جولة فى مسارح العالم

جولة فى مسارح العالم

العدد 647 صدر بتاريخ 20يناير2020

 عندما يفتح مسرح ابوابه فهو خبر يسعد عشاق المسرح وعشاق الثقافة  بوجه عام. وعندما يغلق مسرح ابوابه فهو امر يحزنهم. وكانت الولايات المتحدة على موعد مع حدث مسرحى سعيد واخر حزين فى وقت واحد.
اما الحدث السعيد فكان من نصيب بيكلى المدينة الرئيسية فى مقاطعة راليغ بولاية وست فرجينبا التى تصنف كاحدى ولايات الوسط  الامريكى.
تكونت فى المدينة جمعية  اهلية غير ربحية  من بعض المثقفين ورجال الاعمال والشخصيات العامة وغيرهم. وتهدف الجمعية  التى تحمل اسم “جنوب وست فرجينيا” باعتبار ان المدينة تقع جنوب الولاية  الى دعم الثقافة بكل اشكالها وفى مقدمتها المسرح وتحويل المدينة الى مركز ثقافى للولاية ولولايات الوسط الامريكى بما يساهم فى دعم اقتصادها. كما تسعى الجمعية الى الكشف عن المواهب الفنية بين ابناء الولاية واتاحة الفرصة لها  وتم التركيز على المسرح بالذات  لوجود عدد من المسارح العريقة فى المدينة. وحتى الان وبعد 18 شهرا من تاسيسها نجحت الجمعية او الرابطة فى تقديم عدد من المسرحيات على مسارح الولاية. وحققت كلها نجاحا كبيرا ساعد على دعم اقتصاد المدينة من خلال توفير فرص عمل مباشرة فى المسرحيات وعوائد المسرحيات فضلا عن الفرص غير المباشرة التى تحقق الدخل للفنادق والمطاعم وغيرها من المنشات السياحية. وقد نشات بالفعل مشروعات صغيرة ومتوسطة حول مسارح المدينة لخدمة السائحين.
دكان الرعب الصغير
 كانت ابرز هذه المسرحيات  مسرحية “دكان الرعب الصغير” للكاتب المسرحى والشاعر الغنائى” هوارد لاشمان” الذى  توهجت موهبته فى سن صغيرة ورحل ايضا فى سن صغيرة تتجاوز الاربعين بقليل عام 1991.
وتدور احداث المسرحية التى كتبها لاشمان عام 1983 حول سيمور صاحب محل الزهور الذى يكتشف وجود زهرة غريبة فى محله وشرهة تلتهم كل من يقترب منها. ويخوض سيمور ومساعده فى المحل اودرى صراعا ضد الزهرة الغريبة بعد اكتشاف انها تشكل خطرا على البشرية باسرها ويكون ذلك محور المسرحية الموسيقية الغنائية التى تعد من كلاسيكيات المسرح الامريكى. وقد سبق عرض المسرحية عدة مرات وفازت بعدة جوائز فى حياة مؤلفها وبعد وفاته وتحولت الى فيلم.
ويؤخذ على الجمعية انها تعرض احيانا مسرحيات لا تتفق مع تقاليد المجتمع  المحافظ فى الولاية . من هذه المسرحيات “هيد ويج والجزيرة الغاضبة” للكاتب المسرحى الامريكى جون كاميرون . وكانت المسرحية تدور مشاكل المتحولين جنسيا فى الولايات المتحدة. وتم تعديلها لتدور احداثها فى المانيا الشرقية سابقا من خلال فرقة موسيقية من المتحولين  فى العهد الشيوعى لتهدئة غضب المحافظين فى الولاية، لكن معظمهم رفضها رغم الاقبال المتوسط على مشاهدتها.
وتسعى الجمعية حاليا الى جمع تبرعات لانشاء مسرح كبير لاستضافة العروض الكبرى التى تعجز عن استضافتها المسارح الموجودة حاليا دون تعديلات فى العروض تؤثر على جودة العرض.
كما تسعى الجمعية الى تقديم عروض من ابداع مؤلفين من ابناء الولاية. وستقدم قريبا مسرحية باسم “المفاجأة”.  
 ويقول احد مؤسسى الجمعية وهو مارك داى المدعى العام للولاية انها تراعى الجانب الاقتصادى فى عملها وتسعى الى ان تحقق عروضها ارباحا يعاد تدويرها بعد ذلك فى نشاط الجمعية. فهى  ليست مؤسسة ربحية، لكن الخسائر امر يثير القلق ويحد من قدرتها على اداء رسالتها. وعادة ما تحاول توفير النفقات عن طريق المتطوعين وحقوق العرض التى تلتهم نحو ربع تكاليف العروض فى المتوسط. ولحسن الحظ يتجاوب معها اصحاب الامتياز فى اغلب الاحوال. وقد تنازل ورثة الاديب الراحل ارثر ميلر (1915-2005) عن حقوق الامتياز لمسرحية مأخوذة عن قصته “وفاة بائع متجول” تقديرا لدور الجمعية الثقافى والفنى.
شكسبيرالامريكى
وكما اسعد انشاء جمعية غير ربحية عشاق المسرح فى الولايات المتحدة،احزنهم كذلك  ان يغلق مسرح ابوابه . ويزيد من احزانهم ان يكون ذلك بسبب حريق متعمد. ويحزنهم اكثر واكثر ان يكون ذلك المسرح مسرحا تاريخيا يعد من ملامح الحياة الثقافية فى ولاية كونكتكت وفى الولايات المتحدة باسرها.
انه مسرح” شكسبير الامريكى” فى ستراتفورد رغم انه مغلق منذ عام 2005 بسبب حاجته الى الترميم.   تم اضرام النار فيه بواسطة ثلاثة من المراهقين المنحرفين المرضى نفسيا  الذين اضرموا النار فى ست  من المبانى العامة بعدد من مدن الولاية. وكان اولها  المسرح حيث تمكنت الشرطة من الايقاع بهم بمساعدة شهود العيان ومواد بثوها على مواقع التواصل الاجتماعى لتبدا محاكمتهم بعد ايام.
ويعود بناء المسرح الى 65 سنة مضت فى عام 1955 حيث اقيم على نفس طراز مسرح جلوب الشهير فى لندن  الذى احترق عام 1613.   
وشهد المسرح عددا كبيرا من العروض المسرحية العالمية والامريكية ووقف على خشبته عدد كبير من مشاهير الممثلين مثل الامريكية ذات الاصول السويدية اودرى هيبورن والممثل الكندى كريستوفر بلومر بطل فيلم صوت الموسيقى والممثل الامريكى الزنجى جيمس ايرل جونز.
تم اغلاق المسرح ومنع العروض به واقتصاره على البروفات عام 2005 لحاجته الى الترميمات. ووضعت عدة خطط لترميمه لم تخرج الى حيز الوجود حتى تم اغلاقه تماما بعد تدهور حالته فى 2017.
مسرحية بريطانية على مسرح امريكى
ونعرض  اليوم مسرحية اخرى من المسرحيات التى صنفتها الجارديان كواحدة من افضل 50 مسرحية بريطانية فى العشرين سنة الاخيرة. هذا رغم انها  عرضت فى الولايات المتحدة على احد مسارح مانهاتن على الجانب الاخر من الاطلنطى. ولم تعرض حتى فى برودواى عاصمة المسرح الامريكى. وكانت للجارديان مبرراتها.
واول هذه المبررات ان المسرحية وهى “تيرا فيرما” من عيون الادب المسرحى البريطانى للكاتبة والمؤرخة باربرا هاموند (1873 – 1961). وتيرا فيرما تعبير لاتينى معروف يعنى الارض الصلبة.
وتدور المسرحية فى مملكة افتراضية صغيرة للغاية  تسعى الملكة فيها الى كتابة دستور  للمملكة التى لايزيد عدد سكانها عن اصابع اليدين كما جاء فى المسرحية بدلا من الاعتماد على قواعد متعارف عليها (الدستور البريطانى غير مكتوب). وفى سبيل ذلك تلتقى برعاياها  وتوجه اليهم سؤالا محددا...ماهى الامة وماهى القيم التى يجب ان تتبناها وتدور الاحداث بطريقة مسرحية جذابة وساخرة  نالت اعجاب النقاد.
وقد عرضت المسرحية فى بريطانيا عدة مرات بفرق مسرحية مختلفة وتحولت الى مسلسل تليفزيونى. لكن الاهتمام بها تلاشى تماما مع بدء القرن 21. لذلك لم يكن غريبا ان تهتم الجريدة البريطانية بالعرض الامريكى باعتبار انه يسعى لاحياء عمل من عيون الادب المسرحى البريطانى.
رؤية جديدة
ويقول ناقد الجارديان ان هناك سببا اخر وهو الرؤية الجديدة والمبتكرة التى عرضت بها المسرحية. قدمت المسرحية فرقة حديثة  اسمها Coop. وهذه الفرقة متخصصة فى تقديم الاعمال الكلاسيكية بشكل تجريبى مختصر وليس بشكلها الاصلى. شكل هذه الفرقة الثنائى كيت هاميل واندروز نيكولز. والاولى ممثلة وكاتبة مسرحية معروفة تخصصت فى المعالجة التجريبية للنصوص الكلاسيكية وهى التى كتبت المعالجة المسرحية لتيرا فيرما. والثانية ممثلة ومخرجة مسرحية وتشارك فى كتابة النصوص احيانا.  وهى مخرجة المسرحية وقامت فيها بدور الملكة.
وكانت الاثنتان ضمن اعضاء فرقة متخصصة فى عرض الاعمال الكلاسيكية تعرف باسم بيدلام. لكنهما فضلتا الاستقالة وتكوين فرقة خاصة بهما للتعبير عن  رؤيتهما المسرحية بشكل افضل واكثر حرية .  وضحت الاثنتان بمعظم مدخراتهما لتأسيس الفرقة الذى تكلف مع بعض التبرعات نحو مليون دولار.


ترجمة هشام عبد الرءوف