خواطر عامة حول فن التمثيل (1)

خواطر عامة حول فن التمثيل (1)

العدد 865 صدر بتاريخ 25مارس2024

إذا كان الإنسان هو أرقى مخلوقات الله، فإن الفنان هو أعلى درجات هذا المخلوق. فالله حين يمنحك موهبة ما فإنه يكلفك بدور يلخصه التعبير الإلهي الأعظم وهو (إعمار الأرض). وإذا كان التمثيل هو نوع من الفنون وعماده الأساسي هو الإنسان فعليك كممثل أن تؤمن إيماناً حقيقياً بمجموعة بديهيات، أولها أنك مخلوق لأداء رسالة ما بما منحك الله من موهبة. أي لا بد من أن تؤمن بأنك تؤدي عملاً قيماً يستلزم أن تؤديه بإتقان. والإتقان لن يتأتى إلا بتدريب مستمر.
 لا بد كذلك أن تؤمن بأن الفن، والتمثيل في القلب منه، هو نوع من اللعب. وكأي لعبة – مهما كانت بساطتها – الهدف منها هو الاستمتاع أولا. استمتاعك كلاعب سينعكس بالضرورة على استمتاع المشاهد الذي تقدم أمامه هذه اللعبة. فاعلم أن استمتاعك بما تقدم هو البوابة الأولى للإجادة. 
الأمر الثالث هو ضرورة إيمانك بأن لعبة التمثيل وكأي لعبة مهما كانت بساطتها لها قواعد أساسية، عليك أن تعرفها وتجيدها وتحترمها ثم تضيف عليها.
 التمثيل وفن التمثيل
التمثيل وفن التمثيل!! .. وهل هناك فارق بينهما؟ 
نعم هناك فارق. فالتمثيل الذي نقصده هنا هو (فن التمثيل) أما التمثيل (فقط) فذلك ما نمارسه في الحياة منذ خلقنا وحتى مماتنا ومن دون أن ندري. فالإنسان يمارس في حياته اليومية عشرات من الأدوار ولا يطغى دور منها على الآخر. و إن حدث وسيطر أحدها فهذا يعني أن هذا الشخص يحتاج إلى علاج نفسي يرده إلى التعدد. ولتفهم ذلك ببساطة انظر إلى ذاتك وحاول أن تحصي عدد الأدوار التى تمارسها في اليوم. أنت طالب (مثلا).. ولدور الطالب مواصفات ومتطلبات، غير تلك التى تركتها في البيت باعتبارك (ابن) مثلا.  وكلاهما يختلفان عن كونك صديق وكونك (زبون) في مطعم و.... و.... إلخ. فإذا تعاملت في المطعم (مثلا) بتفاصيل كونك (ابن) فذلك خلط يعرضك لحرج شديد وربما يؤدي بك إلى مستشفى الأمراض العقلية. قس هذا المثال على أستاذ الجامعة الذي هو زوج وأب وابن ويلعب في فريق الكرة بالنادي و...و....و... وهكذا. ومع تعدد هذه الأدوار تبقى شخصيتك ذات ملامح خاصة لا تشبه أحدا. أنت تمارس أدواراً متعددة نعم، لكنه التعدد الذي يمكن اختصاره في (الكل في واحد). فلكل منا شخصيته المستقلة التي تصبغ أدوارنا بألوانها الخاصة.
إذن المقصود بالتمثيل هو تعدد أدوار الإنسان الواحد في حياته. وهو ما لا يد له فيه فأنت أب لأنك أب وأنت ابن لأنك ابن وأنت جد لأنك جد وأستاذ لأنك كذلك وزوج ولاعب و...و.... وفي كال هذه الأدوار أنت لا تتعمد أن تؤديها بل هي تكون لحظة تواجدك فيها. وهنا تحديدا يكمن الفارق بين (التمثيل) وبين فن التمثيل. فأول عنصر من عناصر فن التمثيل هو (التعمد) أو (القصدية).          

بديهيات ضرورية في الفن 
قلنا في السابق إن هناك ثلاث بديهيات تتعلق بالفن بشكل عام والتمثيل بشكل خاص وهي أولا: أن الفنان رسول محمل برسالة عبر ما يسمى الموهبة التي لم يمنحها الرب لكثيرين. وثانيا أن الهدف من الفن هو المتعة أولا، متعة المؤدي ومتعة المتلقي. وثالثا أن فن التمثيل ككل الفنون هو لعبة لن تتقنها بموهبتك فقط.
  والآن تعالوا نفسر أكثر هذه البديهيات الثلاثة لنكتشف المعنى الحقيقي لها.

 البديهية الأولى: الإيمان بأنك رسول.
 بمعنى أنك حامل لرسالة عليك أن تؤديها إلى صاحبها بأمانة وإتقان. وإذا لم تؤمن بهذا إيمانا حقيقيا فأنت على الأكثر لست إلا أداة أو ربوت تلقي بكلمات كتبها آخر وشكلّها آخر دون أن تعي معنى هذه الكلمات وأثرها وخطورتها. ومن ثم عليك أن تقول لنفسك وفي نفسك دوما (أنا رسول) ولك أن تتخيل مدى المسئولية التي ستشعر بها وبالتالي مدى حرصك على أن تكون فاهماً متقناً. وهو ما لن يأتي إلا بالحرص على التعلم والفهم والتدريب المستمر. 

البديهية الثانية هي الاستمتاع.
 وهنا لا بد أن تعي بل وتؤمن بأن الهدف الأول من أي فن هو المتعة. متعة المؤدي قبل أن تكون متعة للمتلقي. بل إن متعة المتلقي بوابته الأولى هي متعة المؤدي. لذلك أنصحك وأنت في بداية الطريق بألا تقدم دورا أو تشارك في عمل لم تشعر تجاهه بالمتعة. استمتع أولاً بما تقدم لتكون ممتعا للآخر. 

أما البديهية الثالثة فتخص العلاقة بين الموهبة والتدريب.
 أنت موهوب، هكذا ترى نفسك أو هكذا يراك الآخرون. جميل، لكن اعلم أن الموهبة كما النبتة إن لم ترعها يوميا – وأكرر- يوميا، ستصحو يوما وتكتشف أنها ذبلت أو ماتت. ورعاية الموهبة المقصود بها هنا هو التدريب اليومي. اعرف قواعد لعبتك واحرص على التدرب عليها يوميا، نعم يوميا. وهو أمر يخص كل فن بل كل مهنة. ولك أن تتخيل أن لاعب كرة قدم – ميسي على سبيل المثال - ذلك الموهوب موهبة طاغية بشهادتك وبشهادة كل من يشاهده قد اكتفى بموهبته ولم يتدرب عليها يوميا؟ تخيل مثلا رمزي يسى – عازف البيانو المصري العالمي – وقد اكتفى بموهبته ولم يتدرب يوميا على العزف، كيف ستصبح موهبته بعد كثير أو قليل من وقت؟ كيف ستكون مرونة أصابعه؟ وهكذا. 
إذن احرص على تدريب أدواتك كممثل يوميا. ولا تكتفِ بالتدريب قبيل العرض الذي سيعرض عليك. ضع في ذهنك أن موهبتك هي نبتة تحرص على أن تظل دوما زاهية مخضرة. 

أهم تدريبات الممثل
والآن ما هي التدريبات التي يجب على الممثل أن يؤديها لتظل نبتة موهبته زاهية؟ 
هناك عدد كبير من التدريبات، منها ما يخص أدواتك الخارجية ومنها ما يخص أدواتك الداخلية . فالممثل- كما لا بد تعلمون - يمتلك نوعين من الأدوات، داخلية وخارجية. داخلية تخص الشعور والخيال والأحاسيس. وخارجية تخص الحركة والصوت. وهناك نوعان من التدريبات، نوع يؤديه الممثل منفردا، في البيت وفي الشارع، مستلقيا أو واقفا.
 وهناك تدريبات يجب أن يقوم بها وسط جماعة. وهي تدريبات تختلف من مدرب إلى آخر. وليس هناك تفضيل بينهم. فهي طرق متعددة للوصول إلى اكتمال قدرة الممثل (الممثلين) على الأداء. ولعلك سمعت أو قرأت عما يسمى (مناهج التمثيل) والمقصود بها طرق الوصول إلى الهدف، الذي هو المقدرة العالية في أن يكون جسد الممثل وروحه طائعين.
لكن أيضا وقبل الحديث عن هذه التدريبات التي أسميها أساسية. أرى أن من واجبي أن أخبرك بشيء أكثر عمومية ومهم للغاية. ألا وهو الثقافة العامة. فلا يمكن أبدا أبدا تخيل ممثل – ممثل حقيقي – لا يقرأ الرواية لا يقرأ الشعر لا يسمع الموسيقى لا يزور معارض الفن التشكيلي ويعلم أساسياته ورواده من القدماء والمعاصرين.
هنا أنا لا أريدك متخصصا في الرواية ولا الشعر ولا الموسيقى ولا ولا.. لكنني أريدك متذوقاً لها، فاهماً لأساسياتها. فهذه الفنون وغيرها من علوم الاجتماع والنفس والتاريخ و.. و.. هي رصيدك من المعرفة التي ستجعلك أكثر قدرة على الفهم، فهم دورك وفهم العمل الذي تشارك فيه. وهي مخزون حصالتك أو خزنتك أو هارد ديسك الكومبيوتر الخاص بك الذي كلما منحته مزيدا من المعلومات والإحصاءات سيكون من السهل عليه أن يمنحك المعلومة التي تريد بأكثر دقة. وهنا لا بد أن تتذكر مرة أخرى ودائما أنك (رسول) فاحرص على أن تكون على قدر هذه الصفة. 

يتبع


محمد الروبي