سنة 1929.
ولنبدأ بمسرحية «يا رايح قول للجاي» وهي من تأليف أمين صدقي وعرضتها فرقة فوزي منيب في روض الفرج في صيف 1929. والرقيب «فرنسيس» كتب تقريراً عنها أبان فيه إنها مُثلت من قبل في «دار التمثيل العربي»، وأنه اطلع عليها، ووجدها الرواية نفسها السابق الترخيص بها لحضرة أمين أفندي صدقي، وليس فيها ما يمنع من التمثيل بعد حذف كلمات «ضبع الدولة، وكوع الدولة» إلى آخر هذه الأسماء، وطالب بتغير كلمة «الجلالة» بكلمة «سمو» أو خلافها.
ويوجد ضمن الوثائق تقرير به ملخص المسرحية، وهو: «غزال صاحب خان يرتاده الرايح والغادي من كل قادم – وله ابنة أخ اسمها بدر البدور – خصتها الطبيعة بشيء كثير من الروعة والجمال، وهي تعتاش من التجارة تبيع الزهور – وقع في حبها حسن من زائري الخان. وتهبط المدينة الأميرة نور في زي التنكر – ويخطبها ويسعى للتزوج منها الأمير زياد – ولكن «سوسنته» تصطنع مؤامرة وتدبر حيلة لاختطاف الأميرة «نور»، وهي من ألد أعدائها – والهرب بها لتحول بذلك دون الزواج. وفي «الفصل الثاني» تُجبر الأميرة نور بعد اختطافها على توقيع معاهدة بالتنازل عن ثلاثة حصون، وبعد ذلك يراها الأمير «شقلباظ» فيحبها وهي تتجنى عليه فيسلمها المعاهدة ولا تقبلها وحدها ولكنها تطلب منه أن يتنازل لها هو عن ثلاثة حصون من بلاده، ويجرد جيشه من السلاح، وبعد ذلك يحضر الأمير زياد متنكراً فتعرفه وتظهر له الحب والمودة. وفي «الفصل الثالث» يصدر شراب حكمه على «حسن المصري» بالإعدام شنقاً ويكون حسن متنكراً بزي أمير وهو قد حكم عليه من سنة مضت بالإعدام شنقاً، ولكنه فرّ هارباً متنكراً، ويخيرونه إما أن يتزوج من الأميرة «نور الدجى» وإما أن يتخير له امرأته، و«نور» هذه ترغب في التزوج من الأمير زياد، والأمير زياد يرغب في التزوج من بدر معتقداً أنها الأميرة نور الدجى، ويتم الزواج مع سوء التفهم. والرواية طافحة بالعبارات الشائنة ملأى بالفخر والتعريض وأرى أن يغير كل لفظ «جلالة» أو «أمير» بغيرهما في كل موقف منعاً للتعرض أو التأويل: أما ما يجب حذفه ففي كل صفحة من صفحات الرواية! وما أرى ما يمنع تمثيلها بعد الحذف والإبدال.
أما مسرحية «عريس الغفلة» فوجدت لها تقريراً رقابياً يُشير إلى أنها من تأليف فوزي منيب ولا يؤكد الأمر، رغم تمثيلها في روض الفرج!! وقال عنها الرقيب في تقريره: فكاهة بريئة تتلخص في أن فتاة أحبت شاباً إنجليزياً وجاء إلى مصر ليطلبها من والديها، وكان لها ابن عم خجول لا يكاد يقف أمامها حتى يصيبه الارتباك من شدة حبه لها، فلما طلب يدها من أبيها قال له أبوها إن يستشيرها بنفسه في هذا الموضوع فتحصل من ذلك مواقف مضحكة تنتهي بأن ترفضه الفتاة. في هذا الأثناء يدخل حبيبها الإنكليزي ويتم زواجها به. وقد حذفت الجُمل المؤشر عليها في الصفحات 18، 22، 27، 28 وفيما عدا ذلك فهي خالية من كل محظور.
أما مسرحية «إمبراطور زفتى» فقد مرّت علينا من قبل عندما مثّلها علي الكسار عام 1924. ورغم ذلك وجدنا فوزي منيب يقدمها إلى الرقابة ويحصل على الترخيص بتمثيلها في روض الفرج عام 1929! والرقيب في تقريره لم يشر إلى المؤلف أو أن المسرحية سبق الترخيص بها، وكل ما قاله في تقريره الآتي: حضرة صاحب العزة مدير المطبوعات، قرأت رواية «إمبراطور زفتى» وهي تتلخص في ما يأتي: «الفصل الأول» إمبراطور ينعم على رجل اسمه «قدور» بزواجه من أخته الأميرة كوكب، ولكن هذه الأميرة تشرف على الغرق لولا أن صياداً اسمه «عبد الحفيظ» يأخذ بيدها وينجيها – فتسره كلمة وتمنحه خاتماً – ويقابل قدور عبد الحفيظ ويوهمه أنه يبحث عن الرجل الذي خلص الأميرة من الهلاك ويستطيع بهذه الحيلة أن يعرف منه الكلمة التي قالتها الأميرة له – فيقول له عبد الحفيظ بكل بساطة أنها قالت له: احفظ هذا السر. وفي «الفصل الثاني» يُوهم عثمان فينتهز الإمبراطور هذه الفرصة ويأمر بتتويجه وهو نائم – ويستيقظ عثمان فإذا الحال غير الحال – فيبسط يده في خزانة الدولة ويأمر بالإنعام على الصيادين بالمال. ويخبر عثمان الأميرة أن الذي نجّاها من الغرق هو الصياد عبد الحفيظ لا قدور. وفي «الفصل الثالث» يعود عثمان إلى أحلامه اللذيذة الأولى لتعاوده السعادة واللذة ويعود عبد الحفيظ فيخر جاثياً أمام كوكب ويرد إليها الخاتم الذي منحته إياه ساعة النجاة – معتذراً بأنه رجل مدقع ولا يحق له أن يصل إلى أميرة – أما هي فتجيبه بأن الفقر ليس معيبة وأنه لا يمنع من الزواج وأن السعادة ليست في المال وأنها إنما تريد أن تتزوج من إنسان كامل فاضل – ويفضح عثمان حكاية قدور ويأمره بالجلاء عن البلاد ويصدر الإمبراطور عفواً عن عثمان ويسأله ما يريد فيطلب إليه أمراً بزواج كوكب من عبد الحفيظ وغندورة منه هو، وهي أخت عبد الحفيظ. وما أرى ما يمنع تمثيلها بعد حذف العبارات المحذوفة.


سيد علي إسماعيل