فن الأداء التمثيلي عند صانع النجوم .. إيليا كازان

فن الأداء التمثيلي عند صانع النجوم .. إيليا كازان

العدد 667 صدر بتاريخ 8يونيو2020

هذا حوار قديم بمجلة “الفيلم الأمريكي” مع المخرج الأمريكي صانع النجوم (إيليا كازان) 1909 - 2003  من خلال (أستوديو الممثل) الذي انشأة مع (لي ستراسبورج وشيرى كرافورد) عام 1948 الممثلين البارزين(مارلون براندو ، وجيمس دين ، وبول نيومان، وايف ماريا سانت )، وقد بدأ (كازان) حياته الفنية ممثلا فى المسرح ، ثم التحق بمدرسة الدراما بجامعه ييل بعد عامين ، وفي اوائل الثلاثينات، التحق بفرقة مسرحية في نيويورك ، وقام بادوار في عدد من المسرحيات ، ويعلق الناقد ( هارولد كليرمان) على أداءه التمثيلي  بقولة :- [ أدي(كازان) أداءاً تمثيليا رائعا عام 1935 فى سلسلة من مسرحيات ثلاث تأليف(كليفورد اودتيس).. كان من بينهما مسرحية “ في انتظار اليسار “ كذلك قام بالتمثيل في عدة أفلام -  ولربما كان فيلم “مدينة الغزو” – أكثرها بقاءا في الذاكرة . ويتحول (كازان) إلي الإخراج المسرحي – فأخرج في الأربعينيات أعمالا (لثورنتون وايلدر)، وكذا مسرحية “موت بائع جوال”  لأثر ميلر التي أصبحت مقياسا يتم الحكم به على كل محاولات الإخراج التالية لهذه المسرحية ، واتجه (كازان) الى الإخراج السينمائي عام 1945 فيقدم -منذ ذلك التاريخ- عددا كبيرا من الأفلام الروائية الهامة في تاريخ السينما العالمية من أمثال “عربه اسمها الرغبة” ،”ذئاب المينا” ، “ وجه في الزحام “ وغيرها ..
يقول عنه (مارلون براندو) :- (إن كازان  رائع في تناوله للممثلين ، وهو فى تحريكه للممثلين يشغل مكانا بارزا .. خاصة مع الممثلين الواعدين الذين ينتظرهم مستقبل باهر.. فامتدحه كتاب المسرح، وتحدث (تينسي ويليامز) عن تفهم  الظاهرة الفنية لدي (كازان)، وتحدث بعض النقاد مثل (هارولد كليرمان) الذي قال عنه ( أن كازان واحد من أفضل المخرجين فى تناوله للمثلين في كل من السينما والمسرح ) ، وحتى بعد سنين من عرض أفلامه -  التي قام ببطولتها أبرز ممثلي عصره -  فإن الأداء التمثيلي في أفلام (كازان) يبقى على مر الزمن .. فما زال تصوير وتجسيد (براندو) الأخاذ لشخصية (ستنالي كوالسلي) فى فيلم “عربة اسمها الرغبة”  1952  واحدا من أهم الأعمال الفنية في السينما الأمريكية .. وقد دار هذا الحوار عام 1977  في مركز الدراسات العليا التابع ( لمعهد الفيلم الأمريكي)، ونركز هنا بالأسئلة التي دارت حول فن الممثل والأداء التمثيلي ....
س:  لك شهرة فى اكتشاف النجوم ، ولا تخاف من تقديم ممثلين غير مدربين  .. فعن أي شيء تبحث في الممثل الذي يؤدي الدور؟
كازان : كثيرا ما يكون النجوم الكبار قد دربوا تدريبا بسيطا -  أو لم يدربوا تدريبا جيدا ، ولهم ايضا عاداتهم السيئة ... إذ يحرصون على عدم الظهور بشكل سيئ . وهم يهتمون اكثر من اللازم بأنفسهم-  لذا فقدوا الصلابة المطلوبة لأداء عملهم... حتى أنهم يلجئون إلي (وكلائهم) أو ( الدوبلير).. حين تطلب منهم القيام بأداء مشهد فية قليل من الخطورة . هذا بالإضافة إلي أنهم يكلفونني الكثير من النقود ، وأنا الآن اقوم بإخراج فيلم وكأنة سيرك يضم كل الناس .. (روبرت دنيرو ،وجاك نيكلسون ، روبرت ميتشوم ، وتوني كيرتس ، وجين مورو ، ودونالد يليسانس ) .. تمام مثل السيرك – فإن ظهرت الاسود اولا او الراقصون على الحبال -  فإن هذا لا يعنيني في شيء سوى انه نوع من الطرافة . ولكن اذا كنت تتناول موضوعا واقعيا وتقول : - (إن هذا يحدث حقيقة .. لكنة ليس تماما كما تبرزه .. بل تنعكس فيه الحياة الحقيقية – فمن الافضل ان يكون حولك أناس حقيقيون ، وقد ظهر الآن جيل جديد من النجوم مناسب تماما لأهدافي. إنك حين تتعامل مع أناس غير معروفين هو نوع من المقامرة، وانا أحب هذه المقامرة ، وهي أحيانا تكسب -  وإن كانت في مرتين لم تكسب -  واعتقد ان المرة التي أصابني فيها الضرر أكثر  من غيرها كانت في فيلم “ أمريكا .. أمريكا”  فقد كان من الممكن ان يظهر هذا الفيلم بشكل أفضل -  لو كان قد قام بالتمثيل (روبرت دينيرو) او (ال باتشينو) او (داستين هوفمان) .. لقد خضت مخاطرة محسوبة وخسرت .. لكني لا اخشي ابدا تجربة أي شخص – لأني كنت ممثلا ، وهذا يجعلني أكن تقديرا لهذه التجربة ، وليس لدي أدني غموض أو رؤية جانبية عما يمكن ان يعطيه الممثل ، ومن الممكن أن نشكو من الممثلين المجدين ، ومن الممكن ان يسببوا لك بعض المضايقات -  إلا أنني لا أشكو منهم أبدا ، ولا أخافهم ، وما على الان إلا ان أبدأ ، وما احاولة الان هو التعرف عليهم جيدا .. فانتاول الطعام معهم وأتحدث إليهم والتقي بزوجاتهم لاكتشف طبيعة المادة الإنسانية التي أتعامل معها، وبذلك وبمرور الوقت يصبح الغامض معروفا بالنسبة لي .
س: أين وجدت الممثل الأول في فيلم “ أمريكا ..أمريكا” (ستاش جاليلي)؟
كازان: كان من ضواحي أثينا ، وهو أمين مخزن لأدوات التمثيل عند مخرج يوناني صغير-  لم يمارس التمثيل من قبل .. خطفته فى طائرة وعدت به الي أمريكا، ووقعت فى  الأخطاء -  التي مازلت مصابا ببعضها . أجريت معه كثيرا من التدريبات ، واستغرقنا ثلاثة أسابيع فى طريق تقدمة وتطويره قبل أن أبدأ واعطية دروسا فى الصوت، ولم تجدٍ معه دروس الصوت اللعينة -  فهو لا يتحدث الانجليزية اليوم بأفضل مما كان يتحدث بها اثناء تصوير الفيلم ، وقد أصيب الفيلم بالضرر بسبب ذلك ، وفي اعتقادي ان الفيلم قد أصيب بالضرر بسبب هذا ، وقد كنت قلقا من ان تكون انجليزيته غير مفهومة، وقد عاد (ستاش) الي اليونان عندما تغير نظام الحكم هناك .. حيث يشعر بالانتماء في بلده..  
س: أين وجدت تلك الوجوه الصارخة المبتهلة في مشهد جزيرة (اليس) فى فيلم “ أمريكا..أمريكا”؟
كازان : التقط هذا المشهد فى بيت منعزل للعاديات في أثينا. كنت اقوم بالتصوير متنقلا بين حدود اليونان وبلغاريا ، وهناك أقيمت معسكرات لأناس عبروا حدود اليونان، وكأن السماء قد أرسلتهم إلي – فإن ملابسهم ونظراتهم ، وفوق كل ذلك كانت وجوههم مناسبة تمام لهذا الجزء.. إن حرمان هؤلاء الناس ومتاعبهم وقلقهم المستمر من اجل الحياة -  قد أحدث أثرا كبيرا في نفسي . وثار سؤال : -  كيف يمكن ان نقودهم ونوجههم أثناء التصوير؟ اذ ليس في إمكانك الكثير بالنسبة لهم -  فوضعت فى الاعتبار شكلهم ، وكيف يلبسون ، والمواقف التي وضُعوا فيها.
ففي بعض الأحيان يكون وجه الشخص الحقيقي اكثر بلاغة وتعبيرا مما لا يستطيع ان يأتي به ممثل .. وهناك شيء نلحظه لدي اغلب الممثلين -  اذ ان جميعهم يبدون جيدي التغذية .فإن كنت تريد مشهد لرجل من الطبقة العاملة ، أو إنسان حرمته الحياة ، أو إنسان فى محنة -  فمن الأفضل فى كثير من الأحيان ان تحصل على مجرد وجه.. أنك لا تستطيع ان تضرب رجال الشرطة عند تمثيل الأدوار التي يقوم بها رجال الشرطة -  لان الجميع يلعبون دور رجال الشرطة دون تكلف، وبمهارة.
يقول (فيلليني) :- ( انا لا يعنيني إطلاقا كيف يتحدث الممثلون او لا يتحدثون إطلاقا -  فإنا أضع ذلك كله في اعتباري.. لكن اولا وقبل كل شيء -  أعطني وجها -  فالوجه من عمل (المثال) او جزء من الكشف عن الرؤي.)
س: لم يكن الممثل (اندي جريفس) مغمورا قبل فيلم “وجه في الزحام” ، ورغم انه لم يكن مشهورا كممثل – إلا أن أداءه كان شيئا مميزا في تاريخه الفني ..
كازان : لم يكن ممثلا  - بل كان (مونولوجيست) – لكنه كان حريصا على ان يجيد ويتقدم ، ولم يكن لدية أيا من العيوب التي لدى النجوم عادة – إذ لم يصر على أن يظهر في الصورة بشكل معين أو يتحرك بطريقة معينة .. واستطيع أن أقول أن هناك مشاهد صعبه في هذا الفيلم على أي إنسان آخر، وهي أجزاء من الصعب القيام بها . واعتقد أن الفيلم كان يسير في خط ضيق، ولست متأكدا انه قد ربط بشكل ناجح بين التهكم والمأساة ... فقد كنا نسخر من الشكل العام للمواصلات العامة .. في اعتقادي إننا قد توقعنا ما حدث في (أيام نيكسون) وما يحدث هذه الأيام (1977) -  رغم ان الفيلم تم اخراجة عام 1956 -  وقد حاولنا ان نسخر من هذا الوضع من ناحية -  ثم بعد ذلك -  نحصل على نوع من اللوحة البشرية للإنسان من ناحية أخرى، واستطيع القول أن ما أعطاه (أندى) كان أداء ممتازا..
س: وكما فعل (اندي جريفت) ..حضر اليك (جيمس دين) وكان شيئا مغمورا .. مغمورا جدا وذا مزاج خاص ..فكيف تعاملت معه في فيلم “شرق عدن”؟
كازان: لقد فعل شيئا ما زال حتى الآن يجذبني .. لم يكن مهذبا معي .. فقد جعلني أشعر انه لا يجهد نفسه كي يقتحمني  ويقترب مني . إذا كان لدية شعور حقيقي بذاته -  فحين قابلته قال لي :ـ ( سأخذك فى جولة على دراجتي البخارية) .. وكان شيئا صعبا بالنسبة له أن يتكلم.. واركبني خلفه على دراجته البخارية .. حيث أحببت أن اعمل جولة في شوارع نيويورك، وكانت هذه هي الطريقة التي أقام بها جسرا متصلا معي من خلالها . فقد كانت له طريقته الخاصة ،واعتبرته مناسبا تماما للدور.. فهو نموذج غير للفتيان -  إذ انه فتى غير سوى ، ومن خلال معرفتي لأبية ولأسرته أدركت انه قد انحرف نتيجة لفقدان الحب ذهبت (لجاك ورانر)  وأخبرته بأني أريد أن أعطي دورا لفتي غير معروف.. فتحمس (جاك) وقال :ـ (ابدأ فورا) ، وفى ظني ان (جاك ورانر) لن يفعل ذلك الآن ، ولن يفعل غير ذلك – أي لن يتحمس أحد لإعطاء الفرصة للممثلين الشبان . عدت إلي نيويورك وقلت (لجيمي) :ـ ( سنذهب إلي كاليفورنيا .. تعال إلي منزلي باستمرار  في أوقات معينة ..) ، وظهر(جيمي) ومعه حقيبتين ملفوفتين بورق ، ولم يكن قد ركب الطائرة من قبل ، ووصلنا .. فاتجهنا مباشرة إلي الاستديو .. حيث قال(جيمي):ـ (هل استطيع أن نتوقف هنا لدقيقة؟  إن أبي يعيش هنا) .. فتوقفنا ودخل إلي مكان ، وخرج وبصحبته أبوة .. كان يبدو على الرجل الانفعال الصادق -  مثلما حدث (لجيمي) .. وقفا لبرهة – لكنهما كانا من العسير ان يتبادلا النظر إلي بعضهما البعض، وكان هذا تأكيدا مرعبا لانحراف لم أره من قبل في حياتي .. كان  من الصعب عليهما ان يتبادلا الكلمات -  لكنهما تمتما وهمسا لبعضهما ببضع كلمات ، ولم اعرف لاي سبب لعين اوقفنا(جيمي) لنراه ، ومن اجل أي غرض ! -  اذ انه بعد دقائق معدودة قال :-  (فلننصرف)..
أوليته اهتمامي وتفكيري ، ووضعته فى حجرة ، والتقطت له كثير من الاختبارات ببعض الملابس ، ولم يؤمن (الفري) الذي كان يعمل معي بما اجرية من اختبارات وقالوا :- ( هل هذا هو الذي ستعتمد علية!؟) ، وكان هذا التعليق اول علامة تبشر بالخير بالنسبة لي  -  لأنه يبدوا صادقا وحقييا – إذ كان يبدوا انسانا حقيقيا، وبدأنا العمل، واشترى(جيمي) بأول نقود حصل عليها لعبه (حصان بالومينو) ، وعندما وقع في مشاكل مع صديقته . حملته الي حجرة الملابس بالاستديو ، وذهبت انا الي الحجرة الاخرى .. كنت قلقا وخائفا من أن يفعل بنفسه شيئا مخيفا ، ولم أتصور انه يكمل الصورة -  فقد كان في ذلك الوقت فتي مريضا .. وهناك (مثل) يقول :ـ ( الوصول الي النجاح أصعب بكثير من الوصول إلي الفشل) ، وهو (مثل) يصدم المرء – لكن فيه الكثير من الحقيقة -  فقد كان النجاح صعبا بالتأكيد -  لأمثالة ان ينالوه..
س: بصفتك مخرجا مسرحيا متمرسا -  ما هو الفرق الذي تجده عند العمل مع الممثلين فى السينما؟
كازان: إن كل ما تحاول عملة فى السينما هو تنظيم نماذج السلوك الأساسية للشخصية .. فمثلا – انا الان اقوم باخراج فيلم “ التايكون الاخير” ، ويقوم (روبرت دينيرو) بدور (مونورستاهر)  اليهودي المتحضر ذي الثقافة الرفيعه ، والذي ولد مصابا بروماتيزم فى القلب ويعمل مديرا (لأستديو سينما) ، ولم يلعب (بوبي) دورا في حياته سوى دور فتي الشارع الانيق، ولم يمثل (بوبي) ابدا دور الرجل المتعلم .. دور المدير المسئول الذي يدير استوديو سينمائي – لذلك ارتجلنا عده (بروفات) فى أحد المكاتب المجهزة بسكرتير ومساعد سكرتير ، والتقي بأربعة أشخاص او خمسة-  لا يتوقف التليفون عندهم عن الرنين فى مكاتبهم كمديرين. وأوحيت (لبوبي) ان ما يقوله ليس تمثيلا ، وان ما يقوله يعد بمثابة أوامر لشخص آخر عليه ان يؤديها ، واستطعت فى هذا المكان وخلال عدة أيام أن أغير شخصية (دينيرو) بفضل إلحاحي  المستميت والمستمر عليه .. لقد جعلته يشعر بان مصيره معلق بغرفة انتظار الزوار ، وأنه ضحية لآلة التليفون ، واستطعت الوصول لان اجعله يدرك معني ان يكون مديرا، وحاولت أن استخدم في (البروفات ) الارتجالية لنفس الممثلين الذين استخدمتهم فى الفيلم .. حتي يبدأ هو في الشعور بالألفة مع العالم الذي يتحرك في اطارة ، واستطعت ان اجعل (دينيرو) كما يقول الناس :ـ (يفكر مثل رجل متفتح الذهن يزن الأمور من كافة النواحي او يري أكثر من جانب للشيء الواحد ) ، وأبعدته تماما عن الممثلة التي ستقوم بدور (كانتين) وهي نموذج أثيري – لأنه إذا رفع الكلفة بينهما أصبح متعودا عليها.. فيضر المشاهد التي يلتقطها ..لذا فقد تلقي أوامر مشددة مني بالا يثرثر معها ، ولا يصادقها ، ولا يتجول معها في أي مكان، او يتناول معها الغذاء.. بل يجعل بينهما دائما مسافة كبيرة .هل أدركتم لماذا افعل ذلك ؟ فأنا أقيم نماذج للسلوك أثناء إخراج مسرحية تحتاج إلي أسبوعين ونصف لتكون جاهزة للعرض ويدعي بعضهم كذبا انه يحتاج الي ثلاثة أسابيع ونصف-  إذا يتهاوى الجميع فوق رأسك فى الأسبوع الثالث بالمناظر والملابس ، وأيضا بمشاكلهم الخاصة ، وسيأتيك كل فرد فيهم قائلا:- ( أن ذلك ليس من أصول العمل ) ، وتدرك ان هذا لم يتم عمله ، وذلك الشيء  لم يتم عملة أيضا . عليك إذن أن تكون في منتهي القوة والوضوح فى تحديد ما تريد عملة -  فمن أول الأشياء التي يجب عملها أن تسيطر على المسرحية .. أما انا فلقد استغرقت وقتا أطول من اللازم في إخراج مسرحيات .. إذ لم أكن أجهزها حتي نهاية الأسبوع الثاني .. حيث ان كثيرا من المخرجين المتسرعين يجهزونها في وقت اقصر،  ولربما كانوا على صواب .. فقد عرض المخرج (جارسون كينين) عرضة المسرحي بعد يومين من البدء فيه-  وأنا لا اصدق ذلك ، ولا أؤمن به – لأنه لا توجد مسرحية مكتملة تمام -  إذ عليك أن تجرى بعض التعديلات حتى تخرج بمسرحيتك إلي العرض العام ..فأنت إذن مسئول عن المسرحية وليس (العرض) فقط .. فقد عمل (سام سبيجل) منتج فيلم (التايكون الأخير) عاما ونصف مع (هارولد بنتر) لكتابة السيناريو ، وقررت أن ابدأ العمل في السيناريو المكتوب، وأنا هنا لا أقيم النص -  بل أحاول أنا اعمل ما يسميه الفرنسيون (بتفهم وإدراك مغزى النص)، وهي كلمة مناسبة سيتم إدراكها وبعث الحياة فيها.
س: باستثناء (دينيرو) -  ما هو الجو الذي تخلقه بين ممثليك؟
كازان : هو أن أبذل جهدا مستمرا لان أجعلهم يتعرفون على بعضهم البعض-  فمثلا أدعوهم للغذاء ، وعندما أراهم مجتمعين معا.. افهم الكثير عن علاقاتهم التي هي علاقات حيوية ليس من السهل التعبير عنها.. فأرى كيف يقصون حكاياتهم ، وكيف يبدون معا .. لقد قمت بعزل هؤلاء الناس جانبا . وقد حدث ذلك في فيلم “ الزوار” -  لكن أنصحكم ألا تكرروا هذا الذي فعلته ..  فقد أثرت خلافا بسيطا بين الممثل الذي يقوم بدور الزوج وبين الآخرين ، وكان ذلك بالتأكيد شيئا غير مريح .. لكني فعلته ، وإن كنت اعتقد أن هذا قد أضاف الكثير إلي الفيلم ...
س: كم تحتاج من الوقت ليندمج الممثلون في العمل ؟
كازان : أولا ً أوضح – مره واحدة -  للممثلين الأهداف الأساسية للمشهد ، واترك لمن لديهم فرصة المشاركة في العمل فسحة من الوقت لكي يشاركوا -  أو بمعني آخر -  فقد قلت لهم :ـ (هذا هو الطريق  -  تستطيعون الآن السير فيه ، ا وان تفعلوا أي شيء تريدونه -  على شرط -  أن تسيروا في نفس الطريق -  فقط عليكم أن تبقوا دائما في نفس الطريق ) قال أحدهم – مرة -  :ـ ( انك  تصبح أكثر حرية حين تعرف حدودك ) ، وهذا قول فيه كثير من الصحة -  إذ عندما أبدأ حديثي مع الممثلين يطرحون أرائهم ، ويعلنون عن أفكارهم – فأملكهم  لأن أفكاركم  التي أعطوني إياها تربطهم بي -  لأني اطلب منهم أنفاس الحياة، وليس طلبى هو ذلك الأداء الآلي للحركة ..
س: كيف تعمل مع الممثلين في مشهد تقليدي ؟
كازان: لديكم فكرة وتعرفون أنهم يقولون عني إني (مخرج تمثيل) ، ولا استطيع أن اعتبر هذا مدحا وفى الحقيقة أنا لا أوافق على ذلك -  لكني أعطي الممثلين وقتا أطول ، وأحبهم ، وأتفهمهم .. فقد كنت اعمل ممثلا لمدة ثمانية أعوام -  لذا فانا أتذوق عملهم وأحبة .. وإن من أكثر الأشياء أهمية في التمثيل -  خاصة فى مشاهد التمثيل القصير -  إلا تتحدث عن المشهد الذي سبق -  بل تمثله فقط .. فالتمثيل الذي تحصل عليه هو ما يعطيك إياه الممثلون -  أو ما يفرزونه نفسيا حتى يسير المشهد في خطة الصحيح ...
وبمعني آخر يحضر إليك الممثلون -  كل مُحمل بتجربته ومعاناته الخاصة في الحياة، وليس من أحد يستطيع ان يدخل المشهد عاريا -  لا يحمل شيئا -  فأنت تعود في حالة ما بعد يوم سيء فى المكتب – الي بيتك ، وزوجتك تختلف عن حالتك -  إن عدت إليها بعد قضاء يوم سعيد .. لذا فإن الأحداث التي تسبق تمثيل المشهد مهمة جدا -  فإن أنت فعلت ذلك – فأنت تقسم المشهد – كما أميل أنا إلي القول -  إلي أقسام ... الي حركات ، ويسمي ( ستانسلافسكي) ذلك -  دقات القلب، والنقطة الأساسية-  إذ انه يوجد فى الحياة ايضا أقسام ، وقد يكون للمشهد القصير نفس بناء مسرحية من ثلاثة فصول  -  فأنت تصبر على الممثل كي تجعله يتذوق ويستوعب ويفهم ويتعرف على كيان العمل الموجود بين السطور ، وهذا ما اسمية ، غالبا (بالنص المساعد )، وتعتبر معاجلة (النص المساعد) واحدة من أصعب العناصر في تحريك الممثلين -  أو بمعني آخر – آلا نُبرز ما يُقال -  بل نبرز ما يحدث ، وخاصة مع كاتب مثل (هارولد بنتر) وهو كاتب شديد الغموض -  فما يقوله غالبا هو عكس ما يحدث -  او قد يتصل فقط بطريقة غير مباشرة بما يحدث .
س: مثلت فى مسرحيات وفى عدة أفلام -  فهل ساعدتك تجربة التمثيل في توثيق علاقتك بالممثلين ؟
كازان : من الواضح أن تجربتي في التمثيل قد ساعدتني فى عمل علاقة قوية بالممثلين ، وسأغالط نفسي إذا قلت إني لا أخاف الممثلين -  لكني لا أخاف من مطالبتهم ببعض الأشياء ، واعتقد أنهم يستطيعون إعطائي المزيد، وأصل معهم إلي عطاء المزيد ، واعتقد أن هذا شيء رائع حين تشاهده على الشاشة ، وان هذا أفضل من الحصول على مجرد وجه أو شريحة من سلوك بشري ولا يوافقني كثير من المخرجين -  وهم مخرجون مشهورين -  على هذا الرأي إطلاقا ، ويقولون :-  ( أنا لا أريدك أن تمثل) ألا تمدني بمثل هذا النوع من الممثلين السيئين (حشو الاستويوهات) – فأنا اختار الناس الذين يعملون معي أساسا على أنهم أناس خلاقين ومبدعين وحساسين بدرجة كافية ، ويحاولون أداء عمل جيد ، ولديهم نوع من الإلهام -  فالمرء لا يتعامل مع الممثلين كدمي -  بل يتعامل معهم كشعراء من نوع خاص .


عبد الغنى داوود