جائزة أبو القاسم الشابي للنص المسرحي.. لنص «اثنان في العتمة واحد في..» العراقية عواطف نعيم

جائزة أبو القاسم الشابي للنص المسرحي.. لنص «اثنان في العتمة واحد في..» العراقية عواطف نعيم

العدد 653 صدر بتاريخ 2مارس2020

حينما تصر جائزة «أبو القاسم الشابي» علي أن تخصص دورتها الأخيرة للنص المسرحي المكتوب باللغة العربية الفصحي وتضع ضمن شروطها الأساسية الا يكون مقتبسا ولا مترجما ولا مكتوبا بالأساليب التجريبية الحديثة كتوصيف الحركة علي المسرح أو التركيب الالي للكتابة المسرحية وأن يكون قابلا في المستقبل للعرض علي خشبة المسرح فأنها بذلك تمنح قبلة الحياة للنص المسرحي العربي الذي يعتد بالفصحي ويري فيها أهمية قصوي للوجود في المستقبل، كما أنها تري أهميته كجزء مهم وأساسي من العرض المسرحي وهي مسألة ضرورية للغاية وترد علي كثير من النصوص العربية التي إهتمت بالنص علي حساب العرض وأعتبرته غاية في حد ذاته، أو تلك التي تجهل أهمية خشبة المسرح والطموح الجمالي المستقبلي للنص كجزء أصيل فاعل من العرض المسرحي المزمع تقديمه، كما أن تلك المنهجية تنظر لتاريخ كتابة الخشبة الذي إنتهجه كثير من المسرحيين بالوطن العربي وتسائلهم ضمنا ماذا تبقي لنا من تلك الكتابة حتي نحتفل به ونبقي عليه في المستقبل ؟ طبعا في هذة الجزئية الأخيرة خلاف كبير في وجهات النظر بين مؤيد ومعارض فمنذ ستينات القرن الماضي وهذا الخلاف يتسع ويتشعب ويندفع للدخول في معاركه كثير من المؤلفين والمخرجين والنقاد
وبطريقة أخري تلك المنهجية التي إتبعتها أمانة الجائزة التي يشرف عليها الكاتب التونسي الكبير «عز الدين المدني» بمساعدة القصاص والمترجم «ساسي حمام» ترجو أن يأخذ الكتاب المخضرمين والجدد علي حد سواء مسألة الكتابة باللغة العربية الفصحي كضرورة جمالية وطريقة تفكير يمكن لها أن تعيد بهاء اللغة الذي أهمل لسنوات طويلة حيث إعتني الكثير منهم باللهجات العامية الدارجة عملا بوعي أنها لغة (الأن وهنا) متناسين أن هناك الفاظ في كل لهجة تحتاج للكثير كي يفهمها أبناء اللغة الأم، ونري كثير منهم وهم يدافعون عن العامية كونها طريقة تفكير وفعل في المجتمعات لا يمكن إغفال أهميتها
البداية
في شهر يناير الماضي وبالتحديد يوم الجمعة 17 بفندق (أفريكا) أعلنت في العاصمة التونسية جائزة «أبو القاسم الشابي» التي خصصت هذا العام للنص المسرحي المكتوب باللغة العربية الفصحي وذلك في حضور وزير الشئون الثقافية «محمد بن زين العابدين» و «محمد الحبيب بن سعد» المدير العام للبنك التونسي ورئيس الجائزة الكاتب والناقد «عز الدين المدني» حيث حصلت مسرحية (أثنان في العتمة واحد ف ...) للكاتبة والممثلة والمخرجة العراقية «عواطف نعيم» علي جائزة المسابقة متفوقة بنصها علي 39 مسرحية تقدمت للتسابق من معظم البلدان العربية حيث كانت هناك نصوص من البلدان الاتية (الجزائر – المغرب – مصر – سوريا – العراق – قطر – سلطنة عمان – الأردن- تونس) وللتذكير فأن جائزة «أبو القاسم الشابي» قد أنشأت عام 1984 وهي تابعة للبنك التونسي وتشرف عليها وزارة الشئون الثقافية التونسية وتمنح جائزة سنوية في أحد مجالات الأدب (قصة – شعر – رواية – مسرح – دراسات نقدية) وسميت بأسم الشاعر التونسي تكريما له، وقد تأسست الجائزة من طرف الرئيس السابق للبنك التونسي «أبوبكر مبروك» و»أحمد عبد السلام» المؤرخ والمؤسس للجامعة التونسية و «الطاهر قيقة» الكاتب والباحث والخبير لدي اليونسكو و «عزالدين المدني» الكاتب والرئيس السابق للمهرجانات الدولية في وزارة الشئون الثقافية
وقد تكونت لجنة تحكيم الجائزة لهذا العام من الناقد والباحث المغربي «عبدالرحمن بن زيدان» والمخرج المصري «أحمد إسماعيل» والباحثة التونسية الدكتورة «نور الهدي باديس» والباحث والناقد الادبي التونسي «مبروك المناعي» والمخرج المسرحي التونسي «حافظ خليفة»
عن نص عواطف نعيم الذي نال جائزة هذا العام
كفاءة الصورة تصنع الدهشة
في البداية نذكر أن فوز نص عواطف نعيم لم يكن سهلا إذ كانت هناك نصوص قوية لا تقل أهمية عن النص الفائز مثل نص (الروهة) للكاتب التونسي «عبدالحليم المسعودي» ومسرحية (من قتل حمزة) لكل من «مفلح العدوان» من الأردن و «بوكثير دوما» من تونس ومسرحية (عزف اليمام) لكاتب السعودي «ياسر مدخلي» ومسرحية (هوجة عرابي وخيانة الولس) للكاتب المصري عبد الغني داود ومسرحية (العودة الي الشرنقة) للكاتبة المصرية «نهي صبحي»
تناولت دكتورة «عواطف نعيم» في مسرحيتها فكرة الإرهاب المجاني الذي يحيط بالمجتمعات العربية والذي يجعل مواطنوها دائما موضع التسائل في المطارات والمدن الغربية حيث عادة ما تلصق التهم لهؤلاء العرب من قبل حتي التفتيش عن أصل الفاعل وماذا وراءه فالتهم توجة أولا لأي عربي موجود في محيط الحادث ثم يتم بعدها التحقيق سواء كان دقيقا أو مفبركا، والكاتبة لا تناقش الغرب في إتهاماتهم بقدر ما تفتش في نوايا وخصوصيات هؤلاء العرب الذين تجمعوا صدفة علي وقع خبر يقول بأن هناك إشتباة في وجود إرهابي يحيط خصره بحزام ناسف، فمن خلال خبر صغير تذيعه شاشة التلفاز بأحد محطات المترو تبدأ المناوشات بين مجموعة من العرب تجمعوا صدفة والعجيب أن الكاتبة هنا تسمي شخصات مسرحيتها كل ببلده مثل (المصري – السورية – البريطانية – العراقي الاول – العراقي الثاني – التونسي – المغربي) ومن ثم يحمل كل منهم بعض سمات شخصية دالة فمثلا تجد العراقيان هاربان من قتل مجاني وأرث دموي لايعرف هدنة أبدا بينما السورية هاربة من الانتهاك العشوائي لها ولأهل بلدها وكذا التونسي هارب من إتهام مجاني بالارهاب المتعمد والبريطانية هاربة من بلدها المستهدف دائما بالارهاب والمصري هارب من أفكار وتصرفات مغلوطة أحيط بها بينما الارهابي الوحيد وياللعجب مغربي أصر أن يتعامل بأنانية شديدة ويفوز بالدولارات علي حساب الرضا بالقتل المتعمد لأناس لا تربطه بهم أي صلة فهو يساعد الارهاب ويهرب الأموال لتمويل مشاريعهم المستقبلية
وتطور الحدث في النص مرهون هنا بالتداعي الحر ففي كل مشهد جديد نجد أنفسنا أمام عراك عشوائي أو إتهام مجاني من أحدهم للأخر فلكل منهم شكوكه في الأخر الملتبس والذي تتبدي طلاسم شخصيته شيئا فشيئا، ولما لم يكن هناك حوار قوي يبني ولو حتي بطريقة مراوغة تدفع الفعل الدرامي نحو تحليل دقيق لأصل المشكلة وتراهن علي بيان بعض الحقائق المجتمعية التي إكتسبت من حروب الدول والمجتمعات فأننا عادة ما ننتظر المفاجأت والعراكات العشوائية التي لا تغوص في قلب المأساة بقدر الغوص في الانفس المريضة بغية الاحتفاء بدوائر التيمة الأساسية التي بنيت علي أساسها دعائم النص الدرامي، ففي كل مرة نحن نفتش في دواخل كل منهم لنري من هو الصوفي ومن هو الجلاد من الهارب الحقيقي ومن المتطرف الذي يدعم التدمير من الرهينة ومن الجلاد ومع تطور الموقف في المعارك العشوائية يصاب العراقي بسكين المغربي ولا يجد من ينقذه، مع نهاية الحدث نكتشف انهم محاطون كمجموعة بالجنود وطيارا الهوليكوبتر وبالشاشات الفاضحة التي تعيد الاحداث والمواقف فهؤلاء مراقبون من الأجهزة الأمنية أو أن كل ما سبق ما هو الا أضغاث أحلام كانت تراود شخصيات لم يتعرفوا بعد علي بعضهم البعض أثناء الإنتقال في الحافلات إنها علي حد تعبير الكاتبة (فوبيا مشتركة)
ظني أن تلك اللعبة الدرامية التي أبحرت بنا في عوالم متعددة كانت متكئة بالاساس علي الوعي الفارق بخشبات المسارح فالنص يستخدم كل طاقات الصورة ويحتفي بكفائتها ويراهن علي دورها الكبير في الصناعة الدرامية فكل شئ هنا مرهون بالصورة حتي المراهنة الدرامية التي تبني وتهدم في صميم القضية وفي تطورها ترمي الي كفاءة الصورة في صناعة الدهشة، فحتي لو لم تقتنع بالتركيب الدرامي للشخصيات والبناء حتما ستأخذك الصورة لعالم يرسم أمامك بوعي وقدرة علي التطوير


أحمـد خميس